×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة(5) نوح أول رسل الله.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة(5) نوح أول رسل الله.
00:00:01

الحلقة الخامسة (( نوح أول رسل الله )) {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} +++[الأنعام: 1]---، أحمده هو أجل من حمد، وأعظم من ذكر، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). في هذه الحلقة ستناول إن شاء الله تعالى الحديث عن نبي من أنبياء الله الكرام، عن رسول من أولي العزم من الرسل، إنه أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض، إنه نوح عليه السلام. واسمه نوح بن لامك، وكان ولادة نوح عليه السلام بعد وفاة آدم بقريب من عشرة قرون؛ إذ روي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام»+++ أخرجه الحاكم 2/480 (3654)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ---. نوح عليه السلام كان له أولية في أمور عديدة: فهو أول رسول إلى أهل الأرض، وهو أول من دعا إلى الله عز وجل، وهو أول من عذبت أمته لعدم إيمانهم به، وهو الذي أهلك الله تعالى أهل الأرض بدعوته، حيث قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} +++[نوح: 26-27]---. نوح عليه السلام كان أطول الأنبياء عمرا؛ ولهذا لقب بكبير الأنبياء، ولقب بشيخ المرسلين، عاش ألفا وخمسمائة عام، كما قال غير واحد من أهل العلم، ولا زالت أعمار الأنبياء في قصر وتناقص بعده عليه الصلاة والسلام. نوح عليه السلام وصف بأنه أبو البشر الثالث، وأنه أبو الأنبياء، كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} +++[الحديد: 26]---. أيها الأخوة والأخوات، أيها المستمعون والمستمعات، لقد ذكر الله تعالى خبر نوح في مواضع عديدة في كتابه، ذكره في أكثر من عشرين سورة، جاء ذكره بين بسط وتفصيل، بين إجمال واختصار. نوح عليه السلام بعثه الله تعالى في حال افتراق من الناس، قال جل في علاه: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} +++[البقرة: 213]---. قال سعيد عن قتادة: ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الهدى، وعلى شريعة من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعث الله عز وجل نوحا، وكان أول رسولا بعثه الله إلى أهل الأرض، وبعث عند الاختلاف بين الناس، وترك الحق. وقال ابن عباس: {كان الناس أمة واحدة} كانوا على الإسلام كلهم حتى اجتالتهم الشياطين عن الصراط المستقيم، فأخرجتهم عن التوحيد إلى ألوان وأنواع من الشرك والكفر. وكان أول شرك وقع في بني آدم أنهم عظموا غير الله عز وجل، عظموا رجالا صالحين، فتطور بهم الأمر إلى أن عبدوهم من دون الله، وهم الذين سمى الله تعالى فيما قصه من خبر قوم نوح، حيث قالوا: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} +++[نوح: 23]---. هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالس هؤلاء الصالحين، التي كانوا يجلسون فيها، أنصبوا أنصابا، وسموها بأسمائهم؛ لتتذكروا عبادتهم، ويكون ذلك أشوق لكم إلى عبادة الله تعالى، فصورهم، فلم تعبد أول الأمر حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت من دون الله عز وجل. فكان الباعث الأول لأول شرك وقع في بني آدم الغلو في الصالحين، غلو فيهم، فصور تصاويرهم، وعكفوا عند مجالسهم؛ بل عكفوا على قبورهم، فكان أول شرك ضل به الناس، وخرجوا به عن عبادة الله عز وجل؛ بسبب الغلو في الصالحين، بأن نصبوا أنصابا عند مجالسهم، ثم عند قبورهم، ثم عبدوهم من دون الله. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم  التحذير من القبور والتصاوير؛ لما فيها من الفساد العظيم، فجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟ أمرني: أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته»+++ أخرجه مسلم (969)---. فأمره صلى الله عليه وسلم بمسح الصور، وتسوية القبور؛ قطعا لمدة الشرك، وإن تلك التماثيل الأولى التي عبدت من دون الله في قوم نوح صارت في العرب تعبد من دون الله، كما جاء في صحيح البخاري من قول عبد الله بن عباس: «أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع+++ أخرجه البخاري (4920)---. فتواصل الشرك الأول الذي حذر منه نوح  عليه السلام بالشرك الأخير، الذي حذر منه خاتم النبيين صلوات الله وسلامه على أنبيائه أجمعين. نوح عليه السلام أخبر الله تعالى بإرساله في ستة مواضع من كتابه الحكيم: قال تعالى: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} +++[الأعراف: 59]---.  تلك عبارات موجزة، بينت إرسال نوح عليه السلام، وبينت رسالته، وبينت خوفه على قومه، وشفقته عليهم، وحرصه على استنقاذهم من النار، ونحو ذلك ما ذكره الله تعالى في سورة هود: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} +++[هود: 25-26]---. وفي سورة المؤمنون قال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} +++[المؤمنون: 23]---. ونحو ذلك ما ذكره الله تعالى في سورة العنكبوت، وفي سورة الحديد، وقد سمى الله تعالى سورة من سور الكتاب الحكيم باسم هذا الرسول الكريم  صلوات الله وسلامه عليه افتتاحها بقوله: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} +++[نوح: 1]---. نوح عليه السلام  من أطول الأنبياء دعوة لقومه؛ فإنه دعاهم مدة طويلة من الزمن، ذكرها الله تعالى في سورة العنكبوت، فقال: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم}، يعني: داعيا، يأمرهم بالتوحيد، وينهاهم عن الشرك {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} +++[العنكبوت: 14]---. أيها المستمعون والمستمعات، أيها الأخوة والأخوات، لقد بين الله تعالى في كتابه في مواضع عديدة ما الذي كان يدعو إليه نوح عليه السلام؟ قال الله تعالى فيما أخبر به عن نوح أنه نادى قومه فقال: {ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} +++[الأعراف: 59]---. وقال: {أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} +++[هود: 26]---. وقال: {ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} +++[الأعراف: 65]---. وقال: {ياقوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} +++[نوح: 2-3]---. نعم، إن دعوة نوح كانت على وفق ما دعا إليه كل الرسل، إنها دعوة قومه إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} +++[النحل: 36]---. وكما قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. فإن البشرية خلقها الله تعالى على الفطرة، فبقيت على فطرة الله تعالى، وعلى التوحيد قرونا متطاولة حتى أتاهم الشيطان، فزين لهم الشرك، وجمل في أعينهم عبادة غير الله عز وجل؛ فانحرفوا، كما جاء في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه قال: «يقول الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين»+++ أخرجه مسلم (2865)---. نعم، اجتالتهم الشياطين، تخطفتهم، زينت لهم الشرك؛ فكان ذلك مخرجا لهم عن الجادة، فكان من رحمة الله تعالى بعباده أن بعث الرسل ليردوا الناس إلى الجادة، ليخرجوهم من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك والكفر والمعصية والنفاق إلى ألوان الطاعة والتوحيد والإيمان. هذا ما دعا إليه نوح عليه السلام قومه، وهو الموافق لكل دعوات الرسل، كما قال صلى الله عليه وسلم : «الأنبياء أخوة لعلات، دينهم واحد، وأمهاتهم شتى»+++ أخرجه البخاري (3443)---. إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3544
الحلقة الخامسة
(( نوح أول رسل الله ))
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، أحمده هو أجلُّ مَن حُمد، وأعظمُ من ذُكر، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميد مجيد، أمَّا بعد:
فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
في هذه الحلقة ستناولُ إن شاء الله تعالى الحديثَ عن نبيٍّ من أنبياء الله الكرام، عن رسولٍ من أولي العزمِ من الرسل، إنه أولُ رسولٍ أرسله اللهُ تعالى إلى أهلِ الأرض، إنه نوحٌ عليه السلام.
واسمه نوح بنُ لامك، وكان ولادةُ نوح عليه السلام بعدَ وفاةِ آدمَ بقريب من عشرةِ قرون؛ إذ روي عن عبد الله بن عباس رضي اللهُ تعالى عنهما أنه قال: «كان بين آدم ونوح عشرةُ قرون، كُلُّهم على الإسلام» أخرجه الحاكم 2/480 (3654)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
.
نوح عليه السلام كان له أوليَّة في أمورٍ عديدة: فهو أولُ رسولٍ إلى أهلِ الأرض، وهو أولُ من دعا إلى الله عزَّ وجل، وهو أولُ من عُذبت أُمته لعدم إيمانهم به، وهو الذي أهلكَ الله تعالى أهل الأرضِ بدعوته، حيثُ قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26-27].
نوحٌ عليه السلام كان أطولَ الأنبياء عُمُراً؛ ولهذا لُقبَ بكبيرِ الأنبياء، ولُقبَ بشيخ المرسلين، عاشَ ألفاً وخمسَمائةِ عامٍ، كما قال غيرُ واحد من أهل العلم، ولا زالت أعمارُ الأنبياء في قِصَرٍ وتناقصٍ بعده عليه الصلاة والسلام.
نوحٌ عليه السلام وُصِفَ بأنه أبو البشر الثالث، وأنه أبو الأنبياء، كما قالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 26].
أيها الأخوة والأخوات، أيها المستمعون والمستمعات، لقد ذكرَ اللهُ تعالى خبرَ نوحٍ في مواضعَ عديدة في كتابه، ذكره في أكثر من عشرينَ سورةً، جاء ذكرهُ بين بسطٍ وتفصيل، بين إجمالٍ واختصار.
نوحٌ عليه السلام بعثه الله تعالى في حال افتراقٍ من الناس، قال جلَّ في علاه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
قال سعيدٌ عن قتادة: ذُكِرَ لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرةُ قرون، كُلُّهم على الهدى، وعلى شريعةٍ من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعثَ اللهُ عزَّ وجل نوحاً، وكانَ أولَ رسولاً بعثَهُ الله إلى أهلِ الأرض، وبُعث عند الاختلاف بين الناس، وتركِ الحق.
وقال ابنُ عباس: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} كانوا على الإسلامِ كلهم حتى اجتالتهم الشياطين عن الصراطِ المستقيم، فأخرجتهم عن التوحيد إلى ألوانٍ وأنواعٍ من الشركِ والكفر.
وكانَ أولَ شركٍ وقعَ في بني آدم أنهم عظموا غير الله عزَّ وجل، عظموا رجالاً صالحين، فتطور بهم الأمرُ إلى أن عبدوهم من دون الله، وهم الذين سمَّى اللهُ تعالى فيما قصَّهُ من خبرِ قوم نوح، حيثُ قالوا: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
هذه أسماءُ رجالٍ صالحين من قومٍ نوح، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فلمَّا هلكوا أوحى الشيطانُ إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالس هؤلاء الصالحين، التي كانوا يجلسونَ فيها، أنصبوا أنصاباً، وسموها بأسمائهم؛ لتتذكروا عبادتهم، ويكونُ ذلكَ أشوقَ لكم إلى عبادة الله تعالى، فصوَّرُهم، فلم تعبد أول الأمر حتى إذا هلكَ أولئك ونُسيَ العلم عُبدت من دون الله عزَّ وجل.
فكانَ الباعثُ الأول لأول شرك وقعَ في بني آدم الغلو في الصالحين، غلو فيهم، فصورُ تصاويرَهم، وعكفوا عندَ مجالسهم؛ بل عكفوا على قبورهم، فكان أول شرك ضلَّ به الناس، وخرجوا به عن عبادة الله عزَّ وجل؛ بسبب الغلو في الصالحين، بأن نصبوا أنصاباً عندَ مجالسهم، ثم عند قبورهم، ثم عبدوهم من دون الله.
وقد جمعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم  التحذيرَ من القبورِ والتصاوير؛ لما فيها من الفساد العظيم، فجاءَ في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي الهيَّاج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «ألا أبعثُكَ على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  ؟ أمرني: أن لا أدعَ قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته» أخرجه مسلم (969).
فأمرهُ صلى الله عليه وسلم بمسح الصور، وتسوية القبور؛ قطعاَ لمدةِ الشرك، وإنَّ تلكَ التماثيل الأولى التي عُبدت من دون الله في قومِ نوح صارت في العربِ تعبدُ من دون الله، كما جاءَ في صحيح البخاري من قول عبد الله بن عباس: «أمَّا ودٌّ فكانت لكلبٍ بدومةِ الجندل، وأمَّا سواع فكانت لهذيل، وأمَّا يغوث فكانت لمرادٍ، ثم لبني غُطيفٍ بالجوفِ عند سبأ، وأمَّا يعوق فكانت لهمدان، وأمَّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الكُلاع أخرجه البخاري (4920).
فتواصلَ الشركُ الأول الذي حذر منه نوحٌ  عليه السلام بالشركِ الأخير، الذي حذَّرَ منهُ خاتمُ النبيين صلوات الله وسلامه على أنبيائه أجمعين.
نوحٌ عليه السلام أخبرَ اللهُ تعالى بإرساله في ستةِ مواضِعَ من كتابه الحكيم:
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].
 تلكَ عبارات موجزة، بيَّنت إرسالَ نوحٍ عليه السلام، وبيَّنت رسالتهُ، وبيَّنت خوفهُ على قومه، وشفقتهُ عليهم، وحرصَهُ على استنقاذهم من النار، ونحوِ ذلكَ ما ذكرَهُ اللهُ تعالى في سورةِ هود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم} [هود: 25-26].
وفي سورة المؤمنون قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 23].
ونحوِ ذلك ما ذكرَهُ اللهُ تعالى في سورة العنكبوت، وفي سورة الحديد، وقد سمَّى الله تعالى سورةً من سورِ الكتابِ الحكيم باسمِ هذا الرسول الكريم  صلوات الله وسلامه عليه افتتاحها بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح: 1].
نوحٌ عليه السلام  من أطول الأنبياء دعوةً لقومه؛ فإنه دعاهم مدةً طويلة من الزمن، ذكرها الله تعالى في سورة العنكبوت، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ}، يعني: داعياً، يأمرهم بالتوحيد، وينهاهم عن الشرك {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14].
أيها المستمعون والمستمعات، أيها الأخوة والأخوات، لقد بيَّنَ الله تعالى في كتابه في مواضعَ عديدة ما الذي كانَ يدعو إليه نوحٌ عليه السلام؟
قال اللهُ تعالى فيما أخبرَ به عن نوح أنه نادى قومه فقال: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].
وقال: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26].
وقال: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65].
وقال: {يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح: 2-3].
نعم، إنَّ دعوة نوحٍ كانت على وفقِ ما دعا إليه كُلِّ الرسل، إنها دعوةُ قومهِ إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وكما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
فإنَّ البشرية خلَقها اللهُ تعالى على الفطرَة، فبقيت على فطرةِ الله تعالى، وعلى التوحيد قروناً مُتطاولة حتى أتاهم الشيطان، فزينَ لهم الشركَ، وجمَّلَ في أعيُنهم عبادةَ غيرِ الله عزَّ وجل؛ فانحرفوا، كما جاء في صحيح الإمام مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه قال: «يقول الله تعالى: خلقتُ عبادي حُنفاء، فاجتالتهم الشياطين» أخرجه مسلم (2865).
نعم، اجتالتهم الشياطين، تخطفتهم، زينت لهم الشرك؛ فكانَ ذلكَ مخرجاً لهم عن الجادة، فكان من رحمةِ الله تعالى بعباده أنَ بعثُ الرُّسلَ ليردوا الناس إلى الجادة، ليُخرِجوهم من الظلماتِ إلى النور، من ظُلماتِ الشرك والكفرِ والمعصيةِ والنفاق إلى ألوانِ الطاعةِ والتوحيدِ والإيمان.
هذا ما دعا إليه نوحٌ عليه السلام قومه، وهو الموافقُ لكل دعواتِ الرسل، كما قال صلى الله عليه وسلم : «الأنبياءُ أخوةٌ لعلَّات، دينهم واحد، وأمهاتهم شتى» أخرجه البخاري (3443).
إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19140 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12318 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9776 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8398 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف