المقدم: دكتور خالد !كان حديثكم في الحلقة السابقة عن الرفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى وصفة النهوض، وتحدثتم عن جلسة الاستراحة وحتى يكون الحديث ذا صلة لو تُتمُّون الحديث في هذه الحلقة عن الركعة الثانية والتشهد حفظكم الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سُنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فتتمة لما تقدم من صفة الصلاة إذا فرغ المؤمن من الركعة الأولى، ونهض على الصفة التي ذكرنا والركعة الثانية من الصلاة هي كالركعة الأولى من حيث الأركان والواجبات، بمعنى أنه يفعل فيها كما يفعل في الركعة السابقة، ولذلك في حديث المسيء في صلاته الذي دخل وصلى صلاة منقوصة، ثم رده النبي –صلى الله عليه وسلم-فصلى ثانية، وثالثة، ثم قال: "والله يا رسول الله لا أحسن غير هذا" وصف له النبي –صلى الله عليه وسلم- فعلمني كيف أصلي؟! فعلمه النبي –صلى الله عليه وسلم-كيف يصلي، ثم لما فرغ من السجدة الثانية قال: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا»[صحيح البخاري(757)، ومسلم(397/45)] معنى أنه يفعل في بقية صلاته على النحو الذي فعله في الركعة الأولى.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن الركعة الثانية تختلف عن الركعة الأولى في أنه لا تكبيرة للإحرام فيها فإن تكبيرة الإحرام تكون في ابتداء الصلاة.
والتكبير الذي يكون بعد الرفع من السجدة الثانية إنما هو تكبير انتقال كسائر التكبيرات التي يكبِّرها المؤمن في انتقالاته من القيام إلى الركوع، ومن الاعتدال إلى السجود، وهلم جرًّا.
إذًا هي تكبيرة من تكبيرات الانتقال، ومكانها من رفع رأسه إلى رفع رأسه قال: الله أكبر، ولا يحتاج إلى أن ينتظر حتى يستوي قائمًا ثم يقول: الله أكبر، بل يكبر أثناء رفعه من السجود، يعني بين الركنين، بين السجدة وبين القيام، يكبر التكبيرة التي هي للانتقال.
إذًا ليس هناك في الركعة الثانية تكبيرة إحرام؛ لأن تكبيرة الإحرام تفتح بها الصلاة كما هي في الركعة الأولى، كما أنه ليس في الركعة الثانية ولا ما بعدها الاستفتاح، فالاستفتاح إنما يكون في الركعة الأولى عند ابتداء الصلاة يستفتح بالاستفتاحات المتنوعة، بواحد منها، كما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-:«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»[أخرجه أبو داود في سننه(775)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود(748)] أو «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ »[صحيح البخاري(744)، ومسلم(598/147) ] هذا في الركعة الأولى، أما الركعة الثانية فليس فيها شيء من هذا.
أما إذا رفع بعد السجود واستتمَّ قائمًا يَشرع في القراءة لما في الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ«كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ» [صحيح مسلم(599/148)]، ومعنى هذا أنه ليس هناك السكتة التي تتقدم القراءة في الركعة الأولى، وهي سكتة قراءة شيء من أدعية الاستفتاح المتنوعة.
إذًا يَشرع مباشرة بالفاتحة.
الأمر الثالث الذي تختلف فيه الركعة الثانية عن الركعة الأولى في قول جماهير العلماء أنه لا يستعيذ، بمعنى أنه لا يحتاج أن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"؛ لأن هذا إنما يكون في افتتاح القراءة، وقد افتتح قراءته في الركعة الأولى.
وفي رواية عن الإمام أحمد، وقول لبعض أهل العلم أنه يستعيذ في كل ركعة؛ لأن الركعة الأولى انتهت قراءتها بالركوع، ثم شرع في أذكار ثم عاد يقرأ مرة ثانية، فيدخل فيما ندب إليه المؤمن من الاستعاذة بقوله ـ تعالى ـ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل: 98] فيستعيذ وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد –رحمه الله-في رواية، وذهب إليه طائفة من أهل العلم، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من أهل العلم.[ مذهب النخعي(المحرر الوجيز1/48)، وابن سيرين، وأحد الوجهين عن الشافعي(الأم1/107)، واختاره ابن حزم(المحلى1/247)، وهو رواية عن الإمام أحمد(زاد المعاد1/241)]
إذًا الاستعاذة فيها خلاف هل يقرأها المؤمن أو لا يقرأها؟ والذي يظهر أنه لا حاجة إلى قراءتها؛ لأن ما بين القراءتين إنما هو ذكر وتسبيح وتحميد وتتمة لما شرع في الصلاة ولا يعد فاصلًا كبيرًا.
