الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، نعم الحمد لله ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شاءَ من شيءٍ بعد، أحمده أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، له الحمدُ كلُّه، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، دلنا على الله، وعرَّفنا به، وبيَّنَ لنا كيف نصلُ إلى مرضاته، وترَكنا على محجةٍ بيضاء، لا يزيغُ عنها إلا هالك، فمن سلَكَ طريقه هُدِي، ومن أعرضَ عن سبيلهِ عَمِي، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعَ سُنتهُ واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة من برنامجكم (فادعوه بها).
إنَّها أسماءُ ربنا ـ جلَّ في علاه ـ إنَّها أسماءُ الله ـ سبحانه وبحمده ـ إنَّها أسماءُ الذي خَلَقنا ورزقنا، ومن كلِّ خيرٍ أمدَّنا، إنها أسماءُ الذي نصلي له، ونعبُدُه في السر والعلن، إنًّها أسماءُ من له الجلال والجمال، والبهاءُ والكبرياءُ، والملكُ والهيبةُ والعَظَمة سبحانه وبحمده.
إنَّها طريقُ العلم بالله، فإنه من عرفَ أسماء الله ـ جلَّ في علاه ـ عرفَ من يعبد، وعرفَ من يصلي له ويسجد، وعرفَ من يسعى له ويحفد؛ لذلكَ هنيئاً هنيئاً لكلِّ من طالعَ أسماء الله ـ عزَّ وجل ـ هنيئاً لكلِّ من أحصاها عدًّا، وأحصاها علماً ومعرفةً، وأحصاها آثاراً وعملاً، «إنَّ لله تسعةً وتسعينَ اسماً، مَن أحصاها دخلَ الجنة»صحيح البخاري (2736)، وصحيح مسلم (2677).
إنَّ الجنة غالية، ولا يكونُ إدراكُها بشيءٍ زهيد، إنَّ إدراكَها لا يكونُ إلا بالنفيس، «ألا إنَّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة»سنن الترمذي (2450)؛ لكنَّ العلمَ بالله مفتاحُ الفضائل، العلمُ بالله طريقُ السبقِ، والفوزِ بالخيراتِ، العلمُ بالله طريقُ النجاة، العلمُ بالله طريقُ السعادة في الدنيا والآخرة.
لذلكَ هنيئاً لمن فتحَ الله على قلبه، فتعرَّفَ على ربه، وتعرَّفَ على اسمه الله، وعلى اسمه الرحمن، وعلى اسمه الرحيم، وعلى اسمه الحي، وعلى اسمه القيُّوم، وعلى سائرِ أسمائه التي ذكرَها في كتابه، والتي جاءَ الخبرُ عنها في سُنةِ من لا ينطقُ عن الهوى ﷺ.
هنيئاً لمَن انشرحَ صدره لمعرفةِ قدرِ ربه، إنه يحققُ شيئاً من حقوقِ ربه جلَّ في علاه، فيفوزُ بذلك فوزاً عظيماً، ويسبقُ سبقاً كبيراً؛ لذلك قال ﷺ: «سبقَ المفرِّدون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكِرون الله كثيراً والذاكِرات»صحيح مسلم (2676).
الذاكِرون الله كثيراً والذاكِرات، إنهم لم يذكروا شيئاً يجهلونهُ، إنهم لم يذكروا شيئاً لا يعرفونه، إنهم يذكرونَ رباً عرفوه، فانجذبت قلوبهم إليه، واشتغلت ألسنتهم بذكره، حتى شغلَهم ذلك عن مطالبهم؛ فبلغوا بذلكَ ما وعدَهم ربُهم، «مَن شغلَهُ ذكري عن مسألتي أعطيته خير ما أُعطي السائلين»سنن الترمذي (2926)، ليس فقط في الآخرة بالفردوس والجنة؛ بل حتى في الدنيا، يعطيهم الحياة الطيبة، الحياة الهنيئة، القلوب المُطمئنة، النفوس المنشرِحة، الأرواح الساكنة التي يُقالُ لها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر: 27-28].
إنها مطمئنة في الدنيا قبل أن ترجعَ إلى ربها في الآخرة، فتنالُ الفوزَ الكبير، والعطاء الجزيل، نعم، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.
ادعوه بها، فبها تعرفون جمال ربكم الجميل، تعرفون بها كمال ربكم الذي له الأسماء الحُسنى والصفاتُ العلا، الذي له المثلُ الأعلى، فلا يدرِكُ العبادُ عظيمَ قدرِ ربهم؛ إنما ينالون شيئاً من بهائه، يعرِفونَ شيئاً من جماله، يعرفون شيئاً من كماله، يعرِفون شيئاً من عَظَمته، يعرِفون شيئاً من حقه، ويحملهم ذلك على تحقيق العبودية لله.
إنَّ نبينا ﷺ لما كَمُلَ علمُه بربه كانَ أخشى الخلقِ لله جلَّ في علاه؛ ولذلك قال ﷺ: «والله إنِّي لأعلمُكم بالله عزَّ وجل، وأخشاكم له»صحيح مسلم (1108)، فكانت الخشية ثمرة المعرفة والعلم.
ولذلك من المهم أيها الأخوة والأخوات ونحنُ نقرأ أسماءَ الله عزَّ وجل، ونطَّلع على ما أخبرَ من جلاله وبهائه؛ من المهم أن نقف عندَ تلك الأسماء، وأن نُطالع تلكَ المعاني؛ فإنها تفتحُ لنا من أبوابِ العبودية، ومن نعيم الدنيا ما لا يقف الإنسان على وصفِه لعظيمِ ما يُدرِكُه، وهذا طريقُ محبته.
وإذا تحققَ لكَ محبةُ الرب ـ جلَّ في علاه ـ نلتَ منه كُلَّ خير، ووجدتَ طعمَ الإيمان الذي هو سرُ سعادةِ الإنسان في الدنيا وفي الآخرة.
جاء في الصحيح من حديث العباس ـ رضي الله عنه ـ أنَّ النبيَ ﷺ قال: «ذاقَ طعمَ الإيمان من رضيَ بالله رباً، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمدٍ ﷺ نبياً»صحيح مسلم (34).
أتدرون مَن الذي يرضى بالله رباً؟ هو من عرَفه، عرَفَ كمالَهُ في ذاته، وكمالَهُ في أسمائه، وكمالَهُ في صفاته، وكمالَهُ في أفعاله، وكمالَهُ في شرعه، وكمالَهُ في قضائه وقدَره؛ عندَ ذلك ينشرحُ قلبُهُ، فيرضى بربه، ويرضى بدينه، ويرضى برسوله، ويرضى بقضائه وقدَره، فينال طعم الإيمان.
نعم، ذاقَ طعمَ الإيمان من عَلِمَ بالله، وذاقَ طعمَ الإيمان من أحبَّ الله، وقدَّمَ محبته على كُلِّ محبوب، كما في الصحيحين من حديث أنس أنَّ النبي ﷺ قال: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوة الإيمان».
إنَّ للإيمانِ حلاوة، وإنه له طعماً، لا يُدركُهُ ذاكَ الذي غفلَ عن الله، والتهى عنه جلَّ وعلا، ولم يعرف قَدْرَه.
«ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما»صحيح البخاري (16)، وصحيح مسلم (43)، وهذه منزلة عُليا، هي ثمرةُ العلم بالله ـ عزَّ وجل ـ وثمرة معرفة ما جاءَ به النبيُ ﷺ، وثمرة معرفة الجُهد والعمل الذي قامَ به النبيُ ﷺ، فإنَّكَ إذا عرفتَ كمالَ خُلقه، وطيِّبَ خصاله، وعظيمَ جهده الذي بذلَهُ لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور أحببته، فكان ذلكَ قائداً لكَ لتحقيق هذه المنزلة.
«ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما»، فتقدِّم محبة الله على كُلِّ محبوب، تقدِّم محبة النبي ﷺ على كُلِّ محبوب، تُحبه أكثرَ من نفسك، أكثرَ من ولدك، أكثرَ من والدك، هكذا ينالُ العبد منزلةَ حلاوة الإيمان، يذوق حلاوة الإيمان.
وأمَّا باقي الخِصال فهيَ فرعٌ عن هذا، يقول ﷺ: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما، وأن يحب الرجل لا يُحبهُ إلا لله»صحيح البخاري (16)، وصحيح مسلم (43).
فيحب أهل الإيمان، يحب أولياء الله، يحب أهل الطاعة، هو لا يُحبه لنسب، ولا لمال، ولا لجمال، ولا لغيرِ ذلكَ من أسباب الدنيا؛ إنَّما يُحبه لأنه محبوبٌ لله، وهذا فرعُ محبة الله ورسوله.
«وأن يحب الرجل لا يُحبهُ إلا لله»، ثم المرتبة الثالثة: «وأن يكره أن يعود في الكفر بعدَ أن أنقذهُ الله منه، كما يكره أن يُلقى في النار»صحيح البخاري (16)، وصحيح مسلم (43).
وهنا يتبيَّن عظيم معرفة الإنسان بنعمة الهداية، لن يكره الإنسان العودَ في الكفر إلى هذه الدرجة وإلى هذه المرتبة إلا إذا عرَف عظيم قدر ما هو فيه من نعمة.
«يكره أن يعود في الكفر بعدَ إذ أنقذَهُ الله منه، كما يكره أن يُلقى في النار»، يعني: لو خُيِّر بين أن يُلقى في النار وبينَ أن يذهب إلى الكُفر لختارَ أن يُلقى في النار، هذه منزلة عُظمى تتحقق من محبة الله، ومحبة رسوله.
ومحبةُ الله ومحبة رسوله لا تكونُ إلا بالعلمِ بالله عزَّ وجل، والعلم بشرعه، وما جاءَ به النبيُ الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ولله الأسماءُ الحسنى فادعوه بها.
أوصيكم أيها الأخوة والأخوات، وصيةِ لكُلِّ مسلم، لكلِّ من يسمعُني من ذكرٍ أو أنثى، صغيرٍ أو كبير: أن يجتهِدَ في التعرُّف على الله، نحنُ إنِّما خُلقنا لعبادته، ولن نحقق عبادة الله إلا بمعرفته، ومن تعرَّفَ على الله في الرخاء عرفه في الشدة، أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.