السؤال: ما حكم قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فهذه المسألة التي طرحها أخونا الكريم، هي من المسائل المهمة التي يكثر السؤال عنها، وهي لا ترتبط بموسم؛ لأنها في كل صلوات السنة، يسأل الناس عن حكم قراءة المأموم في الصلاة الجهرية خلف الإمام، هل يجب عليه أن يقرأ الفاتحة؟
أم يجب عليه الإنصات؟
وهذه المسألة للعلماء فيها قولان في الجملة، وإن كان هناك قول ثالث، لكنه يرجع إلى أحد هذين القولين.
القول الأول: أن قراءة الفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها.
وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله، وقد استند في هذا إلى ما جاء في "الصحيحين" في حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» صحيح البخاري: باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، حديث رقم (756)
وهذا النص عام، يشمل الصلاة المفروضة، والصلاة المتنفل بها، يشمل الصلاة منفردًا، ويشمل الصلاة في جماعة، يشمل الإمام والمأموم، وبالتالي لا يصح أن تخلو صلاة المسلم عن قراءة الفاتحة، ولو كان ذلك مؤديًا إلى أن يخرج عن الإنصات للإمام، اشتغالًا بقراءة الفاتحة.
أيضًا استدلوا بحديث آخر رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج» مسند أحمد مخرجًا: مسند أبي هريرة رضي الله عنه، حديث رقم (7291) كررها ثلاثًا صلى الله عليه وسلم، ومعنى خداج، أي أنها ناقصة، فاسدة، وبالتالي قالوا: لابد للمأموم أن يقرأ مع إمامه، ولو كان ذلك في الجهرية.
القول الثاني: وهو قول جماهير علماء الأمة، ومذهب الحنفية، وكذلك المالكية، والحنابلة، وهو قول عند الشافعية، أن الإمام قراءته تكفى في الجهرية عن قراءة المأموم.
وبالتالي لا يحتاج المأموم أن يقرأ القرآن في وقت قراءة الإمام في الجهرية، استنادًا إلى قول الله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة: الأعراف، الآية (204) وجاء هذا فيما رواه مسلم، من حديث أبي موسي، في بعض روايات الحديث قال: «وإذا قرأ فأنصتوا» صحيح مسلم: باب التشهد في الصلاة، حديث رقم (63-(404)).
وقد جاء في مسند الإمام أحمد، وفي السنن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ أنصتوا» مسند أحمد حديث رقم (9438) وهذا يدل على وجوب الإنصات.
كذلك وقعت حادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة جهر بها بالقراءة، ثم لما فرغ قال:«هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟»، فقال رجل: نعم، يا رسول الله، قال: «إني أقول مالي أنازع القرآن؟» سنن أبي داود: باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام، حديث رقم (826) والحديث في مسند في الإمام أحمد، وفي السنن، وإسناده جيد.
وهو دالٌ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم، ولم يكن قد وجههم بوجوب القراءة مع إمامٍ، بل أنكر ذلك، وجعل قراءة المأموم في حال قراءة إمامه منازعة له، ولهذا انتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة.
هكذا قال أبو هريرة رضي الله عنه.
وقيل: أن هذا من قول الزهري، ولا يضر سواءً أكان من قول أبي هريرة، أو من قول الزهري؛ لأن الزهري من أعلم الناس بالسنة، وهذا أمر ظاهر لا يخفى، وبالتالي فإن هذا القول يعد في الحقيقة أقرب إلى الصواب؛ لأنه خاصٌ في القضية ذاتها.
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» صحيح البخاري: باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، حديث رقم (756 عام، وقوله: «وإذا قرأ فأنصتوا» صحيح مسلم: باب التشهد في الصلاة، حديث رقم (63-(404)) هذا خاص في حال سماع المأموم قراءة الإمام، وبالتالي نقول هذه النصوص الخاصة تقضي على ذلك العموم، وبالتالي فإن المأموم لا يجب عليه أن يقرأ حال قراءة إمامه.
هذا هو النتيجة التي تجتمع بها الأحاديث، فيكون ما في حديث عبادة وحديث أبي هريرة محمولًا على ما إذا كان في غير قراءة الإمام، أما إذا قرأ الإمام فإن قراءة الإمام لك قراءة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا قرأ فأنصتوا» صحيح مسلم: باب التشهد في الصلاة، حديث رقم (63-(404))
أرجو أن يكون هذا قد وضع بعض التوضيح حول هذه المسألة، أسأل الله لي ولكم البصيرة، والفقه في الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.