×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / دروس منوعة / رسالة الذل والانكسار / الدرس(6) "الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين "

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:"وخرج الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث الفضل ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال :«الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتسكن وتقنع يديك»، يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل وتقول : يا رب، يا رب، يا رب ثلاثا، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج([1]). وفي "صحيح مسلم" عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله»([2]). ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن المراد بذلك فقال :"هو ذل بين يدي عزيز"، قال علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله تعالى:"ما سمعت في العلم بأحسن من هذا". وروي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى أنه قال: أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يدا على يد في الصلاة ، ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله". وروى محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة"([3])، وفسره بعض رواته بقبض شماله بيمينه وانحنى هكذا، وإسناده عن أبي صالح السمان رحمه الله تعالى قال : يبعث الناس يوم القيامة هكذا - ووضع إحدى يديه على الأخرى. وملاحظة هذا المعنى في الصلاة يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى  للحساب، وكان ذو النون رحمه الله تعالى يقول في وصف العباد : لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده، خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، فانخلع قلبه وذهب عقله"، خرجه أبو نعيم رحمه الله تعالى([4])". في هذا المقطع يصل المؤلف رحمه الله ما تقدم من كلامه عن مظاهر الخشوع في الصلاة فإنه في هذا الفصل بين مظاهر الخشوع فقال:"وقد شرع الله تعالى لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع الأبدان الناتج عن خشوع القلب وذله وانكساره، ومن أعظم ما يظهر فيه خشوع الأبدان لله تعالى من العبادات الصلاة"، فالصلاة هي محل الخشوع وذلك لجملة من الأمور في هذه الصلاة ومنها ما ذكره في هذا من وضع اليدين فإن ذلك مما يظهر الخشوع في الصلاة. قبل هذا ذكر المؤلف أثرين: الأثر الأول ما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي من حديث الفضل أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال :« الصلاة مثنى مثنى»، وجاء هذا في "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنه " تشهد في كل ركعتين" يعني تقول التشهد، "وتخشع وتضرع وتسكن وتقنع يديك»، يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل وتقول : يا رب يا رب يا رب ثلاثا، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج"، ورفع اليدين ليس المقصود به الرفع بهيئة الدعاء، إنما يقصد به الرفع عند مواضع الرفع الواردة في الصلاة، وهي في المحفوظ أربع: الرفع عند تكبيرة الإحرام، والرفع عند الركوع، والرفع عند الرفع منه، والرفع بعد التشهد. قال رحمه الله في سياق حديث الفضل :"فمن لم يفعل ذلك فهي خداج"، أي ناقصة، والنقص نوعان: نقص يبطل الصلاة وهو المشار إليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «من صلى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج»([5])، وأما النقص في هذا فهو نقص كمال يحصل به نقص الأجر وإن كانت الصلاة صحيحة. قال :"وفي "صحيح مسلم" عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب"، وهذا بيان وتفسير لما في "الصحيح" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن...»([6]). أي أنهم يحطوا الذنوب، لكن بهذا القيد الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر من مظاهر الخشوع في الصلاة وضع اليدين على الصدر وقد نقل ذلك عن الإمام أحمد قال: "هو ذل بين يدي عزيز"،أي بين يدي غالب، بين يدي قاهر، بين يدي من لا يرام جنابه سبحانه وبحمده. وقد تقدم أن العزة تدور على ثلاث معاني كما قال ابن القيم رحمه الله: وهو العزيز فلن يرام جنابه ... أنى يرام جناب ذي السلطان. وهو العزيز القاهر الغلاب لم ... يغلبه شيء هذه صفتان. وهو العزيز بقوة هي وصفه ... فالعز حينئذ ثلاث معان"([7]). أي ثلاث معان ثابتة لله جل في علاه. بعد هذا قال رحمه الله:"قال علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله تعالى : ما سمعت في العلم بأحسن من هذا "، أي ما سمعت في العلم المأثور عن المتقدمين في بيان علة وضع اليدين في الصلاة على الصدر "بأحسن من هذا"، يعني في بيان المعنى والمقصود، والسر والحكمة والغاية والعلة من وضع اليدين على الصدر . قال :"وروي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى" وهو من العباد النساك،"أنه قال : أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يدا على يد في الصلاة، فما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في القلب مثله"، وهذا إشارة إلى ما تقدم من قول عمر رضي الله عنه للشاب الذي نكس رأسه فقال له :"يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب". فاتهم نفسه رحمه الله أنه ليس معه من الخشوع ما يبلغه هذه المنزلة حتى يقف هذا الموقف الخاشع المتذلل. وعلى كل حال هذا اجتهاد منه رحمه الله، ولا ندري عن ثبوت هذا، هل هو ثابت عنه أو لا، ولكن السنة غالبة فالواجب على الإنسان أن يلتزم هدي النبي  صلى الله عليه وسلم وجد مقصود ذلك أو لم يوجد ، بمعنى أنه إذا كان الإنسان ليس في قلبه خشية ولا خشوع لا يعني أن يسبل يديه، بل ينبغي له أن يضع يديه على صدره اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم  فسيهديه الله تعالى إلى ثمرة تلك السنة، ولكن ينبغي له أن يحرص مع الالتزام بالهدي الظاهر أن يكون موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم . بعد ذلك نقل عن "محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة "، يعني على قدر خشوعهم ، وهذا قد جاء به الأثر في "السنن " أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجحوإن فسدت فقد خاب وخسر»([8]). وهذا ينبغي أن يكون عنوانا لنا فيما نقوم به من الأعمال، أن نتقن الصلاة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. يقول:"وملاحظة هذا المعنى"، ملاحظة أنك إذا وقفت بين يدي الله، إذا وقفت في الصلاة فأنت واقف بين يدي الله العزيز الجبار الملك الذي له ما في السموات وما في الأرض . ملاحظة هذا المعنى "يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى  للحساب"، فأصل الوقوف بين يدي الله تعالى ولو لم يكن للحساب موجب للتعظيم والإجلال، فكيف إذا كان وقوف محاسبة، يحاسب فيه الإنسان عن الدقيق والجليل، لا شك أن هذا مما يوجب عناية العبد بإصلاح حاله وخشوع قلبه. بعد ذلك قال:"ومن ذلك" أي من مصادر الخشوع في الصلاة . "ومن ذلك إقباله على الله عز وجل وعدم التفاته إلى غيره وهو نوعان : أحدهما عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح([9])له، وتفريغ القلب للرب عز وجل ، وفي صحيح مسلم" عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فضل الوضوء وثوابه، ثم قال:«فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه»([10]). والثاني عدم الالتفات بالبصر يمينا وشمالا وقصر النظر على موضع السجود، وهو من لوازم خشوع القلب وعدم التفاته، ولهذا رأى بعض السلف مصليا يعبث في صلاته فقال: " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"، وقد سبق ذكره". إذا: هذا أيضا من مظاهر الخشوع والذل لله تعالى في الصلاة أن يقبل العبد على صلاته وان لا يلتفت إلى غيره، والمقصود بالالتفات أمران: الأمر الأول التفات القلب وهو الأخطر والأشد، والثاني : التفات البدن وهو أيضا من الشيطان، ولذلك جاء في "الصحيح" من حديث عائشة قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال:«هو اختلاس يختلسه الشيطان منصلاة العبد»([11]). فكلاهما مما يحصل به الخروج عن السنن المستقيم للخاشعين في صلاتهم الذالين لله تعالى في عبادتهم. أما الأول فهو الأخطر، ولذلك قدمه المؤلف ذكرا فقال :"أحدهما عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له"، أي إلى غير ما أذن له  أن يلتفت إليه من معاني ما يقرأ، وتدبر ما يتلو فمن الأخبار والقصص وما أعده الله لعباده ، لو تفكر في الجنة وهو في صلاته فإنه مما أذن له، لأنه من التدبر للصلاة ، {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا}([12]). وإنما كانت أشد وطئالأن اللسان يواطئ القلب في الحضور والتدبر لمعاني هذه الآية ، لهذا قال المؤلف :"عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له". قال:"وتفريغ القلب لله عز وجل"، أي تخليته من أي شاغل وهذا من فقه الرجل أن يقبل على صلاته وقد فرغ قلبه من الالتفات عن شيء يشغله عن ربه. وما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال :" إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة"، هذا في الحقيقة ليس خروجا عن السنن المستقيم للخاشعين لأن هذا اشتغال بطاعة وعبادة وهو مما يعرض للإنسان فلا حرج عليه فيه ولهذا قال المؤلف "عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له"، ولو أن الناس شغلوا بالطاعات والتفكير فيها في صلواتهم لما كان عليهم في ذلك نقص، لكن الإشكال أن القلوب تفرقت في الصلاة في أمور الدنيا، أمور لا نفع فيها، بل قد تكون أمورا تضر الإنسان واستدل لفضيلة تفريغ القلب لله في الصلاة بحديث عمرو بن عبسة وهو في "صحيح الإمام مسلم" كما ذكر، يقول رحمه الله "فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل "قال :"وفرغ قلبه لله"، أي أخلاه من ذكر غيره والاشتغال بسواه، "انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه"، وشاهد هذا ما في "الصحيحين" من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما توضأ قال :«من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه»([13]). وهذا فضل كبير وعطاء جزيل، وإحسان يفوق الوصف على عمل يسير قليل، فينبغي للمسلم أن يحرص على تحقيق هذا في يومه ولو مرة واحدة ، أن يحرص على أن يصلي ركعتين قد فرغ قلبه عن كل شاغل سوى ربه والتدبر في آيات ما يتلو والأقوال والأذكار التي يقولها في صلاته. يقول :"والثاني عدم الالتفات بالبصر يمينا وشمالا وقصر النظر على موضع السجود"، والنبي  صلى الله عليه وسلم كان شديد العناية بحضور قلبه في صلاته، صلى مرة وبين يديه نمرقة قد سترت عائشة رضي الله عنها بها شيئا في بيتها فقال : «أميطي عنا قرامكهذا ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي»([14]). هذا من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حضور قلبه، وصلى مرة وعليه أنبجانية - ثوب أهدي إليه- كان فيه أعلام فيشغله النظر إليه، لا ندري هل كان هذا في كل صلاته أو في جزء من صلاته، إنما كان في بعض صلاته فلما فرغ من صلاته قال :«اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم»، وهو أحد أصحابه، «فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي»([15]). ألهاه ما فيها من الأعلام، يعني ما فيها من الخطوط، وهذا كله من الحرص على أن يحضر القلب في الصلاة ، مع كونه  صلى الله عليه وسلم لا يغفل، كما ذكرنا فيما مضى، لم يكن غافلا عما يكون حوله، لكن هذا الحرص على إبعاد كل مشغل في الصلاة هو من فقه الرجل. ولهذا جاء عن أبي ذر رحمه الله ورضي عنه :" من فقه الرجل أن يقضي شغله قبل أن يدخل في صلاته، حتى إذا دخل في الصلاة لم يكن له ما يشغله، ويشوش ذهنه. وكذلك ما يتصل بنظره فإنه يضع نظره موضع سجوده. والعلماء في موضع النظر في الصلاة لهم قولان: جمهور العلماء على أن موضع النظر في الصلاة هو موضع السجود، وهذا أصون للبصر، واحفظ من تشتت الذهن. والقول الثاني: أن له أن ينظر ما بين يديه، وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله. فله أن ينظر قبل وجهه، ولكن لا شك أن القول الأول أقرب إلى الأدب، وأكمل في حصول الخشوع، وهو قول جمهور العلماء. يقول رحمه الله :"وخرج الطبراني  من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته عن يمينه وعن يساره، ثم أنزل الله عز وجل {قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون}([16])، فخشع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يلتفت يمنة ولا يسرة([17])، ورواه غيره عن ابن سيرين رحمه الله تعالى مرسلا وهو أصح". فالمرسل أصح، ومراسيل ابن سيرين من المراسيل المعتبرة. " وخرج ابن ماجه من حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصره موضع قدميه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصره موضع جبينه، فتوفي أبو بكر فكان عمر رضي الله عنه، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان رضي الله عنه فكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا"([18]). هذا الأثر لا يصح عن أم سلمة رضي الله عنها وانفرد به ابن ماجه، وهو عمدة من يقول بأن موضع البصر هو موضع السجود، وتغير أحوال الناس هو بيان اشتغال الناس، وأن الفتن إذا حصلت تشتت الناس حتى في عباداتهم وصلواتهم وفي عباداتهم الخاصة، ولهذا قال : "وكان عثمان رضي الله عنه فكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا"،وذلك لما حصل من التفرق والاختلاف.     ([1]) "المسند"(1/211)، والترمذي في "السنن"(385)، والنسائي في الكبرى (1/212)، ح(615)، وإسناده ضعيف كما قال الألباني وغيره. ([2]) "صحيح مسلم"(228). ([3]) "تعظيم قدر الصلاة"(331). ([4]) " حلية الأولياء" (9/340). ([5]) "صحيح مسلم " (395). ([6]) "صحيح مسلم" (233). ([7]) " متن القصيدة النونية"ص(205). ([8]) "سنن الترمذي"(413)، والنسائي(465). ([9]) في بعض النسخ المطبوعة بلفظ " مناج ". ([10]) "صحيح مسلم"(832). ([11]) "صحيح البخاري"(751). ([12]) سورة المزمل:6. ([13]) "صحيح البخاري"(159)، "صحيح مسلم"(226). ([14]) أخرجه البخاري (374). ([15]) "صحيح البخاري "(373)، ومسلم (556). ([16]) سورة المؤمنون. ([17]) " المعجم الكبير" (19/326)، ح(793). ([18]) "سنن ابن ماجه(1634).

المشاهدات:7273

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:"وخرَّج الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث الفضل ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :«الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتسكن وتقنع يديك»، يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل وتقول : يا رب، يا رب، يا رب ثلاثاً، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج([1]).

وفي "صحيح مسلم" عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنِ امرِئٍ مُسْلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»([2]).

ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن المراد بذلك فقال :"هو ذل بين يدي عزيز"، قال علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله تعالى:"ما سمعت في العلم بأحسن من هذا".

وروي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى أنه قال: أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يداً على يد في الصلاة ، ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله".

وروى محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة"([3])، وفسره بعض رواته بقبض شماله بيمينه وانحنى هكذا، وإسناده عن أبي صالح السمَّان رحمه الله تعالى قال : يبعث الناس يوم القيامة هكذا - ووضع إحدى يديه على الأخرى.

وملاحظة هذا المعنى في الصلاة يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى  للحساب، وكان ذو النون رحمه الله تعالى يقول في وصف العُبَّاد : لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده، خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، فانخلع قلبه وذهب عقله"، خرَّجه أبو نعيم رحمه الله تعالى([4])".

في هذا المقطع يصل المؤلف رحمه الله ما تقدم من كلامه عن مظاهر الخشوع في الصلاة فإنه في هذا الفصل بيَّن مظاهر الخشوع فقال:"وقد شرع الله تعالى لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع الأبدان الناتج عن خشوع القلب وذله وانكساره، ومن أعظم ما يظهر فيه خشوع الأبدان لله تعالى من العبادات الصلاة"، فالصلاة هي محل الخشوع وذلك لجملة من الأمور في هذه الصلاة ومنها ما ذكره في هذا من وضع اليدين فإن ذلك مما يظهر الخشوع في الصلاة.

قبل هذا ذكر المؤلف أثرين:

الأثر الأول ما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي من حديث الفضل أن النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :« الصلاة مثنى مثنى»، وجاء هذا في "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنه " تشهد في كل ركعتين" يعني تقول التشهد، "وتخشع وتضرع وتسكن وتقنع يديك»، يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل وتقول : يا رب يا رب يا رب ثلاثاً، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج"، ورفع اليدين ليس المقصود به الرفع بهيئة الدعاء، إنما يقصد به الرفع عند مواضع الرفع الواردة في الصلاة، وهي في المحفوظ أربع: الرفع عند تكبيرة الإحرام، والرفع عند الركوع، والرفع عند الرفع منه، والرفع بعد التشهد.

قال رحمه الله في سياق حديث الفضل :"فمن لم يفعل ذلك فهي خداج"، أي ناقصة، والنقص نوعان: نقص يبطل الصلاة وهو المشار إليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «من صلى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج»([5])، وأما النقص في هذا فهو نقص كمال يحصل به نقص الأجر وإن كانت الصلاة صحيحة.

قال :"وفي "صحيح مسلم" عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: « ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب"، وهذا بيان وتفسير لما في "الصحيح" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ...»([6]).

أي أنهم يحطوا الذنوب، لكن بهذا القيد الذي ذكره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم ذكر من مظاهر الخشوع في الصلاة وضع اليدين على الصدر وقد نقل ذلك عن الإمام أحمد قال: "هو ذل بين يدي عزيز"،أي بين يدي غالب، بين يدي قاهر، بين يدي من لا يرام جنابه سبحانه وبحمده.

وقد تقدم أن العزة تدور على ثلاث معاني كما قال ابن القيم رحمه الله:

وهو العزيز فلن يرام جنابه ... أنى يرام جناب ذي السلطان.

وهو العزيز القاهر الغلاب لم ... يغلبه شيء هـــذه صفتان.

وهو العزيز بقوة هي وصفه ... فالعز حينئذ ثلاث معان"([7]).

أي ثلاث معان ثابتة لله جل في علاه.

بعد هذا قال رحمه الله:"قال علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله تعالى : ما سمعت في العلم بأحسن من هذا "، أي ما سمعت في العلم المأثور عن المتقدمين في بيان علة وضع اليدين في الصلاة على الصدر "بأحسن من هذا"، يعني في بيان المعنى والمقصود، والسر والحكمة والغاية والعلة من وضع اليدين على الصدر .

قال :"وروي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى" وهو من العبَّاد النُّسّاك،"أنه قال : أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يداً على يد في الصلاة، فما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في القلب مثله"، وهذا إشارة إلى ما تقدم من قول عمر رضي الله عنه للشاب الذي نكَّس رأسه فقال له :"يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب".

فاتهم نفسه رحمه الله أنه ليس معه من الخشوع ما يبلغه هذه المنزلة حتى يقف هذا الموقف الخاشع المتذلل.

وعلى كل حال هذا اجتهاد منه رحمه الله، ولا ندري عن ثبوت هذا، هل هو ثابت عنه أو لا، ولكن السنة غالبة فالواجب على الإنسان أن يلتزم هدي النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد مقصود ذلك أو لم يوجد ، بمعنى أنه إذا كان الإنسان ليس في قلبه خشية ولا خشوع لا يعني أن يسبل يديه، بل ينبغي له أن يضع يديه على صدره اتباعاً لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإذا اتبع هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فسيهديه الله تعالى إلى ثمرة تلك السنة، ولكن ينبغي له أن يحرص مع الالتزام بالهدي الظاهر أن يكون موافقاً لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

بعد ذلك نقل عن "محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة "، يعني على قدر خشوعهم ، وهذا قد جاء به الأثر في "السنن " أن النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَوَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»([8]).

وهذا ينبغي أن يكون عنواناً لنا فيما نقوم به من الأعمال، أن نتقن الصلاة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

يقول:"وملاحظة هذا المعنى"، ملاحظة أنك إذا وقفت بين يدي الله، إذا وقفت في الصلاة فأنت واقف بين يدي الله العزيز الجبار الملك الذي له ما في السموات وما في الأرض .

ملاحظة هذا المعنى "يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى  للحساب"، فأصل الوقوف بين يدي الله تعالى ولو لم يكن للحساب موجب للتعظيم والإجلال، فكيف إذا كان وقوف محاسبة، يحاسب فيه الإنسان عن الدقيق والجليل، لا شك أن هذا مما يوجب عناية العبد بإصلاح حاله وخشوع قلبه.

بعد ذلك قال:"ومن ذلك" أي من مصادر الخشوع في الصلاة .

"ومن ذلك إقباله على الله عز وجل وعدم التفاته إلى غيره وهو نوعان : أحدهما عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح([9])له، وتفريغ القلب للرب عز وجل ، وفي صحيح مسلم" عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه ذكر فضل الوضوء وثوابه، ثم قال:«فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»([10]).

والثاني عدم الالتفات بالبصر يميناً وشمالاً وقصر النظر على موضع السجود، وهو من لوازم خشوع القلب وعدم التفاته، ولهذا رأى بعض السلف مصلياً يعبث في صلاته فقال: " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"، وقد سبق ذكره".

إذاً: هذا أيضاً من مظاهر الخشوع والذل لله تعالى في الصلاة أن يقبل العبد على صلاته وان لا يلتفت إلى غيره، والمقصود بالالتفات أمران: الأمر الأول التفات القلب وهو الأخطر والأشد، والثاني : التفات البدن وهو أيضاً من الشيطان، ولذلك جاء في "الصحيح" من حديث عائشة قال:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ:«هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْصَلاَةِ الْعَبْدِ»([11]).

فكلاهما مما يحصل به الخروج عن السَّنن المستقيم للخاشعين في صلاتهم الذالين لله تعالى في عبادتهم.

أما الأول فهو الأخطر، ولذلك قدمه المؤلف ذكراً فقال :"أحدهما عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له"، أي إلى غير ما أذن له  أن يلتفت إليه من معاني ما يقرأ، وتدبر ما يتلو فمن الأخبار والقصص وما أعده الله لعباده ، لو تفكر في الجنة وهو في صلاته فإنه مما أذن له، لأنه من التدبر للصلاة ، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}([12]).

وإنما كانت أَشَدُّ وَطْئًالأن اللسان يواطئ القلب في الحضور والتدبر لمعاني هذه الآية ، لهذا قال المؤلف :"عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له".
قال:"وتفريغ القلب لله عز وجل"، أي تخليته من أي شاغل وهذا من فقه الرجل أن يقبل على صلاته وقد فرَّغ قلبه من الالتفات عن شيء يشغله عن ربه.

وما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال :" إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة"، هذا في الحقيقة ليس خروجاً عن السَّنن المستقيم للخاشعين لأن هذا اشتغال بطاعة وعبادة وهو مما يعرض للإنسان فلا حرج عليه فيه ولهذا قال المؤلف "عدم التفات قلبه إلى غير ما هو مباح له"، ولو أن الناس شغلوا بالطاعات والتفكير فيها في صلواتهم لما كان عليهم في ذلك نقص، لكن الإشكال أن القلوب تفرقت في الصلاة في أمور الدنيا، أمور لا نفع فيها، بل قد تكون أموراً تضر الإنسان واستدل لفضيلة تفريغ القلب لله في الصلاة بحديث عمرو بن عبسة وهو في "صحيح الإمام مسلم" كما ذكر، يقول رحمه الله "فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ "قال :"وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ"، أي أخلاه من ذكر غيره والاشتغال بسواه، "انصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، وشاهد هذا ما في "الصحيحين" من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه في وصف وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لما توضأ قال :«مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([13]).

وهذا فضل كبير وعطاء جزيل، وإحسان يفوق الوصف على عمل يسير قليل، فينبغي للمسلم أن يحرص على تحقيق هذا في يومه ولو مرة واحدة ، أن يحرص على أن يصلي ركعتين قد فرَّغ قلبه عن كل شاغل سوى ربه والتدبر في آيات ما يتلو والأقوال والأذكار التي يقولها في صلاته.

يقول :"والثاني عدم الالتفات بالبصر يميناً وشمالاً وقصر النظر على موضع السجود"، والنبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان شديد العناية بحضور قلبه في صلاته، صلى مرة وبين يديه نمرقة قد سترت عائشة رضي الله عنها بها شيئاً في بيتها فقال : «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِهَذَا ، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي»([14]).

هذا من حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حضور قلبه، وصلى مرة وعليه أنبجانية - ثوب أهدي إليه- كان فيه أعلام فيشغله النظر إليه، لا ندري هل كان هذا في كل صلاته أو في جزء من صلاته، إنما كان في بعض صلاته فلما فرغ من صلاته قال :«اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ»، وهو أحد أصحابه، «فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي»([15]).

ألهاه ما فيها من الأعلام، يعني ما فيها من الخطوط، وهذا كله من الحرص على أن يحضر القلب في الصلاة ، مع كونه  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغفل، كما ذكرنا فيما مضى، لم يكن غافلاً عما يكون حوله، لكن هذا الحرص على إبعاد كل مشغل في الصلاة هو من فقه الرجل.

ولهذا جاء عن أبي ذر رحمه الله ورضي عنه :" من فقه الرجل أن يقضي شغله قبل أن يدخل في صلاته، حتى إذا دخل في الصلاة لم يكن له ما يشغله، ويشوش ذهنه.

وكذلك ما يتصل بنظره فإنه يضع نظره موضع سجوده.

والعلماء في موضع النظر في الصلاة لهم قولان: جمهور العلماء على أن موضع النظر في الصلاة هو موضع السجود، وهذا أصون للبصر، واحفظ من تشتت الذهن.

والقول الثاني: أن له أن ينظر ما بين يديه، وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله.

فله أن ينظر قِبَل وجهه، ولكن لا شك أن القول الأول أقرب إلى الأدب، وأكمل في حصول الخشوع، وهو قول جمهور العلماء.

يقول رحمه الله :"وخرَّج الطبراني  من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتفت في صلاته عن يمينه وعن يساره، ثم أنزل الله عز وجل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}([16])، فخشع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يلتفت يمنة ولا يسرة([17])، ورواه غيره عن ابن سيرين رحمه الله تعالى مرسلاً وهو أصح".

فالمرسل أصح، ومراسيل ابن سيرين من المراسيل المعتبرة.

" وخرَّج ابن ماجه من حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: كان الناس في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إذا قام أحدهم يصلي لم يعدُ بصره موضع قدميه، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو بكر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعدُ بصره موضع جبينه، فتوفي أبو بكر فكان عمر رضي الله عنه، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعدُ بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان رضي الله عنه فكانت الفتنة فتلفت الناس يميناً وشمالاً"([18]).

هذا الأثر لا يصح عن أم سلمة رضي الله عنها وانفرد به ابن ماجه، وهو عمدة من يقول بأن موضع البصر هو موضع السجود، وتغير أحوال الناس هو بيان اشتغال الناس، وأن الفتن إذا حصلت تشتت الناس حتى في عباداتهم وصلواتهم وفي عباداتهم الخاصة، ولهذا قال : "وكان عثمان رضي الله عنه فكانت الفتنة فتلفت الناس يميناً وشمالاً"،وذلك لما حصل من التفرق والاختلاف.

 

 


([1]) "المسند"(1/211)، والترمذي في "السنن"(385)، والنسائي في الكبرى (1/212)، ح(615)، وإسناده ضعيف كما قال الألباني وغيره.

([2]) "صحيح مسلم"(228).

([3]) "تعظيم قدر الصلاة"(331).

([4]) " حلية الأولياء" (9/340).

([5]) "صحيح مسلم " (395).

([6]) "صحيح مسلم" (233).

([7]) " متن القصيدة النونية"ص(205).

([8]) "سنن الترمذي"(413)، والنسائي(465).

([9]) في بعض النسخ المطبوعة بلفظ " مناج ".

([10]) "صحيح مسلم"(832).

([11]) "صحيح البخاري"(751).

([12]) سورة المزمل:6.

([13]) "صحيح البخاري"(159)، "صحيح مسلم"(226).

([14]) أخرجه البخاري (374).

([15]) "صحيح البخاري "(373)، ومسلم (556).

([16]) سورة المؤمنون.

([17]) " المعجم الكبير" (19/326)، ح(793).

([18]) "سنن ابن ماجه(1634).

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90645 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87045 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف