×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / الحرمين / من رحاب الحرمين / من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها في أيام العشر من ذي الحجة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6663

الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، كما يُحِبُّ رَبُّنا ويَرضَى نَحمَدُه، لَهُ الحَمدُ كُلُّه أولُه وأخِرُه، ظاهِرُه وباطِنُه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهُ الأولينَ والآخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورِسولُه، وصَفيُّه وخَليلُه خيرَتُه مِنْ خَلقِه، بَعثَه اللهُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ، بينَ يَدَيِ الساعةِ بَشيرًا ونَذيرًا وداعيًا إلَيهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَحَ الأُمةَ، حتَّي أتاهُ اليقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وقَدْ ترَكَ الأُمَّةَ عَلَى مَحجَّةٍ بَيضاءَ لَيلُها كنَهارِها لا يَزيغُ عَنْها إلَّا هالِكٌ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وصَحبِه، ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ، واقتَفَى أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أمَّا بَعدُ:

فإنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ أثنَى عَلَى الذاكِرينَ اللهَ ـ تعالَى ـ والذاكراتِ في مُحكَمِ الكتابِ في آياتٍ كَثيرَةٍ، وقَدْ بَيَّنَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- فضلَ الذِّكرِ، وأثرَهُ عَلَى الإنسانِ في طِيبِ قَلبِه، وإصلاحِ فُؤادِه، فقالَ -جلَّ وعَلا-: ﴿ِأَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُالرعْدِ:28 ، وقالَ -جلَّ وعَلا-: ﴿ِفَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِالزمَرِ:22  فبيَّنَ ما يَنالُه قلْبُ الذاكِرِ لِلَّهِ -عَزَّ وجَلَّ- مِنَ الطمَأنينةِ، والانشِراحِ، والسكينةِ، والهُدوءِ، وما يُصيبُ قلبَ الغافلِ عَنْ ذِكرِه مِنَ القَسوَةِ، واليُبْسِ، وهَذا يَتضمَّنُ الحثَّ عَلَى الذِّكرِ، فإنَّ بيانَ فضلِ الذِّكرِ يَشحَذُ الهِمَمَ إلى الأخذِ بِهِ، وقَدْ أمَرَ اللهُ ـ تعالَى ـ بذِكرِه كَثيرًا، وهَكذا، أكثَرُ ما ورَدَ في كتابِ اللهِ مِنَ الأمرِ بالذكرِ، والثناءِ عَلَيهِ جاءَ مُقيَّدًا بالكَثرَةِ فقالَ ـ تعالَى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًاالأحزابِ:41 ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاالأحزابِ:42 ، وقالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالجُمعةِ:10 ، وقالَ اللهُ -جَلَّ وعَلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالأنفالِ:45 ، وهكَذا في مَواطنِ الأمرِ بالذكرِ يَأمُرُ بِهِ -جَلَّ وعَلا- كثيرًا، وذَلِكَ أنَّ القلبَ بحاجَةٍ ماسَّةٍ إلى ذِكرِ مَولاهُ لا يَسكنُ، ولا يَقَرُّ، ولا يَطمئِنُّ، ولا يَبتهِجُ، ولا يُسَرُّ، ولا يَسعَدُ إلا بذِكرِ مَولاهُ -جَلَّ في عُلاه- ولا يَكفيهِ مِنَ الذكرِ الشيءَ اليَسيرَ بَلْ هُوَ بحاجَةٍ إلى ذكرٍ كَثيرٍ، ولذَلِكَ أمَرَ اللهُ ـ تعالَى ـ بِهِ عَلَى هذهِ الصفَةِ أنْ يَكونَ كثيرًا؛ لحاجةِ الإنسانِ إلَيهِ، وإلَّا فاللهُ غَنِيٌّ عَنا وعَنْ عِبادَتِنا؛ فذِكرُنا لَهُ -جَلَّ في عُلاه- لا يَزيدُه شَيئًا، ولَنْ يَنفَعَه شيئًا بَلْ هُوَ لنَفْعِنا، ولمَصالِحنا، فالنفْعُ عائِدٌ إلَينا يا، «عِبادي إنَّكم لَنْ تَبلُغوا ضُرِّي فتَضرُّوني، ولَنْ تَبلُغوا نَفعي فتَنفَعوني» صحيحُ مُسلمٍ (2577) فكُلُّ عِبادَةٍ، وطاعَةٍ لا تَظُنَّ أنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ يَنتفِعُ مِنْها بشَيءٍ فاللهُ غَنيٌّ عَنا وعَنْ عِباداتِنا يقولُ اللهُ -جلَّ في عُلاه-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ثُمَّ قالَ:﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَآلِ عِمرانَ:97  عَنِ العالَمينَ أي: عَنْ كُلِّ ما سِواهُ فالعالَمينَ جَمعُ عالَمٍ، والعالَمُ كُلُّ ما سِوَى اللهِ فهُوَ عالمٌ مِنَ الإنسِ والجِنِّ، والمَلائكةِ، وغَيرِ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ اللهِ الذي لا يَعلَمُه إلَّا هُوَ، غَنيٌّ عَنْ هؤلاءِ كُلِّهم-جلَّ في عُلاه- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُفاطرِ:15 ، ولذَلِكَ يَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَستحضِرَ هَذا المَعنَى حتَّى يَنشطَ عَلَى الطاعةِ والعبادةِ، كُلِّ طاعةٍ وعِبادةٍ، فاللهُ غَنيٌّ عَنْها، المُستفيدُ والمُنتَفِعُ مِنْها هُوَ أنتَ هُوَ العابِدُ نَفسُه ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَاالإسراءِ:15

ولذَلِكَ قالَ -صلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ- بعْدَ أنْ ذَكرَ في الحديثِ الإلهيِّ في قَولِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ-: «لَنْ تَبلُغوا ضُرِّي فتَضرُّوني، ولن تَبلُغوا نَفعِي فتَنفَعوني، يا عِبادي إنَّما هِيَ أعمالُكُم أُحصيها لكُم فمَنْ وَجَدَ خَيرًا فليَحمَدِ اللهَ، ومَنْ وجَدَ غيرَ ذَلِكَ -أي: مَنْ وَجدَ غيرَ الخيرِ- فلا يَلومَنَّ إلَّا نَفسَه» صَحيحُ مُسلمٍ (2577) فالجَديرُ بالمُؤمنِ أنْ يَعيَ هذهِ الحَقيقةَ، وأنَّ كلَّ طاعَةٍ وعبادَةٍ هِيَ لَهُ نَفسُه؛ فالمُنتفِعُ مِنَ الطاعَةِ أنتَ، كُلُّ قُربةٍ تَتقرَّبُ بِها إلى اللهِ فنَفعُها عائِدٌ إلَيكَ، وكُلُّ مَعصيةٍ تَعصي بِها اللهَ فضُرُّها وشَرُّها عائِدٌ إلَيكَ فأنتَ المُنتفِعُ، وأنتَ المُتضرِّرُ، وهَذا يَستوجِبُ أنْ يَعرِفَ الإنسانُ أنَّ طاعَتَه بها يَسعَدُ إذا أخَذَ بِها، ومَعصيتَه بها يشقَى إذا تَورَّطَ فيها.

أيُّها الإخوَةُ، هذهِ الأيامُ المُبارَكةُ التي نحنُ فيها أيامٌ عَظيمةٌ عِندَ اللهِ -عزَّ وجَلَّ- لها قَدرٌ كَبيرٌ، ومَنزِلَةٌ عُليا عِندَ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- أقسَمَ بِها في كتابِه في قَولِه ـ تعالَى ـ: ﴿وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍالفجْرِ:1-2  

فهذِه اللَّيالي التي نحنُ في أثنائِها، ونَتفيَّأُ لحَظاتِها، ونَقضي أوقاتَها هِيَ خَيرُ لَيالِ الزَّمانِ فيَنبَغي للمُؤمِنِ أنْ يَجِدَّ فيها بالطاعةِ، والإحسانِ «ما مِنْ أيامٍ العَملُ الصالحُ فيهِنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِنْ هذهِ الأيامِ» يَعني: الأيامَ العَشرَ، وقَدْ تَكلَّمنا عَنْ هَذا فيما مَضَى، والذي أريدُ أنْ أُنبِّهَ إلَيهِ أنَّ أشرَفَ ما تَتقرَّبُ بِهِ إلى اللهِ ـ تعالَى ـ بَعدَ أداءِ الواجِباتِ، وتَركِ المُحرَّماتِ أنْ تشتغِلَ بذِكرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- اجتَهِدْ في ذِكرِ اللهِ قائمًا، وقاعِدًا، وعَلَى جَنبٍ؛ فإنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ أمرَكَ بذِكرِه، ونَدبَك إلى ذكرِه في هذهِ الأيامِ عَلَى وَجهِ الخُصوصِ قالَ ـ تعالَى ـ: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِالحَجِّ:28 قالَ حَبرُ القُرآنِ، حبرُ الأُمةِ، تُرجمانُ القُرآنِ عَبدُ اللهِ بنُ عَباسٍ -رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنهُ- قالَ: الأيامُ المَعلوماتُ هُنَّ عَشرُ ذي الحِجَّةِ. صحيحُ البُخاريِّ تَعليقًا بصيغَةِ الجَزمِ (2/20) فأشرَفُ الأعمالِ التي فيها أنْ تَشتغِلَ فيها بذِكرِ رَبِّك ومَولاكَ، وتَتنعَّمُ بذِكرِه،

أعِدْ ذِكرَ نُعمانَ لَنا إنَّ ذِكرَه ** هُوَ المِسْكُ كُلَّما كَرَّرْتَه يَتضوَّعُ!

 فذِكرُ اللهِ كالمِسكِ كُلَّما اشتَغلَ بِهِ الإنسانُ ظَهَرَ رِيحُه، وانتَشَرَ نَفعُه، وزُكِّى بِهِ الإنسانُ، وصَلَحَ حالُه وعَملُه، والذِّكرُ مِفتاحُ لأبوابٍ مِنَ الخيرِ كَثيرةٍ؛ ولذَلِكَ أمَرَ اللهُ ـ تعالَى ـ بِهِ مَقرونًا بالعباداتِ في كَثيرٍ مِنَ الأحيانِ في الصلاةِ يقولُ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالجُمُعةِ:10  مَعَ أنَّهُم جاءوا إلى ذِكرٍ، وخَرَجوا مِنْ ذِكرٍ هذهِ في سورَةِ الجُمُعةِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَالجُمُعةِ:9  فإذا قُضيَتِ الصلاةُ، الصلاةُ هِيَ ذِكرُ اللهِ الذي دُعينا إلَيهِ فانتَشِروا في الأرضِ وابتَغُوا مِنْ فَضلِ اللهِ ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالجمعة:10  حاجَتُنا للذِّكرِ يا إخواني عَظيمةٌ، ولذَلِكَ يَأمُرُ بها قَبْلًا وبَعدًا، ويأمُرُنا بالسعْيِ إلَيها، وفي مَناسِكِ الحجِّ، والعُمرَةِ يَقِفُ الواقِفونَ في عَرفةَ يَذكُرونَ اللهَ ـ تعالَى ـ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنصرِفونَ إلى المَشعَرِ الحرامِ فماذا يأمُرُهم رَبُّهم بِهِ فيَقولُ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَالبقرة:198  الذِّكرُ سَبَبٌ للهِدايةِ.

 ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُالبقرَةِ:199  يقولُ:﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًاالبقَرَةِ:200

ثُمَّ يعودُ ويقولُ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍالبقرةِ:203  الذِّكرُ في العبادَةِ هُوَ روحُها الذي بِهِ تَحيا، هُوَ الشيءُ الذي بِهِ يُدرِكُ الإنسانُ القُوَّةَ عَلَى العَملِ، والبَصيرةَ في الدينِ، والثباتَ عَلَى الحقِّ، والرِّفعةَ في الدرَجاتِ، والعطاءَ العَظيمَ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- والسعادةَ والانشِراحَ، والبهجَةَ، كُلُّ هذهِ المَعاني يَذوقُها الإنسانُ بذِكرِ اللهِ -عزَّ وجَلَّ- فلنحرِصْ يا أخوَةُ عَلَى ذكرِ اللهِ، ونحنُ الآنَ في هَذا المَجلسِ نذكُرُ اللهَ أنا وأنتم أنا المُتكلِّمُ وأنتمُ السامِعونَ في مَجلسٍ مِنْ مجالِسِ الذكرِ؛ لذَلِكَ احرِصوا عَلَى كَثرةِ سَماعِ القُرآنِ وتِلاوتِه، وحُضورِ مَجالسِ الذكرِ، والسعْيِ في الأماكِنِ مُكبرينَ في كُلِّ أحوالِكم: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ كَبيرًا؛ فإنَّ ذلِكَ مما تعظُمُ بِهِ الأجورُ، ولنَعْلَمْ أيُّها الأخوَةُ أنَّ التكبيرَ في هذهِ الأيامِ هُوَ شِعارُها، وسَمْتُها، وهُوَ عَلَى نَوعَيْنِ: ذِكرٍ مُقيَّدٍ بَعدَ الصلواتِ، وذِكرٍ مُطلَقٍ يكونُ في كلِّ الأحوالِ، الذِّكرُ المُطلَقُ الذي يكونُ في كُلِّ الأحوالِ مِنْ دخولِ شَهرِ ذي الحِجَّةِ إلى غُروبِ شَمسِ آخِرِ يَومٍ مِنْ أيامِ التشريقِ اليومِ الثالِثِ عَشَرَ كُلُّ هذهِ الأيامِ مَحَلٌّ لذِكرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بالتكبيرِ، والتحميدِ، والتهليلِ مِنْ دخولِ العشرِ إلى غروبِ شَمسِ يومِ الثالثِ عَشرَ مِنْ ذي الحِجَّةِ يَذكُرُ اللهَ قائمًا، وقاعِدًا، وعَلَى جَنبٍ قائلًا: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبرُ الله أكبر ولِلَّهِ الحَمدُ، وما إلى ذَلِكَ مِنْ صيَغِ التكبيرِ الأُخرَى فأيُّما صيغَةٍ كَبَّرَ بِها أدرَكَ فَضلًا وخَيرًا هَذا يُسمَّى :التكبيرَ المُطلقَ، وسُمِّيَ مُطلَقًا؛ لأنَّهُ ليسَ مُقيَّدًا لا بزَمانٍ، ولا بحالٍ، ولا بوَقتٍ، ولا بصَلاةٍ، إنَّما في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ حينٍ أما التكبيرُ المُقيَّدُ فهُوَ الذي في أدبارِ الصلَواتِ؛ ولذَلِكَ سُميَ مُقيدًا؛ لأنَّهُ مُرتَبِطٌ بالصلاةِ فإذا انقَضَتِ الصلاةُ وفرَغَ مِنها كبَّرَ بَعدَ أنْ يقولَ: أستغفِرُ اللهَ أستغفر الله أستغفر الله، اللهُمَّ أنتَ السلامُ ومِنكَ السلامُ تبارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، يَشرَعُ بالتكبيرِ اللهُ أكبرُ الله أكبر الله أكبر لا إلهَ إلَّا اللهُ والله أكبر الله أكبر ولِلَّهِ الحمْدُ، ما يسَّرَ اللهُ لَهُ مِنَ التكبيرِ هذهِ سَمتُ تَكبيرِ المُقيدِ، وهُوَ مِنْ فَجرِ يَومِ عَرفةَ إلى عَصرِ آخرِ يَومٍ مِنْ أيامِ التشريقِ بالنسبةِ لغيرِ الحاجِّ مِنْ فجرِ يومِ عرفةَ إلى عصرِ آخرِ يومٍ مِنْ أيامِ التشريقِ، اليومِ الثالثِ عشرَ كلُّها أدبارَ الصلواتِ يُكبِّرُ ما يَسَّرَ اللهُ تعالَى لَهُ أنْ يُكبِّرَ بعدَ فَراغِه مِنَ الصلَواتِ أمَّا الحاجُّ فلاشتِغالِه بالذكرِ والتلبيَةِ فقَدْ قالَ العُلَماءُ: إنَّ تَكبيرَه يَبتدِأُ مِنْ ظُهرِ يومِ النَّحْرِ؛ لأنَّهُ قَدْ يكونُ قَدْ تَحلَّلَ، وانقَطعَتْ تَلبيتُه فيَشرَعُ بالتكبيرِ المقيدِ الذي يكونُ بعدَ الصلواتِ، أمَّا التكبيرُ المُطلَقُ فإنَّ الحاجَ، وغَيرَه في هَذا سواءٌ؛ لذَلِكَ لَمَّا سألَ أبو بَكرٍ أنسَ بنَ مالكٍ -رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنهُ- عَنْ ماذا يَصنَعُ الناسُ في يومِ عَرفةَ، ويَقصِدُ الحُجاجَ قالَ: كانَ يُهِلُّ مِنا المُهِلُّ فلا يُنكَرُ عَلَيهِ، ويُكبِّرُ مِنا المُكبِّرُ فلا يُنكَرُ عَلَيهِ. صحيحُ البُخاريِّ (1659)، ومُسلمٍ (1285) فالتكبيرُ المُطلقُ يكونُ للحاجِّ حتَّى في وَقتِ إحرامِه فيُكبِّرُ كما يُلبِّي لكِنَّ المشروعَ فيما يَتعلَّقُ بالتكبيرِ إلي أنْ يكونَ أدبارَ الصلواتِ، يكونَ بعدَ ظُهرِ يومِ النحرِ كما جاءَ عَنِ الصحابَةِ.

 وليُعلَمْ أنَّ التكبيرَ مَشروعٌ بالإجماعِ لا خلافَ بينَ العلماءِ في مَشروعيَّتِه، وإنِ اختَلفوا في تَفاصيلِ بِدايتِه ونَهايتِه، وصيغَتِه وما إلى ذَلِكَ لَكِنَّهم مُتفِقونَ عَلَى أنَّ التكبيرَ أشرَفُ، وأعلَى الأعمالِ، وأفضَلُ العباداتِ التي يَشتغِلُ بِها الإنسانُ في هذهِ الأيامِ فاحرِصوا عَلَى التكبيرِ المُطلقِ والمُقيدِ، وليُعلَمْ أنَّ التكبيرَ المُطلقَ والمُقيدِ يَجتمعانِ في يومِ عَرفةَ، وفي يومِ العيدِ، وفي يومِ الحادي عَشَرَ، وفي يومِ الثاني عشَرَ، وفي يومِ الثالثِ عشرَ يَجتمِعُ التكبيرُ المُطلقُ والمُقيدُ في هذهِ الأيامِ مِنْ عرفةَ بالنسبةِ للحاجِّ، ومِنْ ظُهرِ يومِ النحرِ بالنسبةِ للحاجِّ؛ لأنَّهُ يكونُ قَدْ تَحلَّلَ فلنَحرِصْ أيُّها الأخوَةُ عَلَى الذِّكرِ، وعَلَى التكبيرِ، ولنحرِصْ أيضًا عَلَى أداءِ الواجِباتِ فاعلَموا أنَّ الفَريضةَ في الأيامِ العشرِ أعظمُ أجرًا مِنَ الفريضةِ في غيرِها، صَلاتُنا المغربَ اليومَ، وصَلاتُنا العشاءَ بعدَ قَليلٍ إنْ شاءَ اللهُ تعالَى أعظمُ أجرًا مِنْ صَلاتِنا المغربَ والعشاءَ في سائرِ الأيامِ؛ لأنَّ الفرائضَ في هذهِ الأيامِ أعظمُ أجرًا ومَثوبةً مِنَ الفرائضِ في سائرِ أيامِ الزمانِ، وكذَلِكَ النوافِلُ في هذه الأيامِ أفضلُ مِنها في سائرِ الأيامِ؛ لذَلِكَ يا إخوَتي لنَحرِصْ عَلَى كَثرةِ ذِكرِ اللهِ -عَزَّ وجلَّ-، وعَلَى العباداتِ، ويُمكِنُ أنْ نَعُدَّ الأعمالَ التي يُشرَعُ الاشتِغالُ بها في هذهِ الأيامِ كما يلي عِدُّوها بأصابعِكُم:

الأوَّلُ:أداءُ الواجِباتِ هَذا مِنْ عَملِ الصالحِ الذي يَشتغِلُ بِهِ الإنسانُ في هذهِ الأيامِ.

الثاني:تَرْكُ المُحرَّماتِ أنتَ تتقرَّبُ إلى اللهِ بتَرْكِ الغيبةِ، تتقرَّبُ إلى اللهِ باجتنابِ الكَذبِ تتقربُ إلى اللهِ بكفِّ نَظرِك عمَّا يَحرُمُ عَلَيكَ أنْ تَنظُرَ إلَيهِ، تتقربُ إلى اللهِ بتَرْكِ كلِّ مَعصيةٍ هَذا الثاني مِنَ الأعمالِ الصالحةِ التي تتقربُ إلى اللهِ بها في هذهِ الأيامِ.

الثالِثُ:مِنَ الأعمالِ الصالحةِ التي يَتقربُ بها، النوافِلُ مِنَ الطاعاتِ والمُستحبَّاتِ في كلِّ أبوابِ الخيرِ في الصدَقةِ في الإحسانِ في الصلاةِ في سائرِ أنواعِ الخيرِ مِنْ صيامٍ مِنْ عُمرةٍ، كُلُّ ذَلِكَ يدخُلُ في النوافِلِ التي يَتقرَّبُ بها الإنسانُ إلى اللهِ في هَذا اليومِ، ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ اجتنابُ المَكروهاتِ تَجنُّبُ المَكروهاتِ ما يُكرَهُ الوقوعُ فِيهِ مما تتقربُ بِهِ إلى اللهِ ـ تعالَى ـ في هذهِ الأيامِ إذًا هَذا الأمر إيش؟ الثالِثُ ولا الرابعُ؟ الرابِعُ.

الأمْرُ الرابعُ، الأولُ: أداءُ الواجباتِ، الثاني: تَركُ المُحرَّماتِ، الثالثُ: فِعلُ النوافِلِ والمُستحباتِ.

الرابع:اجتِنابُ المَكروهاتِ.

الخامس:ونَذكُرُه عَلَى وَجهِ الخُصوصِ، كَثرةُ ذِكرِ اللهِ وهُوَ الذي تَحَدَّثْنا عَنهُ قبلَ قليلٍ، وإنَّما نَصَصنا عَلَيهِ مِنْ دونِ سائرِ الأعمالِ؛ لأنَّ النصَّ جاءَ بِهِ في قَولِه: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِالحجِّ:28 ، ولأنَّهُ قَدْ جاءَ في المُسندِ بإسنادٍ جيدٍ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنهُ- أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ: «ما مِنْ أيامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ ـ تعالَى ـ وأحبُّ إلَيهِ العملُ الصالحِ فيهِنَّ مِنْ هذهِ الأيامِ فأكثِروا فيهِنَّ مِنَ التكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ» مُسندُ أحمدَ (6154) وقالَ مُحقِّقو المسندِ: صحيحٌ فنَدبَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- إلى الذكرِ عَلَى وَجهِ الخُصوصِ في هذهِ الأيامِ ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ الأعمالِ.

وهَذا سادِسُها: مِنَ الأعمالِ الصالحةِ بكلِّ صُوَرِه، الإحسانُ إلى الخَلقِ، فإنَّ الإحسانَ إلى الخَلقِ بكلِّ صُورِه بالابتسامَةِ، بالكَلمةِ الطيبةِ، بالإحسانِ المُباشرِ، إيصالِ النفْعِ، اتقِ النارَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، كُلُّ ذَلِكَ مما يَعظُمُ بِهِ الأجرُ، ويَكثُرُ بِهِ العطاءُ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- هذهِ سِتةُ أعمالٍ فإنْ عَجزْتَ أو قَصرْتَ عَنِ النوافِلِ، واجتنابِ المَكروهاتِ فكُفَّ شَرَّك عَنِ الناسِ.

هَذا السابعُ: أنْ تَكُفَّ شَرَّك عَنِ الناسِ فإنَّ كَفَّ شَرِّك عَنِ الناسِ صَدقةٌ مِنكَ عَلَى نَفسِك.

أسأَلُ اللهَ أنْ يُعينَنا وإيَّاكُم عَلَى طاعَتِه، أنْ يَستعمِلَنا وإياكُم فيما يُحِبُّ ويَرضَى، أنْ يَجعلَنا وإياكُم مِنْ حِزبِه وأوليائِه أنْ يُوفِّقَنا إلى صالحِ الأعمالِ، وأنْ يَجعلَنا مِنَ المُوفَّقينَ إلي القَبولِ، اللهُمَّ اجعَلْنا مِنَ المَقبولينَ يا ربَّ العالَمين، استَعمِلْنا في طاعَتِك، واصرِفْ عنَّا مَعصيتَك، واجعَلْنا مِنْ أوليائِك أعِنَّا يا ربَّنا ولا تُعِنْ عَلَينا، انصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَينا اهدِنْا ويَسِّرِ الهُدَى لَنا، اجعَلْنا لكَ ذاكِرينَ شاكِرينَ راغِبينَ راهِبينَ أوَّاهينَ مُنيبينَ، اللهُم تَقبَّلْ تَوبَتَنا وثَبِّتْ حُجَّتَنا واغفِرْ ذِلَّتَنا وأقِلْ عَثرَتْنا، ربَّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا وإنْ لم تَغفِرْ لنا وتَرحَمْنا لنَكوننَّ مِنَ الخاسِرينَ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94600 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90287 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف