×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة، من برنامجكم (فادعوه بها)، {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} +++[الأعراف: 180]---.

نعم، لله ربنا جل في علاه أسماء، هي حسنى في ألفاظها، حسنى في معانيها، حسنى في آثارها الجميلة على عباده إذا علموها، وعرفوها، وعملوا بها.

في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى أيها الأخوة والأخوات ستناول اسما من أسماء الله تعالى اسم له أثر بالغ في نفوس أوليائه وعباده، إنه اسم الله: (القريب).

نعم، إنه اسمه القريب جل في علاه فهو القريب سبحانه وبحمده ذكر الله تعالى هذا الاسم في جملة من المواضع في كتابه الحكيم:

يقول سبحانه وبحمده : {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}+++[البقرة: 186]---.

ويقول جل في علاه : {وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب}+++[سبأ:50]---.

ويقول سبحانه وتعالى : {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}+++[هود: 61]---.

هذه مواضع ذكر الله تعالى فيها هذا الاسم العظيم، هذه مواضع ذكر الله تعالى فيها اسمه القريب في محكم كتابه.

وأما في سنة رسوله ﷺ فإنه قد أخبر النبي ﷺ عن قرب ربه في جملة من المواضع؛ لكنه جاء بصيغة التفضيل، فمن ذلك ما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»+++صحيح مسلم (482)---، وقرب العبد يقتضي قرب الرب سبحانه وبحمده.

وكذلك جاء في حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين عندما كان أصحابه رضي الله عنهم يذكرون ربهم في مسيرهم، فترتفع أصواتهم بذكر الله، وسؤاله ودعائه، وتمجيده وتقديسه، فقال لهم ﷺ: «اربعوا على أنفسكم -يعني: هوني عليها، لا تشقوا على أنفسكم؛ فإن الذي تدعون تمجيدا، وتقديسا، وسؤالا، وطلبا- فإن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»+++صحيح مسلم (2704)---.

وهذا يدل على عظيم قرب ربنا جل في علاه لمن دعاه، وهذا من اسمه القريب، ومن مقتضياته، ومما يدل عليه.

والقرب ضد البعد في اللغة، وكذلك هو في استعمال الشارع، فإن القرب ضد البعد؛ ولذلك عندما قال الله تعالى : {إنه سميع قريب}+++[سبأ:50]--- أثبت سمعه جل وعلا لكل ما يقولوه عباده، وأنه ما يقولون من قول إلا وهو عليم به جل في علاه لا يفوته، سبحان من وسع سمعه الأصوات، كما قالت عائشة الصديق بنت الصديق رضي الله عنها ومع هذا فهو سمع ليس نائيا ولا بعيدا؛ بل هو قريب.

وهذا يؤكد أن هذا السمع لا يفوت منه شيء، كما أنه يؤكد أن ما سمعه فإنه قريب حصوله، قريب إدراكه، قريب تحققه، فليس على الله ببعيد؛ بل هو قريب جل في علاه.

ولذلك كل من سأل الله تعالى يستحضر أنه لا ينادي أصما ولا غائبا؛ بل ينادي سميعا قريبا مجيبا سبحانه وبحمده.

وإن الله تعالى أخبر عن هذه الصفة على نحو مختلف عن سائر صفاته، فإن الناس سألوا رسول الله ﷺ، كما جاء في سبب نزول قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}+++[البقرة: 186]---، سألوا النبي ﷺ: ربنا أقريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟

فجاء الجواب على نحو مختلف في الخبر عن سائر الأسئلة التي ذكرها الله في كتابه، قال: {وإذا سألك عبادي عني}، لم يأت بواسطة، لم يقل الله عز وجل لرسوله: قل لهم، أجبهم، أخبرهم؛ بل قال: {فإني قريب}.

جاء بالجواب مباشرة دون واسطة؛ لأن هذا شأن الرب في حق كل من طلبه، وسأل عنه، ورغب فيما عنده، ليس بين الله وبين عباده واسطة وحجاب في سؤالهم ودعائهم.

نعم، الله بينه وبين عباده واسطة يبلغون رسالاته، ويدلون عليه، ويعرفونهم، وهم الرسل صلوات الله وسلامهم عليه؛ لكن في الطلب والعبادة والتقرب والسؤال ليس هناك واسطة؛ بل من جعل بينه وبين الله واسطة فقد خرج عن صراط الله المستقيم، وعن طريق النبيين، كمن كان عليه الحال في عبادة المشركين الذين قالوا في إلهتهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} +++[الزمر: 3]---.

فجعلوا بينهم وبين ربهم وسائط، رغم أن الذي يدعونه غائب لا يسمع، كما قال تعالى : {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}+++[الأحقاف: 5]---، لا يسمعون، ولا يعلمون، ولو قدر أنهم سمعوا، ولو سمعوا ما استجاب لهم؛ إنما الأمر في شأن الله مختلف؛ فالله سميع قريب مجيب سبحانه وبحمده قريب من داعيه، قريب من سائله سبحانه وبحمده.

وهذا قرب تجل له القلوب، وتفرح به النفوس؛ لأن المؤمن يعلم أنه لا يقول في قول: يا الله، يا رب، إلا وربه وإلهه ومدعوه قريب منه، يجيب دعوته، ويغيث لهفته، ويبلغه آماله، ويحقق له مطالبه، فلا يستبعد جوابا، ولا يستبطئ إجابة؛ بل الله جل وعلا قريب مجيب، يعلم أنه لا يفوته شيء.

فإذا تأخر الجواب يوقن أن تأخر الجواب لحكمة، ليس لأنه لم يسمع فهو السميع، ولا لأنه بعيد فهو القريب، ولا لأنه لا يجيب، فإنه ما من سائل يسأل الله إلا ويرجع بواحدة من ثلاث خصال:

إما أن يجيبه إلى سؤاله، يعطيه ما سأل، يعني: واحد يقول: يا الله، يا رب، أرزقني ولدا، فالله عز وجل إما أن يرزقه الولد الذي سأل.

وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ما سأل، يعني: يصرف عنه بلاء وشر بحجم نعمة الولد.

وإما أن يدخرها له في الآخرة، لا يجيبه بما سأل، لكن يجعل له من الأجر والثواب في الآخرة ما يكون قدر هذه النعمة.

والله عز وجل كريم منان، لا يتأخر جوابه لعجز، ولا لفقر، ولا لمانع مما يتعلق بصفاته، إلا لما تقتضيه حكمته ورحمته بعبده، فكم من إنسان يسأل الله عز وجل شيئا يكون هلاكه فيما سأل؟

فالله قريب من عباده، يسمع دعاءهم ومناجاتهم، وإن النبي ﷺ أخبر عن قربه جل وعلا من عباده في أحوال، هي أكمل الأحوال؛ لذلك القرب المذكور في الكتاب والسنة والمضاف إلى الله عز وجل قرب خاص، وليس قربا مطلقا، كما قال بعض العلماء؛ إنما هو قرب خاص، مقيد بصنوف من الناس، وهم أهل العبادة والتقوى، أهل الصلاح والاستقامة.

يقول النبي ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»+++صحيح مسلم (482)---، ففي السجود يكون الله منك قريبا، فكن على ما يحب ويرضى.

ولذلك يقول الله تعالى لرسوله: {واسجد واقترب}+++[العلق: 19]---، فإنه من سجد اقترب من ربه، فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

إذا كل ساجد قريب من الله بسمعه، وإجابته، وإحاطته، وعلمه، ونصره، وتأييده، وسائر ما يرغب به المؤمن ويجنيه من قرب الله جل في علاه.

جاء أيضا أن الله عز وجل قريب من الداعي، كما جاء في حديث أبي موسى: «إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»+++صحيح مسلم (2704)---.

فكل داع الله منه قريب، سواء كان داعيا في صلاة، في سجود، في مسجد، في بيت، في أرض، في سماء، في بحر، في بر، في شدة، في رخاء، كل من ذكر الله دعاه فإن الله منه قريب، سواء كان الدعاء دعاء مسألة، أو دعاء عبادة.

دعاء المسألة بأن يقول: يا رب أعطني، يا رب ارزقني.

أو دعاء عبادة بأن يقرأ القرآن مثلا، أو يمجد الله جل في علاه ويثني عليه بما هو أهله من صفات الحمد والمجد: «اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن»+++صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769)---، هذا دعاء.

كذلك عندما يقول القائل: «لبيك اللهم لبيك» في حجه أو عمرته، فهو يدعو لكنه دعاء عبادة، وليس دعاء مسألة.

الله قريب منه، الله قريب ممن خرجوا من بيوتهم لمكة، يرجون رحمته في أرض عرفات، فإنه «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو جل في علاه- أي: يقترب ويقرب لأهل الموقف-ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟»+++صحيح مسلم (1348)---

وهذا قرب خاص بأهل هذه البقعة من فضل الله ورحمته، كما أن من قربه ما يكون في كل ليله، من نزوله جل في علاه إلى السماء الدنيا، على الوجه اللائق به، فيقول: «هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ هل سائل فأعطيه؟»+++صحيح مسلم (758)---

كل هذا من معاني قرب ربنا جل في علاه ومن صور القرب التي يتحقق بها قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}+++[البقرة: 186]---.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وأسلك بنا سبيل الرشاد، أسعدنا في الدنيا والآخرة، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3447

الحمد لله ربَّ العالمين، أحمده حق حمده، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمنُ الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة، من برنامجكم (فادعوه بها)، {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].

نعم، لله ربنا ـ جلَّ في علاه ـ أسماء، هي حُسنى في ألفاظها، حُسنى في معانيها، حُسنى في آثارِها الجميلة على عباده إذا عَلِموها، وعرفوها، وعملوا بها.

في هذه الحلقة ـ إن شاء الله تعالى ـ أيها الأخوة والأخوات ستناولُ اسماً من أسماء الله ـ تعالى ـ اسمٌ له أثرٌ بالغ في نفوس أوليائه وعباده، إنه اسمُ الله: (القريب).

نعم، إنه اسمه القريب ـ جلَّ في علاه ـ فهو القريبُ ـ سبحانه وبحمده ـ ذكر الله ـ تعالى ـ هذا الاسم في جملة من المواضع في كتابه الحكيم:

يقولُ ـ سبحانه وبحمده ـ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186].

ويقول ـ جل في علاه ـ: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}[سبأ:50].

ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود: 61].

هذه مواضعٌ ذكرَ الله ـ تعالى ـ فيها هذا الاسمَ العظيم، هذه مواضعُ ذكرَ الله ـ تعالى ـ فيها اسمَهُ القريب في مُحكمِ كتابه.

وأمَّا في سنةِ رسوله ﷺ فإنه قد أخبرَ النبيُ ﷺ عن قربِ ربه في جملة من المواضع؛ لكنَّهُ جاءَ بصيغة التفضيل، فمن ذلك ما في الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ النبي ﷺ قال: «أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجد»صحيح مسلم (482)، وقربُ العبدِ يقتضي قُربَ الربِّ سبحانه وبحمده.

وكذلكَ جاءَ في حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين عندما كان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ يذكرونَ ربهم في مسيرهم، فترتفعُ أصواتهم بذكرِ الله، وسؤاله ودعائه، وتمجيده وتقديسه، فقال لهم ﷺ: «اربعوا على أنفسكم -يعني: هوني عليها، لا تُشقوا على أنفسكم؛ فإنَّ الذي تدعون تمجيداً، وتقديساً، وسؤالاً، وطلباً- فإنَّ الّذي تدعون أقربُ إلى أحدكم من عنقِ راحلته»صحيح مسلم (2704).

وهذا يدلُ على عظيم قُربِ ربنا ـ جلَّ في علاه ـ لمن دعاه، وهذا من اسمه القريب، ومن مقتضياته، ومما يدلُ عليه.

والقربُ ضدُّ البعد في اللغة، وكذلكَ هو في استعمالِ الشارع، فإنَّ القُربَ ضدُّ البعد؛ ولذلك عندما قال الله ـ تعالى ـ: {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}[سبأ:50] أثبتَ سمعه ـ جلَّ وعلا ـ لكلِّ ما يقولوه عباده، وأنه ما يقولونَ من قولٍ إلا وهو عليمٌ به ـ جلَّ في علاه ـ لا يفوته، سبحان من وسِعَ سمعه الأصوات، كما قالت عائشة الصديقُ بنتُ الصديقِ ـ رضي الله عنها ـ ومع هذا فهو سمعٌ ليس نائياً ولا بعيداً؛ بل هو قريب.

وهذا يؤكد أنَّ هذا السمع لا يفوت منه شيء، كما أنه يؤكد أنَّ ما سمعه فإنه قريبٌ حصوله، قريبٌ إدراكه، قريبٌ تحققه، فليسَ على الله ببعيد؛ بل هو قريب جلَّ في علاه.

ولذلكَ كلُّ من سأل الله ـ تعالى ـ يستحضر أنه لا ينادي أصماً ولا غائباً؛ بل يُنادي سميعاً قريباً مُجيباً سبحانه وبحمده.

وإنَّ الله ـ تعالى ـ أخبرَ عن هذه الصفة على نحوٍ مُختلف عن سائر صفاته، فإنَّ الناسَ سألوا رسول الله ﷺ، كما جاء في سبب نزول قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: 186]، سألوا النبي ﷺ: ربُّنا أقريبٌ فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟

فجاء الجواب على نحوٍ مختلف في الخبر عن سائر الأسئلة التي ذكرها الله في كتابه، قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}، لم يأتِ بواسطة، لم يقل اللهُ ـ عزَّ وجل ـ لرسوله: قل لهم، أجبهم، أخبرهم؛ بل قال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ}.

جاء بالجواب مباشرة دونَ واسطة؛ لأنَّ هذا شأنُ الربِّ في حقِّ كُلِّ من طلبه، وسألَ عنه، ورغِبَ فيما عنده، ليس بين الله وبين عباده واسطة وحجاب في سؤالهم ودعائهم.

نعم، الله بينه وبين عباده واسطة يُبلِّغون رسالاته، ويدلون عليه، ويعرفونهم، وهم الرسل صلوات الله وسلامهم عليه؛ لكن في الطلب والعبادة والتقرب والسؤال ليس هناكَ واسطة؛ بل من جعل بينه وبين الله واسطة فقدَ خرجَ عن صراطِ الله المستقيم، وعن طريق النبيين، كمن كانَ عليه الحالُ في عبادةِ المشركين الذين قالوا في إلهتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].

فجعلوا بينهم وبين ربهم وسائط، رغمَ أنَّ الذي يدعونه غائب لا يسمع، كما قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف: 5]، لا يسمعون، ولا يعلمون، ولو قُدِّر أنهم سمعوا، ولو سمعوا ما استجابُ لهم؛ إنما الأمر في شأنِ الله مختلف؛ فالله سميع قريب مجيبٌ ـ سبحانه وبحمده ـ قريبٌ من داعيه، قريبٌ من سائله سبحانه وبحمده.

وهذا قربٌ تَجِلُ له القلوب، وتفرحُ به النفوس؛ لأنَّ المؤمنَ يعلمُ أنه لا يقول في قولٍ: يا الله، يا رب، إلا وربه وإلههُ ومدعوه قريبٌ منه، يجيبُ دعوته، ويغيثُ لهفته، ويُبلِّغهُ آماله، ويحقق له مطالبه، فلا يستبعد جواباً، ولا يستبطئ إجابةً؛ بل الله ـ جلَّ وعلا ـ قريبٌ مُجيب، يعلم أنه لا يفوتُه شيء.

فإذا تأخرَ الجواب يوقن أنَّ تأخر الجواب لحكمة، ليس لأنه لم يسمع فهو السميع، ولا لأنه بعيد فهو القريب، ولا لأنه لا يجيب، فإنه ما من سائلٍ يسألُ الله إلا ويرجع بواحدة من ثلاث خصال:

إمَّا أن يجيبَهُ إلى سؤاله، يعطيه ما سأل، يعني: واحد يقول: يا الله، يا رب، أرزقني ولداً، فالله ـ عزَّ وجل ـ إمَّا أن يرزقهُ الولد الذي سأل.

وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ما سأل، يعني: يصرف عنه بلاء وشر بحجم نعمة الولد.

وإمَّا أن يدخرها له في الآخرة، لا يجيبُه بما سأل، لكن يجعل له من الأجرِ والثواب في الآخرة ما يكونُ قدرَ هذه النعمة.

والله ـ عزَّ وجل ـ كريمٌ منان، لا يتأخر جوابه لعجز، ولا لفقر، ولا لمانع مما يتعلَّق بصفاته، إلا لما تقتضيهِ حكمتهُ ورحمته بعبده، فكم من إنسانٍ يسأل الله ـ عزَّ وجل ـ شيئاً يكونُ هلاكه فيما سأل؟

فالله قريب من عباده، يسمعُ دعاءهم ومناجاتهم، وإنَّ النبي ﷺ أخبر عن قُربه ـ جلَّ وعلا ـ من عباده في أحوال، هي أكملُ الأحوال؛ لذلكَ القرب المذكور في الكتاب والسُنة والمضاف إلى الله ـ عزَّ وجل ـ قربٌ خاص، وليس قُرباً مُطلقاً، كما قال بعضُ العلماء؛ إنما هو قربٌ خاص، مقيَّد بصنوف من الناس، وهم أهلُ العبادة والتقوى، أهلُ الصلاح والاستقامة.

يقولُ النبيُ ﷺ: «أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجد»صحيح مسلم (482)، ففي السجودِ يكونُ الله منكَ قريباً، فكن على ما يحبُ ويرضى.

ولذلك يقولُ الله ـ تعالى ـ لرسوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق: 19]، فإنه من سجدَ اقتربَ من ربه، فإنه أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجد.

إذاً كلُّ ساجدٍ قريبٌ من الله بسمعه، وإجابته، وإحاطته، وعلمه، ونصره، وتأييده، وسائر ما يرغبُ به المؤمن ويجنيه من قرب الله جل في علاه.

جاءَ أيضاً أنَّ الله ـ عزَّ وجل ـ قريبٌ من الداعي، كما جاءَ في حديث أبي موسى: «إنَّ الذي تدعون أقربُ إلى أحدِكم من عنقِ راحلته»صحيح مسلم (2704).

فكلُ داعٍ اللهُ منه قريب، سواءً كانَ داعياً في صلاة، في سجود، في مسجد، في بيت، في أرض، في سماء، في بحر، في بر، في شِدة، في رخاء، كلُّ من ذكرَ اللهُ دعاه فإنَّ الله منه قريب، سواءً كان الدعاء دعاء مسألة، أو دعاء عبادة.

دعاء المسألة بأن يقول: يا رب أعطني، يا رب ارزقني.

أو دعاء عبادة بأن يقرأ القرآن مثلاً، أو يُمجِّدَ الله ـ جلَّ في علاه ـ ويثني عليه بما هو أهلُه من صفات الحمدِ والمجد: «اللهم لك الحمد، أنت نورُ السماوات والأرض ومن فيهن، ولكَ الحمد أنتَ قيِّمُ السماوات والأرض ومن فيهن»صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769)، هذا دعاء.

كذلك عندما يقول القائل: «لبيك اللهم لبيك» في حجه أو عمرته، فهو يدعو لكنَّه دعاء عبادة، وليس دعاء مسألة.

الله قريبٌ منه، الله قريبٌ ممن خرجوا من بيوتهم لمكةَ، يرجونَ رحمته في أرضِ عرفات، فإنه «ما من يومٍ أكثرَ من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يومِ عرفة، وإنه ليدنو جلَّ في علاه- أي: يقترب ويقرُب لأهلِ الموقف-ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أرادَ هؤلاء؟»صحيح مسلم (1348)

وهذا قرب خاص بأهل هذه البقعة من فضلِ الله ورحمته، كما أنَّ من قربه ما يكونُ في كلِّ ليله، من نزوله ـ جلَّ في علاه ـ إلى السماء الدنيا، على الوجهِ اللائق به، فيقول: «هل من مستغفرٍ فاغفرَ له؟ هل من داعٍ فأُجيبه؟ هل سائلٍ فأعطيه؟»صحيح مسلم (758)

كلُّ هذا من معاني قربِ ربنا ـ جلَّ في علاه ـ ومن صورِ القربِ التي يتحقق بها قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: 186].

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرَ أنفسنا، وأسلك بنا سبيل الرشاد، أسعدنا في الدنيا والآخرة، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم (فادعوه بها) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف