أبرز محظور ذكره الله تعالى في كتابه تنصيصاً هو حلق الرأس، فقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ البقرة:196 .
وهذا يدل على أن حلق الرأس بالنسبة للمحرم محّرم، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة وهذا من القسم الأول: هذا أبرز محظور ذكره الله في كتابه بالنص عليه باسمه لفظاً صريحاً، وأما المحظورات فقد ذكر الله الرفث وهو الجماع، والجماع هو أعظم المحظورات لأنه يترتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره، ولذلك هو أعظم المحظورات إذ إنه يفسد به النسك، ويترتب عليه الفدية، ويجب المضي في النسك، سيأتي أحكام متعلقة سنتطرق لها.
لكن أنا قلت أبرز يعني ذكر الله تعالى ذلك على وجه ظاهر بيّن ليس ملتبساً ولا داخلاً فيه معانٍ أخرى بل بالنص: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ البقرة:196 ؛ ولهذا جرت طريقة أهل العلم في عد المحظورات أن يبدأوا بذكر الحلاق لماذا؟ لأنه الذي جاء به النص في القرآن الكريم في قوله -جل وعلا-:﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾البقرة:196 ؛ يعني حتى تتحللوا، وإنما يبلغ الهدي محله، إما التحلل من العمرة، وإما بالتحلل من الحج برمي جمرة العقبة يوم النحر.
وعمَّمَ جماعة من العلماء الحلق لجميع البدن وليس فقط الرأس بل إزالة الشعر من سائر البدن أيضاً ممنوعة، وذلك بالإلحاق على ما ذكر مما جرت العادة لحلقه وهو الرأس، فإذا كان ممنوعاً من حلق رأسه فغيره من باب أولى، مما قد يحتاج الإنسان إلى إزالته كشعر العانة، وشعر الإبط، فإنه يمنع من ذلك، وسائر شعور بدنه أيضاً يمنع من إزالتها، استدلوا لذلك بقوله -جل وعلا- في سورة الحج في ذكر ما يفعله الحجاج قال: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾الحج:29
هذا في أسباب المجيء لما قال:﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ قوله: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾؛ أي ليزيلوا الأوساخ التي علقت في أبدانهم من الشعور التي تركت، ومن الأظافر، ومن ما علق بالبدن من جراء الإحرام وعنائه الذي كان يصيب الناس في الزمن السابق، والآن أيضا يصيبهم بسبب تركهم الترفه، وما يتمتعون به في حال الحلال من الطيب وما أشبه ذلك.
المقصود أن هذه الآية استدل بها الجمهور على حلق سائر شعور البدن، وأنها ملحقة بالرأس، وأضافوا إلى ذلك أيضاً أن المحرم ممنوع أيضاً من تقليم أظافره وأخذ شيئاً من بشرته فإنه يمنع من ذلك بنص الآية التي ذكرت في قوله:﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾.
الثالث: الطيب فإنه مما يشترك في تحريمه الرجال والنساء؛ فإنه محظور على الرجال، ومحظور على النساء.
دليل ذلك ما جاء في قول عائشة في الصحيحين:« كنت أطيب النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحرم».
ويدل له أيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عباس في الرجل الذي وقصته راحلته - سقط من على البعير فمات-رضي الله تعالى عنه- في حجة الوداع فسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مايصنعون به؟ قال:«اغسلوه بماء وسدر ولا تحنطوه وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه».
فقوله "لا تحنطوه" أي لا تقربوه حنوطاً، وهو نوع من الطيب يستعمل لتقوية البدن في غسل الموتى، فإذا كان ممنوعا من الطيب، وهو الحنوط فإنه ممنوع من كل طيب.
استدلوا أيضاً بـقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ولا يلبس ثوباً مسه ورث ولا زعفران »؛ هذا مما استدل به أهل العلم على منع المحرم من التطيب في بدنه ابتداء، لكن استدامة الطيب السابق الذي كان قبل الإحرام، هذا لا يمنع منه لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: « كنت أرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».
فيما يتعلق بمزيل العرق ليس طيباً إنما هو قطع للرائحة الكريهة.
كذلك الطيب المقصود به هو ما يقصد التطيب به عادةً وليس المقصود ما فيه من روائح زكية فإن المحرم لا يمنع من شم الروائح الزكية، لذلك قال ابن عباس إنه لا يمنع إن المحرم يشم الريحان، وكذلك يشم روائح الفواكه التي ليست طيباً وكذلك يستعمل الصابون الذي ليس طيباً، وإن كان فيه رائحة زكية لكنها ليست طيباً ، فالعرف لم يجري أن التطيب يكون بالصابون أو يكون بنحو ذلك لكن المنظفات التي يخلط معها طيب، كالتي يخلط معها ماء ورد أو يخلط معها ياسمين أي يكون فيها رائحة.
الرائحة الزكية ليست مؤثرة إنما المؤثر هو رائحة الطيب، ولذلك ذكرت من شم الطيب شم الريحان، وشم الروائح الزكية لا يمنع من ذلك إنما يمنع من التطيب، هذا ما يتعلق بالقسم الثالث من أقسام محظورات الإحرام المشتركة بين الرجال والنساء.
أيضاً مما يشترك فيه الرجال والنساء من محظورات الإحرام الجماع فإنه محرم على الرجل والمرأة دليل ذلك قوله -جل وعلا-: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ البقرة:197.
وهو من أعظم المحظورات لأنه يترتب عليه أحكام كثيرة، من أعظمها فساد النسك سواء إن كان حجاً أو عمرة، وهذا محل اتفاق بين الصحابة -رضي الله تعالى عنهم.
وأيضاً يترتب عليه وجوب الفدية، ووجوب المضي في النسك الفاسد، وكذلك وجوب الإعادة أن يأتي به صحيحاً، هذا ما يتصل بالجماع المحظور.
المحظور الخامس: وهو ما يتصل بالمباشرة، والمباشرة هي أن يباشر الرجل المرأة، إذا باشر الرجل المرأة على نحوٍ لا شهوة فيه كأن يمسك يد زوجته في الطواف، في السعي، في مواطن الحاجة، أو حتى يصافحها مصافحة عادية هذا لا يُمنع منه المحرم, وهو أمر معتاد لا حرج فيه، وإنما يمنع من المباشرة التي تقترن بالرغبة والشهوة، هذا محظور من محظورات الإحرام، دليله قول الله -جل وعلا-:﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ﴾، والرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وتريده المرأة من الرجل، يعني هذا محظور مشترك من الرجل ومن المرأة، وليس خاصاً بالرجل فقط، فيمنع كل ما يقوم من دواعي الشهوة وقت الإحرام، هذا ما يتصل بالمحظور السادس من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء.
من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء أيضاً قتل الصيد فإنه يحرم على الرجل والمرأة لقول الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾المائدة:95 ؛ إلى أخر ما ذكره الله تعالى من أحكام مترتبة على قتل الصيد.
والصيد هو كل ما يقصد لحمه مما أحل الله تعالى صيده، كالغزال والظباء والطيور التي تقصد للأكل كل هذه مما يندرج في الصيد الذي حرمه الله تعالى.
أما صيد البحر فقد اختلف العلماء فيه بالنسبة للمحرم، والصحيح أن صيد البحر لا يمنع منه المحرم، ولا يمنع في الحرم لقول الله تعالى:﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾المائدة:96 ؛
فالآية ذكرت تحريم صيد البر وإباحة صيد البحر.
النقطة الأخيرة المشتركة من محظورات الإحرام بين الرجال والنساء: النكاح، لما جاء في "الصحيحين" من حديث عثمان رضي الله تعالى عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب»، وهذا لا فرق فيه بين الرجال والنساء، يحرم على المرأة أن تتزوج، ويحرم على الرجل أن يَتزوج، ويحرم على الرجل أن يُزوج موليته، وتحرم الخطبة وقت الإحرام.
إذاً: هذه السبعة محظورات.