×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله مالك الملك، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، رب العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فأهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها).

نعم {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]---، ما أجمل أن يعرف العبد ربه، وما أجمل أن يتعلم العبد ما لله من الأسماء، وما لله من الصفات، وما لله من الكمالات في آياته وأفعاله جل في علاه فإنه سبحانه وبحمده كلما زاد العبد معرفة به وعلما بأسمائه وصفاته إزداد حبا له، وعبودية له جل في علاه لهذا نحن بحاجةإلى أن نقف مع أسماء الله عز وجل.

من أكثر ما ذكر الله في كتابه ما يتصل بجلاله وعظمته في تعريف الخلق به سبحانه وبحمده بذكر الأسماء والصفات، والأفعال والآيات والأحكام، كل ذلك يدل على عظيم شأن الرب سبحانه وبحمده.

أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنتناول اسما من أسماء الله تعالى وهو: (المقيت)، ذكره الله تعالى في القرآن الحكيم، قال جل في علاه : {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها}+++[النساء:85]---، يعني: من يتوسط وساطة حسنة يكن له نصيب منها، وما يترتب عليها من الخير والفضل والأجر.

ومن يتوسط وساطة سيئة، بأن يتوسط على وجه غير حق، أو يعطي من لا يستحق شيئا لا يستحقه بوساطته، {ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها}، {كفل} يعني: وزر وإثم.

ثم قال جل وعلا : {وكان الله على كل شيء مقيتا}+++[النساء: 85]---، ختم الله هذه الآية بهذا الاسم، لماذا؟ لأن موضوع الآية يتعلق بهذا الاسم.

وهنا أقول لأخواني وأخواتي، ولجميع المسلمين والمسلمات:إذا ختم الله تعالى في آية اسما من أسمائه، أو إذا ذكر الله تعالى في حكم من الأحكام، أو خبر من الأخبار اسما من أسمائه؛ فقف عند ذلك وتأمل، هناك رابط، ثمة صلة بينهذاالاسم وبين الحكم، بين هذاالاسم وبين الخبر، بين هذا الاسم وبين ما تضمنته الآية.

فإياك أن يفوتك الربط؛ فإن بالربط يتبين من معاني أسماء الله وصفاته، ويتبين من جلاله وبهائه سبحانه وبحمده ما يأسر القلوب؛ ولهذا كلما سمعت الله تعالى يذكر شيئا من أسمائه وصفاته في أخباره أو في أحكامه فقف عندها وتأمل؛ فإن ذلك يفتح لك باب التدبر الذي به تدرك بركة القرآن، وبه تحقق المقصود من إنزاله، {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}+++[ص: 29]---.

أيها الأخوة والأخوات، المقيت في اللغة يدور معناه على جملة من المعاني، فيطلق المقيت بمعنى: الحافظ والحفيظ؛ لأنه مشتق من القوت، والقوت هو: ما تقوم به الأبدان، أبدان بني آدم وغيرهم من الخلق، فتقوم به  مصالحهم في معاشهم.

كما أن المقيت يأتي في كلام أهل اللغة بمعنى: المقتدر، وقد فسر قول الله تعالى في قوله: {وكان الله على كل شيء مقيتا}+++[النساء: 85]--- بالمعنيين كليهما؛ ولهذا عندما نريد أن نعرف المعنى الشرعي للمقيت يعني: ما معنى قوله جل وعلا : {وكان الله على كل شيء مقيتا} نحتاج إلى النظر إلى معناه في اللغة، وعرفنا أنه في اللغة يطلق بمعنى الحفيظ والحافظ، وبمعنى القائم على عباده، الموصل إليهم ما يقوتهم، وما يصلح معاشهم.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت»+++سنن أبي داود (1692)---، يعني: من يقوم عليهم بمأكلهم ومشربهم، وملبسهم ومسكنهم، فكفى بالإنسان إثما أن يضيع من تعلق برقبته من أهل، من زوجة وعيال، يقوتهم ويوفر لهم حوائجهم الأساسية.

المقيت معناه فيما يتعلق بصفات الله عز وجل : يأتي بمعنى الحافظ، ويأتي بمعنى المقتدر، وكلاهما معنيان تكلم بهما العلماء رحمهم الله في معنى قوله تعالى : {وكان الله على كل شيء مقيتا}+++[النساء: 85]---.

ذكر الطبري -وهو من أئمة المفسرين رحمه الله- في قوله تعالى : {وكان الله على كل شيء مقيتا} قال: «كان الله على كل شيء حفيظا، كان الله على كل شيء شهيدا، كان الله على كل شيء قائما بالتدبير والإصلاح، كان الله على كل شيء قديرا».

ثم قال رحمه الله بعد أن سرد هذه المعاني التي قالها أهل التأويل، قال: «والصواب من هذه الأقوال قول من قال في معنى المقيت: القدير؛ وذلك أن ذلك فيما بلغه يذكر ذلك في لغة قريش»، يعني:أن العرب في لغة قريش التي نزل بها القرآن تستعمل المقيت بمعنى: القدير، القادر، المقتدر سبحانه وبحمده.

على كل كل هذه المعاني صحيحة، ويصح تفسير هذا الاسمبها، فقوله تعالى : {وكان الله على كل شيء مقيتا}+++[النساء: 85]---،أي: قائما إيصال الأرزاق وسوقها إلى أهلها، وإلى مستحقيها، وإلى من يحتاجها من الخلق.

يقول الله تعالى : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}+++[هود: 6]---، لا يضيع من خلق الله شيء؛ بل قد أحاط بخلقه، فقام جل وعلا على جميع الخلق بما يحتاجونه من مصالحهم التي بها يستقيم معاشهم، {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}+++[الرعد: 33]---.

فهو جل وعلا يقوم على كل نفس بكل ما يصلحها، وقد قال في ذكرأسمائه: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} +++[البقرة: 255]--- سبحانه وبحمده.

إذا من معاني المقيت: أنه يوصل الأرزاق إلى محتاجها، يوصل الحوائج إلى مستحقيها من الخلق على وجه تحصل لهم به الكفاية.

ومن قيامه على خلقه أنه جل وعلا خلق السماوات والأرض، وقدر فيها أقواتها، كما قال جل وعلا : {وقدر فيها أقواتها}+++[فصلت: 10]---.

معنى التقدير: أن ما في السماوات والأرض من أقوات يحتاجها الخلق  بجميع أصنافهم، من الحيوان في البر وفي البحر، مما يدب على الأرض، ومما يطير في السماء، كل هؤلاء على تفنن أنواعه، وتشتت صنوفه، واختلاف أقواته؛ قد قدر الكريم، قد قدر المقيت رب العالمين سبحانه وبحمده ما يحتاجه كل واحد من هؤلاء، فكفاه كفاية تغنيه عما سواه.

جاء في الحديث الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا-تروح فيأول النهار فارغة البطون- وتروح بطانا»+++سنن الترمذي (2344)---، أي: ترجع في وقت الرواح في آخره قد شبعت، وامتلأت بطونها؛ بل أتت من القوت ما يحتاجه صغارها، فسبحان من سخرها، سبحان من أطعمها، إنه المقيت الذي قدر الأقوات سبحانه وبحمده.

المؤمن يدعو الله تعالى بهذا الاسم، كما أمره الله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]---، يدعوه جل في علاه دعاء مسألة، فيقول: اللهم ارزقني، اللهم أعطني، اللهم هب لي.

وقد كان النبي ﷺ يقول: «اللهم ارزق آل محمد قوتا»+++صحيح البخاري (6460)---، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهذا من دعاء المسألة مستحضرا هذا الاسم، وهذا المعنى، وإن كان لم يذكره بالنص؛ لكنه مضمن من حيث المعنى، فالذي يقيت كل محتاج من الخلق هو الله، القائم على كل نفس سبحانه وبحمده.

أما دعاء العبادة فذاك باب واسع، وهو أن تثبت لله هذا الاسم على الوجه الذي يليقبه، وتثبت ما تضمنه من المعنى، بأنه الحفيظ، الشاهد، القائم على عبادة بما يصلحهم تدبيرا وكفاية، المقتدر، القدير سبحانه وبحمده.

كل هذه المعاني مما يثبتها هذا الاسم، فنتعبد الله عز وجل بإثباتها على الوجه الذي يرضاه سبحانه وبحمده.

إن تعبد المؤمن بهذا، وامتلاء قلبه بهذه المعاني يلقي فيها محبة الله عز وجل وإجلاله وتعظيمه، فالذي يقيتك، الذي يطعمك، الذي يسقيك، الذي يرزقك بشتى أنواع الأرزاق؛ إنما هو الله.

الآن لو إنك كنت جائعا، وجاءك أحد بطعام، كفاك في يومك، وسد جوعتك؛ ألا تجد حبا له، وشكرا لإحسانه؟ بلى، فكيف بمن أقتك وأنت في رحم أمك؟ سخر لك الطعام، فشاركت أمك طعاما هي لا تملك أن توصله لك، فالدم يجري بالطعام فيصل إليك على وجه حصل به اكتمال نموك، ثم بعد ذلك لما خرجت من الذي أقتك؟ إنه الله.

تقول: أمي، نعم، أمك سبب؛ لكنها ليست هي الخالقة لطعامك، من الذي خلق الحليب في ضرعها؟ ومن الذي هداك لتلتقمه؟ ومن الذي أدره ليصل إلى فمك؟ ومن الذي وزعه في جسدك حتى نموت وقامت مصالح بدنك؟ إنه الله المقيت سبحانه وبحمده.

فهذه الأسباب كلها ظواهر، من خلالها تصل إلى المقيت الحقيقي، إنه الله جل في علاه فيلقي ذلك في قلبك محبته، وتعظيمه، وصدق التوكل عليه في طلب كل حاجة تحتاجها، فإنه لا قضاء لحاجتك في طعامك وشرابك، ومصالح بدنك ومصالح معاشك إلا من قبله، فهو المقيت سبحانه وبحمده.

كما أنه يلقي في القلب هيبة وإجلالا، فالله يحفظ عملك، ويشهد على ما يكون منك، فكن على حذر؛ فإنه مقيت يحصي عليك الأعمال، ويحصي عليك الأنفاس، ولكل أجلكتاب، {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}+++[فصلت: 22]---، {إن كل نفس لما عليها حافظ}+++[الطارق: 4]---، {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} +++[الجاثية: 29]---.

فكل شيء محفوظ، فعد للحساب جوابا، وأعد له صوابا حتى تنجو، فتكون من الفائزين الذين يتلقون كتابهم بأيمانهم، فيحاسبون حسابا يسيرا، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم  (فادعوه بها) استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3990

الحمد لله مالك الملك، له الحمدُ كُلُّه، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، ربُّ العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميد مجيد، أمَّا بعد:

فأهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها).

نعم {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180]، ما أجمل أن يعرف العبدُ ربه، وما أجمل أن يتعلَّم العبد ما لله من الأسماء، وما لله من الصفات، وما لله من الكمالات في آياته وأفعاله ـ جلَّ في علاه ـ فإنه ـ سبحانه وبحمده ـ كُلما زاد العبدُ معرفةً به وعلماً بأسمائه وصفاته إزدادَ حباً له، وعبوديةً له ـ جلَّ في علاه ـ لهذا نحنُ بحاجةإلى أن نقف مع أسماء الله عزَّ وجل.

من أكثر ما ذكرَ الله في كتابه ما يتصل بجلاله وعظمته في تعريف الخلق به ـ سبحانه وبحمده ـ بذكر الأسماء والصفات، والأفعال والآيات والأحكام، كلُّ ذلكَ يدلُّ على عظيم شأنِ الربِّ سبحانه وبحمده.

أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة إن شاء الله ـ تعالى ـ سنتناولُ اسماً من أسماءِ الله ـ تعالى ـ وهو: (المُقيت)، ذكره الله ـ تعالى ـ في القرآن الحكيم، قال ـ جل في علاه ـ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}[النساء:85]، يعني: من يتوسط وساطةً حسنة يكن له نصيب منها، وما يترتب عليها من الخير والفضل والأجر.

ومن يتوسط وساطةً سيئةً، بأن يتوسط على وجه غير حقٍ، أو يعطي من لا يستحق شيئاً لا يستحقه بوساطته، {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}، {كِفْلٌ} يعني: وزر وإثم.

ثم قال ـ جلَّ وعلا ـ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء: 85]، ختمَ الله هذه الآية بهذا الاسم، لماذا؟ لأنَّ موضوع الآيةِ يتعلَّق بهذا الاسم.

وهنا أقول لأخواني وأخواتي، ولجميع المسلمين والمسلمات:إذا ختمَ الله ـ تعالى ـ في آية اسماً من أسمائه، أو إذا ذكرَ الله ـ تعالى ـ في حكمٍ من الأحكام، أو خبر من الأخبار اسماً من أسمائه؛ فقف عندَ ذلك وتأمَّل، هناكَ رابط، ثمة صلة بينهذاالاسم وبين الحكم، بين هذاالاسم وبين الخبر، بين هذا الاسم وبين ما تضمَّنته الآية.

فإياك أن يفوتكَ الربط؛ فإنَّ بالربطِ يتبيَّن من معاني أسماء الله وصفاته، ويتبيَّن من جلاله وبهائه ـ سبحانه وبحمده ـ ما يأسر القلوب؛ ولهذا كلما سمعتَ الله ـ تعالى ـ يذكرُ شيئاً من أسمائه وصفاته في أخباره أو في أحكامه فقف عندها وتأمَّل؛ فإنَّ ذلكَ يفتحُ لكَ باب التدبُّر الذي به تُدركُ بركة القرآن، وبه تُحقق المقصود من إنزاله، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: 29].

أيها الأخوة والأخوات، المُقيت في اللغة يدورُ معناه على جملة من المعاني، فيطلق المُقيت بمعنى: الحافظ والحفيظ؛ لأنه مشتق من القوت، والقوت هو: ما تقوم به الأبدان، أبدان بني آدم وغيرهم من الخلق، فتقومُ به  مصالحهم في معاشهم.

كما أنَّ المُقيت يأتي في كلام أهل اللغة بمعنى: المقتدر، وقد فُسِّرَ قولُ الله ـ تعالى ـ في قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء: 85] بالمعنيين كِليهما؛ ولهذا عندما نريد أن نعرف المعنى الشرعي للمُقيت يعني: ما معنى قوله ـ جلَّ وعلا ـ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} نحتاج إلى النظر إلى معناه في اللغة، وعرفنا أنه في اللغة يُطلق بمعنى الحفيظ والحافظ، وبمعنى القائم على عباده، الموصل إليهم ما يقوتهم، وما يصلح معاشهم.

ومنه قولُ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت»سنن أبي داود (1692)، يعني: مَن يقوم عليهم بمأكلهم ومشربهم، وملبسهم ومسكنهم، فكفى بالإنسان إثماً أن يُضيع من تعلَّقُ برقبته من أهلٍ، من زوجةٍ وعيال، يقوتهم ويوفر لهم حوائجهم الأساسية.

المُقيت معناه فيما يتعلَّق بصفات الله ـ عزَّ وجل ـ: يأتي بمعنى الحافظ، ويأتي بمعنى المقتدر، وكلاهما معنيانِ تكلَّم بهما العلماء ـ رحمهم الله ـ في معنى قوله ـ تعالى ـ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء: 85].

ذكرَ الطبري -وهو من أئمة المفسرين رحمه الله- في قوله ـ تعالى ـ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} قال: «كان الله على كلِّ شيءٍ حفيظاً، كان الله على كلِّ شيءٍ شهيداً، كان الله على كلِّ شيءٍ قائماً بالتدبير والإصلاح، كان الله على كلِّ شيءٍ قديراً».

ثم قال ـ رحمه الله ـ بعد أن سرد هذه المعاني التي قالها أهلُ التأويل، قال: «والصوابُ من هذه الأقوال قول من قال في معنى المُقيت: القدير؛ وذلكَ أنَّ ذلكَ فيما بلغه يذكرُ ذلك في لغة قريش»، يعني:أن العرب في لغة قريش التي نزل بها القرآن تستعمل المُقيت بمعنى: القدير، القادر، المقتدر سبحانه وبحمده.

على كلٍّ كلُّ هذه المعاني صحيحة، ويصحُّ تفسيرُ هذا الاسمبها، فقوله ـ تعالى ـ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء: 85]،أي: قائماً إيصال الأرزاق وسوقِها إلى أهلها، وإلى مُستحقيها، وإلى من يحتاجُها من الخلق.

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود: 6]، لا يضيعُ من خلقِ الله شيء؛ بل قد أحاطَ بخلقه، فقامَ ـ جلَّ وعلا ـ على جميع الخلق بما يحتاجونه من مصالحهم التي بها يستقيمُ معاشهم، {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الرعد: 33].

فهو ـ جلًّ وعلا ـ يقوم على كل نفس بكلِّ ما يُصلِحُها، وقد قالَ في ذكرِأسمائه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] سبحانه وبحمده.

إذاً من معاني المُقيت: أنه يوصلُ الأرزاقَ إلى محتاجِها، يوصلُ الحوائجَ إلى مستحقيها من الخلق على وجهٍ تحصلُ لهم به الكفاية.

ومن قيامه على خلقه أنه ـ جلَّ وعلا ـ خلق السماوات والأرض، وقدَّر فيها أقواتها، كما قال ـ جلَّ وعلا ـ: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}[فصلت: 10].

معنى التقدير: أنَّ ما في السماوات والأرض من أقوات يحتاجُها الخلق  بجميع أصنافهم، من الحيوانِ في البرِ وفي البحر، مما يدبُّ على الأرض، ومما يطيرُ في السماء، كلُّ هؤلاء على تفنن أنواعه، وتشتت صنوفه، واختلاف أقواته؛ قد قدَّرَ الكريم، قد قدَّرَ المُقيت ربُّ العالمين ـ سبحانه وبحمده ـ ما يحتاجه كلُّ واحدٍ من هؤلاء، فكفاه كفايةً تغنيه عمَّا سواه.

جاء في الحديث الصحيح من حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لو توكلتم على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدو خِماصاً-تروح فيأول النهار فارغة البطون- وتروحُ بطاناً»سنن الترمذي (2344)، أي: ترجع في وقت الرواح في آخره قد شبعت، وامتلأت بطونها؛ بل أتت من القوتِ ما يحتاجه صِغارُها، فسبحان من سخرها، سبحان من أطعمها، إنه المُقيت الذي قدَّر الأقوات سبحانه وبحمده.

المؤمن يدعو الله ـ تعالى ـ بهذا الاسم، كما أمره الله ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180]، يدعوه ـ جلَّ في علاه ـ دعاء مسألةٍ، فيقول: اللهم ارزقني، اللهم أعطني، اللهم هب لي.

وقد كان النبي ﷺ يقول: «اللهم ارزق آل محمدٍ قوتاً»صحيح البخاري (6460)، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهذا من دعاءِ المسألة مستحضِراً هذا الاسم، وهذا المعنى، وإن كان لم يذكرُه بالنص؛ لكنَّه مُضَمَّنٌ من حيثُ المعنى، فالذي يُقيتُ كلَّ محتاجٍ من الخلقِ هو الله، القائم على كلِّ نفسٍ سبحانه وبحمده.

أمَّا دعاء العبادة فذاكَ بابٌ واسع، وهو أن تُثبت لله هذا الاسم على الوجه الذي يليقُبه، وتثبت ما تَضمَّنه من المعنى، بأنه الحفيظ، الشاهد، القائم على عبادة بما يُصلحهم تدبيراً وكفايةً، المقتدر، القدير سبحانه وبحمده.

كلُّ هذه المعاني مما يُثبتُها هذا الاسم، فنتعبَّد الله ـ عزَّ وجل ـ بإثباتها على الوجه الذي يرضاه سبحانه وبحمده.

إنَّ تعبُّد المؤمن بهذا، وامتلاءَ قلبه بهذه المعاني يُلقي فيها محبة الله ـ عز وجل ـ وإجلَاله وتعظيمه، فالذي يُقيتُك، الذي يُطعمك، الذي يَسقيك، الذي يرزقك بشتى أنواع الأرزاق؛ إنما هو الله.

الآن لو إنَّكَ كنتَ جائعاً، وجاءكَ أحد بطعام، كفاك في يومك، وسدَّ جوعتك؛ ألا تجدُ حباً له، وشكراً لإحسانه؟ بلى، فكيفَ بمن أقَتَكَ وأنتَ في رَحِمِ أُمك؟ سخر لكَ الطعام، فشاركتَ أُمكَ طعاماً هي لا تملك أن توصلهُ لك، فالدمُ يجري بالطعامِ فيصلُ إليك على وجهٍ حصلَ به اكتمال نموك، ثمَّ بعدَ ذلك لمَّا خرجت من الذي أقَتك؟ إنه الله.

تقول: أمي، نعم، أُمكَ سبب؛ لكنَّها ليست هيَ الخالقة لطعامك، مَن الذي خلق الحليب في ضرعها؟ ومن الذي هداكَ لتلتقمه؟ ومن الذي أدرَّه ليصل إلى فمك؟ ومن الذي وزعهُ في جسدك حتى نموتَ وقامت مصالحُ بدنك؟ إنه الله المُقيت سبحانه وبحمده.

فهذه الأسباب كُلُّها ظواهر، من خلالِها تصلُ إلى المُقيتِ الحقيقي، إنه الله ـ جلَّ في علاه ـ فيُلقي ذلك في قلبك محبته، وتعظيمه، وصدق التوكلِ عليه في طَلبِ كلِّ حاجةٍ تحتاجُها، فإنه لا قضاءَ لحاجتك في طعامك وشرابك، ومصالح بدنك ومصالح معاشك إلا من قِبَله، فهو المُقيت سبحانه وبحمده.

كما أنه يُلقي في القلبِ هيبةً وإجلَالاً، فالله يحفظُ عملك، ويشهدُ على ما يكونُ منك، فكن على حذر؛ فإنه مُقيت يحصي عليكَ الأعمال، ويحصي عليك الأنفاس، ولكل أجلٍكتاب، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت: 22]، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق: 4]، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29].

فكلُّ شيءٍ محفوظ، فَعِدَّ للحسابِ جواباً، وأعدَّ له صواباً حتى تنجو، فتكونَ من الفائزين الذينَ يتلَقَّونَ كتابهم بأيمانهم، فيُحاسبونَ حساباً يسيراً، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم  (فادعوه بها) استودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف