×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / الحرمين / من رحاب الحرمين / الهداية من أعظم نعم الله تعالى على عباده

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8635

الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، كما يُحِبُّ رَبُّنا ويَرضَى نَحمَدُه، لَهُ الحَمدُ كُلُّه أولُه وأخِرُه، ظاهِرُه وباطِنُه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورِسولُه، وصَفيُّه وخَليلُه خيرَتُه مِنْ خَلقِه، بَعثَه اللهُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ، بينَ يَدَيِ الساعةِ بَشيرًا ونَذيرًا وداعيًا إلَيهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَحَ الأُمةَ، حتَّي أتاهُ اليقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وصَحبِه، ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ، واقتَفَى أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ، وعَلَى آلِ مُحمدٍ، كما صَلَّيتَ عَلَى إبراهيمَ، وعَلَى آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ.

أمَّا بَعدُ:

فإنَّ مِنْ أعظَمِ المُهمِّاتِ التي يَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَعتنيَ بِها، وأنْ يَكونَ حَريصًا عَلَى الإلمامِ بِها لتَحقيقِ العُبوديةِ لِلَّهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أنْ يَجتَهِدَ في العِلمِ باللهِ، أنْ يَجتهِدَ في مَعرفةِ اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ فإنَّ مَعرِفةَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ بابٌ عظيمٌ، يَتحقَّقُ بِهِ للإنسانِ خَيرُ الدنيا والآخرةِ، ولذَلِكَ جاءَ القرآنُ العظيمُ والسنةُ المُطهَّرةُ ببيانٍ وافٍ، وشَرحٍ مُفصَّلٍ لِما لِلَّهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ مِنَ الكَمالاتِ، فبيَّنَتْ هذهِ النصوصُ في الكتابِ والسُّنةِ، بيَّنَتْ ما لِلَّهِ مِنَ الأسماءِ الحُسنَى، وما لَهُ -جَلَّ في عُلاه- مِنَ الصِّفاتِ العُلا، وما لَهُ ـ سُبحانَه وبحَمدِه ـ مِنَ الأفعالِ الجَميلةِ، وما لَهُ -جلَّ في عُلاه- مِنَ الآياتِ الباهِرةِ الدالَّةِ عَلَى عَظمتِه، وكمالِ صِفاتِه سُبحانَه وبحَمدِه.

ولهَذا القرآنُ دائِرٌ عَلَى بَيانِ ما لِلَّهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ مِنَ الأسماءِ، ما لِلَّهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ مِنَ الصفاتِ، ما لِلَّهِ ـ عَزَّ وجلَّ ـ مِنَ الأفعالِ، ما لَهُ -جلَّ في عُلاه- مِنَ الآياتِ، ما لَهُ مِنْ عَظيمِ الحِكمةِ، وبالغِ الأسرارِ في أحكامِه وتَشريعِه، وكُلُّ هَذا يَقذِفُ في القَلبِ أمرَيْنِ:

العِلمِ باللهِ ـ جَلَّ في عُلاه ـ ويُثمِرُ ثَمرتَيْنِ للقَلبِ كِلاهُما سَعادةُ الإنسانِ، كِلاهُما يَتحقَّقُ بِهِ سعادةُ الإنسانِ، ويَتقَدَّمُ بِهِ السيرُ إلى العَزيزِ الغَفَّارِ جَلَّ في عُلاه.

الفائدةُ الأُولَى: هِيَ مَحبَّةُ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فإنَّه إذا عَلِمَ العبدُ أنَّ اللهَ لَهُ الأسماءُ الحُسنَى، وأنَّ اللهَ لَهُ الصِّفاتُ العُلا، وأنَّ اللهَ لَهُ الأفعالُ الجَميلةُ عَلَى سبيلِ الإجمالِ، وأدرِكْ عَلَى وَجْهِ التفصيلِ أسمائَه وصِفاتِه كانَ ذَلِكَ آسِرًا لقَلبِه في مَحبَّتِه، والانجِذابِ إلَيهِ، فعَمَّرَ القَلبَ بمَحبَّةِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وإذا عُمِّرَ القَلبُ بمَحبَّةِ اللهِ انقادَتِ النفسُ لطاعَتِه في امتِثالِ ما أمَرَ بِهِ، وفي تَركِ ما نَهَي عَنهُ.

ثُمَّ الثمرةُ الثانيةُ التي يُدرِكُها الإنسانُ بمَعرِفةِ اللهِ والعِلمِ بِهِ -جلَّ في عُلاه- أنَّهُ يُلقي في القَلبِ تَعظيمَ اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ القلبُ العالمُ باللهِ قَلبٌ مَعظِّمٌ لَهُ ـ سُبحانَه وبحَمدِه ـ لأنَّهُ يَرَى مِنْ بَهاءِ اللهِ، وجَلالِه، وعَظمَتِه، وقُدرَتِه، وكَبيرِ شَأنِه ما يَندهِشُ لَهُ القَلبُ فيَمتَلِيءُ تَعظيمًا لهَذا الربِّ ـ جلَّ في عُلاه ـ وتَعظيمُ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ عَلَى هَذا النحْوِ يَحمِلُ الإنسانَ عَلَى بَذلِ كُلِّ ما يَستطيعُ في تَحقيقِ طاعَتِه، وفي التِزامِ أمرِه، وفي الانقيادِ لشَرعِه، وفي كَفِّ النفسِ عَنْ كُلِّ ما لا يُرضِي رَبَّه ـ جَلَّ في عُلاه ـ فإنَّ النفسَ المُعظِّمةَ لِلَّهِ تَكُفُّ عَنْ كُلِّ ما يُغضِبُ اللهَ.

القَلبُ المُعظِّمُ لِلَّهِ يَتجافَى ويَجتنِبُ كُلَّ ما نَهَى اللهُ ـ تعالَى ـ عَنهُ، وبهذَيْنِ المَعنَييْنِ العَظيمَيْنِ: المَحبَّةِ التامَّةِ والتعظيمِ التامِّ يتحقَّقُ لكَ كَمالُ العُبوديةِ لِلَّهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ فإنَّهُ لا يَتحقَّقُ لأحَدٍ كمالُ العُبوديةِ لِلَّهِ ـ سُبحانَه وبحَمدِه ـ إلَّا إذا امتَلأَ بهَذَيْنِ الأمرَيْنِ، وكُلُّ نَقصٍ في عَبادَتِك، وكُلُّ نَقصٍ في طاعَتِك هُوَ ناتِجٌ عَنْ نَقصٍ في واحِدٍ مِنْ هذَيْنِ المَعنَيينِ، إمَّا أنْ يكونَ نَقصًا في مَحبَّةِ اللهِ، وإمَّا أنْ يكونَ نَقصًا في تَعظيمِ اللهِ، ولهَذا إذا وَجدْتَ نَفسَك قَدْ كسَّلْتَ عَنْ طاعَةِ اللهِ، وأقدَمْتَ عَلَى مَعصيةِ اللهِ، وتَلكَّأْتَ في القيامِ بأمرِ اللهِ ففَتِّشْ قَلبَك، وانظُرْ ما فيهِ مِنْ مَحبَّةِ اللهِ، وانظُرْ ما فيهِ مِنْ تَعظيمِ اللهِ، فإنَّ القَلبَ المُحِبَّ لا يُمكِنُ أنْ يتأخَّرَ، والقلبَ المُعظِّمَ لِلَّهِ لا يُمكِنُ أنْ يَتلكأَ في الإقدامِ عَلَى ما أمَرَ، وتَرْكِ ما عَنهُ نَهَى وزَجَرَ.

هذهِ المَعاني أيُّها الأخوَةُ مَعاني عَظيمةٌ يَغفُلُ عَنها كَثيرٌ مِنَ الناسِ، ويَشتغِلونَ بالصورِ والمُفرداتِ مِنَ الأحوالِ عَنِ الكُلياتِ والأُصولِ، لهَذا حَرِيٌّ بالمُؤمنِ أنْ يُفتِّشَ في قَلبِه، وأنْ يَعتنيَ بِهِ في هذَيْنِ الأمرَيْنِ في مَحبَّةِ اللهِ، وفي تَعظيمِ اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ فإنَّ هذَيْنِ بِهِما يَكمُلُ لكَ عِبادةُ اللهِ، تَكمُلُ لكَ السعادَةُ في الدُّنيا وفي الآخرةِ، وقَدْ أمَرَ اللهُ ـ تعالَى ـ رَسولَه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بالعِلمِ بِهِ، فقالَ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ(مُحمدٍ:19 فأمرَهُ أنْ يَعلمَ بهَذهِ الحَقيقةِ التي لها أثَرٌ بالِغٌ في مَسيرةِ الإنسانِ، وفي قلبِه، وفي ظاهرِه وباطِنِه، فهِيَ ليسَتْ قَضيةً مَعرفيةً لا أثَرَ لها في السلوكِ والعَملِ بَلْ هِيَ مَبدَأُ الصلاحِ أنْ تَعلمَ أنَّهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أنْ تَعلمَ أنَّهُ لا أحَدَ يَستحِقُّ الحُبَّ إلَّا هُوَ، ولا أحَدَ يَستحِقُّ التعظيمَ التامَّ الكامِلَ إلَّا هُوَ.

 وإذا تَحقَّقَ لكَ هَذانِ فجَزْمًا لن تَتوجَّهَ إلى سِواهُ، ولن تَعبُدَ إلَّا إياهُ، ولن يكونَ لكَ طاعَةٌ لغَيرِه، ولن تُخالِفَ أمرَه، بَلْ ستَبذُلُ كُلَّ ما تَستطيعُ لطاعَتِه، وتَنظُرُ بعَينٍ أُخرَى أنَّهُ مَهما اجتَهدْتَ بطاعَةِ اللهِ فإنَّكَ لن تُوفِّيَ اللهَ حَقَّه، ولن تُقدِّرَه حَقَّ قَدرِه، فقَدرُه عَظيمٌ وحَقُّه كَبيرٌ، والنفوسُ مَهما كانَتْ عَلَى الطاعةِ والإحسانِ لن تَبلُغَ الغايةَ في حَقِّ رَبِّنا جَلَّ في عُلاه.

ولهَذا جاءَ في الصحيحِ أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ لأصحابِه: «واعلَموا أنَّ أحَدًا مِنكُم لن يَدخُلَ الجنَّةَ بعَملِه، قالوا: ولا أنتَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا إلَّا أنْ يَتغمَّدنيَ اللهُ برَحمَتِه» صحيحُ البُخاريِّ (5673)، وصحيحُ مُسلمٍ (2816) هَذا لا يَعني أنَّ العَملَ لا أثرَ لَهُ، هَذا لا يَعني أنَّ الناسَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بلا عَملٍ، بَلِ اللهُ في كِتابِه يقولُ:﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[الزُّخرفِ:72]﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأحقافِ:13و14] فبالتأكيدِ أنَّ العَملَ يُؤثِّرُ، ولَهُ أثَرٌ في دُخولِ الجَنَّةِ لكِنْ ذاكَ التأثيرُ مُقارِنٌ لرَحمةِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- وفَضلِه وإحسانِه، فلو استَقلَّ العَملُ عَنْ رَحمةِ اللهِ ما بلَغَ بالإنسانِ مَبلَغًا، يُوفِّي اللهَ حَقَّه وقَدرَه، فإنَّكَ لو عَبدْتَ اللهَ ما عَبدْتَ ما جَزيتَه حَقَّ نِعمةِ البَصرِ، ولا جَزيتَه حَقَّ نِعمَةِ السمعِ، ولا جَزيتَه حَقَّ نِعمةِ الخَلقِ والإيجادِ، ولا جَزيتَه حقَّ نِعمةِ تصريفِ أمرَكِ، وإدارةِ شَأنِك، مَنِ الذي يُجرِي الدِّماءَ في عُروقِنا؟ إنَّهُ اللهُ جَلَّ في عُلاه.

هَلْ لَنا تَأثيرٌ في جَريانِ الدمِ في عُروقِنا؟ ، هَلْ نَحنُ الذينَ نُنظِّمُ سَيرَ الدمِ في العُروقِ وإيصالِ الطعامِ والغَذاءِ والهَواءِ إلى أعضائِنا؟ لا، لا دورَ لنا في ذلِكَ بالكُليةِ، مَنِ الذي صَنَعَ ذلِكَ ويَصنَعُه، ويَكلَؤُكَ لَيلًا ونَهارًا، إنَّهُ اللهُ ـ جلَّ في عُلاه ـ ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [الرعْدِ:11] كُلُّ واحِدٍ مِنا :﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعْدِ:11] ألَا يَستحِقُّ هَذا أنْ يُحَبَّ؟ ألَا يَستحِقُّ هَذا أنْ يُعظَّمَ، ألَا يستحِقُّ هَذا ألَّا يُتوجَّهَ ولا يُقصَدَ إلَّا هُوَ جلَّ في عُلاه؟ بلَى واللهِ، لو أنَّ القلوبَ أبصرَتْ عَظيمَ نِعمةِ اللهِ عَلَيها لزلَّتْ وخَضعَتْ لَهُ جلَّ في عُلاه.

كُلُّنا في نِعمةٍ حتَّى ذاكَ الذي فقَدَ سَمعَه، وبَصرَه، وقُدرَته عَلَى السيرِ هُوَ في نِعمةِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فما مِنَّا إلَّا وهُوَ يَرفُلُ في أنواعِ النِّعمِ، لكِنَّ ابنَ آدمَ جَحودٌ، ابنَ آدَمَ كَنودٌ كما اللهُ ـ تعالَى ـ في مُحكَمِ كِتابِه:﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العادياتِ:6] أي: يَجحَدُ نِعَمَه، ويَغفُلُ عَنْ إحسانِه، ولا يقومُ بحَقِّه -جَلَّ في عُلاه- فيما يُنعِمُ عَلَيهِ، لذَلِكَ مِنَ المُهمِّ يا إخواني أنْ نَتذكَّرَ، اللهُ ـ عزَّ وجَلَّ ـ يَأمرُنا بالنظَرِ فيما ساقَه إلَينا مِنْ نِعَمٍ :﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ[الذارياتِ:21] وذَكرَ أنَّهُ ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحْلِ:78] كُلُّ هذهِ النعَمِ كُلُّنا نَتمتَّعُ بِها، خَرَجْنا مِنْ بُطونِ أُمهاتِنا لا نُحسِنُ شَيئًا، مَنِ الذي رَعاكَ في رَحِمِ أمِّكَ؟ إنَّهُ اللهُ، مَنِ الذي رعاكَ بَعدَ خُروجِك مِنْ بَطنِ أمِّكَ، ويسَّرَ لكَ أُمًّا تَحنو عَلَيكَ وتُغذِّيكَ، وتُوصِلُ لكَ كُلَّ ما يَصونُك ويَحفظُكَ؟ اللهُ جَلَّ في عُلاه.

كُلُّ هذهِ المَعاني مِنَ المُهمِّ أنْ نَستحضِرَها حتَّى نَعرِفَ عَظيمَ قَدْرِ اللهِ عَلَينا، هَذا جُزءٌ يا إخواني مِنْ مَعرفةِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ ولو أنَّ عينَ القَلبِ أبصَرَتْ جَلالَ اللهِ وعظَمَتَه لَما أطاقَتْ إلَّا أنْ تَسجُدَ لَهُ -جلَّ في عُلاه- سُجودًا دائِمًا مُستمرًّا، وهَذا لن يُوفيَ حَقَّ اللهِ ولو حَصلَ، بَلِ ابنُ القيِّمِ يقولُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ كَلِمةً بَديعَةً، يقولُ: لو أنَّ الإنسانَ قَدَّرَ يَومَ القيامَةِ، يعني: الواحِدُ مِنَّا لو قَدِمَ ومَعَه في صَحائفِه الأعمالُ الصالحةُ التي عَمَلها كُلُّ الثقَلَيْنِ الإنسِ والجِنِّ، تصوَّرْ شَخصًا جاءَ يومَ القيامةِ، وفي صَحائفِه أعمالٌ صالحةٌ ليسَتْ لَهُ، بَلْ كُلُّ أعمالِ الثقلَيْنِ في صَحائفِه لنْ يَدخُلَ الجنَّةَ إلَّا برَحمةِ اللهِ، ولن يُوفيَ اللهَ حَقَّه.

فلذَلِكَ لا تَستكثِروا عِبادةً في حَقِّ اللهِ، ولا تَنظُروا إلى ما تُقدِّمونَه مِنْ طاعَةٍ وإحسانٍ عَلَى أنَّهُ شَيءٌ كَبيرٌ، وأنَّكُم فُقتُم غَيرَكم، أنتُمُ المَمنونُ عَلَيكم بطاعَةِ اللهِ، اللهُ لَهُ المِنَّةُ عَلَيكم وعَلَينا جَميعًا، اللهُ هُوَ المانُّ عَلَى كُلِّ طائِعٍ، :﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ[الحجُراتِ:17] مِنَّةٌ مِنَ اللهِ أنْ يَسلُكَ بِكَ سبيلَ الطاعَةِ فافرَحْ، واحمَدِ اللهَ وذُلَّ لَهُ، واشكُرْه أنِ اصطفاكَ مِنْ بَينِ الخَلقِ فجَعلَك مِنْ عِبادِه الصالحينَ، جَعلَك مِنَ المُصلينَ، جَعلَك مِنَ المُزكِّينَ، جَعَلك مِنَ الصائِمينَ، جَعَلكَ مِنَ الحاجِّينَ، جَعلَك مِنْ بارِّي والِديهِم، جَعلَك مِنْ ذَوي صِلةِ الأرحامِ، جَعلَك ممِّنْ يُؤدِّي الأمانَة، ممِّنْ يَقولُ الحَقَّ، ممَّنْ يغُضُّ بصَرَه، ممَّنْ، ممن، ممن في صالحِ الأعمالِ، كُلُّ صالحةٍ فاحمَدِ اللهِ عَلَيها واسأَلِ الزيادَةً مِنها، واسأَلْهُ الثباتَ عَلَيها فإنَّها مِنَّةٌ إذا لم تَرْعَها قَدْ تُسلَبُ مِنكَ، واللهُ ـ تعالَى ـ يقولُ:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ[إبراهيمَ:7] أيش؟﴿لَأَزِيدَنَّكُمْ[إبراهيمَ:7]وشُكرُ اللهِ أعظَمُ ما يَستحِقُّ عَلَيهِ الشُّكرُ أنْ يَهديَكَ الصِّراطَ المُستقيمَ، لأنَّ الهِدايةَ للصراطِ المُستقيمِ هِيَ أعظَمُ مِنَّةٍ، أعظَمُ مِنْ مِنَّةِ المالِ، أعظَمُ مِنْ مِنَّةِ الوَلدِ، أعظَمُ مِنْ منةِ الأهلِ، أعظَمُ مِنْ منةِ الجاهِ، أعظمُ مِنْ منةِ الأمْنِ في البَلدِ، نِعمةُ الهِدايةِ أعظمُ نِعمةٍ وأعظَمُ مِنةٍ يَمُنُّ اللهُ ـ تعالَى ـ بِها عَلَى عِبادِه.

لذَلِكَ لا يَذكُرُ اللهَ ـ تعالَى ـ الهِدايةَ، لا يَذكُرُ نِعمةً عَلَى وَجهِ المَنِّ بِها عَلَى عِبادِه في كِتابِه إلَّا نِعمةَ الهِدايةِ، ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا [النساءِ:94]، ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ[الحُجُراتِ:17].

 فنِعمةُ الهِدايةِ هِيَ النِّعمةُ الوَحيدةُ في الكتابِ التي يَذكرُها اللهُ ـ تعالَى ـ عَلَى وَجْهِ المِنَّةِ عَلَى عبادِه، لأنَّها أجلُّ النعَمِ، ولأنَّها أعظَمُ العَطايا، ولأنَّها أرفَعُ المِنَحِ، فمَنْ فازَ بها فقَدْ فازَ بالنِّعمةِ التي يَسعَدُ بِها في دُنياهُ، ويَفوزُ بِها في أُخراهُ، فلذَلِكَ لنَفرَحْ بمَنَّةِ اللهِ عَلَينا أنْ هَدانا للإيمانِ، والصحابَةُ لَمَّا أدرَكوا هَذا المَعنَى كانَ هَذا عَلَى ألسِنَتِهم حتَّى في أراجيزِهِم، وفي أقوالِهم عِندَ عَملهِم، فكانوا في حَفرِ الخَندَقِ يَقولونَ:

واللهِ لَوْلا اللهُ ما اهتَدَيْنا ولا تَصدَّقْنا ولا صَلَّيْنا، فيَذكُرونَ مِنَّةَ اللهِ عَلَيهم بالهِدايةِ، يَذكُرونَ مِنةَ اللهِ عَلَيهم بالتوفيقِ إلى الصلاةِ، بالتوفيقِ إلى صالحِ العَملِ، فاحذَرْ أنْ يَنالَك العُجبُ، ونَقولُ هَذا لأنَّنا أحيانًا نَعمَلُ صالحًا، ونَستكثِرُ هَذا الصالحَ عَلَى اللهِ، ونَرَى أنَّنا قَدْ قَدَّمْنا شَيئًا كَثيرًا، وحَقُّه أعظَمُ مما نُقدِّمُ مَهْما كانَ نَوعُ الذي قَدَّمناهُ.

فنَسأَلُه -جَلَّ وعَلا- بمَنِّه، وفَضلِه، وإحسانِه، وعَظيمِ كَرمِه أنْ يَتقبَّلَ مِنَّا الصالحَ مِنَ العَملِ، وأنْ يَعفوَ عَنَّا التقصيرَ والزَّلَلَ، وأنْ يَجعلَنا مِنْ حِزبِه وأوليائِه، وأنْ يَسلُكَ بِنا سَبيلَ الهِدايةِ، وأنْ يَمُنَّ عَلَينا بالاستِقامةِ ظاهِرًا وباطنًا، اللهُمَّ اجعَلْنا مِنْ عِبادِك المُتقينَ، وحِزبِك المُفلِحينَ، وأوليائِكَ الصالحينَ يا ربَّ العالَمينَ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94600 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90287 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف