إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ شَهادَةً أَرْجُو بِها النَّجاةَ مِنَ النَّارِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران: 102.
وَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى هِيَ القِيامُ بِما أَمَرَ، وَالأَخْذُ بِما شَرَعَ، وَتَرْكُ ما نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، فالمتَّقِي هُوَ الَّذي يُطِيعُ اللهَ تَعالَى في أَمْرِهِ، وَيَجْتَنِبُ ما نَهَى عَنْهُ في شَرْعِهِ، وَيَرْجُو في تَرْكِهِ وَفِعْلِهِ ثَوابَ اللهِ تَعالَى وَأَجْرَهُ.
وَإِنَّ اللهَ تَعالَى إِنَّما شَرَعَ الشَّرائِعَ، وَحَدَّ الحُدُودَ لِتَزيدَ في القُلُوبِ التَّقْوَى، وَتَسْتَقِرَّ فِيها المعانِي الصَّالِحَةُ، قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183 أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ تُحَقِّقُوا التَّقْوَى.
وَفِي الحَجِّ قالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنء فَرائِضِهِ وَشَرائِعِهِ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة: 197.
فَإِنَّ كُلَّ عِبادَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، ظاهِرَةٍ أَوْ باطِنَةٍ، إِنَّما غايَتُها وَغَرَضُها؛ أَنْ تَسْتَقِرَّ التَّقْوَى في القَلْبِ، وَأَنْ تَتَمَكَّنَ، وَأَنْ تَزِيدَ، وَتَرْبُو في قُلُوبِ النَّاسِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ، أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ، أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا للهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ النَّجاةِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الزمر: 61.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى تَسْتَوْجِبُ عَمَلًا وَجُهْدًا، وَنِيَّةً صادِقَةً، فَلَيْسَتِ التَّقْوَى بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنَّها شَيْءٌ يَقَرُّ في القَلْبِ، يُصَدِّقُهُ العَمَلُ.
فاجْتَهِدُوا في تَحْقِيقِ التَّقْوَى في كُلِّ أَعْمالِكُمْ، وَارْجُوا الثَّوابَ مِنَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ لا أَهْنَأَ، وَلا أَطْيَبَ، وَلا أَنْعَمَ مِنْ حَياةِ المتَّقِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.
العبادات والشرائع إذا جُردت عن معانيها، وكانت صورة بلا رُوح؛ لم تنفعْ صاحبها، ولم تأتِ بثمارها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»البخاري(1903).
فالصَّوْمُ تَرْبِيَةٌ لِلنُّفُوسِ حَتَّى تَسْمُو وَتَزْكُو وَتَطِيبُ، «الصِّيَامُ جُنَّةٌ»البُخارِيُّ (1904), وَمُسْلِمٌ(1151).فاحْرِصُوا عَلَى أَنْ تُفَتِّشُوا عَنْ آثارِ العِباداتِ في سُلُوكِكُمْ، في قُلُوبِكُمْ، في أَخْلاقِكُمْ، في مُعامَلاتِكُمْ، فَتِّشُوا عَنْ أَثَرِ الصَّلاةِ في نَهْيِها عَنِ الفَحْشاءِ وَالمنْكَرِ، وَإِقامَةِ ذِكْرِ اللهِ في قُلُوبِكُمْ، فَتِّشُوا عَنِ الصِّيامِ في مُعامَلاتِكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ حَقَّقْتُمْ ما أَرادَهُ اللهُ مِنْ صِيامِكُمْ مِنْ أَنْ تَكُفُّوا أَنْفُسَكُمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَأَنْ تُقْبِلُوا عَلَى ما فَرَضَهُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْ تُصَحِّحُوا مَقاصِدَكُمْ وَنِيّاتِكُمْ، كَذَلِكَ فَي سائِرِ العِباداتِ.
كُلُّ شَرِيعَةٍ وَكُلُّ فَرِيضَةٍ لهَا مَقْصِدٌ، فَتِّشْ عَنْهُ في سُلُوكِكَ، وَفِي خُلُقِكَ، حَتَّى تَرَى هَلْ حَقَّقْتَ الغايَةَ مِنَ الصَّوْمِ، مِنَ الحَجِّ، مِنَ الزَّكاةِ، مِنَ الصَّلاةِ، مِنْ سائِرِ الأَعْمالِ.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ فِكْرٍ وَلا عَقْلٍ، إِنَّما عَلَى نَحْوٍ مِنَ العادَةِ وَالإلْفِ، وَهَذا يُغيِّبُ عَنْهُ لَذَّةَ العِبادَةِ، وَيُفْقِدُهُ كَثِيرًا مِنْ ثِمارِها، وَخَيْرَاتِها، فاجْتَهِدُوا في تَفْتِيشِ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ عَنْ آثارِ طاعاتِكُمْ لِتَعْرِفُوا مَدَى تَحْقِيقِكُمْ لِمَقْصُودِ رَبِّكُمْ في تِلْكَ العِباداتِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحِينَ.
اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِنا سُبُلَ الطَّاعَةِ، وَأَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَوَفِّقْنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى مِنَ الأَعْمالِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةِ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوانَنا المجاهِدينَ الَّذِينَ يُجاهِدُونَ لإِعْلاءِ كَلِمَتِكَ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ في سُورِيَّا وَالعِراقِ، وَفي اليَمَنِ، وَفي سائِرِ البُلْدانِ.
اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَنا وَالمسْلِمينَ بِشَرٍّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ تَدْمِيرَهُ في تَدْبِيرِهِ، وَاكْفِ المسْلِمينَ شَرَّهُ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَكَ.
اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّهُمْ بِما شِئْتَ، اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّهُمْ بِما شِئْتض، اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّهُمْ بِما شِئْتَ.
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.