إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الملِكُ القُدُّوسُ العَزيزُ الحَكِيمُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى كَما أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فَقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} آل عمران: 102.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, لا يَصِحُّ إِيمانُ أَحَدٍ وَلا يَسْتَقِيمُ دِينُهُ، وَلا يَسْتَوِي سَيْرُهُ عَلَى الصِّراطِ المسْتَقِيمِ إِلَّا بِأَنْ يَمْلَأَ قَلْبَهُ بِتَعْظِيمِ رَبِّ العالمينَ؛ فَإِنَّ تَعْظِيمَ اللهِ تَعالَى أَصْلٌ في تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ جَلَّ وَعَلا، فالقَلْبُ العارِي مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبٌ خالٍ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ جَلَّ وَعَلا، مُضَّطَرِبٌ في سَيرِهِ إِلَيْهِ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، لِذَلِكَ كانَ مَبْنَى العِبادَةِ عَلَى أَنْ يُحَقِّقَ العَبْدُ تَعْظِيمَ اللهِ جَلَّ وَعَلا، وَتَعْظِيمُ الرَّبِّ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ يَتَحَقَّقُ لِلمَرْءِ بِمَعْرِفَتِهِ جَلَّ في عُلاهُ، فَكُلُّ مَنْ عَرَفَ اللهَ امْتَلَأَ قَلْبُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، كُلُّ مَنْ عَرَفَ اللهَ امْتَلَأَ قَلْبُهُ إِجْلالًا لَهُ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، لِذَلِكَ كُلَّما قَلَّ نَصِيبُكَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ في أَسْمائِهِ في صِفاتِهِ في أَفْعالِهِ، فِيما بَثَّهُ مِنْ جَمِيلِ آياته، قلَّ نصيبُكَ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذا فَتَحَ اللهُ عَيْنَ قَلْبِكَ عَلَى مُشاهَدَةِ تِلْكَ المعانِي، وَالاعْتِبارِ بِتِلْكَ الآياتِ في السَّماواتِ وَفي الأَرْضِ الدَّالَّةَ عَلَى عَظَمَتِهِ كانَ كُلِّ شَيْءٍ تَراهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ يَزِيدُ في إِيمانِكَ وَإِجْلالِكَ وَتَعْظِيمِكَ لِرَبِّكَ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، إِنَّ تَعْظِيمَ اللهِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَمَنْ لَمْ يُعَظِّمِ اللهََ لَمْ يُقِمْ حُدُودَهُ مَنْ لَمْ يُعَظِّمِ اللهَ لَمْ يُقُمْ شَرْعَهُ مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ اللهَ تَوَرَّطَ في أَلْوانِ السَّيِّئاتِ وَالمعاصِي، أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ تَعْظِيمَ اللهِ لَيْسَ قَوْلًا بِاللِّسانِ لا مَعْنَى لَهُ في القَلْبِ، وَلا أَثَرَ لَهُ في السُّلُوكِ، بَلْ تَعْظِيمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُبْتَدَئُ أَوَّلًا: بِأَنْ يَمْتَلِأَ القَلْبُ إِجْلالًا للهِ، هَيْبَةً لَهُ تَعْظِيمًا لَهُ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ؛ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ وَمُشاهَدَةِ آياتِهِ، وَتَأَمُّلِ كَلامِهِ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا صَلَحَ القَلْبُ بِتَعْظِيمِ الرَّبِّ جَلَّ في عُلاهُ انْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَى القَوْلِ، فَكانَ في قَوْلِهِ مُتَحَرِّيًا مُعَظِّمًا رَبَّهُ، لا يَقَعُ في شَيْءٍ مِمَّا يُغْضِبُهُ، كَذَلِكَ فِيما يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الأَفْعالِ وَالأَحْوالِ، يَكُونُ فِيها عَلَى أَعْلَى ما يَسْتَطِيعُ مِنْ دَرَجاتِ الكَمالِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ يُعظِّمُكَ حَقَّ تَعْظِيمِكَ، وَيَقُومُ بِحَقِّكَ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي تَرْضَى بِهِ يا رَبَّ العالمينَ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ كُلَّ فَسادٍ في الدُّنْيا، وَكَلَّ انْحِرافٍ في مَسِيرَةِ البَشَرِيَّةِ في تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ سَبَبُهُ هُوَ ضَعْفُ تَعْظِيمِ العَبْدِ لِرَبِّهِ جَلَّ في عُلاهُ لِذَلِكَ قالَ جَلَّ وَعَلا {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الأَنْعام: 91 وَقالَ جَلَّ وَعَلا فِيما أَخْبَرَ عَنْ رَسُولِهِ في قَوْلِهِ لِلَّذينَ كَذَّبُوهُ {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)} نوح: 13ما الَّذي يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُعَظِّمُوهُ جَلَّ في عُلاهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، أَنْ تُجِلُّوهُ حَقَّ إِجْلالِهِ، فَإِنَّ عَدَمَ إِجْلالِهِ وَعَدَمَ تَعْظِيمِهِ سَبَبٌ لِفَسادِ المسِيرِ، وَوُقُوعِ الإِنْسانِ في أَلْوانِ الضَّلالِ وَالانْحِرافِ، إِنَّ أَوَّلَ ذَلِكَ فِيما يَتَعَلَّقُ بِنَقْصِ اللهِ حَقَّهِ، فَمَنْ لمَْ يُعَظِّمِ اللهَ لَمْ يُوفِّهِ قَدْرَهُ وَلَمْ يُبادِرْ إِلَى طاعَتِهِ، وَلَمْ يَخْشَ الوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ ما أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْعُ التَّعْظِيمِ، فَمَنْ عَظَّم اللهَ عَظَّمَ شَرائِعَهُ وَحُدُودَهُ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج: 32 فَلِذَلِكَ كُلُّ الانْحِرافاتِ بِشَتَّى صُوُرِها هِيَ ثَمَرَةُ ضَعْفِ التَّعْظِيمِ، فالشِّرْكُ وَالبِدْعَةُ وَالمعْصِيَةُ وَالنِّفاقُ كُلُّ ذَلِكَ عَنْ ضَعْفِ تَعْظِيمِ رَبِّ العالمينَ، وَلَوْ عَظَّمَهُ العَبْدُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ لَبادَرَ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطاعَتِهِ وَامْتِثالِ ما أَمَرَ بِهِ، وَالانْتِهاءِ عَمَّا نَهَىَ عَنْهُ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، اسْلُكْ بِنا سَبِيلَ الرَّشادِ, أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا وَحَّدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، تَقْوَى اللهِ طَاعَتُهُ فِيما أَمَرَ، وَتَرَكَ ما نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، فَالمتَّقِي هُوَ المبادِرُ لامْتِثالِ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ، وَالمبادِرُ إِلَى البُعْدِ وَالنَّأْيِ بِنَفْسِهِ عَمَّا نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ في حَقِّهِ وَفي حَقِّ عِبادِهِ، فَإِنَّ ذَاكَ دَلِيلُ التَّقْوَى وَعَلامَتُها وَآيَتُها, فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ تَقْواهُ تَجْلِبُ لَكُمْ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, يَقُولُ اللهُ تَعالَى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } الحج: 30 إِنَّ تَعْظِيمَ ما عَظَّمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَعْمالِ وَالأَقْوالِ وَالأَحْوالِ وَالأَزْمِنَةِ وَالأَماكِنِ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَفْتَحُ لِلعَبْدِ خَيْرًا عَظِيمًا في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} وَحُرُماتُ اللهِ هِيَ: كُلُّ ما جَعُلَهُ مُحْتَرَمًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ حالٍ أَوْ زَمانٍ أَوْ مَكانٍ، كُلُّ هَذِهِ الأَشْياءُ الَّتي اصْطَفاها اللهُ تَعالَى وَعَظَّمَها، وَجَعَلَ لَها مَنْزِلَةً وَحُرْمَةً تَعْظِيمُكَ لَها هُوَ مِمَّا يَزِيدُ بِهِ إِيمانُكَ، وَمِمَّا يَسْتَقِيُمُ بِهِ حالُكَ، وَمِمَّا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَبِّكَ، وَمِمَّا تَنالُ بها خَيْرًا في دُنْياكَ وَأُخْراكَ، لِذلِكَ عَظِّمَ ما عَظَّمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَعْظِيمُ ما أَمَرَ بِهِ، فَمَنْ عَظَّمَ ما أَمَرَ بِهِ رَبُّهُ، فَقامَ بِما أَمَرَ بِهِ رَبُّهُ في صَلاتِهِ وَزَكاِتهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ وَفي حَقَّهِ وَفي حَقِّ عِبادِهِ كانَ خَيْرًا لَهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَمِنْ تَعْظِيمِ حُرُماتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَنْهَى نَفْسَكَ عَمَّا نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ فَقَدْ عَظَّمَ حُدُودَهُ، وَعَظَّمَ حُرماتِهِ، وَمَنْ عَظَّمَ حُرُماتِ اللهِ بِتَرْكِ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ؛ وَقاهُ اللهُ شُؤْمَ المعاصِي وَالسَّيِّئاتِ.
يا إِخْواني, ما مِنْ سَيِّئَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ إِلَّا وَضَرَرُها يَعُودُ إِلَيْكَ أَوَّلًا قَبْلَ غَيْرِكَ، وَفي الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ، فَإِنَّ المعاصِي شُؤْمٌ عَلَى أَهْلِها، وَلِذَلِكَ نَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ الوِقايَةَ مِنَ المعاصِي، وَنَسْأَلُهُ الوِقايَةَ مِنْ آثارِها، وَأَوْضارِها وَشُؤْمِها، الَّذي يُدْرِكُ الإِنْسانُ في دُنْياهُ وَأُخْراهُ، لَيْسَتْ عُقُوبَةُ المعاصِي فَقَطْ في الآخِرَةِ فَقَطْ دُونَ الدُّنْيا بَلْ تَكُونُ في الدُّنْيا مِمَّا يَلْحَقُ الإِنْسانُ مِنْ ضِيقٍ وَكَدَرٍ قالَ اللهُ تَعالَى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} طه: 124، وَهَذا الضَّنْكُ الَّذِي يَعِيشُهُ الإِنْسانُ لَيْسَ فَقَطْ في قَبْرِهِ وَلا في أُخْراهُ بَلْ هُوَ في دُنْياهُ مِمَّا يَكُونُ في قَلْبِهِ مِنْ وَحْشَةٍ وَضِيقٍ، ذاكَ بِسَبَبِ عَدَمِ القِيامِ بِما أَمَرَ اللهُ تَعالَى مِنْ تَعْظِيمِ حُدُودِهِ وَتَعْظِيمِ حُرُماتِهِ وَحَفِظَ حَقَّهُ جَلَّ في عُلاهُ، سُواءٌ كانَ ذَلِكَ في حَقَّ اللهِ أَوْ في حَقِّ الخَلْقِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, نَحْنُ في أَشْهُرٍ حُرُمٍ، أَوُّلهُا شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ وَهِي مُتَوالِيَةٌ أَوَّلُها مِنَ المتَوالِياتِ شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ شَهْرُ ذِي الحِجَّةِ، ثُمَّ شَهْرُ المحَرَّمِ، هَذِهِ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ، وَتَحْرِيمُ اللهِ لَها إِنَّما هُوَ بِتَعْظِيمِ ما فِيها مِنْ أَعْمالٍ وَقُرُباتٍ وَتَعْظِيمِ ما يَقَعُ فِيها مِنَ السَّيِّئاتِ، وَثَمَّةَ شَهْرٌ رابِعٌ تَكْتَمِلُ بِهِ الأَشْهُرُ الحُرُمُ، وَهُوَ شَهْرُ رَجَبٍ، وَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ عَظَّمَها اللهُ لَمْ يُعَظِّمْها النَّاسُ، وَحَرَّمَها اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْها النَّاسُ، قالَ جَلَّ وَعَلا {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} أَيْ في قَدَرِهِ وَما كَتَبَهُ جَلَّ في عُلاهُ في سابِقِ عِلْمِهِ {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} بَعْدَ أَنْ ذَكَرَها قالَ : {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} التوبة: 36 فَنَهَى اللهُ تَعالَى عَنْ ظُلْمِ النَّفْسِ فِيها، وَظُلْمُ النَّفْسِ: هُوَ كُلُّ مُخالَفَةٍ لأَمْرِ اللهِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً في حَقِّهِ أَوْ في حَقِّ الخَلْقِ؛ فَإِنَّ المعاصِي ظُلْمٌ لأَصْحابِها يَظْلِمُ الإِنْسانُ بِها نَفْسَهُ، وَيُخالِفُ حُدُودَ رَبِّهِ، وَحُرُماتِ شَرْعِهِ.
الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ وَارْزُقْنا القِيامَ بِحَقِّكَ وَأَعِنَّا عَلَى أَداءِ ما أَمَرْتَنا بِهِ مِنْ أَداءِ الأَماناتِ إِلَى أَهْلِها {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النِّساء: 58 اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاسْلُكْ بِنا سَبِيلَ الرَّشادِ اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا انْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنا اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لَنا اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَك ذاكِرِينَ شاكِرينِ رَاغِبينَ رَاهِبينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا وَثَبِّتْ حُجَّتَنا واغْفِرْ زَلَّتَنا وَأَقِلْ عَثْرَتِنا، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أَمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَكَ فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ ، الَّلهُمَّ مَنْ أَرادَنا وَأَرادَ بِلادَنا وَبِلادَ المسْلِمينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاكْفِنا شَرَّهُ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى خُذْ بِناصِيَتِهِ إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، أَعِنْهُ وَسَدِّدْهُ وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِ المسْلِمينَ إِلَى القِيامِ بِحَقِّكَ وَإِقامَةِ شَرْعِكَ، وَأَعِنَّا رَبَّنا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ، الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.