×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة (12) دعوة نبي الله صالح عليه السلام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (12) دعوة نبي الله صالح عليه السلام
00:00:01

الحلقة الثانية عشر (( دعوة نبي الله صالح عليه السلام )) {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} +++[الفاتحة: 2-4]---، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، أما بعد: فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). إن من رسل الله عز وجل الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، وأرسلهم هداية للناس صالحا عليه السلام. صالح رسول من رسل الله عز وجل، بعثه الله إلى قوم ذوي عناد وكفر واستكبار، إنهم ثمود، تلك القبيلة المشهورة، التي سميت باسم جدهم ثمود، وهو من ولد سام، وكانوا عربا من العاربة، يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد جاء ذكرهم في القرآن في مواضع عديدة. وقد جاء قوم صالح بعد قوم عاد؛ ولذلك ذكرهم صالح عليه السلام بما كان من شأن عاد، وما حل بهم، فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} +++[الأعراف: 74]---. وكثيرا ما يقرن الله تعالى في كتابه العزيز بين عاد وثمود، ذاك في جملة من السور: في سورة الأعراف، وهود، وفي سورة براءة، وإبراهيم، وفي سورة الفرقان، وص، وفي غيرها من مواضع ذكر النبيين، يقرن الله تعالى بين عاد وثمود. وسبب هذا الاقتران: أن عادا وثمود كلاهما من قبائل العرب، وكلاهما سكنا الجزيرة، وكلاهما كانا على بسطة في المال والقوة، والعطاء والنعمة، وكلاهما كذب رسوله، وكلاهما وقع به الهلاك الذي هدد به الرسول وتوعد. أيها الأخوة والأخوات، جاء صالح إلى قومه ثمود على نحو ما كانت الرسل تأتي، جاءهم يأمرهم بعبادة الله وحده، قال الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. ثم إنه جاءهم بآيات وبينات ودلائل وبراهين تدل على صدق ما جاء به، فقال: {قد جاءتكم بينة من ربكم}: جاءتكم آية تدل على صدق ما دعوتكم إليه: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} +++[الأعراف: 73]--- . والسر في كون آية صالح كانت من بهيمة الأنعام أنهم كانوا ذوو أنعام، فكان لهم من الغنم والبقر والإبل ما ملأ الأودية والسهول، فجاءت الآية من شيء يعهدونه ويعرفونه، فناسب أن تكون الآية شيئا مما يعرفونه؛ ليتبين لهم خروجها عن المألوف، وليتبين لهم صدق ما جاء به صالح عليه السلام. صالح ذكرهم بعظيم إنعام الله عليهم، فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض}: مكنكم منها {تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} +++[الأعراف: 74]---. فلم ينتفعوا من ذلك التذكير؛ بل أصروا مستكبرين، وتوجهوا إلى أتباع صالح عليه السلام مستهزئين ساخرين، قالوا لهم: {أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه}، فأجاب أولئك المؤمنون بثبات ويقين: {قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون} +++[الأعراف: 75]---. فما كان من المستكبرين إلا أن قالوا: {إنا بالذي آمنتم به كافرون}+++ [الأعراف: 76]---، وهذا على وجه التصغير لهم والاستضعاف والاحتقار، أي: أننا لا نقبل أن نشترك معكم في عبادة إله واحد، فالإله الذي تعبدونه لا يمكن أن نعبده، استكبارا في الأرض. أيها الأخوة والأخوات، لقد استقبل قوم صالح دعوته بالاستهزاز والسخرية، والاستخفاف والامتهان، إلا أن صالحا عليه السلام كان في غاية الوضوح والجلاء فيما يطلبه منهم، {قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} +++[هود: 63]---. ولإقامة الحجة عليهم جاءت تلك الناقة، التي ذكرها الله تعالى، وكان من شأن الناقة ما أخبر الله تعالى به: {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} +++[الشعراء: 155]---. وقد حذرهم صالح عليه السلام أن يمسوها بسوء، فقال: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم} +++[الشعراء: 156]---، إلا أنهم ظلموا بها، كما قال الله تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} +++[الإسراء: 59]---. ظلموا بها حيث أنهم لم يؤمنوا بها، وظلموا بها حيث أنهم لم يحفظوا حق الله تعالى فيها. {فظلموا بها} أي: جحدوا بها، وتربصوا بها المكائد، كما قص الله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} +++[النمل: 48]---،  سعوا في بقية القبيلة، وحسنوا لهم عقر الناقة، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعوهم فيما زينوه لهم من قتل الناقة، {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} +++[القمر: 29]---، فكذبوا صالحا عليه السلام، وعقروا الناقة؛ فجاءهم ما وعدوا به من العذاب: {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها} +++[الشمس: 14-15]---. وقد زاد استكبارهم وغرورهم بعد أن عقروا الناقة، فقالوا لصالح عليه السلام: {ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} +++[الأعراف: 77]---: أنت كنت قد توعدتنا بالعذاب القريب، والعذاب الأليم، والعذاب العظيم إن مسسنا الناقة بسوء، وها نحن قد فعلنا ذلك، فأين ما تعدنا به؟ فقال لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} +++[هود: 65]---، فلما توعدهم وأخبرهم بالأجل الذي ستحل بهم العقوبة فيه {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} +++[النمل: 49]---. فمكروا به، وأردوا به كيدا، كما قال تعالى: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون}+++ [النمل: 50]---، فكان عاقبة مكرهم خسارا ودمارا ووبالا، كما قال جل وعلا: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} +++[النمل: 51]---. وكان هلاك قوم صالح بالرجفة والصيحة، كما قال تعالى: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} +++[الأعراف: 78]---، وكما قال جل في علاه: {إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر} +++[القمر: 31]---. وقد أبقى الله تعالى بيوتهم خاوية؛ آية لمن بعدهم، كما قال: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون} +++[النمل: 52]---. وأنجى الله تعالى صالحا عليه السلام ومن معه من المؤمنين، كما قال تعالى: {وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} +++[النمل: 53] ---. ولقد أبقى الله تعالى بيوتهم آية وعبرة، {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} +++[الحجر: 84]---، {كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} +++[هود: 68]---. ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر، وهو ذاهب إلى تبوك، فقنع رأسه، وأسرع دابته، وقال لأصحابه: «لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فتباكوا؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم»+++ أخرجه البخاري (3380)، ومسلم (2980).---. ولقد روى البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا واستقينا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا الماء، وأن يطرحوا ذلك العجين»+++ أخرجه البخاري (3378).---؛ وكل ذلك مجافاة لمساكن الذين ظلموا أنفسهم. نجى الله تعالى صالحا ومن معه، فبقي صالح  عليه السلام بعد هلاك قومه ما شاء الله تعالى أن يبقى، قيل: أنه نزل الشام، وقيل: أنه نزل مكة، وقيل غير ذلك. فصلى الله وسلم على نبي الله صالح، وعلى نبينا، وعلى سائر أنبياء الله ورسله الكرام، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:6344
الحلقة الثانية عشر
(( دعوة نبي الله صالح عليه السلام ))
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2-4]، أحمدهُ حقَّ حمده، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميد مجيد، أمَّا بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
إنَّ من رُسِلِ الله عزَّ وجل الذين ذكرَهمُ اللهُ تعالى في كتابه، وأرسلَهم هدايةً للناس صالحاً عليه السلام.
صالحٌ رسولٌ من رُسِلِ الله عزَّ وجل، بعثهُ الله إلى قومٍ ذوي عنادٍ وكُفرٍ واستكبار، إنهم ثمود، تلك القبيلة المشهورة، التي سُميت باسم جدّهم ثمود، وهو من ولدِ سام، وكانوا عرباً من العارِبة، يسكنون الحِجر الذي بينَ الحجاز وتبوك، وقد جاءَ ذكرُهم في القرآنِ في مواضِعَ عديدة.
وقد جاءَ قومُ صالح بعدَ قومُ عاد؛ ولذلكَ ذكَّرهم صالحٌ عليه السلام بما كانَ من شأنِ عاد، وما حلَّ بهم، فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74].
وكثيراً ما يقرِنُ اللهُ تعالى في كتابه العزيز بينَ عادٍ وثمود، ذاكَ في جُملةٍ من السور: في سورةِ الأعراف، وهود، وفي سورةِ براءة، وإبراهيم، وفي سورة الفرقان، وص، وفي غيرها من مواضعِ ذكرِ النبيين، يَقْرنُ اللهُ تعالى بينَ عادٍ وثمود.
وسببُ هذا الاقتران: أنَّ عاداً وثمود كِلاهما من قبائل العرب، وكِلاهما سكنا الجزيرة، وكِلاهما كانا على بسطةٍ في المالِ والقوةِ، والعطاءِ والنعمة، وكِلاهما كذَّبَ رسوله، وكِلاهما وقعَ به الهلاك الذي هدَّدَ به الرسولُ وتَوعَّد.
أيها الأخوة والأخوات، جاءَ صالحٌ إلى قومه ثمود على نحوِ ما كانت الرُّسُلُ تأتي، جاءهم يأمرهم بعبادةِ الله وحده، قال اللهُ تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
ثم إنه جاءهم بآياتٍ وبيِّنات ودلائلَ وبراهين تدلُّ على صدقِ ما جاءَ به، فقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}: جاءتكم آية تدلُّ على صدقِ ما دعوتُكم إليه: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73] .
والسرُّ في كون آيةِ صالح كانت من بهيمةِ الأنعام أنهم كانوا ذوو أنعام، فكانَ لهم من الغنم والبقرِ والإبل ما ملأ الأوديةِ والسهول، فجاءت الآية من شيءٍ يعهدونه ويعرفونه، فناسبَ أن تكونَ الآية شيئاً مما يعرفونه؛ ليتبيَّنَ لهم خروجها عنِ المألوف، وليتبيَّنَ لهم صدقُ ما جاءَ به صالحٌ عليه السلام.
صالح ذكَّرَهم بعظيمِ إنعامِ اللهِ عليهم، فقالَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ}: مكَّنكم منها {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74].
فلم ينتفعوا من ذلكَ التذكير؛ بل أصرُّوا مُستكبرين، وتوجَهوا إلى أتباعِ صالحٍ عليه السلام مُستهزئينَ ساخرين، قالوا لهم: {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}، فأجابَ أولئكَ المؤمنون بثباتٍ ويقين: {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 75].
فما كانَ من المُستكبرين إلا أن قالوا: {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 76]، وهذا على وجهِ التصغيرِ لهم والاستضعاف والاحتقار، أي: أننا لا نقبلُ أن نشترِكَ معكم في عبادةِ إلهٍ واحد، فالإله الذي تعبدونه لا يمكنُ أن نعبُدَه، استكباراً في الأرض.
أيها الأخوة والأخوات، لقد استقبلَ قومُ صالحٍ دعوتهُ بالاستهزازِ والسخرية، والاستخفافِ والامتهان، إلا أنَّ صالحاً عليه السلام كانَ في غايةِ الوضوح والجلاءِ فيما يطلُبُهُ منهم، {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [هود: 63].
ولإقامةِ الحُجةِ عليهم جاءت تلكَ الناقة، التي ذكرَها اللهُ تعالى، وكانَ من شأنِ الناقة ما أخبرَ اللهُ تعالى به: {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
وقد حذَّرهم صالحٌ عليه السلام أن يمسوها بسوء، فقال: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 156]، إلا أنهم ظلموا بها، كما قالَ اللهُ تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59].
ظلموا بها حيثُ أنهم لم يؤمنوا بها، وظلموا بها حيثُ أنهم لم يحفظوا حقَّ اللهِ تعالى فيها.
{فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بها، وتربصوا بها المكائد، كما قصَّ اللهُ تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48]،  سعوا في بقيةِ القبيلة، وحسنوا لهم عقرَ الناقة، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعوهم فيما زَيَنُوهُ لهم من قتلِ الناقةِ، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر: 29]، فكذَّبوا صالحاً عليه السلام، وعقروا الناقة؛ فجاءهُم ما وُعِدوا به من العذاب: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 14-15].
وقد زادَ استكبارُهم وغرورهم بعد أن عقروا الناقة، فقالوا لصالحٍ عليه السلام: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 77]: أنتَ كُنتَ قد توعدتنا بالعذابِ القريب، والعذابِ الأليم، والعذابِ العظيم إن مسسنا الناقةَ بسوء، وها نحنُ قد فعلنا ذلك، فأينَ ما تَعِدُنا به؟
فقال لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65]، فلمَّا توعدَهم وأخبرَهم بالأجلِ الذي ستحلُّ بهمُ العقوبة فيه {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49].
فمكروا به، وأردوا به كيداً، كما قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون} [النمل: 50]، فكانَ عاقبةُ مكرهم خساراً ودماراً ووبالاً، كما قالَ جلَّ وعلا: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: 51].
وكانَ هلاكُ قوم صالح بالرجفةِ والصيحة، كما قالَ تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78]، وكما قالَ جلَّ في علاه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31].
وقد أبقى اللهُ تعالى بيوتَهم خاوية؛ آيةً لمن بعدَهم، كما قال: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 52].
وأنجى اللهُ تعالى صالحاً عليه السلام ومن معهُ من المؤمنين، كما قالَ تعالى: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 53] .
ولقد أبقى اللهُ تعالى بيوتَهم آيةً وعبرة، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر: 84]، {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 68].
ولقد مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بوادي الحِجر، وهو ذاهبٌ إلى تبوك، فقنَّعَ رأسهُ، وأسرعَ دابَّته، وقال لأصحابه: «لا تدخلوا بيوتَ القومِ المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فتباكوا؛ خشيةَ أن يُصيبكم ما أصابَهم» أخرجه البخاري (3380)، ومسلم (2980)..
ولقد روى البخاريُّ من حديثِ ابن عمرَ رضي اللهُ تعالى عنه: «أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم لمَّا نزل الحِجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنَّا واستقينا، فأمرهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا الماء، وأن يطرحوا ذلك العجين» أخرجه البخاري (3378).؛ وكلُ ذلكَ مجافاةً لمساكنِ الذينَ ظلموا أنفسهم.
نجَّى اللهُ تعالى صالحاً ومن معه، فبقيَ صالحٌ  عليه السلام بعدَ هلاكِ قومه ما شاءَ اللهُ تعالى أن يبقى، قيل: أنه نزلَ الشام، وقيل: أنه نزلَ مكة، وقيل غيرُ ذلك.
فصلى اللهُ وسلم على نبي اللهِ صالح، وعلى نبينا، وعلى سائرِ أنبياءِ الله ورُسُلِهِ الكرام، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19140 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12318 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9773 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8398 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف