×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى، ودين الحق، بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين وهو على ذلك، حتى أتاه الموت ﷺ وهو يدعو إلى ربه على محجة بيضاء، وطريق قويم، وصراط مستقيم، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها)، الذي نتحدث فيه عن أسماء الملك، عن أسماء الله، عن أسماء الرحمن الرحيم جل في علاه.

وفي هذه الحلقة نتحدث عن اسم من أسماء الله عظيم، ووقعه في النفوس جميل، وكل أسماء الله حسنى، وكلها جميلة بهية، إنه اسم الله تعالى : (الرفيق).

هذا الاسم لم يأت ذكره في القرآن الحكيم، وإن كان جاء ما يدل على معناه، كالحليم، والرؤوف، والرحيم، والرحمن، فكل هذه الأسماء العظيمة الجليلة تدل على معنى هذا الاسم في كتاب الله عز وجل لكنه لم يأت على وجه النص والذكر في كتابه جل في علاه.

وقد جاء في سنة النبي ﷺ الخبر عنه، فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه في الصحيح أنه قال ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق»+++صحيح البخاري (6927)---.

هذا الحديث في البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قال فيه النبي ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق»، ثم بين فضل الرفق، وعظيم الأجر المترتب عليه، فقال: «ويعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره»، أي: من الثواب والأجر، «ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»+++صحيح مسلم (2593)---.

فما معنى هذا الاسم؟ ما معنى اسم الله: الرفيق؟ على القاعدة الجارية في كل أسماء الله تعالى كل ما أردت أن تعرف معنى من أسماء الله تعالى فانظر إلى المعنى اللغوي أولا؛ لأن هذه الأسماء باللغة العربية، والقرآن نزل بلسان عربي مبين.

ولا يمكن أن يفهم القرآن من لا يعرف لسان العرب؛ ولذلك من الضرورات لمن أراد أن يفهم معاني الأسماء أن يدرك معاني كلام العرب.

إن الرفيق في كلام العرب يدل على صاحب الأناة، الذي لا يعجل، والذي يتأنى في أموره وشؤونه، وذاك أن الرفيق عنده من الثقة والتمكن ما يجعله يبلغ غايته ومقصوده على وجه لا عنف، على وجه لا عجلة فيه، على وجه لا مسارعة فيه، هذا معنى الرفيق في اللغة.

إذا معنى الرفيق في اللغة:هو من الرفق، والرفق: عدم المعاجلة، الأناة، التدرج، الصبر في إدراك المقاصد، اللطف والليونة في إدراك الغاية والمطلوب، هكذا معنى هذا الاسم في كلام العرب.

وأما معناه فيما يتعلق بحق الله تعالى فهو لا يختلف عن هذا المعنى، فالله تعالى رفيق في كل شأنه جل في علاه في كل أموره سبحانه وبحمده ولهذا الرفق صفة من صفات ذاته جل في علاه وهو صفة في حكمه وشرعه، وهو صفة في خلقه، فما من شيء إلا وتلمح الرفق فيه من شؤون ربنا جل في علاه.

سخر الله تعالى السماوات والأرض، وهذا من رفقه بعباده سبحانه وبحمده قال: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}+++[الجاثية: 13]---.

وهذا من رفقه جل في علاه أن هذا الكون بسمائه وأرضه، وبره وبحره، وهوائه وقراره؛ سخره الله تعالى لي ولك، فهو سخره لنا جميعا، ولننظر إلى آية من آيات الله لتنظر رفقه، هذا الطعام الذي نأكله من الذي خلقه؟ إنه الله، خلقه على نحو تحصل به منافع العباد.

هذا الماء الذي نشربه، من أين جاء؟ ومن الذي أنزله؟ إنه الله، أنزله على نحو يحصل به منافع العباد؟

هذا الهواء الذي في الجو ما أعظم صنع الله تعالى فيه، إنه يصل إلى أبداننا، ونمخر فيه، نشق الهواء، ونتفس منه، ويصل إلى صدورنا، ويصل كل نفع من هذا الهواء الداخل إلى العضو على نحو رفيق لا نشعر به.

هذا الدم الذي يجري في عروقنا من الذي أجراه؟ إنه الرفيق سبحانه وبحمده الذي خلق هذا الخلق على نحو تبلغ به المقاصد، وتدرك به الغايات دون عناء ولا مشقة، بلطف وليونة من غير معاجلة، إنه الله سبحانه وبحمده.

إذا الله عز وجل رفيق في خلقه جل في علاه رفيق في أفعاله؛ ولهذا كان من رفقه في أفعاله إنه عندما خلق السماوات والأرض خلقها في ستة أيام، وقدر فيها أقواتها، وبارك فيها، وخلقها على نحو ينتظم به مصالح العباد.

وهو القادر على أن يقول للشيء: كن فيكون، {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}+++[يس: 82]---، لكنه جل في علاه رفيق، يبلغ الأمور على نحو متدرج، يحصل به كمال الشيء ومصالحه على وجه يعلم فيه عباده أنه الرفيق سبحانه وبحمده حتى في تشريعه على عظيم استغنائه عن عباده جل في علاه إلا أنه رفيق بهم سبحانه وبحمده فلم يكن على عجلة فيما يشرعه لعباده، لاسيما فيما تقتضيه الحكمة من أن يكون متدرجا.

الصلاة لم يفرضها الله عز وجل على عباده على النحو المعروف المعهود من خمس صلوات إلا بعد مرور فترة من الزمن، فرضها الله تعالى على المؤمنين والمؤمنات، ثم لما فرضها فرضها خمسين صلاة، وجرى التخفيف رفقا منه بعباده، حتى بلغت خمس صلوات في اليوم والليلة.

هذه الصلوات بها يدركون مصالح الدنيا، وفوز الآخرة، الصلاة ليست فقط مصالحها ومنافعها في الآخرة؛ بل يدرك الناس من مصالح الصلاة في الدنيا بانشراح القلوب، وبهجة النفوس، وسرور الأرواح ما لا يمكن أن يدركوه بغير الصلاة؛ ولذلك هي منحة من الله لعباده، منحة أن فسح لنا المجال أن نقف بين يديه ونناجيه، وهو رب الأرض والسماوات سبحانه و بحمده.

أرأيت إذا كان كبير في بلدك -ملك أو رئيس أو أمير أو صاحب سلطه- يسمح لك أن تأتيه في اليوم مرة واحدة لتعرض حاجاتك، ولتتكلم بما شئت، أليس ذلك منحة منه؟ ويتمدح الناس هذا الرئيس أو هذا الملك أو هذا الأمير على فعله؟ الله عز وجل فتح لنا المجال كلنا جميع خلقه أن يقبلوا عليه، وأن يناجوه جل في علاه في صلوات معهودة، في أوقات جعلها مؤقته، ينبغي للعبد أن يفرح بذلك، وأن يعلم رفق الله تعالى.

رفق الله عز وجل في تدرجه في التشريع، فلم يفرض الله عز وجل بعض الفرائض على نحو مستقر من أول الأمر، فمثلا على سبيل التمثيل: الخمر التي تعلقت بها قلوب كثير من العرب، كان تحريمها مدرجا وليس حاسما من أول الأمر، أول ما ذكر الله تعالى في شأن الخمر قال: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا}+++[النحل: 67]---.

فميز الله تعالى بين السكر -وهو الخمر- والرزق الحسن، فلم يدخل الخمر في الرزق الحسن، وهذه إشارة إلى أن الخمر ليست من الرزق الحسن.

بعد ذلك قال: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} +++[البقرة: 219]---.

بعد هذا -وهذا استغرق ثلاث سنوات- جاء قوله تعالى : {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}+++[النساء: 43]---.

بعد هذا التدرج والتهيئة النفسية لخلع محبة الخمر والكحول من قلوب العرب جاء الحسم بقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}+++[المائدة: 90]---، فما كان منهم إلا أن اجتنبوه وانتهوا عنه طاعة لله ورسوله، {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}+++[المائدة: 91]---، فما كان منهم إلا أن قالوا: انتهينا، ربنا انتهينا.

عندما تسأل الله تأمل، واستحضر هذا الاسم، فإن الله رفيق بعباده، وسيبلغك مقصودك، لكن قد لا يبلغك ما تريد فور سؤالك، فهو الحكيم، اللطيف، الخبير بما يصلح عباده، استحضر هذا عندما يتأخر الجواب، فإن الله رفيق بك، قد يعطيك ما سألت، فيكون في ذلك مشقة عليك، وخروج عن مصلحتك؛ ولذلك تأمل هذا المعنى.

أما التعبد لله عز وجل باسمه الرفيق فإنه بإثبات هذا الاسم، وبإثبات معناه، والنظر إلى جلاله وبهائه، وأنه سبحانه وبحمده يعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه، فارفق بنفسك، وأرفق بأهلك، وأرفق بولدك، وأرفق بمن حولك؛  فإن الله رفيق يحب الرفق.

وهذا نموذج في حدث بين يدي النبي ﷺ كان اليهود يدخلون عليه، ويقولون: «السام عليك»، يعني: الموت عليك، فما كان يزيد على أن يرد عليهم ﷺ: «وعليكم»، يعني: عليكم ما دعوتم علي به، فقالت عائشة: «عليكم السام واللعنة» لما رأت تكرر ذلك منهم، فقال النبي ﷺ: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق»+++صحيح البخاري (6927)---، فدلها على أن حتى في مقام الإساءة تحتاج إلى أن ترفق في إصلاح حالك إذا كان ذلك مما تقتضيه المصلحة.

اللهم إن نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، واجعلنا من حزبك وأوليائك، ووفقنا على الرفق في القول والعمل، وأعنا على طاعتك، واصرف عنا معصيتك، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3293

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلن تجد له ولياً مُرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمنُ الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى، ودين الحقِّ، بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهدَ في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين وهو على ذلك، حتى أتاه الموت ﷺ وهو يدعو إلى ربه على محجةٍ بيضاء، وطريقٍ قويم، وصراطٍ مستقيم، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها)، الذي نتحدثُ فيه عن أسماء المَلك، عن أسماء الله، عن أسماء الرحمن الرحيم جلَّ في علاه.

وفي هذه الحلقة نتحدثُ عن اسمٍ من أسماء الله عظيم، ووقعهُ في النفوسِ جميل، وكلُّ أسماء الله حُسنى، وكُلُّها جميلةٌ بهيِّة، إنه اسمُ الله ـ تعالى ـ: (الرفيق).

هذا الاسم لم يأتِ ذكره في القرآنِ الحكيم، وإن كان جاءَ ما يدلُّ على معناه، كالحليم، والرؤوف، والرحيم، والرحمن، فكلُّ هذه الأسماء العظيمة الجليلة تدلُّ على معنى هذا الاسم في كتاب الله ـ عزَّ وجل ـ لكنَّه لم يأتِ على وجهِ النصِّ والذكرِ في كتابه جلَّ في علاه.

وقد جاءَ في سنةِ النبي ﷺ الخبرُ عنه، فقد قالَ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيما رواه في الصحيح أنه قالَ ﷺ: «إنَّ الله رفيقٌ يحبُ الرفق»صحيح البخاري (6927).

هذا الحديث في البخاري ومسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال فيه النبي ﷺ: «إنَّ الله رفيقٌ يحبُ الرفق»، ثم بيَّن فضلَ الرفقِ، وعظيم الأجر المترتب عليه، فقال: «ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على غيره»، أي: من الثوابِ والأجر، «ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»صحيح مسلم (2593).

فما معنى هذا الاسم؟ ما معنى اسم الله: الرفيق؟ على القاعدة الجارية في كُلِّ أسماء الله ـ تعالى ـ كل ما أردت أن تعرف معنى من أسماء الله ـ تعالى ـ فانظر إلى المعنى اللغوي أولاً؛ لأن هذه الأسماء باللغة العربية، والقرآن نزلَ بلسان عربيٍ مبين.

ولا يمكن أن يفهمَ القرآن من لا يعرفُ لسان العرب؛ ولذلك من الضرورات لمن أرادَ أن يفهمَ معاني الأسماء أن يُدركَ معاني كلامِ العرب.

إنَّ الرفيق في كلام العرب يدلُّ على صاحب الأناة، الذي لا يعجل، والذي يتأنى في أموره وشؤونه، وذاكَ أنَّ الرفيق عنده من الثقة والتمكن ما يجعلُه يبلُغ غايته ومقصوده على وجهٍ لا عنف، على وجهٍ لا عجلةَ فيه، على وجهٍ لا مسارعة فيه، هذا معنى الرفيق في اللغة.

إذاً معنى الرفيق في اللغة:هو من الرفق، والرفقُ: عدم المعاجلة، الأناة، التدرج، الصبر في إدراك المقاصد، اللطف والليونة في إدراك الغاية والمطلوب، هكذا معنى هذا الاسم في كلام العرب.

وأمَّا معناه فيما يتعلَّق بحقِّ الله تعالى فهو لا يختلف عن هذا المعنى، فالله ـ تعالى ـ رفيق في كُلِّ شأنه ـ جلَّ في علاه ـ في كُلِّ أموره ـ سبحانه وبحمده ـ ولهذا الرفقُ صفةٌ من صفاتِ ذاته ـ جلَّ في علاه ـ وهو صفةٌ في حكمه وشرعه، وهو صفةٌ في خلقه، فما من شيءٍ إلا وتلمح الرفقَ فيه من شؤونِ ربنا جلَّ في علاه.

سخر الله ـ تعالى ـ السماوات والأرض، وهذا من رفقه بعباده ـ سبحانه وبحمده ـ قالَ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الجاثية: 13].

وهذا من رفقه ـ جلَّ في علاه ـ أنَّ هذا الكون بسمائه وأرضه، وبرِّهِ وبحره، وهوائه وقراره؛ سخره الله ـ تعالى ـ لي ولك، فهو سخره لنا جميعاً، ولننظر إلى آية من آيات الله لتنظرَ رفقهُ، هذا الطعام الذي نأكلُه مَن الذي خلَقه؟ إنه الله، خلَقه على نحوٍ تحصلُ به منافع العباد.

هذا الماء الذي نشربه، مَن أينَ جاء؟ ومن الذي أنزله؟ إنه الله، أنزله على نحوٍ يحصلُ به منافعُ العباد؟

هذا الهواء الذي في الجو ما أعظمَ صُنعَ الله ـ تعالى ـ فيه، إنه يصلُ إلى أبداننا، ونمخرُ فيه، نشقُ الهواء، ونتفس منه، ويصلُ إلى صدورِنا، ويصلُ كلُّ نفعٍ من هذا الهواء الداخل إلى العضو على نحوٍ رفيق لا نشعرُ به.

هذا الدم الذي يجري في عروقنا مَن الذي أجراه؟ إنه الرفيق ـ سبحانه وبحمده ـ الذي خلَقَ هذا الخلق على نحوٍ تبلُغُ به المقاصد، وتُدركُ به الغايات دون عناءٍ ولا مشقة، بلطفٍ وليونةٍ من غير معاجلة، إنه الله سبحانه وبحمده.

إذاً الله ـ عزَّ وجل ـ رفيقٌ في خلقه ـ جلَّ في علاه ـ رفيقٌ في أفعاله؛ ولهذا كانَ من رفقهِ في أفعاله إنه عندما خلقَ السماوات والأرض خلَقها في ستةِ أيام، وقَدَّر فيها أقواتها، وبارك فيها، وخلَقها على نحوٍ ينتظمُ به مصالحُ العباد.

وهو القادر على أن يقولَ للشيء: كن فيكون، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: 82]، لكنَّه ـ جلَّ في علاه ـ رفيق، يُبلِّغُ الأمورَ على نحوٍ مُتدرج، يحصلُ به كمالُ الشيء ومصالحه على وجهٍ يعلِّمُ فيه عباده أنه الرفيق ـ سبحانه وبحمده ـ حتى في تشريعه على عظيم استغنائه عن عباده ـ جلَّ في علاه ـ إلا أنه رفيقٌ بهم ـ سبحانه وبحمده ـ فلم يكن على عجلةٍ فيما يُشرِّعه لعباده، لاسيما فيما تقتضيه الحكمة من أن يكونَ متدرجاً.

الصلاة لم يفرضها الله ـ عزَّ وجل ـ على عباده على النحوِ المعروف المعهود من خمس صلوات إلا بعد مرور فترة من الزمن، فرضها الله ـ تعالى ـ على المؤمنين والمؤمنات، ثم لمَّا فرضها فرضها خمسينَ صلاةً، وجرى التخفيف رفقاً منه بعباده، حتى بلَغَت خمس صلوات في اليوم والليلة.

هذه الصلوات بها يُدركون مصالح الدنيا، وفوز الآخرة، الصلاة ليست فقط مصالِحُها ومنافعُها في الآخرة؛ بل يدركُ الناس من مصالح الصلاة في الدنيا بانشراح القلوب، وبهجة النفوس، وسرورِ الأرواح ما لا يمكن أن يُدركُوه بغير الصلاة؛ ولذلكَ هي منحة من الله لعباده، منحة أن فسحَ لنا المجال أن نقفَ بين يديه ونناجيه، وهو ربُّ الأرض والسماوات سبحانه و بحمده.

أرأيتِ إذا كانَ كبيرٌ في بلدك -ملك أو رئيس أو أمير أو صاحب سُلطه- يسمح لكَ أن تأتيه في اليوم مرة واحدة لتعرض حاجاتك، ولتتكلم بما شئت، أليس ذلكَ منحة منه؟ ويتمدَّح الناس هذا الرئيس أو هذا المَلك أو هذا الأمير على فعله؟ الله ـ عزَّ وجل ـ فتح لنا المجال كُلنا جميع خلقه أن يُقبلوا عليه، وأن يناجوه ـ جلَّ في علاه ـ في صلواتٍ معهودة، في أوقاتٍ جعلَها مؤقته، ينبغي للعبد أن يفرحَ بذلكَ، وأن يعلمَ رفقَ الله تعالى.

رفقُ الله ـ عزَّ وجل ـ في تدرجِهِ في التشريع، فلم يفرض الله ـ عزَّ وجل ـ بعض الفرائض على نحوٍ مُستقرٍ من أول الأمر، فمثلاً على سبيل التمثيل: الخمر التي تعلَّقت بها قلوبُ كثيرٍ من العرب، كانَ تحريمُها مُدرجاً وليس حاسماً من أول الأمر، أول ما ذكر الله ـ تعالى ـ في شأن الخمر قال: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل: 67].

فميَّز الله ـ تعالى ـ بين السَكَر -وهو الخمر- والرزق الحَسن، فلم يُدخل الخمرَ في الرزق الحَسن، وهذه إشارة إلى أنَّ الخمرَ ليست من الرزق الحَسن.

بعد ذلكَ قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].

بعد هذا -وهذا استغرق ثلاث سنوات- جاء قوله ـ تعالى ـ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: 43].

بعدَ هذا التدرج والتهيئة النفسية لخلعِ محبةِ الخمرِ والكحول من قلوب العرب جاء الحسم بقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: 90]، فما كان منهم إلا أن اجتنبوه وانتهوا عنه طاعةً لله ورسوله، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة: 91]، فما كان منهم إلا أن قالوا: انتهينا، ربنا انتهينا.

عندما تسألُ الله تأمَّل، واستحضر هذا الاسم، فإنَّ الله رفيقٌ بعباده، وسيبَلُّغك مقصودك، لكن قد لا يُبلغُكَ ما تريد فورَ سؤالك، فهو الحكيم، اللطيف، الخبير بما يُصلح عباده، استحضر هذا عندما يتأخر الجواب، فإنَّ الله رفيقٌ بك، قد يعطيك ما سألت، فيكون في ذلكَ مشقة عليك، وخروج عن مصلحتك؛ ولذلك تأمَّل هذا المعنى.

أمَّا التعبُّد لله ـ عزَّ وجل ـ باسمه الرفيق فإنه بإثبات هذا الاسم، وبإثبات معناه، والنظر إلى جلاله وبهائه، وأنه ـ سبحانه وبحمده ـ يعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه، فارفق بنفسك، وأرفق بأهلك، وأرفق بولدك، وأرفق بمَن حولك؛  فإنَّ الله رفيقٌ يحبُ الرفق.

وهذا نموذجٌ في حدَثٍ بين يدي النبي ﷺ كان اليهود يدخلون عليه، ويقولون: «السامُ عليك»، يعني: الموت عليك، فما كان يزيد على أن يرُدَّ عليهم ﷺ: «وعليكم»، يعني: عليكم ما دعوتم عليَّ به، فقالت عائشة: «عليكم السام واللعنة» لمَّا رأت تَكرر ذلك منهم، فقال النبيُ ﷺ: «يا عائشة، إنَّ الله رفيقٌ يحبُ الرفق»صحيح البخاري (6927)، فدلَّها على أنَّ حتى في مقام الإساءة تحتاج إلى أن ترفق في إصلاحِ حالك إذا كانَ ذلك مما تقتضيه المصلحة.

اللهم إنَّ نسألك الهدى والتُقى والعفافَ والرشاد والغنى، واجعلنا من حزبك وأوليائك، ووفقنا على الرفقِ في القولِ والعمل، وأعنا على طاعتك، واصرف عنَّا معصيتك، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف