×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

صوتيات المصلح / دروس / العقيدة / القصيدة اللامية / الدرس(2)من قول المؤلف "فرزق الهدى من للهداية يسأل"

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(2)من قول المؤلف "فرزق الهدى من للهداية يسأل"
00:00:01

فالمقصود أن من سأل الإرشاد فسيجد من يرشده ويبصره بالصواب. أما هداية التوفيق والإلهام فهذه ليست لأحد, قال الله تعالى  لرسوله :{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}([1]). وهذه الهداية المنفية عن النبي  صلى الله عليه وسلم هي هداية التوفيق والإلهام والإرشاد.  وقال جل وعلا في رسوله {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}([2]). فأثبت له هداية، وهي الهداية التي جاءت بها الرسل وهي البيان والتوضيح والإرشاد وإقامة الحجة وما يتعلق بهذا. "فرزق الهدى من للهداية يسأل", نقول الهدى هنا إذا كان بمعنى الدعاء يشمل هداية الإرشاد وهداية التوفيق. وإذا كان المراد بها السؤال الاستبصار والاستفهام والاسترشاد فالهداية هنا هداية إرشاد وبيان وتوضيح. قال رحمه الله :" اسمع " وهذا أمر , والأمر طلب الفعل على وجه العلو.  الأمر تعريفه عند علماء الأصول طلب الفعل على وجه العلو.  لكن في مثل هذا ليس الأمر لأجل العلو، إنما الأمر لأجل التأكيد على أهمية المأمور به، وبيان عظيم حرص الآمر على المأمور، بأن يدرك ما يأمره به وهذا هو المقصود في كلام أهل العلم رحمهم الله في قولهم :" اعلم رحمك الله" ," اسمع رحمك الله", وما أشبه ذلك.  هذا الأمر ليس للعلو والارتفاع، إنما للفت النظر إلى أهمية المعلوم، وإلى أهمية المسموع وإلى وجوب العناية بهذا.  فالحامل له أو الحامل عليه الشفقة والرحمة لا العلو والارتفاع.  وقد أمر الله تعالى بالعلم لبيان عظيم شرف المعلوم, فقال تعالى:{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}([3]).  قال رحمه الله " اسمع مقال محقق لا ينثني " وفي بعض النسخ : "اسمع كلام محقق لا ينثني عن قوله يوما ولا يتحول " وفي بعض النسخ : "يتبدل". فالمؤلف رحمه الله أمر بسماع كلام سيبينه ويوضحه, ولكنه وصف صاحب الكلام بأوصاف أولها أنه محقق، والثاني لا ينثني عن قوله، والثالث لا يتبدل أو لا يتحول. فذكر ثلاثة أوصاف لهذا الذي أمر بسماع كلامه. وإذا نظرت في هذه الأوصاف وجدت أن فيها تزكية. المؤلف رحمه الله سيبين ويوضح وهو يشهد لنفسه بهذه الأوصاف الثلاثة: التحقيق، والثبات وعدم الرجوع. والثبات وعدم الرجوع متقاربان. فما الحامل للتزكية ؟ وهل هذه التزكية سائغة؟ الجواب : هذه التزكية سائغة ولها شاهد في كتاب الله تعالى. قال الله تعالى في خبر يوسف عليه السلام لما طلب الولاية عند العزيز {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}([4]). هذا لا شك تزكية للنفس , لكن هذه التزكية ومثلها التزكية التي ذكرها المؤلف رحمه الله في نظمه لا تعارض قول الله تعالى:{فلا تزكوا أنفسكم}([5]). فإن التزكية المنهي عنها هي التزكية التي يقصد بها الإنسان الارتفاع والعلو والتي لا مصلحة فيها، وقد نهى الله تعالى عن طلب العلو في الأرض , قال الله تعالى:{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}([6]). فمن كانت تزكية نفسه صادرة عن علو وعجب وافتخار فهذه لا تجوز. وأما إن كانت التزكية لأجل الحث على القبول للحق أو الإقبال عليه أو بيان الاستحقاق , كما كان في قصة يوسف عليه السلام, فإن هذه لبيان الاستحاق, لأنه إنما ذكر ذلك لبيان أنه يستحق هذه المنزلة {إني حفيظ عليم}، حفيظ يتعلق بالثقة، وأمين يتعلق بعدم الخيانة. ولا شك أن هذه المنزلة تحتاج إلى هذين، فهو بين بذلك استحقاقه لهذه المنزلة, فإذا كانت التزكية لمعنى صحيح  مثل : بيان الاستحقاق.  مثل : الحث على القبول.  أو غير ذلك من المعاني الصحيحة فإنها لا تدخل فيما نهى الله تعالى عنه من التزكية في قوله تعالى :{فلا تزكوا أنفسكم}. إذا: هذه تزكية من المؤلف لنفسه ولما سيبينه , لكن هذه التزكية لأجل الحث على قبول ما ذكره من الحق، ومثل هذا لا بأس به. قال رحمه الله"اقبل كلام محقق ", محقق : وصف مأخوذ من الحق, والمحقق هو المتثبت، وأصله مأخوذ من الحق.  والحق هو ما كان مطابقا للواقع. فالمحقق هو الساعي في مطابقة قوله وعقده وعمله للصدق والواقع . المحقق هو الساعي لمطابقة قوله وعقده وعمله للحق الذي هو المطابقة للواقع وعدم الكذب , فقوله رحمه الله :" اسمع ما قال محقق" يعني هذا الكلام الذي سأقوله لك، وهذا الجواب الذي سأبين فيه عقدي ليس كلاما مرتجلا ولا كلاما مضطربا بلا بصيرة ولا هدى، بل هو كلام تحقيق رجل سعى وبذل لأن يكون عقده وقوله وعمله مطابقا للحق. هذا معنى قوله  رحمه الله :" محقق ".  ثم قال :" لا ينثني عن قوله يوما ولا يتحول ". " لا ينثني": أي لا يرجع "ولا يتحول"،يعني لا يتبدل كما هو في بعض النسخ لا يتبدل.  وقوله "لا ينثني" وهو الرجوع كما قال الله تعالى:{مثاني}في وصف القرآن {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}([7]).  والمثاني هنا معاني يرجع بعضها إلى بعض تصديقا وتوكيدا وتحقيقا. فقوله "لا ينثني عن قوله" أي لا يرجع عن قوله "يوما" يعني طال الزمان أو قصر.  ثم قال:" ولا يتحول"، أي لا ينتقل عن قول إلى قول، لأن تغير الأقوال له صورتان: الصورة الأولى : الرجوع عنه وقد يرجع إلى قول آخر وقد يرجع عن هذا القول إلى غيره إلى نفيه.  والتحول: هو التنقل من قول إلى قول وهو نوع رجوع لكنه رجوع على صورة معينة.  فالتغير والتحول له صور، تحول كلي وذلك بالانثناء والرجوع عن القول.  أو التحول وهو التبدل من قول إلى قول كأن يكون في مسألة عدة أقوال فينتقل من قول إلى قول آخر.  قد يكون قريب وقد يكون بعيد من هذا القول.  فقوله رحمه الله:"لا ينثني عن قوله يوما ولا يتبدل"، فيه بيان رسوخ هذا العقد، وأن هذا العقد خلاف ما عليه أصحاب العقائد المنحرفة من الاختلاف والاضطراب.  وهذا سمة وميزة يتميز بها أهل السنة والجماعة أن عقيدتهم سالمة من الاضطراب.  قال الله – تعالى :{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}([8]). فهذه العقيدة لما كانت مبنية على الكتاب والسنة سلمت من الاضطراب والتشوش.  وأما أصحاب العقائد الذين لم يبنوا عقيدتهم على قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم فعندهم اشتباه واضطراب عظيم.  ولذلك قال الله تعالى في وصف أولئك :{وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}([9]). وقال الله تعالى أيضا في سورة ق :{بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج}([10]). أي مضطرب.  ثم قال رحمه الله ما يتعلق بالصحابة :" حب الصحابة كلهم لي مذهب ". "حب الصحابة"، الحب : هو ميل القلب والحب منه ما هو عبادي ومنه ما هو عادي.  فأعظم الحب هو الحب في الله  جل وعلا.  أعظم الحب الكائن بين الخلق الحب لله  جل وعلا فإن الله رتب عليه عظيم الأجر، وهو فرع عن أعظم المحبات وهى محبة الله تعالى، فإن من محبة الله تعالى محبة أوليائه وعباده الصالحين ولذلك كانت محبة الصحابة رضي الله عنهم دينا يتقرب به أهل السنة والجماعة ويتعبد به عباد الله المؤمنون لأن الصحابة هم خير القرون وأفضل طبقات الأمة.  يقول المؤلف رحمه الله :"حب الصحابة كلهم لي مذهب "، الصحابة جمع صحابي وهو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمنا به ومات على ذلك طالت المدة أو قصرت , أي طالت مدة اللقاء والصحبة أو قصرت.  والصحابة رضي الله عنهم متفاوتون تفاوتا كبيرا كما سيأتي من حيث تحقيقهم لهذا الوصف, لكن الجامع الذي يشترك فيه جميع الصحابة هو لقياهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك فإنه من صحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.  واللقاء المقصود به الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهذا القيد الذي ذكرناه وهو في حياته ليخرج من اجتمع به بعد موته كالذي يجتمع به في المنام مثلا فإنه لا يعد صحابيا لأن الأحكام متعلقة باليقظة لا بالمنام. وكذلك فيه الرد على طوائف من المنحرفين الذين يزعمون أنهم يلتقون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتلقون عنه بعد موته كجماعة من غلاة الصوفية فهذا لا يثبت به الصحبة لو قدر أنه واقع، ومعلوم أن ذلك كذب وافتراء.  المقصود أن الصحابة المعنى العام الذي اجتمع عليه أهل الإسلام في بيان حد الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمنا به ومات على ذلك.  حب هؤلاء عبادة وقربى لأن الله تعالى أثنى عليهم في كتابه، وزكاهم وجعل لمن استغفر لهم ودعا لهم نصيبا في الفيء.  أما تزكية الله تعالى لهم ففي عدة آيات من كتاب الله تعالى من ذلك قول الله تعالى : {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}([11]).  فأخبر الله تعالى أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه في قوله:{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}، وهذا لفئة منهم لا ريب وهم أصحاب التقدم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.  ومن الآيات التي جاء فيها التزكية العامة لجميع الصحابة قول الله تعالى:{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود}([12]).  هذا فيه التزكية والتعديل لكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  وأما الأحاديث في بيان فضلهم فهي أكثر من أن تحصى، والفضائل  فضائل الصحابة رضي الله عنهم دالة على وجوب حبهم.  وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجوب محبة فئام منهم فذكر محبة الأنصار وأن محبة الأنصار إيمان وبغضهم نفاق.  وذكر ذلك في أفراد من أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكل هذا يدل على أن محبة الصحابة رضي الله عنهم عبادة وقربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى.  وأيضا أثنى الله تعالى على الذين جاءوا من بعد الصحابة ودعوا لهم كما قال  تعالى:{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}([13]).  وهذا فيه بيان منزلة من اتصف بهذا الوصف فإن الله جعل له نصيبا من الفيء وأثنى عليه وذكره في جملة أهل الإيمان الذين جعل لهم نصيبا في الفيء ورضي عنهم، فإن هذا فرع عن فضلهم وعن علو منزلتهم.  المقصود أن محبة الصحابة رضي الله عنهم دل عليها كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجمع على ذلك أهل الإسلام.  فلا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب محبتهم وتوليهم وذكرهم بالجميل ولذلك نص أئمة السنة على هذا الأصل في عقائدهم كما فعل الطحاوي وغيره.  قال الطحاوي رحمه الله :" ونحب أصحاب رسول الله ولا نفرط في أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ولا نذكرهم إلا بالخير".  ثم قال بعد أن ذكر ما يجب اعتقاده فيهم قال:"حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"([14])، وهذا يدل على علو منزلة هذه الشعيرة وهي محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.  والمحبة تتضمن أمورا فمن ذلك : ذكرهم بالجميل.  ومن ذلك إثبات ما جاء في فضائلهم.  ومن ذلك الترضي عنهم والاستغفار لهم.  ومن ذلك صيانتهم وحفظهم من القدح والذم فضلا عن السب واللعن.  كل هذا من حقوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء التحذير بل النهي عن سبهم عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([15]). أي ولا نصف المد فالنصيف لغة في النصف.  وهذا يبين علو منزلة الصحابة وعظيم سبقهم وهذا الأصل من الله تعالى به على أهل السنة.  وقد جعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النيل من الصحابة نيلا منه وقد جاء هذا في حديث عبد الله بن مغفل الذي رواه الترمذي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم  «الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم، فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله...»([16]).  إلا أن هذا الحديث لا يصح ففيه عبد الرحمن بن زياد بن عمر الأفريقي وهو ضعيف وهو الراوي عن عبد الله بن مغفل.  واستدل به بعض أهل العلم لدلالة الأحاديث وشهادتها على معناها.  وما في شك أن معنى الحديث تدل عليه النصوص وحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشترك فيه جميعهم لكن هذا الحب متفاوت بقدر ما يكون معهم من تحقيق الوصف.  نحن نحبهم لماذا ؟ نعم لأنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين نصروه وأحبوه وجاهدوا معه.  فكل من كان في هذا الوصف آكد كان حقه من المحبة أكبر.  ولذلك الجامع لهم المحبة لكن هذه المحبة ليست على درجة واحدة كما سيبين المؤلف رحمه الله في قوله "لكنما الصديق منهم أفضل ".  فيزداد الحب بازدياد وصف الصحبة الذي من أجله ثبت حقهم ووجب حبهم.  ولهذا يجب على المؤمن أن يلاحظ هذا المعنى وأن يعرف أنهم درجات فإن الله فاوت بينهم , فمن أنفق من قبل الفتح وقاتل ليس كمن أنفق من بعد وقاتل.  وأهل بدر ليسوا كغيرهم، وأهل بيعة الرضوان ليسوا كغيرهم، والعشرة المبشرون بالجنة ليسوا كغيرهم، والخلفاء الراشدون المهديون الأربعة ليسوا كغيرهم، وأبو بكر وعمر ليسا كغيرهم، وأبو بكر ليس كغيره من الصحابة في وجوب المحبة والولاية.  ومحبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه كانت متفاوتة أيضا فلم تكن على درجة واحدة.  دل على ذلك ما في "الصحيحين" من حديث عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم :أي الناس أحب إليك؟ قال :«عائشة»، فقلت من الرجال؟ فقال :«أبوها» قلت: ثم من قال:« ثم عمر بن الخطاب» فعد رجالا([17]).  وهذا يدل على أن المحبة؛ محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تكن على درجة واحدة لجميعهم بل كانت متفاوتة والظاهر أن تفاوتها راجع إلى معنا ديني وهو تحقيقهم للإيمان وتحقيقهم للصحبة.  والذي يجب على المؤمن أن يحب جميعهم وأن يصون جميعهم عن أي قدح أو ذم وأن يذب عنهم. وهذا خلاف ما عليه بعض الطوائف المنحرفة الذين يغلون في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويهضمون بعضهم وأبرز هذه الطوائف الرافضة، وبقية فرق الشيعة فإنهم يجعلون بغض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإيمان والدين والقربى، بل منهم من يجعل السب واللعن والشتم والقدح دينا يتعبد الله تعالى به ولا شك أن هذا من الضلال المبين والحرمان الكبير وفيه قدح في الصحابة وقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم وقدح في الشريعة وقدح في الله تعالى.  ولو أن العاقل تأمل هذا المعنى أي معنى تنقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما يدل عليه وما يفضي إليه من المفاسد لكان في ذلك غاية الزجر عن هذا المسلك الرديء. ---------- ([1]) سورة القصص:56 ([2]) سورة الشورى:52. ([3]) سورة محمد:19. ([4]) سورة يوسف:55. ([5]) سورة النجم:32. ([6]) سورة القصص:83. ([7]) سورة الزمر:23. ([8]) سورة النساء:82. ([9]) سورة البقرة: 176. ([10]) سورة ق:5. ([11]) سورة التوبة:10. ([12]) سورة الفتح:29. ([13]) سورة الحشر:10. ([14]) "العقيدة الطحاوية" شرح ابن أبي العز ص(467). ([15]) "صحيح البخاري"(3673)، ومسلم (2540). ([16]) أخرجه الترمذي (4236)، وأحمد(5/57). ([17]) "صحيح البخاري"(3662)، ومسلم(2384).

المشاهدات:2247
فالمقصود أن من سأل الإرشاد فسيجد من يرشده ويبصره بالصواب.
أما هداية التوفيق والإلهام فهذه ليست لأحد, قال الله تعالى  لرسوله :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}([1]).
وهذه الهداية المنفية عن النبي  صلى الله عليه وسلم هي هداية التوفيق والإلهام والإرشاد.
 وقال جل وعلا في رسوله {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}([2]).
فأثبت له هدايةً، وهي الهداية التي جاءت بها الرسل وهي البيان والتوضيح والإرشاد وإقامة الحجة وما يتعلق بهذا.
"فرزق الهدى من للهداية يسأل", نقول الهدى هنا إذا كان بمعنى الدعاء يشمل هداية الإرشاد وهداية التوفيق.
وإذا كان المراد بها السؤال الاستبصار والاستفهام والاسترشاد فالهداية هنا هداية إرشاد وبيان وتوضيح.
قال رحمه الله :" اسمع " وهذا أمر , والأمر طلب الفعل على وجه العلو.
 الأمر تعريفه عند علماء الأصول طلب الفعل على وجه العلو.
 لكن في مثل هذا ليس الأمر لأجل العلو، إنما الأمر لأجل التأكيد على أهمية المأمور به، وبيان عظيم حرص الآمر على المأمور، بأن يدرك ما يأمره به وهذا هو المقصود في كلام أهل العلم رحمهم الله في قولهم :" اعلم رحمك الله" ," اسمع رحمك الله", وما أشبه ذلك.
 هذا الأمر ليس للعلو والارتفاع، إنما للفت النظر إلى أهمية المعلوم، وإلى أهمية المسموع وإلى وجوب العناية بهذا.
 فالحامل له أو الحامل عليه الشفقة والرحمة لا العلو والارتفاع.
 وقد أمر الله تعالى بالعلم لبيان عظيم شرف المعلوم, فقال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}([3]).
 قال رحمه الله " اسمع مقال محقق لا ينثني " وفي بعض النسخ : "اسمع كلام محقق لا ينثني عن قوله يوماً ولا يتحول " وفي بعض النسخ : "يتبدل".
فالمؤلف رحمه الله أمر بسماع كلام سيبينه ويوضحه, ولكنه وصف صاحب الكلام بأوصاف أولها أنه محقق، والثاني لا ينثني عن قوله، والثالث لا يتبدل أو لا يتحول.
فذكر ثلاثة أوصاف لهذا الذي أمر بسماع كلامه.
وإذا نظرت في هذه الأوصاف وجدت أن فيها تزكيةً.
المؤلف رحمه الله سيبين ويوضح وهو يشهد لنفسه بهذه الأوصاف الثلاثة: التحقيق، والثبات وعدم الرجوع.
والثبات وعدم الرجوع متقاربان.
فما الحامل للتزكية ؟ وهل هذه التزكية سائغة؟ الجواب : هذه التزكية سائغة ولها شاهدٌ في كتاب الله تعالى.
قال الله تعالى في خبر يوسف عليه السلام لما طلب الولاية عند العزيز {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}([4]).
هذا لا شك تزكية للنفس , لكن هذه التزكية ومثلها التزكية التي ذكرها المؤلف رحمه الله في نظمه لا تعارض قول الله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}([5]).
فإن التزكية المنهي عنها هي التزكية التي يقصد بها الإنسان الارتفاع والعلو والتي لا مصلحة فيها، وقد نهى الله تعالى عن طلب العلو في الأرض , قال الله تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}([6]).
فمن كانت تزكية نفسه صادرة عن علو وعجب وافتخار فهذه لا تجوز.
وأما إن كانت التزكية لأجل الحث على القبول للحق أو الإقبال عليه أو بيان الاستحقاق , كما كان في قصة يوسف عليه السلام, فإن هذه لبيان الاستحاق, لأنه إنما ذكر ذلك لبيان أنه يستحق هذه المنزلة {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، حفيظ يتعلق بالثقة، وأمين يتعلق بعدم الخيانة.
ولا شك أن هذه المنزلة تحتاج إلى هذين، فهو بيَّن بذلك استحقاقه لهذه المنزلة, فإذا كانت التزكية لمعنى صحيح 
مثل : بيان الاستحقاق.
 مثل : الحث على القبول.
 أو غير ذلك من المعاني الصحيحة فإنها لا تدخل فيما نهى الله تعالى عنه من التزكية في قوله تعالى :{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}.
إذاً: هذه تزكية من المؤلف لنفسه ولما سيبينه , لكن هذه التزكية لأجل الحث على قبول ما ذكره من الحق، ومثل هذا لا بأس به.
قال رحمه الله"اقبل كلام محقق ", محقق : وصف مأخوذ من الحق, والمحقق هو المتثبت، وأصله مأخوذ من الحق.
 والحق هو ما كان مطابقاً للواقع.
فالمحقق هو الساعي في مطابقة قوله وعقده وعمله للصدق والواقع .
المحقق هو الساعي لمطابقة قوله وعقده وعمله للحق الذي هو المطابقة للواقع وعدم الكذب , فقوله رحمه الله :" اسمع ما قال محقق" يعني هذا الكلام الذي سأقوله لك، وهذا الجواب الذي سأبين فيه عقدي ليس كلاماً مرتجلاً ولا كلاماً مضطرباً بلا بصيرة ولا هدى، بل هو كلام تحقيق رجل سعى وبذل لأن يكون عقده وقوله وعمله مطابقاً للحق.
هذا معنى قوله  رحمه الله :" محقق ".
 ثم قال :" لا ينثني عن قوله يوما ولا يتحول ".
" لا ينثني": أي لا يرجع "ولا يتحول"،يعني لا يتبدل كما هو في بعض النسخ لا يتبدل.
 وقوله "لا ينثني" وهو الرجوع كما قال الله تعالى:{مَثَانِيَ}في وصف القرآن {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}([7]).
 والمثاني هنا معاني يرجع بعضها إلى بعض تصديقاً وتوكيداً وتحقيقاً.
فقوله "لا ينثني عن قوله" أي لا يرجع عن قوله "يوماً" يعني طال الزمان أو قصر.
 ثم قال:" ولا يتحول"، أي لا ينتقل عن قول إلى قول، لأن تغير الأقوال له صورتان:
الصورة الأولى : الرجوع عنه وقد يرجع إلى قول آخر وقد يرجع عن هذا القول إلى غيره إلى نفيه.
 والتحول: هو التنقل من قول إلى قول وهو نوع رجوع لكنه رجوع على صورة معينة.
 فالتغير والتحول له صور، تحول كلي وذلك بالانثناء والرجوع عن القول.
 أو التحول وهو التبدل من قول إلى قول كأن يكون في مسألة عدة أقوال فينتقل من قول إلى قول آخر.
 قد يكون قريب وقد يكون بعيد من هذا القول.
 فقوله رحمه الله:"لا ينثني عن قوله يوماً ولا يتبدل"، فيه بيان رسوخ هذا العقد، وأن هذا العقد خلاف ما عليه أصحاب العقائد المنحرفة من الاختلاف والاضطراب.
 وهذا سمة وميزة يتميز بها أهل السنة والجماعة أن عقيدتهم سالمة من الاضطراب.
 قال الله – تعالى :{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}([8]).
فهذه العقيدة لما كانت مبنية على الكتاب والسنة سلمت من الاضطراب والتشوش.
 وأما أصحاب العقائد الذين لم يبنوا عقيدتهم على قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم فعندهم اشتباه واضطراب عظيم.
 ولذلك قال الله تعالى في وصف أولئك :{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}([9]).
وقال الله تعالى أيضا في سورة ق :{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}([10]).
أي مضطرب.
 ثم قال رحمه الله ما يتعلق بالصحابة :" حب الصحابة كلهم لي مذهب ".
"حب الصحابة"، الحب : هو ميل القلب والحب منه ما هو عبادي ومنه ما هو عادي.
 فأعظم الحب هو الحب في الله  جل وعلا.
 أعظم الحب الكائن بين الخلق الحب لله  جل وعلا فإن الله رتب عليه عظيم الأجر، وهو فرع عن أعظم المحبات وهى محبة الله تعالى، فإن من محبة الله تعالى محبة أوليائه وعباده الصالحين ولذلك كانت محبة الصحابة رضي الله عنهم ديناً يتقرب به أهل السنة والجماعة ويتعبد به عباد الله المؤمنون لأن الصحابة هم خير القرون وأفضل طبقات الأمة.
 يقول المؤلف رحمه الله :"حب الصحابة كلهم لي مذهب "، الصحابة جمع صحابي وهو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك طالت المدة أو قصرت , أي طالت مدة اللقاء والصحبة أو قصرت.
 والصحابة رضي الله عنهم متفاوتون تفاوتاً كبيراً كما سيأتي من حيث تحقيقهم لهذا الوصف, لكن الجامع الذي يشترك فيه جميع الصحابة هو لقياهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك فإنه من صحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
 واللقاء المقصود به الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهذا القيد الذي ذكرناه وهو في حياته ليخرج من اجتمع به بعد موته كالذي يجتمع به في المنام مثلاً فإنه لا يعد صحابياً لأن الأحكام متعلقة باليقظة لا بالمنام.
وكذلك فيه الرد على طوائف من المنحرفين الذين يزعمون أنهم يلتقون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتلقون عنه بعد موته كجماعة من غلاة الصوفية فهذا لا يثبت به الصحبة لو قُدر أنه واقع، ومعلوم أن ذلك كذب وافتراء.
 المقصود أن الصحابة المعنى العام الذي اجتمع عليه أهل الإسلام في بيان حد الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.
 حب هؤلاء عبادة وقربى لأن الله تعالى أثنى عليهم في كتابه، وزكاهم وجعل لمن استغفر لهم ودعا لهم نصيباً في الفيء.
 أما تزكية الله تعالى لهم ففي عدة آيات من كتاب الله تعالى من ذلك قول الله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([11]).
 فأخبر الله تعالى أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه في قوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}، وهذا لفئة منهم لا ريب وهم أصحاب التقدم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
 ومن الآيات التي جاء فيها التزكية العامة لجميع الصحابة قول الله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}([12]).
 هذا فيه التزكية والتعديل لكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وأما الأحاديث في بيان فضلهم فهي أكثر من أن تحصى، والفضائل  فضائل الصحابة رضي الله عنهم دالة على وجوب حبهم.
 وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجوب محبة فئام منهم فذكر محبة الأنصار وأن محبة الأنصار إيمان وبغضهم نفاق.
 وذكر ذلك في أفراد من أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكل هذا يدل على أن محبة الصحابة رضي الله عنهم عبادة وقربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى.
 وأيضا أثنى الله تعالى على الذين جاءوا من بعد الصحابة ودعوا لهم كما قال  تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}([13]).
 وهذا فيه بيان منزلة من اتصف بهذا الوصف فإن الله جعل له نصيبا من الفيء وأثنى عليه وذكره في جملة أهل الإيمان الذين جعل لهم نصيباً في الفيء ورضي عنهم، فإن هذا فرع عن فضلهم وعن علو منزلتهم.
 المقصود أن محبة الصحابة رضي الله عنهم دل عليها كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجمع على ذلك أهل الإسلام.
 فلا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب محبتهم وتوليهم وذكرهم بالجميل ولذلك نصَّ أئمة السنة على هذا الأصل في عقائدهم كما فعل الطحاوي وغيره.
 قال الطحاوي رحمه الله :" ونحب أصحاب رسول الله ولا نفرط في أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ولا نذكرهم إلا بالخير".
 ثم قال بعد أن ذكر ما يجب اعتقاده فيهم قال:"حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"([14])، وهذا يدل على علو منزلة هذه الشعيرة وهي محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
 والمحبة تتضمن أموراً فمن ذلك : ذكرهم بالجميل.
 ومن ذلك إثبات ما جاء في فضائلهم.
 ومن ذلك الترضي عنهم والاستغفار لهم.
 ومن ذلك صيانتهم وحفظهم من القدح والذم فضلاً عن السب واللعن.
 كل هذا من حقوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء التحذير بل النهي عن سبهم عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»([15]).
أي ولا نصف المد فالنصيف لغة في النصف.
 وهذا يبين علو منزلة الصحابة وعظيم سبقهم وهذا الأصل منَّ الله تعالى به على أهل السنة.
 وقد جعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النيل من الصحابة نيلاً منه وقد جاء هذا في حديث عبد الله بن مغفل الذي رواه الترمذي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم  «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ...»([16]).
 إلا أن هذا الحديث لا يصح ففيه عبد الرحمن بن زياد بن عمر الأفريقي وهو ضعيف وهو الراوي عن عبد الله بن مغفل.
 واستدل به بعض أهل العلم لدلالة الأحاديث وشهادتها على معناها.
 وما في شك أن معنى الحديث تدل عليه النصوص وحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشترك فيه جميعهم لكن هذا الحب متفاوت بقدر ما يكون معهم من تحقيق الوصف.
 نحن نحبهم لماذا ؟ نعم لأنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين نصروه وأحبوه وجاهدوا معه.
 فكل من كان في هذا الوصف آكد كان حقه من المحبة أكبر.
 ولذلك الجامع لهم المحبة لكن هذه المحبة ليست على درجة واحدة كما سيبين المؤلف رحمه الله في قوله "لكنما الصديق منهم أفضل ".
 فيزداد الحب بازدياد وصف الصحبة الذي من أجله ثبت حقهم ووجب حبهم.
 ولهذا يجب على المؤمن أن يلاحظ هذا المعنى وأن يعرف أنهم درجات فإن الله فاوت بينهم , فمن أنفق من قبل الفتح وقاتل ليس كمن أنفق من بعد وقاتل.
 وأهل بدر ليسوا كغيرهم، وأهل بيعة الرضوان ليسوا كغيرهم، والعشرة المبشرون بالجنة ليسوا كغيرهم، والخلفاء الراشدون المهديون الأربعة ليسوا كغيرهم، وأبو بكر وعمر ليسا كغيرهم، وأبو بكر ليس كغيره من الصحابة في وجوب المحبة والولاية.
 ومحبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه كانت متفاوتة أيضاً فلم تكن على درجة واحدة.
 دلَّ على ذلك ما في "الصحيحين" من حديث عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم :أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ :«عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ :«أَبُوهَا» قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ قَالَ:« ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالاً([17]).
 وهذا يدل على أن المحبة؛ محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تكن على درجة واحدة لجميعهم بل كانت متفاوتة والظاهر أن تفاوتها راجع إلى معناً ديني وهو تحقيقهم للإيمان وتحقيقهم للصحبة.
 والذي يجب على المؤمن أن يحب جميعهم وأن يصون جميعهم عن أي قدحٍ أو ذم وأن يذُبَّ عنهم.
وهذا خلاف ما عليه بعض الطوائف المنحرفة الذين يغلون في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويهضمون بعضهم وأبرز هذه الطوائف الرافضة، وبقية فرق الشيعة فإنهم يجعلون بغض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإيمان والدين والقربى، بل منهم من يجعل السب واللعن والشتم والقدح ديناً يتعبد الله تعالى به ولا شك أن هذا من الضلال المبين والحرمان الكبير وفيه قدح في الصحابة وقدحٌ في الرسول صلى الله عليه وسلم وقدح في الشريعة وقدح في الله تعالى.
 ولو أن العاقل تأمل هذا المعنى أي معنى تنقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما يدل عليه وما يفضي إليه من المفاسد لكان في ذلك غاية الزجر عن هذا المسلك الرديء.
-
([1]) سورة القصص:56
([2]) سورة الشورى:52.
([3]) سورة محمد:19.
([4]) سورة يوسف:55.
([5]) سورة النجم:32.
([6]) سورة القصص:83.
([7]) سورة الزمر:23.
([8]) سورة النساء:82.
([9]) سورة البقرة: 176.
([10]) سورة ق:5.
([11]) سورة التوبة:10.
([12]) سورة الفتح:29.
([13]) سورة الحشر:10.
([14]) "العقيدة الطحاوية" شرح ابن أبي العز ص(467).
([15]) "صحيح البخاري"(3673)، ومسلم (2540).
([16]) أخرجه الترمذي (4236)، وأحمد(5/57).
([17]) "صحيح البخاري"(3662)، ومسلم(2384).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19144 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12321 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9836 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8404 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف