×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها-4 / الحلقة (8) كيف ندعوا الله بأسمائه ج2

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له -نعم من يهده الله فلا مضل له- ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.

فحياكم الله أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها)، نعم ادعوه بها، إنها أسماء الله التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فقال: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾  +++الأعراف: 180--- .

ودعاء الله تعالى بأسمائه طريق للوصول إلى مرضاته وبلوغ جناته، فإن الله تعالى قد رتب على إحصاء أسمائه دخول الجنة، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة» +++ صحيح البخاري (2736)—(2677)-.

هذه الأسماء هي التي أخبر عنها في كتابه، وأخبر عنها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وإحصاؤها يكون بعدها، ويكون بالتعبد لله تعالى باعتقاد معانيها، والتأثر بآثارها وثمارها، وبذلك يتحقق الإحصاء الذي يدخل به الجنة، وهذا النوع من الإحصاء هو دعاء العبادة؛ لأننا ذكرنا أن دعاء الله تعالى بأسمائه يكون دعاء عبادة، و دعاء مسألة.

دعاء العبادة: هو الثناء على الله عز وجل وهذا يشترك فيه الخلق كلهم، ألم تسمعوا إلى ما عده الله من أسمائه الحسنى وصفاته الجليلة في سورة الحشر؟ حيث قال: ﴿هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى+++[الحشر: 22-24]---.
انتبه، الآن عد جملة من الأسماء، وأخبر أن له أسماء حسنى غير ما ذكر، ثم قال: ﴿يسبح له ما في السماوات والأرض﴾+++الحشر: 24--- ، التسبيح هنا هو التمجيد، هو التقديس، هو التنزيه، هذا التسبيح لم يكن لفئة من خلقه؛ بل لكل من في السماوات ومن في الأرض ﴿يسبح له ما في السماوات والأرض﴾، كما قال تعالى : ﴿تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾+++الإسراء: 44---  ما في شيء إلا ويسبح بحمده،  ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾  +++الإسراء: 44--- ، هذا التسبيح هو دعاء عبادة، يشترك فيه الخلق كلهم.
أما النوع الثاني من الدعاء من دعاء الله بأسمائه، هو دعاؤه دعاء مسألة، دعاء طلب، دعاء قضاء حاجات، دعاء إغاثة لهفات، دعاء إدراك مطلوبات، دعاء سؤال مسائل ورغبات، وهذا هو المتبادر إلى ذهن كثيرين، فالذي يقول: يا الله، ارزقني هنا يدعو الله بأسمائه في مسألة، يا الله، أعطني هنا يدعو الله في مسألة، الذي يقول: يا ربي، اغفرلي، يدعو الله بأسمائه في مسألة، و سواء كان في النداء، أو كان في التوسل بأسمائه جل وعلا.

هنا نحتاج إلى أن ننبه: لماذا ندعو الله بأسمائه؟

لأن الطالب لا بد في تقديم طلبه أن يزيل ما بينه وبين من يسأله، يزيل الحواجز، ويقترب من سائله بذكر ما يوجب العطاء.
وأيضا لأن ذكر الأسماء في ثنايا الدعاء يعطي الداعي ثقة في أن من سأله سيعطيه، لما تقول: يا الله، أعطني فأنت تسأل الله الذي له الأسماء الحسنى، الذي له ملك السماوات والأض، فيمتلئ قلبك ثقة بأن الله سيعطيك.

فذكر أسماء الله في ثنايا السؤال، في مقدمته أو في خاتمته توسلا لله عز وجل، كأن تقول: اغفر لي يا غفور، يا رحيم، أو اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، هذا توسل؛ هنا أنت تذكر ما يوجب العطاء، وتزيل ما يمكن أن يكون بينك وبين من تسأله جل في علاه من الحواجز، علما أن المؤمن والداعي ليس بينه وبين الله حاجز؛ بل قد قال ربنا جل في علاه : ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ +++البقرة: 186--- .
فالله تعالى قريب من الداعي، ليس بينه وبين من يدعوه حجاب أو حاجز أو مانع، بل يصله جل وعلا، البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وكل أحد إنما تقضى حاجته من قبله سبحانه وبحمده ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾  +++النمل: 62---  سبحانه يجيب دعوة المضطر، سواء كان مسلما أو كافرا، سواء كان محبا لله أو مبغضا له، كل من دعا الله في حال الاضطرار فإن الله يجيبه ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه.
إذا دعاء المسألة هو وجه من أوجه دعاء الله بأسمائه الحسنى، كيف ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى دعاء مسألة؟

يكون هذا بأن نفتتح الدعاء بحمد الله، والثناء عليه، وهذا ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرنا بأن نستفتح في دعائنا بحمد الله، والثناء عليه، جاء في الحديث الصحيح عند أحمد وغيره من حديث فضالة بن عبيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحمد الله، ولم يثن عليه، فقال: «عجل هذا»، النبي صلى الله عليه وسلم يعلق على هذا الدعاء الذي سمعه، قال:  «عجل هذا -يعني: استعجل- إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم  ثم ليسأل الله حاجته -أو- ثم ليدع بعد ذلك بما شاء» +++سنن أبي داود (1481)، والترمذي (3477) وقال: حسن صحيح---.

