الحمد لله رب العالمين، أحمده حق حمده، لا أُحصِي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، إله الأولين والآخِرين، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خِيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَنِ اتبع سُنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن نعمة الله تعالى على عباده عظمى تستحق الشكر، فنعمه جل وعلا تترى. ومن أعظم نِعمه أن يوفِّق الإنسانَ ربُّه جل وعلا إلى الصالحات، فتوفيق الله تعالى لعبده أن يسلك سبيل الرشاد والهدى من أعظم نعمه تعالى على عباده وأوليائه.
لذلك ينبغي للمؤمن أن يستشعر هذه النعمة.
وقد ذكر الله تعالى ذلك في آيات الصيام، عندما ذكر فرض الصيام، فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]. وبعد أن فرغ من ذكر ما يتصل بهذا الحكم، وهو فرض الصيام من أحكامٍ قال: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
فجعل الله تعالى شرع الصيام لحِكَم وغايات، ومنها ما ذكر الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، أي: تذكروه جل وعلا، وتعظموه في قلوبكم، أن هداكم للإيمان، وأن دلكم على صراطه المستقيم، وأن يسر لكم شرعه الحكيم، وأن تشكروه على تلك النعم المتتابعة.
واليوم هو يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 1436 هـ، وقد يكون آخر أيام هذا الشهر المبارك في هذه السنة، ومما ينبغي للمؤمن أن يعرف مما يتصل بأحكام نهاية الشهر ما شَرَعه الله تعالى من العبادات.
وقد تقدم الكلام عن زكاة الفطر، وأنها فرض فرضه الله تعالى على المسلمين؛ الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر الواجب، والجهة المصروفة إليها، والوقت، كل ذلك جاء بيانه في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففرضها صاعًا من طعام، من غالب قوت البلد، تخرج قبل صلاة العيد، وهي طعمة للمساكين، وقد تقدم تفصيل ذلك.
ومما ينبغي أن يعرفه المسلم مما يتعلق بأحكام نهاية الشهر ما يتصل بأحكام العيدين؛ فإن من نعمة الله تعالى على عباده أن جعل يوم فطرهم يوم فَرَح، وهذا مِصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَللصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ» وهذه تتكرر كل يومٍ عند الفطر، وتتكرر عند انقضاء رمضان، فإنه يفرح فرحًا عباديًّا يتقرب به إلى الله عز وجل.
والفرح الثاني، وهو الفرح الباقي الدائم الأعظم، يكون عند الله عز وجل، عندما يلقى المؤمن ثواب عمله، وعندما يرى ما قدمتْه يداه، وعندما يسعد بما دُوِّنَ في صحائف أعماله، فـ«للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ». وأبقاهما وأعظمهما الفرحة التي عند الله، لكن الفرحة عند الله تتقدمها فرحة في الدنيا، وبهجة في الدنيا، وهذا يؤكد المعنى الذي ذكرناه أن الطاعة سرور، وبهجة وانشراح، ولذة ونعيم، لكن لا يدركها إلا من تذوق طعم الإيمان، ولا يدركها إلا من ذاق الفرح بطاعة الله عز وجل، فيفرح المؤمنون بيوم فطرهم فرحًا عامًّا، وقد شرع الله تعالى لهذا الفرح ما يجعله فرحًا عباديًّا، لا أشر فيه ولا بطر، وهو فرح مأمور به، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
ولتعلم أن الفرح نوعان؛ فرح حرَّمه الله تعالى، وهو ما قاد إلى الأشر، والبطر، والزهو، والفخر، والخروج عن حدود الشريعة، وهو الذي قال فيه تعالى: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76].
فلا يحب الفرحين الذين يكون فرحهم مُوقِعًا لهم في المحرمات، مخرِجًا لهم عن الصراط المستقيم، مُزِيغًا لهم عن الاستقامة التي أمر الله تعالى بها الناس كافة، وأما الفرح بطاعة الله فهو فرح مختلِف، يفرح أن يسَّر الله له الطاعة، ويفرح أن أعانه الله تعالى على القيام بالواجب، ويفرح بأن هدى الله تعالى قلبه إلى الهداية والصراط المستقيم، فيكون فرحه مأجورًا عليه؛ لأن الله لا يأمر بشيء إلا ويثيب فاعله عليه، ولذلك قال: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
والفرح بتمام الصيام، وكمال العدة هو مما ينبغي للمؤمن أن يتعبد الله تعالى به.
ولهذا ينبغي أن نبعِد عن قلوبنا ما يمكن أن يدب إليها من حزن على فراق شهر رمضان، بالتأكيد أن الإنسان إذا استروح الطاعة، وسكن إليها، ووجد فيها نعيمًا فإنه يشق عليه فِراقها، لكن لا يمكن أن يدوم الإنسان على حال من الطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ»؛ ذاك أن الصحابة كانوا إذا سمعوا الوعظ كان ما يخبرهم به كرأي عين، كما لو كانوا يشاهدونه بأعينهم، ثم إذا خرجوا وانصرفوا إلى شغل الدنيا، وأحوال الحياة، غفل بعضهم، ووقع منهم شيء من النسيان لما كانوا يُذكَّرون به، فلما أَخبروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث نافَقَ حنظلةَ قال: لو أنكم تَدومون على ما أنتم عليه في مجالس الذكر لصافحتكم الملائكة.
فدوام الطاعة على وجهٍ لا ينقطع هذا لا يكون في شأن الإنسان، وفي شأن الدنيا، لكن الذي ينبغي أن يكون عليه ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «لِكلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ» أي: ارتفاع «وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ» أي: نزول، فانتبه في النزول والانخفاض، واحذر أن يكون نزولك خروجًا عن هديه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ» أي: وقت ضعفه عن الطاعة والإحسان «إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ»، أي: فقد منَّ الله عليه بالهداية ولزوم الصراط المستقيم.
فينبغي لنا أن نفرح بطاعة الله عز وجل، وأن نشكره على ما أنعم، من تمام العدة، وكمالها، وما يسر الله تعالى من الأعمال الصالحة، فرحَ شكرٍ وثناء وإقرار بالفضل من الله عز وجل، وليس فرحَ زهوٍ واستكبار وعُجب بالعمل؛ فإن ذلك يحبِطه، وينزِع بَرَكَته، فينبغي الحذر من هذا.
وقد شرع الله تعالى للمؤمنين أن يفرحوا ويكبروا عند انقضاء الشهر، ولذلك قال جل وعلا: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، على ما هداكم لطريقه وسبيله القويم الذي هو طريق السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
والتكبير هو قول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وجاء عن سلمان بإسناد جيد أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
وكيف ما تيسر من صيغ التكبير عند تمام العدة، وكمال الشهر، فذاك فضل الله عز وجل الذي يسره لك، فكبر قائمًا وقاعدًا وعلى جنب.
ولذلك ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التكبير يكون بانقضاء الشهر، سواء كان ذلك بتمام الشهر بغروب شمس يوم الثلاثين إذا تم الشهر، أو بإعلان رؤية الهلال إذا كان الشهر ناقصًا، فإذا أعلن الليلة أن غدًا عيد، وأنه أول شهر شوال، فينبغي للمؤمن أن يبادر إلى التكبير على هذا القول.
وقال جماعة من أهل العلم: إن التكبير يكون بعد صلاة الفجر عند الغدو إلى الصلاة. والأمر في هذا واسع، فمن كبر بعد الإعلان فذاك وارد عن جماعة من السلف، ومن تركه إلى ما بعد فجر غدٍ فذاك ورد عن بعض السلف.
والمقصود أن يشتغل بتكبير الله عز وجل وتمجيده وتحميده بكل صيغة ممكنة.
وأفضل ما جاء في ذلك ما ثبت عن الصحابة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عنه صيغة معينة في التكبير، وقد ذكرت صيغتين، قول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، هكذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وجاء عن سلمان: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
فهذا أو ذاك أو غيرهما من صيغ التكبير كله مما يشرع به المؤمن عند كمال العدة، ودخول شهر شوال.
ثم إن المشروع للمؤمنين رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا أن يحرصوا على شهود صلاة العيد؛ فإن صلاة العيد من شعائر الإسلام، وهي من الصلوات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أمرًا عامًّا، فقد أمر صلى الله عليه وسلم النساء بها، وهن لسن ممن يُؤمَر بالخروج عادةً إلى الصلاة، إنما يؤذن لهن بالخروج إلى الصلاة، ولا يؤمرن بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَمنَعُوا إماءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ».
لكن في صلاة العيد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن، حتى من لم يكن من عادتها الخروج منهن؛ كذوات الخدور، وهن المغيَّبات اللواتي لا عهد لهن بالخروج، وكذلك الحيَّض، وهن مَن لا صلاة عليهن، أمرهن أن يخرجن، ويشهدن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، كما في الصحيح.
فدل ذلك على تأكد خروج المسلمين رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا لصلاة العيد، يتعرضون لفضل الله، ويسألونه جل وعلا منه، ويشكرونه على ما يسر من طاعة وعبادة، وإقبال وإحسان في شهر رمضان.
ولذلك ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض على الأعيان، وهو قول اعتضد بهذا الأمر العام الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى من لا صلاة عليها، وهن الحيض، أمرهن أن يشهدن الصلاة، ولكن يعتزلن المصلى، أن يخرجن إلى الصلاة، ولكن يعتزلن المصلى، يشهدن دعوة المسلمين والخير، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، واختاره جماعة من أهل العلم، أن شهود صلاة العيد فرض عين.
وذهب جماعة إلى أنه فرض كفاية، وهذا هو الأصلح، والأصح، والأقرب، أنه فرض كفاية، وليس فرض عين، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهن على وجه الاستحباب والندب، حتى إن بعض النساء اعتذرن أنه لا جلباب لها في خروجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لِتُلْبِسْهَا أُختُها مِن جِلْبَابِهَا». فهذا يدل على تأكُّد الخروج، يعني: امرأتان في عباءة واحدة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج.
ولذلك ينبغي أن نظهِر هذا، وأن نخرج، وأن نخرِج أبناءنا، ونساءنا إلى أماكن الصلاة التي يجتمع فيها المسلمون، فهو يوم مشهود، يوم عظيم، فيه هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام التي تجتمع لها الأمة بجميع أفرادها، صغارًا وكبارًا، شبابًا وشيبًا، ذكورًا وإناثًا، يتعرضون لفضل الله وإحسانه وعطائه، وهذا الشيء لا يتكرر في العام إلا مرتين؛ في عيد الفطر وعيد الأضحى، فينبغي ألا يخل به الإنسان ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويرغِّب فيه أهله، ويرجو الأجر عند الله عز وجل في ذلك.
وللصلاة آداب، منها: أن يستعد لها، ويتهيأ بما يستطيع؛ من الاغتسال، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم، وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يصلي الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يعود إلى بيته فيغتسل، ثم يخرج ليشهد صلاة العيد، وهذا لكون الاغتسال مما يُتهيأ به للمَجامع، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتماع الأسبوعي، وهو صلاة الجمعة، وهذا أحق به، ولذلك حث عليه العلماء، وورد عن جماعة من السلف الندب إليه.
كذلك ينبغي أن يأخذ أجمل ما يستطيع من اللباس؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له ثوب للجمعة والعيد. فيتهيأ المسلم للعيد بما يتيسر من الألبسة الجميلة دون فخر ولا خيلاء، ودون مخالفة للشرع، لا من الرجال، ولا من النساء، فالنساء مأمورات بستر الزينة ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: 31] إلى آخر الآية، فلا يُشرَع للمرأة أن تظهِر زينتها، لكن الرجل يلبس أجمل ما يستطيع؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وهذا مشروع في كل صلاة، وفي الجمعة آكَد، وفي العيد مثلها، فينبغي أن يتزين بما يستطيع.
ويُندب له ألا يخرج إلى صلاة العيد إلا وقد أصاب شيئًا من الطعام؛ ففي الصحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غدا إلى صلاة العيد يوم الفطر لم يخرج حتى يأكل تمراتٍ، وكان يأكلهن وترًا، أي: واحدة، ثلاثًا، خمسًا، سبعًا، هكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم، فينبغي للمؤمن أن يحرص على هذه السنة عند خروجه، وأن يأكل وترًا من التمر، إن تيسر التمر فذلك حسن، وإن لم يتيسر فيأكل أي شيء؛ ليحقق سنة الأكل قبل الخروج؛ لأن المقصود أن يأكل قبل أن يخرج، والتمر هو المتيسر في الغالب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك البلدان التي التمر فيها وفير، فليصب شيئًا من التمر قبل خروجه.
ويُسن أن يخرج مكبِّرًا على النحو الذي ذكرت: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم إذا جاء المصلَّى انتظر حتى إذا جاء الإمام صلى معه صلاة العيد على النحو الذي يصليه الأئمة، فإذا انقضت الصلاة انقضى التكبير، فلا تكبير بعد الصلاة؛ لأن التكبير يكون من الخروج إلى صلاة العيد، بخلاف التكبير الذي يكون في أيام التشريق في أيام العشر ويوم العيد –عيد النحر- فإنه ممتد ثلاثة عشر يومًا، أما تكبير عيد الفطر فهو من إعلان الشهر، أو تمام الشهر ثلاثين يومًا، إلى صلاة العيد.
ثم إذا قضى صلاته عاد من طريق آخر؛ لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي عن أبي هريرة أنه كان يخالف الطريق في صلاة العيد؛ فيذهب من طريق ويأتي من طريق.
هذه بعض السنن المتعلقة بهذا اليوم، وهو يوم فرح، وبهجة وسرور، لكن يجب على المؤمن أن يعرف أن يوم العيد ليس يومًا يخلع فيه المؤمن جلباب العبادة، بل هو يوم عبادي، وهو يوم طاعة، فينبغي أن يستحضر حق الله تعالى، ولا بأس أن يكون فيه شيء من التوسيع على الناس، فيما يتعلق بالبهجة والسرور؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَما دخل أبو بكر على جاريتين تضربان بدف في بيت النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله! فنهاهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُمَا يا أبا بَكْرٍ؛ لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً» أي: في ديننا سعة، وإعطاء للنفوس حظها فيما تشتهي، دون زيادة، ووقوع فيما حرم الله جل وعلا.
فينبغي للمؤمن أن يأخذ نصيبه مما أحل الله، دون تجاوز لحدود الله، فهو يعظم فيه الله، ويشكره فيه على نعمة التمام بكمال شهر الصيام والقيام، وبما حصل من صالح الأعمال، وحقه أن يحفظ حق الله تعالى فيه، ولا تنتهك حدوده بالاختلاط والتبرج والمعازف، وما أشبه ذلك مما يقع فيه كثير من الناس، نسأل الله تعالى الهداية للجميع.
وبعضهم يزيد بشرب المسكرات، ومواقعة المحذورات، كأنما ولى رمضان فولت العبادة، ونحن عباد لله ما حيِينا، نسأل الله أن يثبتنا على ذلك، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] ، فنرقبه جل وعلا في الفرح كما نرقبه في الترح والحزن، ونرقبه في مواسم الخير بالاجتهاد في الطاعة، وفي سائر الأيام بألا نخرج عن شرعه، وعن حدود ما حد لنا جل في علاه.
فنسأل الله عز وجل أن يبلغنا وإياكم مرضاته، وأن يرزقنا وإياكم القبول، وأن يجعله شهرًا في الموازين الصالحة من الأعمال بصيامه وقيامه، وسائر صالح أعماله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.