إذًا ماذا يفتتح؟
يفتتح إذا رفع رأسه بالفاتحة يقرأ الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة كالركعة الأولى، لكن الذي تتميز به القراءة في الركعة الثانية أنها دون القراءة في الركعة الأولى، بل من العلماء من يقول إنها على النصف من الركعة الأولى كما جاء في وصف صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث أبي قتادة[أخرجه البخاري في صحيحه(778)] وغيره أنهم حذروا قراءته –صلى الله عليه وسلم-فكانت في الركعة الثانية على النصف من الركعة الأولى[حديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان في صحيحه(1858)، وفيه:قَالَ: «كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ...الحديث»]، بعد هذا إذا فرغ يركع ثم يرفع ثم يسجد السجدة الأولى ثم يجلس بين السجدتين ثم يسجد السجدة الثانية، وبهذا يكون قد انتهى من الركعة الثانية، وتكون صفتها كصفة الركعة الأولى، لكن في الركعة الثانية يحتاج إلى الجلوس التشهد، وهذه الجلسة -جلسة التحية- يسميها بعض العلماء جلسة التحية، والمقصود بالتحية أي ما يقال فيها من التحيات التي تشرع للمؤمن أن يقولها بين يدي ربه –جل وعلا-وهو قاعد بين السجدتين.
هذه بعد الركعتين وقبل القيام إذا كان هناك ثالثة أو رابعة، يجلس ويقرأ التحيات، «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».[صحيح البخاري(1202)]
هذه التحيات يقولها، هذا هو اللفظ الذي يقوله المؤمن في هذه الجلسة.
أما صفة هذه الجلسة فصفة هذه الجلسة كالجلوس بين السجدتين، يُثني رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، ويجلس على رجله اليسرى ناصبًا رجله اليمنى، وتكون أصابعه كما جاء في وصف صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم-تجاه القبلة،
هذا إن أمكنه، أما إن كان لا يتمكن من هذا كأن يكون في ذلك مشقة خارجة عن المعتاد، ولا يستطيع أن يعوِّد نفسه على هذا، فإن ذلك لو لم ينصبها الأمر في هذا قريب، فالنصب سُنَّة، نصب الرِّجل اليمنى إنما هو سنة، وقد ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم-من حديث عائشة وغيره أنه كان يفترش فيجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى.[حديث عائشة أخرجه مسلم في صحيحه(498/240)]
هذا هو صفة الجلسة كيف تكون يداه؟ تكون يداه على فخذيه أو على ركبتيه، بالنسبة لليد اليسرى مفترش يفرشها على فخذه اليسرى أو يضعها على ركبته، أما بالنسبة لليمنى فإن السنة في حقه أن يقبض الخنصر والبنصر هذان الإصبعان، ويحلِّق الوسطى والإبهام بمعنى أنه يجعل رأس الإبهام على رأس اليد الوسطى على هذا النحو، ويشير بإصبعه هذه الصفة الأولى في وضع اليد اليمنى في التشهد.
الصفة الثانية: أن يقبض هذه الأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى، يقبضها ويضم إليها الإبهام وهي تكون إصبعه على هذا النحو هذا الذي جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-في صفة الجلوس في التشهد.
هل يحرك إصبعه أو لا يحركها؟
هذه مسألة للعلماء فيها قولان من أهل العلم:
بعضهم يقول: يضعها على هذه الصفة لا يحركها.[مذهب الشافعية(المجموع 3/454)، والحنابلة(الإنصاف للمرداوي2/56)، واختاره ابن حزم(المحلى3/64)]
ومنهم من يقول: يحركها، يشير بها.
متى تكون إشارة؟ في حديث وائل بن حجر قال: «ثُمَّ رَفَعَ إِصْبَعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا»[أخرجه النسائي في الصغرى(889)، وصححه الألباني في صحيح النسائي]يعني عند الدعاء فإذا قال: السلام عليك أيها النبي وهذا دعاء، دعاء الله تعالى سؤال الله ـ تعالى ـ لنبيه السلامة فيشير بها، ومنهم من يقول: يشير بها عند التشهد إشارة إلى التوحيد.
والذي يظهر أن الأمر في هذا قريب، فإذا أشار بها في الدعاء هذا هو الذي جاء في حديث وائل بن حُجر وهو أظهر في السنة، وإذا أشار بها عند التوحيد فالأمر في هذا قريب على أنه ليس هناك حديث واضح وصريح في أنه يرفع إصبعه عند النطق بالشهادة "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله" ليس في ذلك دليل واضح بين في أن تحريك الإصبع مقترن بالشهادة.
إذًا هذا ما يتعلق بصفة الجلوس ووضع اليدين في هذه الجلسة هذا الذكر العظيم الذي هو التحيات لله هو ما سنقف عليه -إن شاء الله تعالى- في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
المقدم: أحسن الله إليكم وبارك فيكم ونفع بعلمكم صاحب الفضيلة.