هكذا الترتيب، افتتاح الدعاء بحمد الله، والثناء عليه، ومن تأمل دعاء النبي  صلى الله عليه وسلم ؛ بل قبل ذلك من تأمل الدعاء القرآني، أعظم دعاء في القرآن هذه طريقته، افتتحه الله بحمده، والثناء عليه، أعظم دعاء في القرآن ما هو، سؤال؟

كل مسلم يدعو بهذا الدعاء، وهو فرض على كل مسلم أن يدعو الله تعالى به، وهو ما في سورة الفاتحة: ﴿اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾  +++الفاتحة: 6-7--- ، ألسنا إذا فرغنا من هذا قلنا: آمين؟

نعم، نحن نؤمن على سؤال وطلب، ما هو السؤال والطلب؟

هو سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم، طيب، هل نحن نبتدئ نقول: الله أكبر، ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾؟
لا، السورة مفتتحة بحمد الله، والثناء عليه، وذكر صفاته وأسمائه الموجبة لعطائه: ﴿الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين﴾+++الفاتحة: 2-4--- ، كل هذا تمجيد وتقديس لله عز وجل.

ثم بعد ذلك توسل إليه بالإخلاص له، وبالافتقار إليه:
﴿إياك نعبد﴾ توسل بالإخلاص.

﴿وإياك نستعين﴾ توسل بالافتقار إليه، وطلب العون منه، وأن لا عون إلا من قبله، ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾  +++الفاتحة: 5--- .

 ثم يأتي السؤال والطلب: ﴿اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾  +++الفاتحة: 6-7--- .

وفي الصحيح من حدين ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يدعو في صلاة الليل، في افتتاح صلاة الليل، يقول -واستمع إلى هذا الدعاء-: «اللهم لك الحمد» هذا تمجيد وتقديس، (له الحمد)، أي: له الثناء المطلق، الثناء الجميل «لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن» هذا من سؤال الله عز وجل بأسمائه، من دعاء الله عز وجل بأسمائه، دعاء عبادة.

«اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق» انظر هذا توسل بإثبات هذه العظائم «والساعة حق، ومحمد حق».


ثم يذكر جملة من المسائل والتوسل إليه بالحال: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت»
ثم يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه لله جل في علاه : «فاغفر لي ما قدمت وما أخرت» +++صحيح البخاري (1120)، ومسلم (769)---.

كل هذا المتقدم الذي فيه دعاء الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، والثناء عليه، والتوسل إليه بحال العبد؛ كله لمسألة: «فاغفرلي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت، وما أسررت، أنت إلهي لا إله غيرك» +++صحيح البخاري (1120)، ومسلم (769)--- .

هكذا كان صلى الله عليه وسلم يفتتح سؤاله ودعاؤه الله عز وجل بالثناء عليه.

مما ينبغي أن يلاحظ أيضا في دعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى أن ينتخب الإنسان بأسماء الله تعالى وصفاته ما هو مناسب للسؤال والحاجة، فلا يقول مثلا: اللهم اغفر لي يا جبار، إنما ينتخب من ذلك ما هو مناسب، القرآن بين لنا شيء من ذلك في قوله على سبيل المثال: ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة﴾ ما المناسب؟ ﴿إنك أنت الوهاب﴾ +++آل عمران: 8--- ،  توسل إليه باسمه الذي يناسب المسألة، وهذا من دعاء الله بأسمائه.

﴿قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب﴾+++ص: 35--- ، ﴿قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾+++البقرة: 32--- ، ﴿ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم﴾  +++البقرة: 129--- .

هكذا يذكر المؤمن في دعائه ما يناسب مسألته، وفي الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، لما قال: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني أنت الغفور الرحيم» +++ صحيح البخاري (834)، ومسلم (2705)---.

فتوسل إليه بأنه الغفور الرحيم، وهذان اسمان مناسبان للمسألة والطلب، وتأمل كل الأدعية النبوية تجدها على هذا النحو، ينتقى فيها من الأسماء، ويذكر ما يناسب المسألة.

اللهم ارزقنا الفقه في الدين، والعلم بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، ودعائك بها على الوجه الذي ترضا به عنا، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:5109

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له -نعم من يهده الله فلا مضل له- ومن يضلل الله فلن تجدَ له ولياً مرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، الرحمن الرحيم، وأشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمَّا بعد.

فحياكم الله أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها)، نعم ادعوه بها، إنها أسماء الله التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في كتابه، فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾  الأعراف: 180 .

ودعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه طريق للوصول إلى مرضاته وبلوغ جناته، فإنَّ الله ـ تعالى ـ قد رتَّبَ على إحصاءِ أسمائه دخول الجنة، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنة» صحيح البخاري (2736)—(2677)-.

هذه الأسماء هي التي أخبر عنها في كتابه، وأخبر عنها رسوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في سنته، وإحصاؤها يكونُ بِعدِّها، ويكونُ بالتعبُّدِ لله ـ تعالى ـ باعتقادِ معانيها، والتأثر بآثارها وثمارها، وبذلك يتحقق الإحصاء الذي يَدخل به الجنة، وهذا النوع من الإحصاء هو دعاء العبادة؛ لأننا ذكرنا أنَّ دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه يكون دعاء عبادة، و دعاء مسألة.

دعاء العبادة: هو الثناء على الله ـ عزَّ وجل ـ وهذا يشترك فيه الخلق كلهم، ألم تسمعوا إلى ما عدَّه الله من أسمائه الحسنى وصفاته الجليلة في سورة الحشر؟ حيثُ قال: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الحشر: 22-24].
انتبه، الآن عَدَّ جملة من الأسماء، وأخبر أنَّ له أسماء حسنى غير ما ذكر، ثم قال: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِالحشر: 24 ، التسبيح هنا هو التمجيد، هو التقديس، هو التنزيه، هذا التسبيح لم يكن لفئة من خلقه؛ بل لكل مَن في السماوات ومَن في الأرض ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهالإسراء: 44  ما في شيء إلا ويسبح بحمده،  ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾  الإسراء: 44 ، هذا التسبيح هو دعاء عبادة، يشترك فيه الخلق كلهم.
أمَّا النوع الثاني من الدعاء من دعاء الله بأسمائه، هو دعاؤه دعاء مسألة، دعاء طلب، دعاء قضاء حاجات، دعاء إغاثة لهفات، دعاء إدراك مطلوبات، دعاء سؤال مسائل ورغبات، وهذا هو المتبادر إلى ذهن كثيرين، فالذي يقول: يا الله، ارزقني هنا يدعو الله بأسمائه في مسألة، يا الله، أعطني هنا يدعو الله في مسألة، الذي يقول: يا ربي، اغفرلي، يدعو الله بأسمائه في مسألة، و سواءً كان في النداء، أو كان في التوسل بأسمائه جلَّ وعلا.

هنا نحتاج إلى أن ننبِّه: لماذا ندعو الله بأسمائه؟

لأنَّ الطالب لا بدَّ في تقديم طلَبه أن يزيل ما بينه وبين مَن يسأله، يزيل الحواجز، ويقترب مِن سائله بذكرِ ما يوجب العطاء.
وأيضاً لأنَّ ذكر الأسماء في ثنايا الدعاء يُعطي الداعي ثقةً في أنَّ مَن سأله سيعطيه، لما تقول: يا الله، أعطني فأنت تسأل الله الذي له الأسماء الحسنى، الذي له ملك السماوات والأض، فيمتلئ قلبُك ثقةً بأنَّ الله سيعطيك.

فذكرُ أسماء الله في ثنايا السؤال، في مقدمته أو في خاتمته توسلاً لله عزَّ وجل، كأن تقول: اغفر لي يا غفور، يا رحيم، أو اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، هذا توسل؛ هنا أنت تذكر ما يوجب العطاء، وتزيل ما يمكن أن يكونَ بينك وبين مَن تسأله ـ جلَّ في علاه ـ من الحواجز، علماً أنَّ المؤمن والداعي ليس بينه وبين الله حاجز؛ بل قد قال ربنا ـ جلَّ في علاه ـ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَالبقرة: 186 .
فالله ـ تعالى ـ قريب من الداعي، ليس بينه وبين مَن يدعوه حجاب أو حاجز أو مانع، بل يصله جلَّ وعلا، البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وكلُ أحدٍ إنما تُقضى حاجته من قِبلِه ـ سبحانه وبحمده ـ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾  النمل: 62  سبحانه يجيب دعوة المضطر، سواءً كان مسلماً أو كافراً، سواءً كان محباً لله أو مبغضاً له، كل مَن دعا الله في حالِ الاضطرار فإنَّ الله يجيبه ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.
إذاً دعاء المسألة هو وجهٌ من أوجه دعاء الله بأسمائه الحسنى، كيف ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى دعاء مسألة؟

يكون هذا بأن نفتتح الدعاء بحمد الله، والثناء عليه، وهذا ما وجَّه إليه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حيث أمرنا بأن نستفتح في دعائنا بحمد الله، والثناء عليه، جاء في الحديث الصحيح عند أحمد وغيره من حديث فَضالة بن عُبيد: أنَّ النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سمِعَ رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصلِّ على النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولم يحمد الله، ولم يُثْنِ عليه، فقال: «عجِلَ هذا»، النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يعلِّق على هذا الدعاء الذي سمعه، قال:  «عجِلَ هذا -يعني: استعجل- إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ ثم ليسأل الله حاجته -أو- ثم ليَدعُ بعد ذلك بما شاء» سنن أبي داود (1481)، والترمذي (3477) وقال: حسن صحيح.

هكذا الترتيب، افتتاح الدعاء بحمدِ الله، والثناء عليه، ومن تأمَّلَ دعاء النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بل قبل ذلك مَن تأمَّل الدعاء القرآني، أعظم دعاء في القرآن هذه طريقته، افتتحه الله بحمده، والثناء عليه، أعظم دعاء في القرآن ما هو، سؤال؟

كلُ مسلمٍ يدعو بهذا الدعاء، وهو فرض على كل مسلم أن يدعو الله تعالى به، وهو ما في سورةِ الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾  الفاتحة: 6-7 ، ألسنا إذا فرغنا من هذا قلنا: آمين؟

نعم، نحن نؤمِّن على سؤال وطلب، ما هو السؤال والطلب؟

هو سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم، طيب، هل نحن نبتدئ نقول: الله أكبر، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾؟
لا، السورة مفتتحة بحمدِ الله، والثناء عليه، وذكر صفاته وأسمائه الموجبة لعطائه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينالفاتحة: 2-4 ، كل هذا تمجيد وتقديس لله عزَّ وجل.

ثم بعد ذلك توسل إليه بالإخلاصِ له، وبالافتقار إليه:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُد﴾ توسل بالإخلاص.

﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توسل بالافتقار إليه، وطلب العون منه، وأن لا عونَ إلا من قبلِه، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾  الفاتحة: 5 .

 ثم يأتي السؤال والطلب: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾  الفاتحة: 6-7 .

وفي الصحيح من حدين ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان يدعو في صلاة الليل، في افتتاح صلاة الليل، يقول -واستمع إلى هذا الدعاء-: «اللهم لك الحمد» هذا تمجيد وتقديس، (له الحمد)، أي: له الثناء المطلق، الثناء الجميل «لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهنّ» هذا من سؤالِ الله عزَّ وجل بأسمائه، من دعاء الله عزَّ وجل بأسمائه، دعاء عبادة.

«اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيِّمُ السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحقُّ، ووعدُكَ الحقُّ، وقولُك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، والجنةُ حقٌّ، والنار حقٌّ» انظر هذا توسل بإثبات هذه العظائم «والساعة حقٌّ، ومحمدٌ حقٌّ».


ثم يذكر جملة من المسائل والتوسل إليه بالحال: «اللهم لك أسلمت، وبكَ آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبكَ خاصمت»
ثم يقول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في دعائه لله ـ جلَّ في علاه ـ: «فاغفر لي ما قدمت وما أخرت» صحيح البخاري (1120)، ومسلم (769).

كل هذا المتقدم الذي فيه دعاء الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، والثناء عليه، والتوسل إليه بحال العبد؛ كله لمسألة: «فاغفرلي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت، وما أسررت، أنت إلهي لا إله غيرك» صحيح البخاري (1120)، ومسلم (769) .

هكذا كان ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يفتتحُ سؤاله ودعاؤه الله عزَّ وجل بالثناء عليه.

مما ينبغي أن يلاحظ أيضاً في دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه الحسنى أن ينتخب الإنسان بأسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته ما هو مناسب للسؤال والحاجة، فلا يقول مثلاً: اللهم اغفر لي يا جبَّار، إنما ينتخب من ذلك ما هو مناسب، القرآن بيَّن لنا شيء من ذلك في قوله على سبيل المثال: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ ما المناسب؟ ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابآل عمران: 8 ،  توسل إليه باسمه الذي يناسب المسألة، وهذا من دعاء الله بأسمائه.

﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابص: 35 ، ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمالبقرة: 32 ، ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾  البقرة: 129 .

هكذا يذكر المؤمن في دعائه ما يناسب مسألته، وفي الدعاء الذي علَّمه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لأبي بكر، لما قال: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني أنت الغفور الرحيم» صحيح البخاري (834)، ومسلم (2705).

فتوسل إليه بأنه الغفور الرحيم، وهذان اسمان مناسبان للمسألة والطلب، وتأمَّل كل الأدعية النبوية تجدها على هذا النحو، يُنتقَى فيها من الأسماء، ويذكر ما يناسب المسألة.

اللهم ارزقنا الفقه في الدين، والعلم بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، ودعائك بها على الوجه الذي ترضا به عنَّا، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات42599 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات29317 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات24692 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات22204 )
6. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات20768 )
7. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات20340 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات15634 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات12307 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات12301 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10910 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10816 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات10560 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف