×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة (2) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (2) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
00:00:01

الحلقة الثانية ((حاجة الناس إلى الرسل))     {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} +++[النساء: 165]---. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى إليه بإذنه، وسراجا منيرا، بلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركها على سبيل بين واضح، لا يزيغ عنه إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سلك سبيله، واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). نعم، بعث الله تعالى الرسل، وأرسلهم بالهدايات والبينات، كما قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} +++[الحديد: 25]---. فلولا هذه الرسالات، لولا هذه الأنوار، لولا هذه الهدايات لكان الناس في عماء، الله تعالى جعل من مهام رسله صلوات الله وسلامه عليهم أنهم يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، قال جل وعلا: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} +++[البقرة: 257]---. نعم، هو وليهم جل وعلا، يخرجهم من أنواع الظلمات إلى أنواع الأنوار، وهذه الظلمات طريق النجاة منها هو اتباع ما جاءت به الرسل، كما قال الله تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور} +++[المائدة: 16]---. فبالكتب يخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} +++[إبراهيم: 1]---. وقد قال جل وعلا في رسالة موسى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} +++[إبراهيم: 5]---. وقال تعالى: {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور} +++[الحديد: 9]---. وقال تعالى: {رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} +++[الطلاق: 11]---. نعم، إنه يخرجهم من الظلمات إلى النور؛ وبهذا يتبين عظيم حاجة الناس إلى المرسلين، فالرسل بهم تتحقق الغاية من الوجود، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} +++[النحل: 36]---. فما من أمة من الأمم إلا وقد جاءها نذير، يبين لها الطريق الموصل إلى الله، يأمرها بمحبته وتعظيمه، وعبادته وحده لا شريك له. إن الحاجة إلى الرسل فوق كل حاجة، بهم تقوم الحجة على الخلق، كما قال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} +++[النساء: 165]---. فقد قطع الله تعالى الحجة، وبين المحجة، وقام على خلقه الحجة بهؤلاء الرسل، الذين بعثهم وأمدهم بأنواع الهدايات، وألوان الدلالات الدالة على صدقهم، والتي تبين أنما يدعون إليه حق، وقد قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} +++[الإسراء: 15]---. حقا إن الله تعالى قد ركز في فطر الناس العبودية له، إلا أن هذه الفطرة لا تكفي في إيصال الناس إلى حق الله تعالى، إلى الهداية التي يسلمون بها من المضلات المحيطة بهم؛ فالشيطان قعيد لهم على الصراط المستقيم، كما قال تعالى فيما قصه عن إبليس: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} +++[الأعراف: 16-17]---. وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «قال الله تعالى: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم»، أي: على الجادة والهدى، بمقتضى ما فطر الله تعالى القلوب عليه، {فطرت الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30]؛ لكن هذه الفطرة ضعفت، وخبا ضوؤها، وضعف سلطانها بتسلط الشياطين. ولذلك قال: «وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»+++ أخرجه مسلم (2865).---. نعم، إن الناس في ضرورة إلى هدايات الرسل؛ ولذلك لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام بعد البلاء الأول، والفتنة الأولى بالمعصية التي وقعت بأكل الشجرة، قال تعالى: {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} +++[طه: 123]---. هذا حال السعداء الذين اتبعوا أنوار الرسالات، وساروا على منهاج النبيين في تحقيق العبودية لله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} +++[طه: 124]---. نحن بحاجة إلى هدايات الرسل مع كل نبض عرق، ولحظ عين، لا غنى بنا أيها الناس، لا غنى بنا أيها الرجال والنساء، لا غنى بنا عن هدايات المرسلين، وقد اندرست وذهبت، وبقي خيرها. وأعظمها هداية، وأكبرها دلالة على الحق والخير، وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما جاء به محمد بن عبد الله من هذا الدين القويم، والصراط المستقيم، فمن استمسك به هدي، ومن تركه وأعرض عنه ضل وعمي، قال الله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} +++[النحل: 97]---. وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} +++[النور: 55]---. إن الأمن لا يكون إلا لمن ساروا على طريق النبيين، قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} +++[الأنعام: 82]---. نعم، نحن بحاجة إلى الرسل؛ لأن بهم نتعرف على الله، فالله جل في علاه نعرفه بما فطر في نفوسنا، وبما أقام في الأرض والسماء من الآيات الدالة عليه، {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} +++[فصلت: 53]---؛  لكن ذلك كله لا يكفي في معرفتنا بالله عز وجل، فنحن بحاجة إلى خبر الرسل عن الله، ما له من الصفات، ما له من الأسماء، ما له من الأفعال، ما له من الكمالات التي بها يثبت حبه في قلوبنا، بها يزيد تعظيمه في قلوبنا، بها نحقق العبودية له. نعم، نحن بحاجة إلى الرسل؛ لأن الرسل يبينون لنا الطريق الموصل إلى الله عز وجل، فالرسل هم الذين يبينون لنا كيف نحقق العبودية لله؟ كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ كيف نصوم؟ كيف نحج؟ كيف نقوم بالحقوق الواجبة علينا لربنا؟ والحقوق الواجبة علينا للخلق؟ كيف نسعد؟ كيف تستقيم أحوالنا؟ كيف تطيب حياتنا؟ كيف يطيب معاشنا؟ كل ذلك إنما نتلقاه ونعرفه من طريق ما جاءت به الرسل من الهدايات؛ لذلك نحن في غاية الضروة إلى الرسل، الذين هم الوسطاء بين الله تعالى وبين خلقه. ولقد جاءنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  بأكمل الرسالات، وأتمها، {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} +++[المائدة: 3]---. جاء رحمة للعالمين، {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} +++[الأنبياء: 107]---، جاء حجة على الخلق أجمعين، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} +++[الفرقان: 1]---. افترض الله تعالى على العباد طاعته، ومحبته، وتوقيره، وتعزيره، والقيام بما يجب له، وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتباعه على جميع الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} +++[آل عمران: 81-82]---. نعم، إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها. نعم، إن النبي صلى الله عليه وسلم  الجاء على حين فترة من الرسل، وانقطاع من السبل، وعماية من الخلق، عمت قلوب الناس؛ فضاقت السبل في معرفة الطريق الذي يوصل إلى الله، فجاء بهذا النور المبين، وهذا الهدى القويم، الذي أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ورزقنا اتباعه، وحشرنا في زمرته، وجمعنا به في مستقر رحمته، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه،  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:4086
الحلقة الثانية
((حاجة الناس إلى الرسل))
 
 
{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حقَّ حمده، له الحمدُ كُله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى إليه بإذنه، وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركها على سبيلٍ بيِّنٍ واضحٍ، لا يزيغُ عنه إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سلكَ سبيله، واتبعَ سنته بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
نعم، بعثَ الله تعالى الرسل، وأرسلهم بالهداياتِ والبيِّنات، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
فلولا هذه الرسالات، لولا هذه الأنوار، لولا هذه الهدايات لكانَ الناسُ في عماءَ، الله تعالى جعلَ من مهام رسله صلوات الله وسلامه عليهم أنهم يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، قال جلَّ وعلا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257].
نعم، هو وليُّهم جلَّ وعلا، يُخرِجُهم من أنواعِ الظلمات إلى أنواعِ الأنوار، وهذه الظلمات طريقُ النجاةِ منها هو اتباعُ ما جاءت به الرسل، كما قال الله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [المائدة: 16].
فبالكتب يخرجُ الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1].
وقد قال جلَّ وعلا في رسالةِ موسى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} [إبراهيم: 5].
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الحديد: 9].
وقال تعالى: {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 11].
نعم، إنه يُخرِجهم من الظلمات إلى النور؛ وبهذا يتبيَّنُ عظيمُ حاجة الناسِ إلى المرسلين، فالرسلُ بهم تتحققُ الغايةُ من الوجود، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
فما من أمة من الأمم إلا وقد جاءها نذيرٌ، يبيِّنُ لها الطريقَ الموصِلَ إلى الله، يأمرُها بمحبته وتعظيمه، وعبادته وحده لا شريكَ له.
إنَّ الحاجةَ إلى الرسل فوقَ كُلِّ حاجة، بهم تقومُ الحُجةُ على الخلقِ، كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
فقد قطعَ اللهُ تعالى الحُجة، وبيَّنَ المحجَّة، وقامَ على خلقهِ الحُجة بهؤلاء الرسل، الذين بعثهم وأمدَّهم بأنواع الهِداياتِ، وألوانِ الدلالات الدالة على صدقهم، والتي تبيِّنُ أنما يدعونَ إليه حق، وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
حقاً إنَّ الله تعالى قد ركزَ في فِطَرِ الناسِ العبوديةَ له، إلا أنَّ هذه الفطرة لا تكفي في إيصال الناسِ إلى حقِّ الله تعالى، إلى الهداية التي يسلمونَ بها من المُضِلَّات المحيطةِ بهم؛ فالشيطانُ قعيدٌ لهم على الصراطِ المستقيم، كما قال تعالى فيما قصَّهُ عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17].
وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعيِّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «قال الله تعالى: وإني خلقتُ عبادي حُنفاءَ كُلَّهم»، أي: على الجادةِ والهدى، بمقتضى ما فَطَرَ اللهُ تعالى القلوبَ عليه، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]؛ لكنَّ هذه الفطرة ضعُفت، وخبا ضوؤها، وضعُفَ سُلطانُها بتسلطِ الشياطين.
ولذلك قال: «وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهُم أن يُشركوا بي ما لم أُنزِّل به سُلطانًا» أخرجه مسلم (2865)..
نعم، إنَّ الناسَ في ضرورةٍ إلى هداياتِ الرسل؛ ولذلك لما أهبطَ اللهُ تعالى آدم عليه السلام بعد البلاءِ الأول، والفتنة الأولى بالمعصية التي وقعت بأكلِ الشجرة، قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123].
هذا حالُ السعداء الذين اتبعوا أنوار الرسالات، وساروا على منهاجِ النبيين في تحقيق العبودية لله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
نحنُ بحاجة إلى هدايات الرسل مع كُلِّ نبضِ عرقٍ، ولحظ عين، لا غنى بنا أيها الناس، لا غنى بنا أيها الرجال والنساء، لا غنى بنا عن هدايات المرسلين، وقد اندرست وذهبت، وبقيَ خيرُها.
وأعظمُها هدايةً، وأكبرُها دلالةً على الحقِّ والخير، وهو ما جاءَ به النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما جاءَ به محمد بن عبد الله من هذا الدين القويم، والصراط المستقيم، فمن استمسك به هُدي، ومن ترَكَهُ وأعرضَ عنه ضلَّ وعمي، قال اللهُ تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].
إنَّ الأمنَ لا يكونُ إلا لمن ساروا على طريقِ النبيين، قال اللهُ تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
نعم، نحنُ بحاجة إلى الرسل؛ لأنَّ بهم نتعرَّفُ على الله، فاللهُ جلَّ في علاه نعرِفُهُ بما فطَرَ في نفوسِنا، وبما أقامَ في الأرضِ والسماء من الآيات الدالةِ عليه، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]؛  لكنَّ ذلكَ كُلَّه لا يكفي في معرفتنا بالله عزَّ وجل، فنحنُ بحاجةٍ إلى خبرِ الرسل عن الله، ما له من الصفات، ما له من الأسماء، ما له من الأفعال، ما له من الكمالات التي بها يثبتُ حُبُّه في قلوبنا، بها يزيدُ تعظيمُهُ في قلوبنا، بها نحققُ العبوديةَ له.
نعم، نحنُ بحاجة إلى الرسل؛ لأنَّ الرسل يبيِّنون لنا الطريقَ الموصِلَ إلى الله عزَّ وجل، فالرسلُ همُ الذين يبيِّنونَ لنا كيف نحقق العبودية لله؟ كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ كيف نصوم؟ كيف نحج؟ كيف نقومُ بالحقوقِ الواجبة علينا لربنا؟ والحقوق الواجبة علينا للخلق؟ كيف نسعد؟ كيف تستقيمُ أحوالُنا؟ كيف تطيبُ حياتُنا؟ كيف يطيبُ معاشُنا؟
كلُّ ذلك إنما نتلقاهُ ونعرِفُهُ من طريق ما جاءت به الرسلُ من الهدايات؛ لذلك نحنُ في غاية الضروة إلى الرسل، الذينَ هم الوسطاء بينَ الله تعالى وبينَ خلقه.
ولقد جاءنا النبيُّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  بأكملِ الرسالات، وأتمها، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
جاءَ رحمةً للعالمين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، جاءَ حُجةً على الخلقِ أجمعين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
افترضَ الله تعالى على العباد طاعته، ومحبته، وتوقيره، وتعزيره، والقيامِ بما يجبُ له، وأخذَ العهودَ والمواثيقَ بالإيمانِ به واتباعه على جميعِ الأنبياء والمرسلين، قال اللهُ تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81-82].
نعم، إنَّ النبي صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم أشرقت برسالته الأرض بعدَ ظُلُماتِها.
نعم، إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  الجاءَ على حينِ فترةٍ من الرسل، وانقطاعٍ من السبل، وعمايةٍ من الخلقِ، عمَّت قلوب الناس؛ فضاقت السبلُ في معرفةِ الطريق الذي يوصِلُ إلى الله، فجاءَ بهذا النورِ المبين، وهذا الهُدى القويم، الذي أخرجَ اللهُ تعالى به الناسَ من الظُلماتِ إلى النور.
فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ورَزَقنا اتباعهُ، وحشَرَنا في زمرته، وجمعنا به في مستقرِ رحمته، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه،
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف