×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة: بني الإسلام على خمس.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:11962

إِنَّ الحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهُ إِلَّا اللهُ، إِلَهَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَجاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ في تَحْقِيقِ مَرْضاتِهِ بِامْتِثالِ أَمْرِهِ، وَتَرْكِ ما نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحِينَ يا رَبَّ العالمينَ.

رَوَىَ الِإمامُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - َرضِيَ اللهُ عَنْهُما - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قالَ: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا«البخاري(8), ومسلم(16).

هَكَذا يُبَيِّنُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - الدَّعائِمَ الَّتي يُبْنَى عَلَيْها هَذا الدِّينُ، الأَرْكانُ الَّتي يَقُومُ بِها بِناءُ الإِسْلامِ، الأُسُسُ الَّتي لا يِصِحُّ إِسْلامُ أَحَدٌ إِلاَّ بِتَحْقِيقِها، وَهِيَ جامِعَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، بِها يَصْلُحُ مَعاشُ النَّاسِ وَدُنْياهُمْ، وَبِها تَصْلُحُ آخِرَتُهُمْ وَيَطِيبُ مُنْقَلَبُهُمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الأَرْكانَ هِيَ عُنْوانُ السَّعادَةِ:

فالرُّكْنُ الأَوَّلُ: شَهادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، بِهِ يَتَحَقَّقُ طِيبُ الجَوْهِرِ، بِهِ يَصْلُحُ القَلْبُ، بِهِ يَطِيبُ الباطِنُ، بِهِ يَسْتَقِيمُ ما في فُؤادِكَ، وَما في صَدْرِكَ، فَإِنَّهُ لا سَكَنَ لِلقُلُوبِ، وَلا طُمَأْنِينَةَ، وَلا ابْتِهاجَ، وَلا سُرُورَ إِلَّا بِتَحْقِيقِ هَذِهِ الشَّهادَةِ؛ شَهادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ يَنْطِقُ بِها اللِّسانُ فيََطِيبُ القَوُلُ، فَيَجْتَمِعُ طِيبُ الجَوْهِرِ وَطِيبُ الظَّاهِرِ قَوْلًا.

وَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةٌ مِنَ الأَعْمالِ رَأْسُها الصَّلاةُ: الَّتي هِيَ حَقٌّ اللهِ تَعالَى، فَالصَّلاةُ هِيَ أَوَّلُ حُقُوقِهِ بَعْدَ الإِيمانِ؛ فَإِنَّهُ لا صَلاحَ لِلنَّاسِ إِلَّا بِإِقامَةِ الصَّلاةِ، وَالإتْيانِ بِها عَلَى الوَجْهِ الَّذي يَرْضَى اللهُ تَعالَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّامريم:59 ، فَكُلُّ الغَيِّ، وَالشَّقاءِ، وَالبُؤْسِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ في تَرْكِ الصَّلاةِ، فَمَنْ تَرَكَها عَمِيَ، وَمَنْ أَضاعَها انْطَفَأَ نُورُ الهِدايَةِ في قَلْبِهِ، الصَّلاةُ نُورُ، وَلَكَ مِنَ النُّورِ بِقَدْرِ مُحافَظَتِكَ وَإِقامَتِكَ لَهِذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ العِبادَةِ.

وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، هَذا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ: الَّذِي بِهِ يَصْلُحُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ جاءَتْ بِإِصْلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ بِتَوْحِيدِهِ وَحُسْنِ الصِّلَةِ بِهِ، وَدوَامَ مُناجاتِهِ، وَإِصْلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ بِأَعْمالِ مِنْها الزَّكاةُ وَهِيَ رَأْسَها، فالزَّكاةُ عُنْوانُ صَلاحِ ما بَيْنَ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ.

وَالزَّكاةُ حَقُّ فَرَضَهُ اللهُ تَعالَى في المالِ، ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاالتوبة:103  رَفَعَ اللهُ شَأْنَها، وَأَعْلَى مَكانَها، فَهِيَ قَرِينَةُ الصَّلاةِ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَذَكَرَ اللهُ تَعالَى الزَّكاةَ في قَرِيبٍ مِنْ ثَلاثِينَ مَوْضِعًا؛ في سَبْعَةٍ وَعِشْرينَ مَوْضِعًا قَرَنَها بِالصَّلاةِ؛ وَلِذَلِكَ قالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ، وَخَيْرُ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْمٍ امْتَنَعُوا مِنْ أَداءِ الزَّكاةِ بَعْدَ وَفاةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ»البُخارِيُّ(1399), وَمُسْلِمٌ(20)، فَالزَّكاةُ قَرِينَةُ الصَّلاةُ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ عُنْوانُ صَلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ، حَقَّها أَنْ يَعْرِفَ مَقامَها وَمَكانَتَها في هَذا الدِّينِ، فَإِنَّها رَفِيعَةُ المقامِ، كَبِيرَةُ الشَّأْنِ، وَلِذَلِكَ فَرَضَها اللهُ تَعالَى عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ خاصًّا بِهَذِهِ الأُمَّةِ، بَلِ الزَّكاةُ مَفْرُوضَةٌ عَلَىَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَعَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ.

وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ تَعالَى عَلَى بِذْلِها خَيْرًا في الدُّنْيا، «فمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»مسلم(2588)، وَخَيْرًا في الآخِرَةِ، فَالزَّكاةُ مِمَّا يَقِي الإِنْسانُ يَوْمَ القِيامَةِ مَصارِعَ السُّوءِ وَأَهْوالَ يَوْمَ القِيامَةِ، فـ«المرْءُ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يُقْضِىَ بَيْنَ الناَّسِ«مسندأحمد(17333) بِإِسْنادٍ صَحِيحٌ.

وَهِيَ صَلاحٌ أَيْضًا لِلمُجْتَمَعَ، وَتَكافُلِ فِيما بَيْنَهُ في سَدِّ حاجَةِ المعْوَزِينَ، وَقَضاءِ حاجاتِ المحْتاجِينَ، وَقَدْ فَرَضَها اللهُ تَعالَى فَرْضًا بَيِّنًا وَاضِحًا في كِتابِهِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْها فقالَ:  ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34  يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَالتوبة:34-35 ، وَهَذِهِ العُقُوبَةُ في حَقِّ كُلِّ مَنْ مَنَعَ ما فَرَضَ اللهُ تَعالَى عَلَيْهِ مِنَ الزَّكاةِ في مالِهِ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّوْمُ: وَهذا رابِعُ أَرْكانِ الإِسْلامِ الَّتي يُبْنَى عَلَيْها، وَهُوَ سَرٌّ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، بِهِ يَتَرَبَّى الإِنْسانُ عَلَى تمَامِ الإِخْلاصِ للهِ، فَالصَّائِمُ لا يَعْلَمُ حالَهُ وَلا يَطَّلِعُ عَلَى شُؤُونِهِ إِلَّا الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلا يَطَّلِعُ عَلَيْكَ إِلَّا اللهُ؛ وَلِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَذِهِ الفَرِيضَةِ في بَيانِ مِقْدارِها وَمَنْزِلَتِها في الحَدِيثِ الإِلَهِيِّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، وَهُوَ لَهُ لأَنَّهُ المطَّلِعُ عَلَيْهِ، العالِمُ بِالباعِثِ، وَالمقْصُودُ، وَالسِّرُّ، وَالإِعْلانُ، وَما يَخْفَى، وَما لا يُشاهِدُهُ النَّاسُ، «يَدَعُ طعامَه وشرابَه وشهوته من أَجْلِي، الصَّوْمُ لي وَأَنا أَجْزِي بهِ»البُخارِي(1904), وَمُسْلِمٌ(1151)، وَلَمْ يَقُدِّرُ اللهُ تَعالَى لَهُ أَجْرًا بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنا أَجْزِي بِهِ», فجَازَ أَجْرُ الصِّيامِ قانونَ التَّقْدِيرِ وَالحِسابِ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍالزمر:10 .

وَخامِسُ الأَرْكانِ الحَجُّ: وَهُوَ قَصْدُ بَيْتِ اللهِ الحَرامِ، طاعَةً للهِ وَتَعْظِيمًا لِما عَظَّمَهُ، فالحَجُّ لَيْسَ غَرَضُهُ وَلا قَصْدُهُ بُقْعَةً مِنَ البُقَعِ أَوْ تَعْظِيمَ مَكانٍ مِنَ الأَماكِنِ لا مَعْنَى لَهُ، إِنَّما هُوَ تَعْظِيمُ ما عَظَّمَهُ اللهُ؛ وَلِذَلِكَ لماَّ وَقَفَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الحَجَرِ وَقَبَّلَهُ قالَ: «إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقبِّلُكَ ما قبَّلْتُكَ»البُخارِيُّ(1597), وَمُسْلِمٌ(1270) وَهَذا إِشْعارٌ بِأَنَّ الأَعْمالَ المتَعَلِّقَةَ بِالحَجِّ قَدْ لا يُدْرِكُ الإِنْسانُ مَعْناها وَحِكْمَتَها عَلَى وَجْهِ التَّعْيينِ، لَكِنَّها لِحَكَمٍ مَقْصُودَةٍ، وَعِلَلٍ وَأَسْرارٍ قَدْ يُظْهِرُها اللهُ تَعالَى لِعِبادِهِ، وَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ بِهَذِهِ الأَفْعالِ يُطِيعُ رَبَّ العالمينَ، وَيُعَظِّمُ ما عَظَّمَهُ اللهُ تَعالَى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96  فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًاآل عمران:96-97 ، هَذِهِ خَمْسُ خِصالٍ تُمَيِّزُ بِها هَذا المقامَ وَهَذا المكانَ عَنْ سائِرِ بِقاعِ الدُّنْيا، بَعْدَ ذَلِكَ قالَ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاآل عمران:97 .

هَذا البَيْتُ الَّذِي امْتازَ بِهَذِهِ الخِصالِ هُوَ أَوَّلُ مَكانٍ عُبِدَ فِيهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في الأَرْضِ، وَفِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ وَمَقامٌ إِبْراهِيمَ، هُدَى لِلعالمينَ، مُبارَكًا، كُلُّ هَذِهِ السِّماتِ وَالخَصائِصِ الَّتِي ذَكَرَها اللهُ تَعالَى في هَذا البَيْتِ تَدْعُو إِلَى قَصْدِهِ، وَتَجْذِبُ القُلُوبَ إِلَيْهِ. وَلِذلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى البَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ يَقْصِدُونَهُ بَيْنَ فَتْرَةٍ وَأُخْرَى، يُقِيمُ اللهُ في قُلُوبِ عِبادِهِ ما يَحْمِلُهُمْ عَلَى قَصْدِهِ، وَالِإتْيانِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ تَعْظِيمًا لَهُ، وَامْتِثالًا لأَمْرِ مَنْ عَظَّمَهُ.

هَذِهِ هِيَ أَرْكانُ الإِسْلامِ؛ بِها يَصْلُحُ حالُ الإِنْسانِ، مَنْ أَضاعَها كانَ لما سِواها مِنَ الشَّرائِعِ أَضْيَعُ، وَمَنْ أَقامَها وَاجْتَهَدَ في إِحْسانِها وَالإِتْيانِ بِها عَلَى الوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعالَى كانَ ذَلِكَ عَوْنًا لَهُ عَلىَ إِصْلاحِ ما بَقِيَ.

أَعِنَّا يا رَبُّ عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، خُذْ بِنواصِينا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، أَحْيِنا مُسْلِمينَ، وَأَمِتْنا عَلَى التَّوْحِيدِ مُؤْمِنينَ يا رَبَّ العالمينَ، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتِغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

* * *

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى وَتَعَلَّمُوا مِنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ما تُحَقِّقُونَ بِهِ عُبُودِيَّتَهُ، تَعَلَّمُوا مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ما تَعْرِفُونَ بِهِ الرَّبَّ الَّذي تَعْبُدُونَ، وَالطَّرِيقَ الَّذِي يُوَصِّلُكُمْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ لِإنْسانٍ سَعادَةٌ في الدُّنْيا، وَلا فَوْزٌ في الآخِرَةِ إِلَّا بِتَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ أَرادَ السَّعادَةَ فَلْيَلْزَمْ طَرِيقَ العُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتَحْقِيقِ أَمْرِهِ، وَامْتِثالِ شَرْعِهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِذِكْرِهِ، وَإِقامَةِ حَقِّهِ.

وَإِنَّهُ قَدْ فَرَضَ اللهُ تَعالَى فَرائِضَ فَيْنَبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ حُدُودَها، فَفِي الصَّلاةِ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا كَما رَأَيْتُُمُونِي أُصَلِّي»البُخارِيُّ(628), وَمُسْلِمٌ(674)، فاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَلاتُكَ عَلَى النَّحْوِ الَّذي كانَ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالزَّكاةُ بَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في كِتابِهِ فَرَضَها، وَجاءَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ في بَيانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبيَّنَ الأَمْوالَ الَّتي تَجِبُ فِيها الزَّكاةُ، وَأَنْصِبَةُ تِلْكَ الأَمْوالِ، وَالمقْدارُ الواجِبُ فِيها، وَبيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصارِفَها وَمَخارِجَها، فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حُدودِ اللهِ في ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِما فَرَضَ اللهُ تَعالَى عَلَيْهِ، فاحْرِصْ عَلَى تَعَلُّمِ أَحْكامِ الزَّكاةِ في المالِ الَّذي في يَدِكَ، فَمَنْ كانَ صاحِبَ نُقُودٍ وَأَوْراقٍ نَقْدِيَّةٍ فَلْيَتَعَلَّمْ مِنْ أَحكامِها ما يَسْتَطِيعُ بِهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكاةَ النَّقْدَيْنِ، وَالأَوْراقِ النَّقْدِيَّةِ.مَنْ كانَ صاحِبُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، من كان صاحب إبل أو غنم أو ماشية، مَنْ كانَ صاحِبُ زَرْعٍ، مَنْ كانَ صاحِبُ تِجاراتٍ، يَحْتاجُ إِلَى أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ أَحْكامِ الشَّريعَةِ ما يُقِيمُ بِهِ عِبادَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَتَعَلَّمُ ذَلِكَ بِطَلَبِهِ مِنَ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ بِنَفْسِهِ إِنِ اسْتَطاعَ، فِإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِنَّ اللهَ تَعالَى يَقُولُ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَالنحل:43 .

كَذا الصَّوْمُ تَعَلَّمْ مِنْ أَحْكامِهِ ما تُحَقِّقُ بِهِ الصِّيامُ الَّذِي يَمْنَعُكَ عَنِ الزُّورِ في القَوْلِ وَالعَمَلِ؛ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حاجَةً في أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وَشَرابَهُ«البُخارِيُّ(1903).

كَذَلِكَ إِذا قَصَدْتَ بَيْتَ اللهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَتَعَلَّمْ مِنْ أَحْكامِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ ما يُحِقِّقُ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ ، لَعلِّي لا أَراكُمْ بَعْدَ عامِي هَذا»مُسْلِمٌ(1297) فَعَلَّمَنا وَحَرَصَ عَلَى بَيانِ الأَمْرِ عَلَى وَجْهٍ كامِلٍ، فَلْنَأْخُذْ مِنْ هَدْيِهِ؛ فَلَنا مِنَ السَّعادَةِ، لَنا مِنَ النَّجاةِ، لَنا مِنَ الفَوْزِ بِقَدْرِ مُوافَقََةِ طَرِيقِهِ، وَسُلُوكِ سَبِيلِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِصِدْقِ المعامَلَةِ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، واعْتِقادِ أَنَّ كُلَّ العَمَلِ إِنَّما هُوَ سَبَبٌ وَالتَّوْفِيق ُبِيَدِ اللهِ؛ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحدٌ مِنْكُمُ الجنَّةَ بِعَمَلِهِ» قالُوا: وَلا أَنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: «وَلا أَنا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ«البخاري(39), ومسلم(2818).

هَذِهِ لَيْسَ دَعْوَةٌ لِلكَسَلِ، وَلا دَعْوَةٌ لِتَرْكِ العَمَلِ، إِنَّما هُوَ بَيانٌ أَنَّ هَذِهِ الأَعْمالَ أَسْبابٌ مُوجِبَةٌ لَكِنَّها لا تَسْتَقِلُّ بِنَيْلِ الفَوْزِ وَحُصُولِ المقْصُودِ إِنْ لَمْ يُوافِقْها مَنُّ اللهِ بِقَبُولِها، وَرَحْمَةُ اللهِ بِالإثابَةِ عَلَيْها. فَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِاللهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُعْجَبَ بِعَمَلِكَ، فَمَهْما كانَ عَمَلُكَ مُتْقِنًا فَحَقُّ اللهِ أَعْظَمُ، وَالَّذِي لَهُ أَكْبَرُ، وَعَمُلُكَ مَهْما كانَ: لا يُوَفِّي جُزْءًا مِنْ إِنْعامِ اللهِ عَلَيْكَ، فَلَوْ كُنْتَ للهِ ساجِدًا مُنْذُ أَنْ خَرَجْتَ مِنْ رَحِمِ أُمِّكَ إِلَى أَنْ يُؤْويكَ لِحَدِّكَ فَإِنَّكَ لَنْ تَفِيَ اللهَ في نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ، فاشْكُرْ اللهَ وَاعْلَمْ أَنَّ الفَضْلَ مِنْهُ، يَسْلُكُ بِكَ سَبِيلَ الرُّشْدِ، يُعِينُكَ عَلَى الهِدايَةِ، يُيّسِّرْ لَكَ الطَّاعَةَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمُنُّ عَلَيْكَ بِقَبُولِها، وَالِإثابَةِ عَلَيْها، ذاكَ كُلُّهُ فَضْلُهُ وَإِحْسانُهُ، فَلْتَكُنْ مُقِرًّا بِفَضْلِهِ وَإِحْسانِهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُعْجَبَ بِعَمَلِكَ؛ فَلَيْسَ شَيْئًا مِنْكَ إِنَّما هُوَ فَضْلُ اللهِ، وَأَنْتَ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ لَكَ قُمْتَ بِما قُمْتَ بِهِ مِنَ الأَعْمالِ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، خُذْ بِنواصِينا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْلَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق إمامنا بتوفيقك، اللهم سدِّده في قوله وعمله، اللهم هيئ له رشدًا واجمع عليه قلوب العباد يا رب العالمين.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الحُسْنَى وَصِفاتِكَ العُلا، وَأَنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَنْ تَنْصُرَنا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا المقاتِلَينَ، وَحُرَّاسِنا المرابِطِينَ، اللَّهُمَّ أَمِدَّهُمْ بِعَوْنٍ مِنْكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ. اللَّهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدامَهُمْ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْهُمْ بِقُوَّتِكَ يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ مُفْسِدٍ يَسْعَىَ في أُمَّتِنا بِتَفْرِيقٍ وَفَسادٍ يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُنَجِّيَ إِخْوانَنا المسْتَضْعَفِينَ في اليَمَنِ، اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في اليَمَنِ، وَأَنْجِهِمْ في سُورِيَّا، وَأَنْجِهِمْ في العِراقِ وَفي سائِرِ البُلْدانِ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ حالَ إِخْوانِنا المسْلِمينَ في لِيبِيا، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى يَا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ إْنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى فَمُنَّ عَلَيْنا بِهِ، يَسِّرْهُ لَنا، وَأَعِنَّا عَلَيْهِ، وَثَبِّتْنا عَلَيْهِ، وَاقْبَلْهُ مِنَّا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94049 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89968 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف