×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة (10) دعوة نبي الله هود عليه السلام.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (10) دعوة نبي الله هود عليه السلام.
00:00:01

الحلقة العاشرة (( دعوة نبي الله هود عليه السلام  )) الحمد لله الحميد المجيد، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في حلقة جديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). في هذه الحلقة سنتحدث عن هود عليه السلام إنه رسول من الرسل الكرام، الذين بعثهم الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، قص الله تعالى خبره في كتابه في مواضع عديدة، وبين ما دعا إليه، وما جاء به من الهداية، وما قاله لقومه، وبماذا أجابوا عليه؟ وإلى أي شيء صار حالهم وحاله؟ هود  عليه السلام من ولد سام، فنوح عليه السلام كان له ثلاثة من الولد لهم عقب، وهم: (سام، ويافث، وحام)، وكان سام أبا العرب، كما جاء في مسند الإمام أحمد. وقد كان بين هود ونوح مدة من الزمن، فإن الله تعالى لما أهلك قوم نوح بالطوفان الذي عم الأرض، فلم يبق على الأرض من الكافرين ديارا؛ بقي الناس على التوحيد مدة من الزمن، وتفرقوا في بلاد الدنيا، فعاد الشيطان في كيده الذي لا ينقطع ولا يتوقف؛ لصد الناس عن عبادة الله عز وجل، ولإخراجهم عن الصراط المستقيم، فكان ممن تورط في طرق الغواية والضلال عاد قوم هود. أيها الأخوة والأخوات، هود عليه السلام هو رسول الله تعالى لعاد، وعاد اسم لجد من أجداد هود، وإضافة عاد إلى إرم هو إضافتهم إلى جد من أجدادهم، كما قال الله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} +++[الفجر: 6-7]---. ولم يكن في قوم عاد رسول بين هود ونوح؛ ولذلك قال هود لقومه: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} +++[الأعراف: 69]---.  وقال تعالى بعد أن قص ما قص من خبر قوم نوح: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين}+++ [المؤمنون: 31]---، وهم قوم هود. وكانت دعوة هود لقومه كدعوة نوح عليه السلام لقومه، دعاهم إلى عبادة الله وحده، كما قال الله جل وعلا: {وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} +++[الأعراف: 65]---. وقال تعالى: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف}، وهو المكان الذي كانت تقيم فيه عاد، {وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} +++[الأحقاف: 21]---. فذكرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عن عبادة ما سواه، وحذرهم العذاب الأليم إن خالفوه، وخرجوا عما أمرهم به. وفي بيان رسالته وتكذيب قومه قال الله تعالى: {كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون} +++[الشعراء: 123-126]---. وقد ذكرهم هود عليه السلام بما خصهم الله تعالى به من القوة والقدرة، كما قال جل وعلا: {فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} +++[الشعراء: 131-135]---. ولقد ذكر الله تعالى في كتابه ما كان عليه قوم هود من القدرة والقوة، قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد} +++[الفجر: 6-8]---. وقص الله تعالى ما قاله هود لقومه عندما دعاهم إلى عبادة الله وحده، قال هود عليه السلام: {وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} +++[هود: 52]---. وقد ذكرهم بما فتح الله تعالى عليهم من القوة والقدرة، فقال: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين} +++[الشعراء: 128-130]---، عاد مذكرا برسالته: {فاتقوا الله وأطيعون}. وقد ميز الله تعالى قوم هود بقوة في أبدانهم، قال تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة}+++ [الأعراف: 69]---. هذا وصف لحال أولئك الذين بعث فيهم هود، كانوا على قوة في أبدانهم، وقدرة في صناعتهم وأعمالهم، كما قص الله تعالى وبين في محكم كتابه، فبماذا أجابوا هودا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده، وإلى ترك التجبر والتكبر؟ {قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون}+++ [هود: 53-55]---. فاستكبروا عن إجابة دعوته، كما قال الله جل وعلا: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة}، اغتروا بقوتهم، فجاءهم الجواب على هذا الاغترار: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون}+++ [فصلت: 15]---. ومن استكبار قوم هود أنهم قالوا كما قص الله تعالى عنهم: {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} +++[الأعراف: 66]---، إلا أن هودا عليه السلام صبر على ذلك كله، وقابل ذلك الإستكبار، وتلك الاستهانة بإبطال تلك الدعاوى، فقال مجيبا لهم: {قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} +++[الأعراف: 66-69]---. ولتأكيد سلامة قصده، وصحة إرادته، وإنه لا يريد من دعوتهم إلا نفعهم، وأن الحامل لدعوتهم هو إصلاحهم؛ ما ذكره الله تعالى في قوله: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} +++[الشعراء: 127]---. وقال في موضع آخر: {ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون} +++[هود: 51]---. وكان من حجتهم في رد دعوة هود عليه السلام ما قصه الله تعالى عنهم، حيث قال: {ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين} +++[المؤمنون: 33-38]---. لقد كذبت عاد المرسلين، فردوا دعوة هود عليه السلام، ولم يقبلوا منه شيئا، {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين} +++[الشعراء: 136-138]---. ومن مجمل ما تقدم أن هودا  عليه السلام بعثه الله تعالى بعد نوح بمدة من الزمن، لما انحرف الناس وخرجوا عن الصراط المستقيم، وكانوا بحاجة إلى من يعيدهم إلى الطريق القويم؛ جاء هود عليه السلام، دعاهم إلى عبادة الله وحده، ذكرهم بما من الله تعالى عليهم من أنواع المنن والنعم، بين لهم الهدى، حذرهم من عاقبة التكذيب، لكنهم مع هذا كله لم يقبلوا منه دعوته؛ بل استهزؤوا به، ووصفوه بالسفاهة، وردوا الهداية التي جاء بها، لا لحجة وبرهان؛ بل {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} +++[فاطر: 43]---. اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، أعنا على طاعتك، وأصرف عنا معصيتك، وأجعلنا من حزبك وأوليائك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:5107
الحلقة العاشرة
(( دعوة نبي الله هود عليه السلام  ))
الحمد لله الحميد المجيد، له الحمدُ كُلُّه، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعَ سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في حلقةٍ جديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
في هذه الحلقة سنتحدث عن هودٍ عليه السلام إنه رسولٍ من الرُّسُلِ الكرام، الذين بعثهمُ اللهُ تعالى لإخراجِ الناس من الظلمات إلى النور، قصَّ اللهُ تعالى خبَره في كتابه في مواضع عديدة، وبيَّنَ ما دعا إليه، وما جاءَ به من الهداية، وما قالَهُ لقومه، وبماذا أجابوا عليه؟ وإلى أي شيءٍ صارَ حالهم وحاله؟
هودٌ  عليه السلام من ولدِ سام، فنوحٌ عليه السلام كانَ له ثلاثة من الولد لهم عَقب، وهم: (سام، ويافث، وحام)، وكانَ سامٌ أبا العرب، كما جاءَ في مسند الإمام أحمد.
وقد كانَ بين هود ونوح مُدة من الزمن، فإنَّ اللهَ تعالى لما أهلكَ قومَ نوح بالطوفان الذي عمَّ الأرض، فلم يُبقِ على الأرضِ من الكافرين ديّاراً؛ بقي الناس على التوحيد مُدةً من الزمن، وتفرقوا في بلادِ الدنيا، فعادَ الشيطانُ في كيده الذي لا ينقطعُ ولا يتوقف؛ لصدِّ الناس عن عبادة الله عزَّ وجل، ولإخراجهم عن الصراط المستقيم، فكانَ ممن تورطَ في طُرقِ الغِوايةِ والضلال عادٌ قومُ هود.
أيها الأخوة والأخوات، هودٌ عليه السلام هو رسولُ اللهِ تعالى لعاد، وعاد اسمٌ لجدٍّ من أجدادِ هود، وإضافةُ عادٍ إلى إرم هو إضافتهم إلى جدٍّ من أجدادهم، كما قال اللهُ تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6-7].
ولم يكن في قومِ عادٍ رسولٌ بينَ هودٍ ونوح؛ ولذلكَ قال هودٌ لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69].
 وقال تعالى بعدَ أن قصَّ ما قصَّ من خبرِ قومِ نوح: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [المؤمنون: 31]، وهم قوم هود.
وكانت دعوةُ هودٍ لقومه كدعوةِ نوح عليه السلام لقومه، دعاهم إلى عبادة الله وحده، كما قالَ اللهُ جلَّ وعلا: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}، وهو المكانُ الذي كانت تُقيمُ فيه عاد، {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأحقاف: 21].
فذكَّرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عن عبادةِ ما سواه، وحذَّرهم العذاب الأليم إن خالفوهُ، وخرجوا عمَّا أمرهم به.
وفي بيانِ رسالته وتكذيبِ قومه قال اللهُ تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 123-126].
وقد ذكَّرهم هودٌ عليه السلام بما خصَّهم اللهُ تعالى به من القوةِ والقدرة، كما قال جلَّ وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 131-135].
ولقد ذكرَ اللهُ تعالى في كتابه ما كانَ عليه قومُ هودٍ من القدرةِ والقوة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6-8].
وقصَّ اللهُ تعالى ما قالهُ هودٌ لقومه عندما دعاهم إلى عبادةِ اللهِ وحده، قال هودٌ عليه السلام: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
وقد ذكَّرهم بما فتحَ اللهُ تعالى عليهم من القوةِ والقدرة، فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 128-130]، عادَ مُذكِّراً برسالته: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.
وقد ميَّزَ اللهُ تعالى قومَ هودٍ بقوةٍ في أبدانهم، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} [الأعراف: 69].
هذا وصفٌ لحالِ أولئك الذينَ بُعِثَ فيهم هود، كانوا على قوةٍ في أبدانهم، وقدرةٍ في صناعتهم وأعمالهم، كما قصَّ اللهُ تعالى وبيَّنَ في مُحكمِ كتابه، فبماذا أجابوا هوداً عليه السلام لما دعاهم إلى عبادةِ اللهِ وحده، وإلى تركِ التَّجَبُّرِ والتكبُّر؟ {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: 53-55].
فاستكبروا عن إجابةِ دعوته، كما قال اللهَ جلَّ وعلا: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، اغتروا بقوتهم، فجاءهمُ الجوابُ على هذا الاغترار: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15].
ومن استكبارِ قوم هود أنهم قالوا كما قصَّ اللهُ تعالى عنهم: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 66]، إلا أنَّ هوداً عليه السلام صبرَ على ذلكَ كله، وقابلَ ذلكَ الإستكبار، وتلكَ الاستهانة بإبطالِ تلكَ الدعاوى، فقالَ مُجيباً لهم: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 66-69].
ولتأكيدِ سلامةِ قصده، وصحةِ إرادته، وإنه لا يريدُ من دعوتهم إلا نفعهم، وأنَّ الحامِلَ لدعوتهم هو إصلاحهم؛ ما ذكرَهُ اللهُ تعالى في قوله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 127].
وقال في موضعٍ آخر: {يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [هود: 51].
وكانَ من حُجتهم في ردِّ دعوةِ هودٍ عليه السلام ما قصَّهُ اللهُ تعالى عنهم، حيثُ قال: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: 33-38].
لقد كذَّبت عادٌ المرسلين، فردُّوا دعوةَ هودٍ عليه السلام، ولم يَقبلوا منه شيئاً، {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 136-138].
ومن مُجملِ ما تقدَّم أنَّ هوداً  عليه السلام بعثه اللهُ تعالى بعدَ نوحٍ بمدةٍ من الزمن، لمَّا انحرف الناس وخرجوا عن الصراط المستقيم، وكانوا بحاجةٍ إلى من يُعيدهم إلى الطريقِ القويم؛ جاءَ هودٌ عليه السلام، دعاهم إلى عبادةِ الله وحده، ذكَّرَهم بما منَّ اللهُ تعالى عليهم من أنواعِ المنن والنعم، بيَّنَ لهم الهدى، حذَّرهم من عاقبةِ التكذيب، لكنَّهم مع هذا كُلِّه لم يقبلوا منهُ دعوته؛ بل استهزؤوا به، ووصَفوهُ بالسفاهة، وردُّوا الهِداية التي جاءَ بها، لا لحجةٍ وبرهان؛ بل {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
اللهم ألهمنا رُشدنا، وقنا شر أنفسنا، أعنا على طاعتك، وأصرف عنَّا معصيتك، وأجعلنا من حزبك وأوليائك، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18648 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11971 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9154 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8020 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف