قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وهو سبحانه وتعالى في السورة الواحدة يذكر "القيامة الكبرى" و "الصغرى" كما في سورة الواقعة فإنه ذكر في أولها القيامة الكبرى وأن الناس يكونون أزواجا ثلاثة كما قال تعالى:{إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا * وكنتم أزواجا ثلاثة}.
ثم إنه في آخرها ذكر القيامة الصغرى بالموت وأنهم ثلاثة أصناف بعد الموت فقال : { فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين *فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم} فهذا فيه أن النفس تبلغ الحلقوم وأنهم لا يمكنهم رجعها وبين حال المقربين وأصحاب اليمين والمكذبين حينئذ . وفي سورة القيامة : ذكر أيضا القيامتين فقال : {لا أقسم بيوم القيامة} ثم قال : {ولا أقسم بالنفس اللوامة} وهي نفس الإنسان . وقد قيل : إن النفس تكون لوامة وغير لوامة وليس كذلك . بل نفس كل إنسان لوامة فإنه ليس بشر إلا يلوم نفسه ويندم إما في الدنيا وإما في الآخرة فهذا إثبات النفس . ثم ذكر معاد البدن فقال : {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه * بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم القيامة} .
ووصف حال القيامة إلى قوله : {تظن أن يفعل بها فاقرة}، ثم ذكر الموت فقال {كلا إذا بلغت التراقي} وهذا إثبات للنفس وأنها تبلغ التراقي كما قال هناك : {بلغت الحلقوم} والتراقي متصلة بالحلقوم .
ثم قال {وقيل من راق} يرقيها وقيل: من صاعد يصعد بها إلى الله ؟ والأول أظهر ؛ لأن هذا قبل الموت فإنه قال : {وظن أنه الفراق} فدل على أنهم يرجونه ويطلبون له راقيا يرقيه وأيضا فصعودها لا يفتقر إلى طلب من يرقى بها فإن لله ملائكة يفعلون ما يؤمرون والرقية أعظم الأدوية فإنها دواءروحاني ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المتوكلين : «لا يسترقون» والمراد أنه يخاف الموت ويرجو الحياة بالراقي؛ ولهذا قال : {وظن أنه الفراق } ثم قال : {والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق} فدل على نفس موجودة قائمة بنفسها تساق إلى ربها والعرض القائم بغيره لا يساق ولا بدن الميت فهذا نص في إثبات نفس تفارق البدن تساق إلى ربها كما نطقت بذلك الأحاديث المستفيضة في قبض روح المؤمن وروح الكافر .
ثم ذكر بعد هذا صفة الكافر بقوله مع هذا الوعيد الذي قدمه : {فلا صدق ولا صلى} وليس المراد أن كل نفس من هذه النفوس كذلك .
وكذلك سورة " ق " هي في ذكر وعيد القيامة ومع هذا قال فيها : {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} ثم قال بعد ذلك : {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} فذكر القيامتين : الصغرى والكبرى".
"مجموع الفتاوى" ( 4/ 263- 265).