إِن َّالحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ, وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها, وَكُلَّ مُحْدَثِةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى؛ فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقالَ}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{آل عِمْران :102.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ الفِتَنِ؛ فَإِنَّ الفِتَنَ تَذْهَبُ بِالعُقُولِ وَتُعْمِي البَصَائِرَ وَتُزَّلُ بِهَا الأَقْدَامُ وَتُضِلُّ الأَعْمَالَ.
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ سورة فاطر:8.
قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:(مَا الخَمْرُ صِرْفَاً بِأَذْهَبَ لِعُقُولِ الرِّجَالِ مِنْ الفِتَنِ )أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ(37345).
يُقْضَى عَلَى المَرْءِ فِي أَيَّامِ مِحْنَتِهِ***حَتَّى يَرَى حَسَنَاً مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ .
أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا.
قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا الْهَرْجُ ؟
قَالَ : الْقَتْلُ .
فَقَالَ بَعْضُ الْمُسلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَقْتُلُ الآنَ فِي اْلعَامِ الْوَاحِدِ ، مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا .
فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَابْنَ عَمِّهِ ، وَذَا قَرَابَتِهِ.
فَقال بَعْض الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ؟
فَقال رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: لَا.
تُنْزَعُ عُقُولُ أكْثَرِ ذلِكَ الزَّمَانِ ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسُ ، لاَ عُقُولَ لَهُمْ»ابن ماجة(3959),وأحمد في "المسند" (19636), بإسناد صحيح. وَمُرَادُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: بِقَوْلِهِ «لَا عُقُولَ لَهُمْ» أَي لَيْسَ لَهُم عُقُولُ رُشْدٍ وَلَا هُدَىً وَلَا سَدَادٍ؛ لِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَى قُلُوبِهِم وَتَمكُّنِ الغِوَايةِ مِنْ أَفْئِدَتِهِمْ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, إِنْ أَعْظَمَ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ بَعْدَ الشِّرْكِ قَتْلُ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ اللهُ وَلِذَلِكَ نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْ ذَلِكَ نَهْيًا بَلِيغًا وَأَمَرَ بِالْاحْتِيَاطِ فِي ذَلِكَ حَتَّى فِي مَواطِنِ الخَطَرِ وَمَواقِعِ القِتَالِ قَالَ تَعَالَى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴾ النساء: 94 ، فَجَعَلَ اللهُ مُجَرَّدَ إِلْقَاءِ السَّلِامِ مُوجِبًا لِلاحْتِيَاطِ وَالتَّوْقُفِ فِي دمِ مُلْقِيهِ حَتَّى فِي أِرْضِ القِتَالِ وَمَواقِعِ النِّزَالِ، بَلْ الأَمْرُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهِ أَثْنَاءَ المُقَاتِلَةِ يَصُونُ دَمَ صَاحِبِهِ، فَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَنَّ المِقْدَادَ بنَ الأَسْودَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ،
فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلْهُ»
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أَفَأَقْتُلُهُ؟
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»مسلم(95).
فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا لَو رَأَى رَسولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ رُؤوسًا تُحزُّ وَتُقْطَعُ وَأَصْحَابُهَا يُرَدِّدُونَ لَا إِلهَ إِلَّا اللهَ؟
رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:« أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ»البخاري(610).
وَفِي لَفْظِ " مُسْلِمٍ" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ». ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى.مسلم(382), (معزى) هي ذوات الشعر من الغنم.
فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا لَو رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَرْتَدِي حِزَامًا نَاسِفًا قَاتِلًا ثُمَّ يَأْتِي قَوْمًا اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ أَجَابُوا دَاعِي اللهِ سُجَّدًا رُكَّعًا فُيُفَجِّرُ نَفْسَهُ بَيْنَهُمْ.
أَيْنَ هَؤُلَاءِ عَمَّا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ « إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ المُصَلِّينَ »أبوداود(2379), وصححه الألباني . أَمْ أَيْنَ هُمْ مَمَّا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدَرِيِّ فِي قِصَّةِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِرَسُولِ اللهِ اتَّقِ اللهَِ فِي قِسْمَةٍ قَسَمَهَا قَالَ: «وَيْلَكَ أَو لَسْتُ أَحَقُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِي الله». ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنْ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ. قَالَ:«لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِي»البخاري(4351), ومسلم(1064).
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ, إِنْ مِنْ أَعْظَمِ فِتَنِ هَذَا الزَّمَانِ ضَرَرًا وَأَشَدَّهَا عَلَى الإِسْلَامِ خَطَرًا فِتْنَةُ التَّكْفِريينَ المُفْسِدِينَ، الذِينَ يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ بِجَهْلٍ وَهَوَى وَيَسْتَبِحُونَ دِمَاءَهُم وَيَرَوْنَهُم أَوْلَى بِالْقَتْلِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ قَالَ عَنْهُم رَسُولُ اللهِ: «سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ»مسلم(1067). وفِي رِوايَةِ عُبَيدِ اللهِ بنِ أَبِي رافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ عِندَ مُسلِمٍ:«مِن أَبغَضِ خَلقِ اللهِ إِلَيهِ»مسلم(1066). وَإِنَّما كَانُوا شَّرهم؛ لَأَنَّهُم صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَآذُوا أَوْليَاءَهُ وَمَعَ ذَلِكَ زَعَمُوا أَنَّهُم أَعْرَفُ النَّاسِ بِالإِيَمانِ وَأَشَدَّهُم تَمَسُّكَاً بِالْقُرآنِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. فَلَمْ تَزَلْ الأَمَّةُ مِنْهُم فِي بَلَاءٍ وِفِتْنَةٍ مَنْ عَهْدِهَا الأَوَّلِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ, مِنْ ضَلَالِ هَؤلَاءِ وَتَلاعُبِ الشَّيْطَانِ بِهِم وَتَزْينه لَهُم سُوء عَمَلِهِم وَقَبِيح اعْتِقَادِهِم أَنَّهُم جَعَلُوا قَتْلَ المُصَلِّينَ مِنْ أَعْظَمِ النَّصْرِ وَمِنْ أَفْضَلِ الجِهَادِ. وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِ ضَلَالِهم بَلْ هُمْ يُكَرِّرُونَ ضَلالَ أَسْلَافِهِم وَأْشَبَاهِهِم مَنْ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ.
• فَهَا هُم مُشْرِكُو مَكَّةَ يُلْقُونَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ الأَذَى سلَى الجَزُورِ وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الكَعْبَةِ وَيَخْنُقُونَهُ إِلَى أَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنْهُم.
• وَهَا هُم مُشْرِكُو مَكَّةَ يَقْتُلُونَ أَحْلَافَ رَسُولِ اللهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُم يُصَلُّونَ حَتَّى قَالَ قاَئِلُهُم:
لَاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَاأخرجه البيهقي في سننه الكبرى ح(18859)والوتير: اسم ماء.
فَجَاءَ اللهُ باِلْفَتْحِ المُبِينَ فَفَتَحَ اللهُ مَكَّةَ لِرَسُولِهِ الكَرِيم
• وَهَا هُوَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ المَجُوسِيُّ يَقْتُلُ الفَارُوقَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ الفَجْرِ فِي مِحْرَابِ رَسُولِ اللهِ.
• وَهَا هُوَ سَلفُهُم الشَّقِيُّ الخَارِجِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلْجِمٍ يَتَرَصَّدَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِي بن أَبِي طَالِب رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيَقْتُلُهُ وَهُوَ خَارِجٌ لِصَلَاةِ الفَجْرِ.
• وَهَا هُوَ الشَّقِيُّ الخَارِجِيُّ الآخَرُ عَمْرُو بنُ بَكْرِ تَرَصَّدَ لِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَخْرُجُ عَمْرُو إِلَى الصَّلَاةِ لِمَرَضٍ أَصَابَهُ وَاسْتَنَابَ خَارِجَةَ بنَ حُذَافَةَ العَدَوِي فَي الصَّلَاةِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَظُّنُهُ عَمْرا.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, إِنَّ الاعْتِدَاءَ عَلَى المُصَّلِينَ لَا يَتَجَاسَرُ عَلِيهِ مَنْ فِي قَلْبِهِ إِيمانٌ وَإِسْلَامٌ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ إَلَّا أَهْلُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالزَّيْغِ وَالضَّلَالِ الذِينَ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ.
اللهُمَ أَعِذْنَا مِنْ الضَّلَالَةِ وَالغِوَايَةِ.
***
الخطبة الثانية:
الحَمْدُّ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ, أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاشَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ
عِبادَ اللهِ, إَنَّ أَعْداءَ الإِسْلَامِ لَنْ يَأْلُوا جُهْدًا فِي الإِضْرَارِ بِبَلَادِ المُسْلِمِينَ وَالنَّيْلِ مِنْهُم بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَطَرِيقٍ وَإِنَّ بِلادَكُمْ هَذِهِ مَأْرِزُ الإِسْلَامِ وَحِصْنُهِ الحَصِينُ، وَفِيهَا قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ وَمَسْجِدُ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَهِيَ مُقِيمَةٌ لِدِينِ الإِسْلَامِ وَمُعَظِّمةٌ لِشَعَائِرِهِ وَمُحَكِّمَةٌ لِشَرَائِعِهِ حَسْبُ الطَّاقَةِ والإِمْكَانِ. لَا تَأْلُوا جُهْدًا فِي القِيامِ بِمَا فِيهِ عِزُّ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ وَقَدْ حَباهُ اللهُ مَعَ ذَلِكَ أَمْنًا وَاسْتِقْرَارًا وَثَرْوَةً وَاقْتِصَادًا فَكَانَتْ فِي عَيْنِ الحَاسِدِينَ قَذَى وَفِي حُلُوقِ الحَاقِدِينَ غُصَّةً، لِذَلِكَ كَانَ نَصِيبُها مِنْ عَدَاءِ أَعْدَاءِ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، فَسَعَى المُفْسِدُونَ لِلنَّيْلِ مِنْهَا بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَسَبِيلٍ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ، وَأَنَّ اللهَ سَيُخَيِّبُ سَعْيَ هَؤُلَاءِ المُخَرَّبِينَ الذِينَ يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَلَا يُصْلِحُونَ، وَمِنْ أُولَئِكَ الأَعْدَاءِ هَؤُلَاءِ التَّكْفَيرِيينَ الذِي صارُوا لِأَعْدَاءِ اللهِ تَعَالَى أَداةً لِلنَّيْلِ مِنْ بِلَادِ الحَرَمَيْنِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّة.
وَمِنْ جُمْلَةِ ِهَذَا السَّعْيِ الخَبِيثِ مَا يَسْعَى إِلَيْهِ تَنْظِيمُ الفَسَادِ وَالشَّرِّ دَاعِش مِنْ تَفْجِيرَاتٍ لِزَعْزَعَةِ أَمْنِ هَذِهِ البِلَادِ, وَمِنْ آخِرِ إِجْرَامِهِم مَا جَرَى مِنْ تَفْجِيرٍ آثِمٍ فِي مَسْجِدِ قُوَّاتِ الطَّوَارِئ بِمَنْطِقَةِ عَسِير أَثْنَاءَ قِيَامِ الجُنُودِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ أَمْسٍ الخَمِيس الحَادِي وَالعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ شَوَّال.
فَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ, رَحِمَ اللهُ مَنْ قَضَى وَتَقَبَّلَهُم فِي الشُّهَدَاءِ وَعَجَّلَ بِشِفَاءِ المُصَابِينَ وَأَفْرَغَ عَلَى ذَوِيهِم وَعَلَيْنَا صَبْرًا؛ فَكُلُّنَا بِهم مُصَابُونَ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, إنَّهُ لَيْسَ أَقْبَحَ مِنْ بَشَاعَةِ جَرِيمَةِ تَفْجِيرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ وَقَتْلِ المُصَلِّينَ فِيهِ؛ إِلَّا ذَاكَ الفِكْرُ الضَّالُ المُنْحَرِفُ الَّذِي زَيَّنَ هَذِهِ الأَعْمَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ وَخَطَّطَ لَهَا وَأَلْبَسَهَا زُورًا وَبُهْتَانًا وَخِدَاعًا وَتَضْلِيلًا ثَوْبَ الجِهَادِ وَالشَّجَاعَةِ وَمَا هِي وَاللهِ إَلَّا إِفْسَادٌ وَخِيَانَةٌ، وَانْحِرَافٌ وَغِوَايةٌ يَقِفُ وَرَاءَهَا كُلُّ عَدُوٍّ لَهذِهِ البِّلَادِ المُبَارَكَةِ، وَيَفْرَحُ بِهَا الحَاقِدُونَ المُتَربِّصُونَ.
وَهَا نَحْنُ نَقُولُ لِدَاعِشِ الشَّرِّ والفَسَادِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَعْدَاءِ المِلَّةِ وَالدِّينِ: خِبْتُم وَخَسِرْتُم؛ فَنَحْنُ اليَوْمَ أَكْثَرُ بَصِيَرةً بِضَلَالِكُمْ، وَانْحِرَافِ مَنْهَجِكُمْ، لَقَدْ تَسَاقَطَتْ شِعَارَتُكُم وَتَبَيَّنَ لِلعَالَمِينَ ضَلَالُكُم؛ فَأَيْنَ أَنْتُم عَنْ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ.
فَأَنْتُم خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ الاِنْحَرَافِ وَالغِوَايَةِ
خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ الغَدْرِ وَالخِيَانَةِ
وَنَحْنُ اليَوْمَ وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَكْثَرُ اجْتِمَاعاً وَأَقْوَى لُحْمَةً وَأْصلَبُ عَزِيمَةً فِي مُوَاجَهةِ كَيْدِكُم وَمَكْرِكُم.
فَنَقُولُ لَهُم : إَنَّ اسْتِهْدَافَكُم لِرِجَالِ أَمْنِنَا هُوَ اسْتِهْدَافٌ لَنَا جَمِيعًا وَسَتَجِدُونَنَا صَفَّاً وَاحِداً فِي مُوَاجَهَةِ عُدْوَانِكُمْ وِإِفْسَادِكُمْ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, إِنَّنَا مُسْتَهْدِفُونَ فِي دِينِنَا وَفِي قِيَادَتِنَا وَفِي أَمْنِنَا وَفِي مُكْتَسَبَاتِنَا وَفِي اجْتِمَاعِنَا وَفِي كُلِّ مَا نَنْعَمُ بِهِ مِنْ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ؛ فَلْنَكُنْ جَمِيعاً يَدًا وَاحِدَةً عَلَى المُعْتَدِينَ الظَّالِمينَ المُفْسِدِينَ الحَاقِدِينَ، لِنَكُنْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ حُرَّاساً أُمَنَاءً وَحُمَاةً حَذِرِينَ وَعَوْناً لِرِجَالِ أَمْنِنَا فِي إِفْشَالِ كُلِّ مَنْ يَسْعَى فِي بِلَادِنَا بَالفَسَادِ وَالشَّرِّ ، حَفِظَ اللهُ عَلَيْنَا عَقِيدَتَنَا وَقِيَادَتَنَا وَوِحْدَتَنَا وَأَمْنَنَا.