السؤال: ما هي مسافة السفر؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فأهلًا وسهلًا، مرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، أهلًا بأخي السائل مسألتك مسألة تهم كثيرين، ذاك أن السفر اليوم أصبح سمة عامة للناس جميعًا، بل لغالب الناس حتى نكون أكثر دقة، فالناس يسافرون ويحتاجون إلي معرفه أثر هذا السفر في عباداتهم، في الأحكام الشرعية المتعلقة بطاعتهم، ومن ذلك أثر السفر في حكم الصلاة من حيث مسافتها، ما هي المسافة التي يجوز للمسلم أن يقصر الصلاة فيها؟، هذا هو السؤال الذي طرحه أخونا.
والجواب عليه أن السفر رخصه، قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} سورة: آل عمران، الآية (101) وهذه الآية محكمة تثبت الرخصة في السفر، والرخصة هي قصر الصلاة وذاك أن الله تعالى أذن فيها للمسافرين، إذا ضربوا في الأرض أن يقصروا من الصلاة.
لكن ينبغي أن يُعلم أن القصر لا يكون إلا عند الشروع في السفر، فما هي المسافة التي تبيح القصر؟، العلماء لهم في هذا أقوال، منهم من قال إن السفر الذي يبيح القصر هو ما كان مسيرة يومٍ وليلة، ومنهم من قال ما كان مسيرة ثلاثة أيام، ومنهم من قال ما كان مسيرة أربعة بُرُد، ومنهم من قال ما كان سفرًا في العُرف، ومنهم من قال ما كان ثلاثة فراسخ، وقِيل غير ذلك من الأقوال.
وتتبع هذه الأقوال وذكرها قد يشوش، لكن الفائدة من هذا العرض هو بيان أن المسافة التي تبيح القصر اختلف العلماء في تحديدها، والمقصود بالمسافة التي تبيح القصر، أي ما هو القدر الذي إذا سافرة الإنسان جاز له القصر، هل هو مسافة يوم وليلة، مسافة ثلاثة أيام، مسافة أربعة بُرد.
كل هذه التقديرات مبنية على نصوص، لاسيما فيما يتعلق بيوم وليلة، فيما يتعلق بسفر ثلاثة أيام، جاء في ذلك أحاديث استند إليها العلماء في تحديد مسافة القصر، لكن فيما يتعلق بأربعة بُرد، جاء فيها حديث ضعيف، وهو منقول عن عبد الله بن عمر، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، في تحديد المسافة بهذا القدر.
كثير من الناس لا يعرف ما هي البرد، ولا يعرف ما المقصود بمسيرة يوم وليلة، اليوم تصل إلي أقصي الدنيا بمسيرة يوم وليلة، أو بما هو أكثر من ذلك قليلًا، أو أقل قليلًا، لكن المقصود بذلك السير في الزمن السابق، لما كانوا يستعملون الإبل في تنقلاتهم وفي سفرهم، فهو المقياس الذي يقاس به اليوم والليلة، وتقاس به المسافات في ذلك الزمان.
اليوم السفر يقاس بالكيلومترات وبالأميال، فما يتعلق بالكيلومترات أقل تقدير ورد على حسب أربعه بُرد، هو واحدًا وثمانين كيلو متر، وأقصى ما ورد هو مائة وعشرون كيلومتر، هذه المسافة التي عدها من يرد تحديد مسافة هذا القصر، وهناك من يرى أقل من ذلك، الذي يرى أنه ثلاثة فراسخ، الذي يرى أنه ثلاثة أميال، كل هؤلاء تقل المسافة التي يجوز بها القصر.
المسافة التي تجيز القصر هو كل ما كان في العرف سفرًا، وبالتالي ما عده الناس سفراً طالت مسافته، أو قصرت مسافته، فهو سفر، ذاك أن الناس يختلفون في تقدير السفر، وقد يختلف باختلاف وسيلة النقل، يختلف باختلاف سهولة الطريق، يختلف باختلاف الأمن وغير ذلك، هناك معايير مختلفة، لكن في النهاية الناس يتفقون على معاني معينة، يعدون هذه المسافة سفرًا، ولا يعدون هذه المسافة سفرًا.
وفي جملة السفر عندما يشتبه يمكن أن نرجع فيه إلى المعنى اللغوي، وهو ما باين مكان الإقامة، فالسفر هو سَفَرَ، أبان وظهر، وبالتالي كل ما ظهر، وبان، وخرج، وانفصل عن مكان الإقامة، فهو سفر في حل الاشتباه، ولذلك ورد أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقصر في ثلاثة أميال، أو في ثلاثة فراسخ كما في حديث أنس، فليس هناك تقدير دقيق للمسافة، إنما التقدير يعود إلى عرف الناس، وما عده سفرًا، في حال الافتراض يرجع في معرفة السفر إلى اللغة
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.