بـ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال بعد إجماعهم واتفاقهم على أنه لا يجوز سب أحد منهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي» أخرجه البخاري (3673)، ومسلم(2540)..
فإن النهي ينتظم جميعه ويشملهم كلهم, فكل من كان صحابياً فلا يجوز سبه ولا التعرض له بنقص أو ذم أو عيب.
واختلفوا في مرتبة هذا الذم على أقوال:
فمنهم من قال: إن من سب جميع الصحابة إلا نفراً قليلا فهو كافر.
ومنهم من قال: إنه لا يكفر لكن يجب قتله.
ومنهم من قال: لا يقتل بل يجب تعذيره بما يردعه عن هذا المسلك .
ومنهم من فصَّل فقال : من سبَّ عائشة بما برأها الله تعالى منه فهو كافر.
وهذا لا إشكال فيه , هذا القول لا إشكال فيه، فمن سبَّ عائشة بما برأها الله منه فهو مكذب للقرآن العظيم .
ومنهم من قال : إن من سب أبا بكر وعمر يكفر بخلاف غيرهما.
وفي المسألة أقوال دائرة على الكفر والكبيرة من الكبائر, يعني إما أن تكون كفراً أو كبيرة من كبائر الذنوب .
وإذا كان لعن المسلم عموماً من الكبائر التي أطلق النبي صلى الله عليه وسلم عليها وصف الكفر فكيف بسب أشرف وأعظم أهل الإيمان وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يظهر أن السب يختلف حكمه بما يقترن به فقد يكون كفراً وقد يكون دون الكفر .
لكن يجب تعذير الساب حتى يكف عن سب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون من التعذير القتل لمنع هذا الشر وهذا الفساد والمرجع في هذا إلى نظر من إليه النظر من القضاة وأهل الحكم فيفعلون ما يصلح به الناس ويستقيم به أمرهم .
إذاً: حكم السب محرم بالاتفاق والأدلة على هذا كثيرة .
أما ما يتعلق بمنزلة هذا من حيث مرتبة الذنب هل هو كفر أو دون ذلك فيه خلاف أشرنا إلى شيء منه .
ومن أفضل من كتب في ذلك بسطاً وتفصيلاً السبكي رحمه الله في الفتاوى فقد كتب في ذلك كلاماً نافعاً وجمع فيه أقوال أهل العلم من أصحاب المذاهب وغيرهم.
فهو أوسع من تكلم في هذه المسألة ممن وقفت عليهم .
يقول رحمه الله:"حب الصحابة كلهم لي مذهب"، أي طريق وهدي, وقد دل على ذلك الأدلة وقد تقدم بيان ذلك.
قال :"ومودة القربى به أتوسل ".
"المودة" هي خالص المحبة , "والقربى" المقصود بهم أهل بيت النبوة رضي الله عنهم وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم حقوق يتقرب أهل السنة والجماعة بها، من محبتهم وولايتهم والذَّبُّ عنهم ومعرفة منزلتهم وإعطائهم حقوقهم التي فرضها الله لهم من الفيء وغيره .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برعاية حق آل البيت كما في حديث زيد بن أرقم في قصة غدير خُمْر وفيه - والحديث في "صحيح الإمام مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»"صحيح مسلم"(2408)..
وحث على كتاب الله ورغَّب فيه , ثم قال :«أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي... »، كررها النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثة .
فكتاب الله مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة وأهل بيته مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، فيجب حفظ النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.
وأهل بيت النبوة هم أشرف البيوت كما دل على ذلك ما في "الصحيح" من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» "صحيح مسلم" (2276)..
فهو صلى الله عليه وسلم خيارٌ من خيار.
والاصطفاء يدل على الاجتباء والعلو وارتفاع المنزلة.
فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن خصوصية هذا البيت في أحاديث كثيرة فيجب حفظ حق النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البيت.
وأهل البيت لهم حقان :
الحق الأول: حق سائر أهل الإيمان كما قال الله تعالى وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ... سورة التوبة:71.،إلى آخر ما ذكر.
فلهم حق الإيمان من الولاية والمحبة وسائر ما يكون للمؤمنين ويزيد فيهم حق آخر أو لهم حق آخر وهو حق قرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
فتجب محبتهم لله، ولأجل قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما إذا ثبت قربهم .
وأهل البيت هم آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل كما قال زيد بن أرقم رضي الله عنه لما سئل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم انظر "صحيح مسلم" ح(2408)..
وأما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف أهل العلم هل هن من أهل بيته أو لا على قولين هما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله.
القول الأول، أو الرواية الأولى: أنهم ليسوا من أهل بيته وهذا ما ذهب إليه زيد بن أرقم رضي الله عنه.
والثاني أنهم من أهل بيته.
وهذا هو الصحيح من القولين يدل عليه كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما كتاب الله تعالى فهو قول الله تعالى﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ سورة الأحزاب:33..
فإن هذا الكلام ذكره الله تعالى في سياق ما أمر به زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من الحفظ والصيانة والقرار بالبيت وعدم التبرج وما إلى ذلك فعلَّل الله تعالى وذكر علة الحكم, علة تلك الأوامر فقال ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾.
ولا ريب أن المقصود بهذه الآية زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فدلت الآية على أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته.
وكذلك أطلق الله وصف الأهل على زوجات الأنبياء كموسى وإبراهيم وغيره فكيف يكون زوجات الأنبياء غير النبي من أهله، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهله.
ذكر الله في موسى عليه السلام ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾ سورة القصص:29..
وأهله هي زوجته فإذا كان زوجة موسى من أهله فكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أهله .
وأما السنة فما في "الصحيحين" من حديث حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يصلون عليه فقال : « قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ».
وهذا في الرواية المشهورة « قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ » وهذه الرواية في "الصحيحين" من حديث حميد الساعدي رضي الله عنه "صحيح البخاري"(3369)، ومسلم(407)..
فدل ذلك على أن أزواجه من أهله .
ما الجواب عن الحديث الصحيح عند أحمد وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الكساء على فاطمة وعلى الحسن والحسين وعلي وقال : «اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» أخرجه أحمد (6/292)، والترمذي(3205)..
هل هذا الحديث ثابت؟ الجواب : نعم ، الحديث ثابت, ومن حديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو حديث ثابت وجاء عن غيرها .
لكن هذا الحديث لا يعارض ما جاءت عليه الأحاديث الأخرى, فيقال أهل بيته على وجه الخصوص هم بناته وأولاده ومن نصَّ عليهم فاطمة والحسن والحسين وعلي، ويدخل فيهم أيضاً زوجاته لدلالة النصوص الأخرى، وهذا لا غرابة فيه .
فإن الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوم في أول مسجد أُسس على التقوى، وهو مسجد قباء كما قال الله تعالى:﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ سورة التوبة:108..
وهذا في قباء لا إشكال فيه.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد فأشار إلى مسجده الذي في المدينة أخرج مسلم (1398) من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، قَالَ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا». لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ..
فالجواب : أن كلا المسجدين أُسس على التقوى من أول يوم .
فورود الآية في مسجد قباء لا ينفيه عن مسجد المدينة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن مسجد المدينة يدخل في هذه الآية.
فكذلك زوجاته صلى الله عليه وسلم هن من أهل بيته بدلالة القرآن وبدلالة السنة ولا يعارض هذا ما دلَّ عليه حديث الكساء حديث أم سلمة ونحن نناقش في هذا نقرر في هذا حتى يُعلم أن قوله رحمه الله" ومودة القربى بها أتوسل " يدخل فيها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن مودتهن ومحبتهن محبة إيمانية مما يدخل في محبة أهل البيت الواجبة وبه يُرد على الرافضة الذين يذمون بعض زوجات صلى الله عليه وسلم بل يتهمون عائشة بما يتهمونها به مما برأها الله منه .
ثم قال رحمه الله :"ولكلهم", أي : لجميعهم , جميع الصحابة رضى الله عنهم وجميع آل البيت "قدم علت وفضائل" وفي بعض النسخ " قدرٌ علت وفضائل" .
والقدم هي المنزلة والمكانة , كما قال الله تعالى ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ سورة يونس:2..
أي منزلة رفيعة عالية .
وقوله رحمه الله :"علت "، أي سمت وارتفعت، وذلك لما حازوه من شرف الصحبة، وشرف القرابة .
شرف الصحبة مكتسب، وشرف القرابة موهوب قدري غير مكتسب، فلا يمكن أن يكون إنسان من القربى مهما عمل إذا لم يكن من آل علي أو آل جعفر أو آل عقيل أو آل العباس.
أما الصحبة فإنها تحققت لكل من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك .
قوله رحمه الله "وفضائل"، فضائل على وزن فعائل، وهو من جموع الكثرة ويدل على كثرة فضائل الصحابة وكثرة فضائل آل البيت رضي الله عن الجميع, وفضائل الصحابة وآل البيت على نحوين :
نحو مجمل عام، ونحو خاص إما بفئة منهم أو بأفراد .
أما العام : ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ، وَلاَ نَصِيفَهُ » تقدم تخريجه..
هذا فضل ينتظم جميع الصحابة رضي الله عنهم.
وأيضاً قول الله تعالى﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ سورة التوبة:100..
وهذا فضل للمهاجرين والأنصار المتقدمين منهم في الهجرة والنصرة, ومن الفضائل الخاصة التي تخص فئة من الصحابة ما جاء في هذه الآية التي قرأناها فإن فضلها في السابقين الأولين ليس في جميع الصحابة .
أما العامة في مثل قوله تعالى ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ سورة الفتح:29..
فهذه تصلح مثال للقسم الأول، وهو الفضل الذي جاء عاماً لا يخص فئةً منهم.
والقسم الثاني من الفضائل ما جاء خاصاً وشاهده في قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾.
فهذا فضل خاص بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وكذلك قول الله تعالى:﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ سورة الحديد:10..
فهذا فضل خاص بفئة منهم .
وكذلك جاءت فضائل للمهاجرين وفضائل للأنصار، فضائل لأصحاب أعمال كأصحاب بدر، وما أشبه ذلك من الفضائل التي تخص فئة منهم .
وجاءت فضائل خاصة بأفراد كالفضائل التي جاءت في أبي بكر، وفي عمر، وفي عثمان، وفي علي، وفي العشر المبشرين بالجنة، وغير ذلك فهذه فضائل خاصة.
وقد أُلف في ذلك مؤلفات منها كتاب "الفضائل" فضائل الصحابة للإمام أحمد رحمه الله.
ثم قال رحمه الله :" لكنما الصديق منهم أفضل"، بعد أن أثبت الفضل للجميع بيَّن أعظمهم فضلاً وأسبقهم منزلة قال " لكنما " لكن هنا استدراك وما زائدة , "الصدِّيق منهم أفضل" الصديق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهذا لقب لكنه إذا أُطلق لا ينصرف إلا إلى أبي بكر رضي الله عنه صِدِّيق الأمة.
ووصف بذلك لعظيم تصديقه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال رحمه الله :" لكنما الصديق منهم " أي من الصحابة وآل البيت.
لكن هو من الصحابة رضي الله عنهم لكن الكلام في فضائل الصحابة ومن الصحابة من هم من آل البيت "لكنما الصديق منهم أفضل " أي متقدم عليهم جميعاً في الفضل والسبق.
وأدلة هذا كثيرة، فإنه ما من فضيلة ثبتت لأحد من الصحابة إلا لأبي بكر رضي الله عنه ما هو نظيرها - أي مثلها- أو ما هو أعلى منها.
فأبو بكر رضي الله عنه له من المنزلة والمكانة والفضل ما ليس لأحد من الصحابة.
يدل لذلك ما في "الصحيح" من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في قصة ما جرى بين عمر وأبي بكر رضي الله عنهما من الاختلاف فإن أبا بكر أسرع في عمر، فغضب ثم اعتذر فلم يعذره ثم أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقص عليه الخبر فجاء عمر، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تغير على عمر «إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ» "صحيح البخاري" (4640)..
وعدَّد من فضائله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما تميز به عن غيره.
وقال قبلها: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي».
فلم يُؤذ بعدها وهذا من أدل الأحاديث على خصوصية أبي بكر بالفضيلة والسبق.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في "الصحيحين" «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً » أخرجه البخاري(467)، ومسلم (532).، ولكن الرسول خليل الرحمن .
المقصود أن أبا بكر رضي الله عنه دلائل فضله أكثر وأثبت, أثبت من حيث النقل وأكثر من حيث العدد .
ولذلك قال المؤلف رحمه الله "لكنما الصديق منهم أفضل"، وهذا أمر مشهور معروف حتى في زمن الصحابة فإن علي رضي الله عنه لما سأله ابنه محمد بن حنفية: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ, وهذا منقول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أوجه كثيرة أخرجه البخاري (3671)، وأبو داود (4629)..
المقصود أن علياً رضي الله عنه نُقل عنه نقل متواتر أن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر .
وقد قال وهو على منبره في الكوفة بين أصحابه ( لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري" أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة"(1/48)،ح(49)..
وهذا أبلغ ما يكون من إثبات الفضل فإنه يقوله في وقت ظهوره وولايته وأمنه من المخالفين لا كما يزعم من يزعم.
ثم قال بعد ذلك" وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل" بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من تقرير ما جاء في الصحابة رضي الله عنهم انتقل إلى بيان عقده في كلام الله القرآن.
والقرآن مصدر ويراد به القراءة الفعل ويراد به المتلو المقروء.
وقوله رحمه الله :" وأقول في القرآن" أي في المتلو المقروء وهو كلام الله تعالى، وقد وصفه الله تعالى بأنه كلامه في كتابه.
قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ سورة التوبة:6..
وقال تعالى:﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ سورة النساء:46. والمقصود بالكلم: كلامه جل وعلا .
فسمَّى الله تعالى القرآن كلاماً، وأضافه إليه فهو كلامه الذي تكلم به جل وعلا.
هذا اعتقاد أهل السنة والجماعة .
المؤلف يقول : "وأقول في القرآن ما جاءت به آياته ".
" آياته ", أي آيات القرآن الكريم، وهذا يدل على تقيد الناظم في اعتقاده بما جاء به النص وأنه لا يتجاوز ما دلت عليه النصوص لا برأي ولا باجتهاد، إنما يتقيد بما جاء به قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول : " وأقول في القرآن " أي أعتقد, القول هنا المقصود به الاعتقاد فالقول يطلق ويراد به ما يتلفظ به الإنسان.
ويطلق ويراد به ما يدين به وما يراه وما يعتقده .
فقوله :"وأقول في القرآن ما جاءت به آياته "، أي يعتقد في القرآن ما جاءت به آياته أي ما تضمنته آياته من بيان ما يجب اعتقاده في القرآن الكريم , ثم ذكر أمرين مما يتعلق بالقرآن
قال " فهو الحكيم المنزل " فهو أي القرآن الحكيم ، وفي بعض النسخ "الكريم " وفي بعضها " القديم ".