×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة (7) نوح عليه السلام مع قومه.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (7) نوح عليه السلام مع قومه.
00:00:01

الحلقة السابعة (( نوح عليه السلام مع قومه))   الحمد لله رب العالمين، أحمده حق حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). نوح عليه السلام من أطول رسل الله عز وجل رسالة ودعوة، ولقد لقي من قومه عنادا وتكذيبا، صبر على ذلك حتى مله قومه، فقالوا له: {يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} +++[هود: 32]---. لقد كذبوا والله إن نوحا عليه السلام كان يبين لهم، ويوضح لهم، ويجتهد في إقامة الحجة عليهم؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، فلم يكن يجادلهم بالباطل؛ بل كان يبين لهم الدلائل، ويوضح الطريق الموصل إلى السعادة، لكنهم أبوا وكذبوا، وقالوا متحدين نوحا عليه السلام: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} +++[الأعراف: 70]---. فبين عليه الصلاة والسلام أن ذاك من شأن رب العالمين، فقال لهم: {قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} +++[هود: 33-34]---. طال عنادهم، وأصاب نوحا عليه السلام ما أصابه من الضيق؛ بسبب هذا التكذيب الصلف، وهذا التحدي السافر، وهذا الاستكبار المبين، فجاءه الوحي من رب العالمين مسليا مصبرا، قال الله جل في علاه: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس}، أي: لا يصيبك حزن ولا ضيق ولا كدر { بما كانوا يفعلون} +++[هود: 36]--- من المجادلة بالباطل، والاستكبار عن قبول الحق، والأذية لك. فقد بلغ آذاهم مبلغا عظيما حتى إن نوحا نادى ربه، كما قص في محكم كتابه: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} [الصافات: 75]، {قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء: 117-118]، وفي الآية الأخرى قال: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10]، وفي الأخرى قال: {رب انصرني بما كذبون} +++[المؤمنون: 26]---. نعم، لقد كذبت قوم نوح المرسلين، فجاءه أمر الله تعالى بصناعة السفينة، فقال جل في علاه آمرا نوحا: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}+++ [هود: 37]---. نعم، لقد بلغ السيل الزبى، ولقد أعذر نوح إلى قومه، ولقد بين الله تعالى الطريق على وجه لايلتبس، إلا أن أولئك بكفرهم وعنادهم واستكبارهم لم يسلكوا الصراط المستقيم؛ بل تنكبوا عنه، وآذوا أهله، وتسلطوا على من سلكه. فدعا نوح ربه، فجاءت بشائر الفرج، وبوادر النصر، فقال الله عز وجل لنوح: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا}، أي: برعايتنا، وأمرنا الشرعي الديني، {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}، أي: لا تطلب لهم مهلة، ولا تستأني بهم؛ فقد قامت عليهم الحجة، واستبان لهم السبيل، إلا أنهم أصروا على الكفر والتكذيب، فيوشك أن يقع فيهم العذاب الأليم، والعذاب العظيم؛ فيكونوا من المغرقين. نعم، إنهم أغرقوا بسيئاتهم، إنهم أغرقوا بخطاياهم، إنهم أغرقوا بكفرهم وتكذيبهم، كما قال جل وعلا: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا}+++[نوح: 25]---. فما كان من نوح عليه السلام لما استكبر قومه، وقد علم بخبر الله أنه لن يؤمن منهم أحد دعا الله عز وجل، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}+++ [نوح: 26-27]---.  أيها الأخوة والأخوات، نوح عليه السلام امتثل أمر الله جل وعلا، فشرع في صناعة الفلك الذي أمره الله تعالى بصناعته، فكان محلا لمزيد أذى  وسخرية، واعتداء من قومه، كما قص الله تعالى في خبره: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه}+++ [هود: 38]---. فكان جوابنوح عليه السلام جواب الصابر المثابر، جواب المؤمن الموقن: {قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم} +++[هود: 38-39]---. ولقد بين الله تعالى لنوح طريق النجاة، فقال له: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن} [هود: 40]، {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} +++[هود: 37]---. وقد بين الله تعالى في آية أخرى قلة من آمن مع نوح، فقال: {وما آمن معه إلا قليل} [هود: 40]، نعم، إنهم قليلون في العدة؛ لكنهم عند الله تعالى كثير. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في عدد من كان مع نوح، فقيل: كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم، وقيل: كانوا عشرة، وقيل: كانوا أقل من ذلك، وفي كل الأحوال هم قليل بالنظر إلى من كفر بنوح عليه السلام ولم يؤمنبه. فلما جاء أمر الله عز وجل، وفار التنور، وانفتحت السماء بماء منهمر، وتفجرت العيون من كل مكان، وعلا منسوب الماء علوا يهدد الأنفس والأموال؛ ركب نوح عليه السلام ومن معه السفينة، {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} +++[هود: 41]---. فذكر الله تعالى عند ركوبه وعند نزوله؛ تبركا به جل في علاه، وطلبا لعونه، ومعيته، وحفظه، وتأييده، ونصره، وذاك فضل منه وإحسان سبحانه وبحمده. وقد أمر الله تعالى نوحا إذا ركب في السفينة أن يحمده جل في علاه، قال سبحانه وتعالى: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين} +++[المؤمنون: 28]---. نعم، إنه يستحق الحمد جل في علاه، أن يسرا لنوح أسباب النجاة، أن حقق له ما وعدهبهمن إهلاك الظالمين، وإنجاءعباد الله الصالحين. ثم أمره بدعاءآخر، وهو امتداد الفضل، واستمرار الإحسان، حيث قال له جل في علاه: {وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} +++[المؤمنون: 29]---، أي: في نزول في هذه السفينة، وعندما ينزل منها إلى الأرض يجد منها منزلا مباركا؛ ولذلك أجاب الله تعالى دعاءه، فقال جل في علاه: {قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} +++[هود: 48]---. إن السلام والبركات حق لأهل الإيمان، حق لأصحاب الأنبياء، حق لمن آمن بالرسل، وأما غيرهم ممن كذب الرسل وعاندهم فقد يدرك نوعا من المتاع، لكنه سرعان ما يضمحل ويزول، كما قال تعالى: { أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}+++ [الشعراء: 205-207]---. إن نوحا عليه السلامهبطومن معه بسلام من اللهتعالىوبركات، وكان ما كان من عبادة الله وحده، وبقي نوح عليه السلام مع من معه على التوحيد والإيمان والطاعة؛ إذ لم يبق على الأرض من الكافرين ديارا، كما قال نوح عليه السلام في دعائه: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} +++[نوح: 26]---. فأنجى الله تعالى نوحا ومن معه، كما قال تعالى: {فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين} +++[الأعراف: 64]---. وكما قال تعالى: {فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} +++[يونس: 73]---. وقد جعل الله تعالى هذه السفينة التي نجا الله فيها نوحا ومن معه آية للعالمين، قال سبحانه: {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} +++[العنكبوت: 15]---. لقد كانت السفينة آية وعلامة على صدق نوح، وعلى عظيم قدرة الله عز وجل، وعلى حسن تدبيره، وعلى نصرهلأوليائه. اللهم أجعلنا من أوليائك وحزبك، ووفقنا إلى صالح القول والعمل، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المشاهدات:4786

الحلقة السابعة

(( نوح عليه السلام مع قومه))

 

الحمد لله رب العالمين، أحمده حقَّ حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميد مجيد، أمَّا بعد:

فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).

نوحٌ عليه السلام من أطولِ رُسِلِ الله عزَّ وجل رسالةً ودعوة، ولقد لقيَ من قومه عناداً وتكذيباً، صبر على ذلك حتى ملَّهُ قومه، فقالوا لهُ: {يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32].

لقد كذبوا والله إنَّ نوحاً عليه السلام كان يُبيِّنُ لهم، ويوضِحُ لهم، ويجتهدُ في إقامة الحجة عليهم؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، فلم يكن يُجادلهم بالباطل؛ بل كانَ يُبيِّنُ لهم الدلائل، ويوضِّحُ الطريقَ الموصلَ إلى السعادة، لكنَّهم أبوا وكذبوا، وقالوا مُتحدينَ نوحاً عليه السلام: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70].

فبيَّنَ عليه الصلاة والسلام أنَّ ذاكَ من شأنِ رب العالمين، فقال لهم: {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 33-34].

طال عنادُهم، وأصابَ نوحاً عليه السلام ما أصابَهُ من الضيق؛ بسببِ هذا التكذيب الصلف، وهذا التحدي السافر، وهذا الاستكبار المبين، فجاءهُ الوحيُ من ربِّ العالمين مُسلِّياً مُصبِّراً، قال اللهُ جلَّ في علاه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ}، أي: لا يُصيبكَ حُزنٌ ولا ضيقٌ ولا كدر { بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36] من المجادلةِ بالباطل، والاستكبارِ عن قبول الحق، والأذيةِ لك.

فقد بلَغَ آذاهم مبلغاً عظيماً حتى إنَّ نوحاً نادى ربه، كما قصَّ في مُحكمِ كتابه: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75]، {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 117-118]، وفي الآية الأخرى قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10]، وفي الأخرى قال: {رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26].

نعم، لقد كذَّبت قومُ نوحٍ المرسلين، فجاءهُ أمرُ اللهِ تعالى بصناعةِ السفينة، فقال جلَّ في علاه آمِراً نوحاً: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37].

نعم، لقد بلغَ السيلُ الزُبى، ولقد أعذرَ نوحٌ إلى قومه، ولقد بيَّنَ اللهُ تعالى الطريقَ على وجهٍ لايلتبس، إلا أنَّ أولئكَ بكفرهم وعنادهم واستكبارهم لم يسلكوا الصراط المستقيم؛ بل تنكبوا عنه، وآذوا أهله، وتسلطوا على من سلَكه.

فدعا نوحٌ ربه، فجاءت بشائرُ الفرج، وبوادرُ النصر، فقال اللهُ عزَّ وجل لنوح: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}، أي: برعايتنا، وأمرِنا الشرعي الديني، {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، أي: لا تطلب لهم مُهلةً، ولا تستأني بهم؛ فقد قامت عليهُم الحجة، واستبانَ لهم السبيل، إلا أنهم أصرَّوا على الكفر والتكذيب، فيوشَكُ أن يقعَ فيهم العذابَ الأليم، والعذاب العظيم؛ فيكونُوا من المغرقين.

نعم، إنهم أغرقوا بسيئاتهم، إنهم أغرقوا بخطاياهم، إنهم أغرقوا بكفرهم وتكذيبهم، كما قالَ جلَّ وعلا: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح: 25].

فما كان من نوحٍ عليه السلام لما استكبرَ قومُه، وقد عَلِمَ بخبرِ الله أنه لن يؤمِنَ منهم أحد دعا الله عزَّ وجل، فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26-27]

أيها الأخوة والأخوات، نوحٌ عليه السلام امتثلَ أمر الله جلَّ وعلا، فشرَعَ في صناعة الفلك الذي أمرهُ اللهُ تعالى بصناعته، فكانَ محلاً لمزيدِ أذىً  وسخرية، واعتداء من قومه، كما قصَّ اللهُ تعالى في خبَره: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود: 38].

فكان جوابُنوحٍ عليه السلام جواب الصابر المثابر، جواب المؤمن الموقن: {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 38-39].

ولقد بيَّنَ اللهُ تعالى لنوحٍ طريقَ النجاة، فقال له: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ} [هود: 40]، {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37].

وقد بيَّنَ اللهُ تعالى في آيةٍ أُخرى قلةَ من آمن مع نوح، فقال: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40]، نعم، إنهم قليلون في العدَّة؛ لكنَّهم عند اللهِ تعالى كثير.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في عددِ من كانَ مع نوح، فقيلَ: كانوا ثمانينَ نفساً معهم نساؤهم، وقيل: كانوا عشَرة، وقيل: كانوا أقل من ذلك، وفي كُلِّ الأحوال هم قليلٌ بالنظرِ إلى من كفرَ بنوح عليه السلام ولم يؤمنبه.

فلما جاء أمرُ الله عزَّ وجل، وفار التنور، وانفتحت السماء بماء منهمر، وتفجرت العيون من كل مكان، وعلا منسوبُ الماء علواً يهددُ الأنفسَ والأموال؛ ركِبَ نوحٌ عليه السلام ومن معهُ السفينة، {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41].

فذكرَ اللهَ تعالى عند ركوبه وعندَ نزوله؛ تبرُّكاً به جلَّ في علاه، وطلباً لعونه، ومعيِّته، وحفظه، وتأييده، ونصره، وذاكَ فضلٌ منه وإحسانٌ سبحانهُ وبحمده.

وقد أمرَ اللهُ تعالى نوحاً إذا ركِبَ في السفينةِ أن يحمدَهُ جلَّ في علاه، قال سبحانه وتعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28].

نعم، إنه يستحقُ الحمدَ جلَّ في علاه، أن يَسَّرا لنوحٍ أسباب النجاة، أن حققَ لهُ ما وعدَهُبهمن إهلاك الظالمين، وإنجاءعبادِ الله الصالحين.

ثم أمرَهُ بدعاءٍآخر، وهو امتدادُ الفضل، واستمرارُ الإحسان، حيثُ قال له جلَّ في علاه: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29]، أي: في نزولِ في هذه السفينة، وعندما ينزلُ منها إلى الأرضِ يجدُ منها مُنزلاً مُباركاً؛ ولذلك أجابَ اللهُ تعالى دعاءه، فقال جلَّ في علاه: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48].

إنَّ السلامَ والبركات حقٌّ لأهلِ الإيمان، حقٌّ لأصحابِ الأنبياء، حقٌّ لمَن آمن بالرسل، وأمَّا غيرُهم ممن كذَّبَ الرسلَ وعاندَهم فقد يُدركُ نوعاً من المتاع، لكنَّهُ سُرعانَ ما يضمحلُّ ويزول، كما قال تعالى: { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205-207].

إنَّ نوحاً عليه السلامهبَطَومن معه بسلامٍ من اللهتعالىوبركات، وكانَ ما كانَ من عبادة الله وحده، وبقيَ نوحٌ عليه السلام معَ من معه على التوحيدِ والإيمانِ والطاعة؛ إذ لم يبقَ على الأرضِ من الكافرين ديَّاراً، كما قال نوحٌ عليه السلام في دعائه: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].

فأنجى اللهُ تعالى نوحاً ومن معه، كما قال تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} [الأعراف: 64].

وكما قال تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} [يونس: 73].

وقد جعلَ اللهُ تعالى هذه السفينةِ التي نجَّا اللهُ فيها نوحاً ومن معه آيةً للعالمين، قال سبحانه: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 15].

لقد كانت السفينةُ آيةً وعلامةً على صدقِ نوحٍ، وعلى عظيمِ قدرةِ الله عزَّ وجل، وعلى حُسنِ تدبيره، وعلى نَصْرِهلأوليائه.

اللهم أجعلنا من أوليائكَ وحزبك، ووفقنا إلى صالح القول والعمل، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف