بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال الحافظ العلامة خير الدين بن الشيخ أبي العباس أحمد بن رجب أدام الله في عمره البركة ، هذه رسالة عن الله في الخشوع وانكسار القلب للرب.
"الحمد لله جابر قلوب المنكسرة قلوبهم من أجله، وغافر ذنوب المستغفرين بفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا شيء كمثله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وخيَّره بين أن يكون ملكا نبياً أو عبداً رسولاً، فاختار مقام العبودية مع الرسالة، وكان يقول :"اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين"، تنويهاً بشرف هذا المقام وفضله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والمستمسكين من بعده بحبله".
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فهذه الرسالة المعنونة بـ" الذل والانكسار للعزيز الجبار" للإمام العلامة عبد الرحمن بن أحمد بن رجب ، الذي له من المؤلفات في فنون العلم ما هو معروف مشهور، ومن أبرز ذلك شرحه لصحيح البخاري في "فتح الباري" الأول([1])، وكذلك في القواعد الفقهية، وكذا في "شرح الأربعين النووية"، وكذا في "علل الترمذي"، وله رحمه الله مؤلفات عديدة كثيرة، وشروحات ماتعة، تميز عليه رحمة الله بالإتقان والتحقيق ودقة النظر وسعة العلم، فمؤلفاته متميزة من كل وجه، فقهاً وحديثاً ولغة، وكذلك تميز بميزة لها خصوصية في جانب التعلم ألا وهي عنايته بأعمال القلوب، عنايته ببحث ما يتصل بصلاح القلب، وهذه الميزة قليلة في كتابات كثير من الفقهاء، بل وحتى المحدثين، وذلك لاشتغالهم رحمهم الله بما تصدوا له من الفقه وشرح الحديث، وانغماسهم في بيان المسائل العلمية، فقلَّ تنبيههم إلى ما يتصل بأسرار القلوب، ومعالجاتها.
الإمام ابن رجب رحمه الله كان بارعاً في معالجة هذه القضايا والتنبيه إليها، واستفاد رحمه الله في هذا الجانب من علماء أجلة، من أبرزهم شيخه ابن القيم رحمه الله فكانت له عناية بما يتصل بعلم القلوب وصلاحها.
وهذه الرسالة هي من الرسائل التي تناول فيها عملاً من أعمال القلوب وعنون له بـ"الذل والانكسار للعزيز الجبار"، وقد طبعت هذه الرسالة طبعات متعددة بعنوانين، العنوان الذي بين أيديكم "الذل والانكسار للعزيز الجبار"، وطبعت أيضاً بعنوان " الخشوع في الصلاة"، وكلاهما قريب ، فإن الرسالة تناولت الخشوع والذل والانكسار، فتسمية الرسالة بالذل والانكسار هو بيان للعمل، وتسميتها بالخشوع هو بيان للثمرة والنتيجة، فنتيجة الذل والانكسار هو الخشوع.
والخشوع لا يكون إلا عن ذل وانكسار.
وفي التسمية التي بين أيديكم، نكتة لطيفة تبين سبب اختيار هذا الاسم الذي عنونت به الرسالة "الذل والانكسار" فذكر عملين، الذل والانكسار، وذكر اسمين "للعزيز الجبار".
الذل عمل قلبي هو من أهم أعمال القلوب، وهو الذي تقوم عليه العبودية، فالعبودية لا تقوم إلا بغاية الذل، ولهذا يعرف العلماء العبودية بأنها غاية الذل مع غاية المحبة، نهاية الحب، ونهاية الذل.
يقول ابن القيم :"وعبادة الرحمن غاية حبه"، أي منتهى حبه، " مع ذل عابد هما قطبان"([2]).
فالذل ركن من أركان العبادة، لا تقوم العبادة إلا بكمال الذل لله تعالى، والحب ينتج عن الذل، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في " روضة المحبين" :"والحب مبني على الذل ولا يأنف العزيز الذي لا يذل لشيء من ذله لمحبوبه ولا يعده نقصا ولا عيبا بل كثير منهم يعد ذله عزاً".
ولهذا يسوق البيت للاستدلال لهذا المعني :
"تذلل لمن تهوى لتكسب عزة ***فكم عزة قد نالها المرء بالذل".
فالذل يثمر العزة.
"ويعجبني ذلي لديك ولم يكن *** ليعجبني لولا محبتك الذل"([3]).
فالذل ينتج المحبة، وإذا كان كذلك، فهمنا أن الذل هو ركن العبادة الأوثق.
ذل العبد لربه هو ركن العبادة الأوثق، هو تعالى جعل الذل له طريق العز الذي يدرك به الإنسان العلو والارتفاع في الآخرة، ولهذا يقول رب العالمين: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِيالْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}([4]).
لأن العلو ينافي الانخفاض، والانخفاض هو الذل والانكسار إلى العزيز الجبار سبحانه وبحمده.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله الانكسار، والانكسار حالة تغشى القلب لأمر خارج.
ككسر الزجاج، وكسر الحطب فإنه لا ينكسر إلا لسبب.
والانكسار هو انكسار القلب لعظمة الرب جل وعلا، انكسار القلب لخروجه عن العبودية، انكسار القلب لشهود الربوبية، انكسار القلب لشهود عظمة الإلهية.
إذاً: هو انكسار له سبب، وليس انكساراً بلا سبب ، وهذا الانكسار يحصل به جبر العبد، ولهذا اختار للذل العزة، وللانكسار الجبر، فقال " الذل والانكسار للعزيز الجبار".
فالذل يناسبه اسم العزيز، والانكسار يناسبه اسم الجبار.
ولهذا هو العزيز جل في علاه، ومن معاني عزته سبحانه وبحمده أنه لا يرام جنابه، وأنه قاهر فوق عباده، وأنه جل في علاه كمل في علوه وسائر صفاته، ولهذا يذل له عباده لعزته سبحانه.
وهو العزيز فلن يرام جنابه*** أنى يرام جناب ذي السلطان([5]).
وأما الجبار، فهو الذي يجبر القلوب المنكسرة، ولهذا يقول الشيخ رحمه الله في مستهل رسالته "الحمد لله جابر قلوب المنكسرة قلوبهم من أجله"، فالانكسار هو انكسار القلب، وهذا الانكسار سببه عظمة الرب وجلاله سبحانه وبحمده.
وهذا الانكسار يحصل به جبر الرب للعبد، جبر الله تعالى لقلوب العباد المنكسرة قلوبهم من أجله.
وهذا من معاني اسمه الجبار، يقول ابن القيم رحمه الله :"
وكذلك الجبار من أوصافه *** والجبر في أوصافه نوعان.
هناك نوعان من الجبر الموصوف به الله تعالى.
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا *** ذا كسرة فالجبر منه دان([6]).
" وكل قلب قد غدا *** ذا كسرة" لعزة الله وكبريائه جل في علاه،" فالجبر منه دان"، أي قريب، فيجبر الله تعالى قلوبهم بما ينعم عليهم، ويفيض عليهم من ألوان الملاذ، وأنواع المتع والنعيم الذي لا يذوقه إلا من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً.
هذا معنى من معاني اسمه الجبار سبحانه وبحمده، والمعنى الثاني هو جبر القهر الذي اتصف به، وهذا لا يناسب إلا ربَّ العالمين، ولذلك يقول ابن القيم :
"والثاني جبر القهر بالعز الذي *** لا ينبغي لسواه من إنسان"([7]).
سبحانه وبحمده.
إذاً: عرفنا الآن الذل والانكسار ومناسبة تسمية هذين الاسمين في الترجمة للعزيز الجبار، سبحانه وبحمده.
يقول المؤلف :"بسم الله الرحمن الرحيم"، وهذا افتتاح الرسالة بالبسملة تأسياً بكتاب الله جل وعلا ، واقتداء بسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثم عطف على ذلك الحمد، وذكر في مستهل رسالته من الحمد ما هو من براعة الاستهلال، فقال:"الحمد لله جابر قلوب المنكسرة قلوبهم من أجله، وغافر ذنوب المستغفرين بفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا شيء مثله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..."، إلى آخر ما ذكر من الثناء والتمجيد لله تعالى في مستهل هذه الرسالة.
وذكر في مستهل هذه الرسالة دعاء نسبه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال:"وكان يقول :" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين"، المتبادر للذهن عندما نسمع مسكيناً أنها مسكنة الفاقة والحاجة وأن يعني مسكين لا أجد كفايتي، كما يعرفه الفقهاء " الذي لا يجد كفايته أكثر الحول".
لكن المسكنة هنا ليست الحاجة إلى الخلق، إنما المسكنة هنا من السكون، وهو الخشوع والذل لله تعالى، فليست المسكنة هنا مسكنة اليد بالحاجة والفقر وقلة ذات اليد، إنما المسكنة هنا هي مسكنة القلوب بأن تسكن إلى الله تعالى، وأن تفتقر إليه، وأن تشعر بالفاقة إليه جل في علاه.
وهذا الدعاء جاء في الترمذي، وكذلك جاء في النسائي وغيره ، وكذلك جاء في ابن ماجة، وهو من طريق عبادة بن الصامت ومن طريق أبي سعيد، ومن أهل العلم ممن رأى أن الحديث لا بأس بإسناده، وهو قول جماعة من أهل العلم وذهب طائفة إلى أن الحديث في إسناده مقال، وأنه لا يسلم طريق من طرقه فهو لا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([8]).
ظاهر كلام ابن رجب أنه يثبت هذا الحديث أو يصحح الاحتجاج به.
والأقرب أن الحديث ضعيف من حيث الإسناد، هذا الأقرب وإن كان الحديث صححه جماعة من أهل العلم .
يقول رحمه الله بعد ذلك :"أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى مدح في كتابه المخبتين له، والمنكسرين لعظمته، والخاضعين والخاشعين له، فقال الله تعالى :{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}([9]).
وقال تعالى:{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ}، إلى قوله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}([10]).
ووصف المؤمنين بالخشوع له في أشرف عباداتهم التي هم عليها يحافظون، فقال:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}([11]).
ووصف الذين أوتوا العلم بالخشوع حيث يكون كلامه لهم مسموعاً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}([12])".
هذا ابتداء من الشيخ رحمه الله ذكر فيه مناقب وفضائل الخشوع، وأتى بذلك وذكر وبيَّن فضائل الخشوع بذكر ما ورد في ذكر الخشوع وفضله والثناء عليه في كلام الله جل وعلا وفي كلام رسوله.
ابتدأ أولاً بقوله "فإن الله سبحانه وتعالى مدح في كتابه المخبتين له"، والمخبتون هم الخاشعون المتواضعون.
الإخبات هو الخشوع مع التواضع، هكذا عرَّفه جماعة من أهل العلم.
قال قتادة :" الإخبات:التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ"([13]).
فالإخبات لا يكون إلا من خاشع، فلما مدح الله تعالى المخبتين له فهو ثناء منه جل في علاه على الخاشعين، والإخبات تدور حقيقته على التواضع والخشوع كما ذكرنا.
الإخبات في اللغة هو المكان المطمئن، المنخفض، كل منطقة من الأرض منخفضة تسمى خبتاً.
فالإخبات مأخوذ من هذا المعنى لأن المخبتين قد تواضعوا لله تعالى، ذلوا لله جل وعلا ، فانكسرت قلوبهم له سبحانه وبحمده.
وقد ذكر الله تعالى علامات الإخبات في كتابه، ذكر لهم أربع علامات، فقال تعالى {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}، هذه بشارة من الله تعالى لأهل الإخبات من هم؟ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}([14]).
هذه أربع علامات جعلها الله تعالى لأهل الإخبات، فإذا أراد الإنسان أن يعرف هل هو من المخبتين أو ما قدر الإخبات الذي معه، فلينظر إلى هذه الصفات الأربعة، والعلامات الأربعة .
{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، والوجل هو خوف مع هيبة، إجلال مع هيبة لله جل وعلا .
{وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ}، مما يكرهون فهم صابرون على أقدار الله وأقضيته.
{وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ}، على الوجه الذي يرضاه ظاهرا وباطناً، ظاهراً باتباع السنة، وباطناً بتمام الإخلاص والذل والقنوت لله جل وعلا كما قال تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
الوصف الرابع من أوصافهم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وانظر كيف جمع بين هذين العملين، إقام الصلاة، والإنفاق من رزق الله تعالى، لأن بهما يكمل الإحسان، فإقامة الصلاة تمام الإحسان مع الرب جل في علاه، الإنفاق من تمام الإحسان إلى الخلق.
فكان المخبتون جامعين لهذه الصفات الأربع، سلامة القلوب، الصبر على الأقدار، إقام الصلاة، وهو تمام الإحسان في صلة العبد بربه، الإحسان إلى الخلق بإيصال النفقات والأموال إليهم.
يقول:"مدح الله في كتابه المخبتين له، والمنكسرين لعظمته"، وهنا نعلم أن الانكسار والذل والخشوع ليس ناتجاً عن فراغ، إنما هو ناتج عن تمام العلم بالله، فمن كمل علمه بالله أثمر ذلك في قلبه ذلاً وانكساراً وخضوعاً وخشوعاً لله جل وعلا.
ولذلك قال:"والمنكسرين لعظمته، والخاضعين والخاشعين له"، ثم ذكر قول الله تعالى ":{إِنَّهُمْ} أي الأنبياء والخاشعين لله تعالى {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا}أي ليتعبدون لنا، يدعون لنا المقصود بها العبادة{رَغَبًا وَرَهَبًا}في السراء والضراء، يقول الله جل وعلا{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}" أي أذلاء، متواضعين.
يقول جل وعلا :"{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ}، ... {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}".
يقول :"ووصف المؤمنين بالخشوع له في أشرف عباداتهم"، وهي الصلاة التي ذكرها الله تعالى في أعمال المخبتين.
يقول الله تعالى "{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}"
يقول :"ووصف"، هذا ثالث ما ذكره من فضائل الخشوع، "ووصف الذين أوتوا العلم"، وهم أشرف الخلق، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}([15]).
هذه أعظم شهادة، واستشهد لها أشرف الشهداء، أولهم شهادته جل في علاه ، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}،ثم عطف على شهادته شهادة الملائكة، فقال :{وَالْمَلَائِكَةُ}، ثم ذكر أشرف بني آدم وهم الذين أوتوا العلم.
فهذه دلالة على أن الخشوع من أكمل الصفات لأنه من صفات العالمين بالله، يقول رحمه الله:"ووصف الذين أوتوا العلم بالخشوع حيث يكون كلامه لهم مسموعاً، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}"، انظر كيف جمعوا خضوع الأبدان بالسجود الذي هو وضع الجباه لرب الأرض والسماء مع خضوع القول "{سُبْحَانَ رَبِّنَا}"، وهذا خضوع وذل بالقول"{سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}" .
ثم أكد تمام انقيادهم لربهم وخضوعهم وخشوعهم له، قال "{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}".
نسأل الله أن يجعلنا منهم.
بعد هذا يقول المؤلف رحمه الله :"وأصل الخشوع"، هذا شروع في بيان معنى الخشوع.
([8])حديث أبى سعيد : أخرجه عبد بن حميد (ص 308 ، رقم 1002) . وأخرجه أيضًا : ابن ماجه (2/1381 ، رقم 4126) . قال البوصيري (4/218) : هذا إسناد ضعيف .
حديث عبادة بن الصامت : أخرجه البيهقي (7/12 ، رقم 12930) ، والضياء من طريق الطبراني (8/270 ، رقم 332) ، وابن عساكر (38/194) . وأخرجه أيضًا : الطبراني في الدعاء (1/422 ، رقم 1427) . قال الهيثمي (10/262) : رواه الطبراني ، وفيه بقية بن الوليد ، وقد وثق على ضعفه ، وشيخ الطبراني ، وعبيد الله بن زياد الأوزاعي ، لم أعرفهما ، وبقية رجاله ثقات .