السؤال: هل يشترط فضيلة الشيخ للطواف والسعي أن يمشي القادر على رجليه، خاصةً بعد أن شاهدنا يركب مثلًا العربة وهو قادر، أو من يمشي على بعض الأجهزة الاليكترونية، أو المشحونة ويطوف أو يسعى وهو قادر؟
الإجابة:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فموضوع الطواف والسعي الأصل فيهما أن يكون الإنسان ماشيًا، هكذا كان طواف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمره، وفي حجه إلا أنه نُقل عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه طاف على بعيرٍ يستلم الركن بمحجن، وفي رواية أشار إليه بشيء في يده، وجاء ذلك من حديث جابر، ومن حديث عبد الله بن عباس، ومن حديث عائشة.
وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة كما في "الصحيحين" لما قالت: إنها شاكية، فأمرها أن تطوف من وراء الناس وهي راكبة، فطافت من وراء الناس، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وهي راكبة، فدل ذلك على أن الركوب مأذونٌ فيه.
لكن العلماء فيما جاء من الإذن في الركوب على طريقين:
منهم من قال: إن الطواف يصح راكباً وماشيًا، وكذلك السعي يصح راكبًا، وماشيًا.
واستندوا إلى فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفعله تشريع، وما ذُكر من علل لركوبه من أنه ازدحم عليه الناس، أو أنه ليشرف على الناس، أو ما أشبه ذلك من العلل التي ذكرها الصحابة رضي الله تعالى عنهم تبقى علل اجتهادية وليست نصية، إنما الشأن في فعله، فلو كان ممنوعًا لبينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو لبين خصوصيته له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله؛ فرأى جواز الطواف والسعي، ماشياً وراكبًا، والأفضل المشي.
وذهب الجمهور: إلى أنه لا يجوز الطواف والسعي راكبًا إلا لحاجة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالك، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول جماهير العلماء.
واستندوا في ذلك إلى أنه خلاف الأصل، وأن النبي إنما رخص لأم سلمه لما كانت شاكية، ولما ركب كان ركوبه لعلة، وحاجة، وقد بدأ طوافه ماشيًا؛ فلما اجتمع عليه الناس، وازدحموا، وكان الناس قد اجتمعوا يقولون هذا محمد، هذا محمد، رجالًا، ونساءً، وصغارًا، وكبارًا، ركب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليشرف، وليسأله الناس، وكان يكره أن يصرف عنه الناس، أو أن يضرب الناس بين يديه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا القول هو قول الجمهور: أنه لا يجوز الركوب إلا لحاجة.
والذي أوصي به الحاج والمعتمر: ألا يركب إلا إذا كان لحاجة، لكن لو أن شخصًا جاء وقال: أنا ركبت فلا أجزم بأن عليه شيئًا، لأنه لا دليل على ذلك، وفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصله تشريع، فدل ذلك على الجواز، لكن الذي أوصي به أن يتجنب ذلك إلا لحاجة.