قال ابن رجب رحمه الله:"وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام، لهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه في الصلاة «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي»، وفي رواية « وما استقل به قدمي».
ورأى بعض السلف رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".
وروي ذلك عن حذيفة رضي الله عنه وسعيد بن المسيَّب، ويُروى مرفوعاً لكن بإسناد لا يصح.
قال المسعودي بن أبي سنان عمن حدثته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، قال هو الخشوع في القلب وأن تلِّين كنفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك".
وقال عطاء بن السائب، عن رجل ، عن علي رضي الله عنه :"الخشوع خشوع القلب، وأن لا تلتفت يميناً ولا شمالاً".
وعن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، قال :"خائفون ساكنون".
وقال ابن شودب بن الحسن رحمه الله تعالى :" كان الخشوع في قلوبهم فغضوا له البصر وخفضوا له الجناح".
وقال منصور بن مجاهد :" أصل الخشوع في القلب، والسكون في الصلاة".
وقال ليث بن مجاهد:"من ذلك خفض الجناح وغض البصر".
وكان المسلمون إذا قام أحدهم إلى الصلاة خاف ربه أن يلتفت عن يمينه أو شماله، وقال عطاء الخرساني :" الخشوع خشوع القلب والطرف".
وقال الزهري :" هو سكون العبد في صلاته".
وعن قتادة قال :" الخشوع في القلب الخوف وغض البصر في الصلاة، وقال ابن أبي نُجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله تعالى :{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، قال :"متواضعين".
هذا المقطع من كلام المؤلف الإمام ابن رجب رحمه الله في رسالته الماتعة " الذل والانكسار للعزيز الجبار"، يقول "وأصل الخشوع هو لين القلب"، هذا المقطع ذكر فيه المؤلف رحمه الله جملة من النقول عن السلف في معنى الخشوع، فهو يبين لنا معنى الخشوع الذي هو أصل الذل والانكسار، أو هو ثمرة الذل والانكسار ، نحن فيما مضى قلنا إن ثمرة الذل والانكسار أن يخشع القلب لله جل وعلا.
ويقول رحمه الله :"وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته"، كل هذه المعاني فُسِّر بها الخشوع، فهو لين ورقة وسكون وخضوع وانكسار وحرقة.
وقد أجمل ابن الجوزي رحمه الله معاني الخشوع في كلام الله تعالى فذكر أن الخشوع في القرآن جاء على أربعة معاني، يقول رحمه الله جاء في معنى الذل، وذلك في نحو قوله جل وعلا {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ}([1])، أي ذلت.
وجاء بمعنى سكون الجوارح ، واستدل له بقوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}([2]).
وأما المعنى الثالث، جاء بمعنى الخوف واستدل له بقول الله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}([3]).
وجاء بمعنى التواضع وذلك في نحو قوله تعالى:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَىالْخَاشِعِينَ}([4])، يعني المتواضعين.
والذي يظهر أن ما ذكره رحمه الله هو نوع اجتهاد وليس تعيناً لأن من أهل العلم من فسَّر الخشوع في هذه الآيات بغير ما ذكره العلماء، فمثَّل بغير ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله في قوله تعالى {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، هو فسَّره بالخوف، وابن عباس فسره بالخوف مع السكون.
والذي يظهر أن المعاني متقاربة لأنه إذا ذل خاف، وإذا خاف تواضع، وإذا تواضع سكن، فهذه المعاني متقاربة، وهي طرق لمعنى واحد وهو الخشوع.
وذكر رحمه الله أن أصل الخشوع الذي يطلب حق هو خشوع القلب، وخشوع القلب لا يتحقق - يا إخواني - إلا بسلامته وامتلائه بمحبة الله وتعظيمه وما يمكن أن يخشع القلب بغير هذين، بالمحبة والتعظيم .
فإذا امتلأ القلب بمحبة الله وتعظيمه خشع له، وإذا خشع القلب انقادت الجوارح.
إذاً: لما قال المؤلف بعد أن فسر الخشوع أن الخشوع في القلب ، وهو الأصل، وإذا خشع القلب خشعت الجوارح هذا ينبهنا إلى أنه من أراد تحقيق هذه الصفة ينبغي أن يعتني بقلبه.
كثير ما يسأل الناس : كيف نخشع في صلاتنا؟
نقول الخشوع في الصلاة مبدأه أن يكون القلب خاشعاً لله تعالى، لا يمكن أن تخشع الجوارح، الآن تشاهد بعض الناس في صلاته ساكن لا يتحرك، لكن جوارحه ساكنه وقلبه في كل وادٍ هائم.
ومن الناس من يتحرك ويكثر العبث وهو قد جمع بين خروجين، خروج داخلي فقلبه هائم في كل وادٍ ، وجوارحه خارجة عن سنن الخاشعين في صلاتهم فهي تتحرك وتضطرب فيما لا حاجة له ، أو هي نوع من العبث.
ولهذا لا يمكن أن يتحقق الخشوع التام للإنسان في صلاته إلا بخشوع قلبه، وما جعل خشوع الظاهر في الصلاة إلا لتحقيق خشوع الباطن.
لما يضع الإنسان يده على صدره ، ولما يضع جبهته على الأرض هذه أفعال تثمر الخشوع ، تعين على حضور القلب، ولهذا ينبغي للإنسان أن يجتهد في معالجة قلبه، واعتنائه به، ومحاولة إصلاحه حتى يسلم من التشتت والتشعب.
يقول رحمه الله فيما ذكر :"فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء... خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي"، الحديث في الذكر المحفوظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول في ركوعه ، ويقول في سجوده، «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وما أقلَّت قدمي»، يعني جميع أجزائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ونحن - يا إخواني - ما نسأل أنفسنا هل تخشع أسماعنا لله، أبصارنا لله، أعصابنا لله تعالى، هل تخشع؟.
إن خشوعها بأن تذل لله جل وعلا، تستشعر تعظيم الرب الذي تتحرك من أجله، أنت تقوم وتقعد ترجو من؟ ترجو الله تعالى.
هذا السجود الذي تنكب فيه على وجهك، وتضع أشرف ما فيك في موضع الأقدام إنما هو لله تعالى.
ولذلك إذا استشعر الإنسان هذه المعاني انقدح في قلبه تعظيم الرب وشعر بأنه فعلاً ممن يخشع لله تعالى .
وأما إذا كان يفعلها حركة تلقائية، قيام وقعود وسجود وركوع وهو غائب القلب هذه تكون حركات قد تبرأ بها ذمته من حيث ما طلب منه وجوباً، لكن لا يتحقق له التنعم بالعبادة، وذوق طعم الإيمان إلا إذا حي قلبه واستشعر هذه المعاني أثناء عمله بها.
يقول :"لهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه في الصلاة «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي"، كما في "صحيح مسلم" من حديث علي وغيره([5]).
يقول :"ورأى بعض السلف رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"، وهذا معنى صحيح، "وروي ذلك عن حذيفة رضي الله عنه وسعيد بن المسيَّب، ويُروى مرفوعاً لكن بإسناد لا يصح"، والحديث المرفوع في هذا قد قال عنه جماعة من العلماء أنه موضوع، وذلك لضعف بعض رواته([6]).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله طائفة من النقولات عن السلف في معنى الخشوع، كلها تأكد ما ذكره في مبدأ كلامه حيث قال :"وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته".
ثم قال رحمه الله :"وقد وصف الله تعالى في كتابه الأرض بالخشوع فقال :{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}([7])، فاهتزازها وربوها وهو ارتفاعها مزيل لخشوعها، فدل أن الخشوع الذي كانت عليه هو سكونها وانخفاضها ، فكذلك القلب إن خشع فإنه تسكن خواطره، وإراداته الرديئة التي تنشأ من اتباع الهوى وينكسر ويخضع لله عز وجل فيزول بذلك ما كان فيه من النعم والترف والترفع والتكبر والتعاظم، ومتى سكن ذلك في القلب خشعت الأعضاء والجوارح والحركات كلها حتى الصوت، وقد وصف الله تعالى الأصوات بالخشوع في قوله {وَخَشَعَتِ الْأَصوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمسًا}([8]).
وخشوع الأصوات هو سكونها وانخفاضها بعد ارتفاعها، وكذلك وصف وجوه الكفار وأبصارهم في يوم القيامة بالخشوع، فدل ذلك على دخول الخشوع في هذه الأعضاء كلها".
هذا المقطع يبين فيه المؤلف رحمه الله أن الخشوع لا يختص بالقلب، بل أصله القلب وينعكس على الجوارح.
والمؤلف رحمه الله قال:"وقد وصف الله تعالى في كتابه الأرض بالخشوع "، فهو وصف حتى يأتي على الجماد، قال تعالى{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً}، أي منخفضة ذليلة منكسرة، وقد استفاد بعض الشعراء من هذا فقال :
مساكين أهل العشق حتى قبورهم*** عليها تراب الذل بين المقابر.
يعني تراب الخشوع والذل بين المقابر، فيقول رحمه الله إن الخشوع أصله في القلب، وإذا قام الخشوع في القلب سكن كل داع للعلو والارتفاع، يعني الإنسان إذا خلع قلبه عن الخشوع تكبر وعلا وارتفع وأصبح يرى لنفسه حقاً على الخلق، ولكن عندما يمتلئ القلب ذلاً وخضوعاً لا يرى له على أحد من الخلق حقاً بل تجده في غاية الذل، وفي غاية الانخفاض، يتحقق فيه قول الله جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}([9]).
فهذا الذل هو ثمرة طاعة الله تعالى، ثمرة ما في القلب من هيبته وجلاله، والانخفاض له، هو ثمرة تحقيق العبودية وقف عند هذا.
هذا الخشوع هو ثمرة تحقيق العبودية، فبمقدار ما مع الإنسان من تحقيق العبودية لله تعالى بقدر ما معه من الخشوع.
وإذا وجدت من نفسك زهواً وعلواً وارتفاعاً فاعلم أنه قد انخفض منسوب العبودية عندك.
وهذا متلازم ولذلك كان حق من انخفض أن يرتفع، ومن ارتفع أن ينخفض، حق على الله ما ارتفع شيء من الدنيا إلا وضعه كما في "الصحيح".
وفي "الصحيح" قال «وَمَا تَوَاضَعَ » بالعكس، «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ»([10]).
وفي القرآن قال :{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا} لمن؟ {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}([11]).
فالعلو هو منافي العبودية، وبقدر ما مع الإنسان من الانخفاض والذل لله أولاً ولمن أمر الله تعالى بالذل لهم ثانياً ، بقدر ما يتحقق له خشوع القلب وسلامته من الآفات.
إذا خشع القلب سلم حتى من الخواطر التي تكون من الوساوس والهواجس وتسلط الشياطين، الطريق الذي يدركون به السلامة من هذه الخواطر هو أن يعملوا على تحصيل الخشوع وصفاً لقلوبهم.
ولهذا يقول رحمه الله :"فدل أن الخشوع الذي كانت عليه هو سكونها وانخفاضها، فكذلك القلب إذا خشع فإنه تسكن خواطره، وإراداته الرديئة التي تنشأ من اتباع الهوى وينكسر ويخضع لله عز وجل فيزول بذلك ما كان فيه من النعم والترف والترفع والتكبر والتعاظم..."، إلى آخر ما ذكر.
ثم قال إن الخشوع ينعكس على المظهر والصوت، واستدل لذلك بقوله{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ}.
الخشوع نوعان: خشوع كسبي يؤجر عليه الناس، وخشوع قدري لا أجر فيه ولا ثواب.
الخشوع الكسبي هو ما كان ناتجاً عن الذل لله تعالى.
النوع الثاني هو ما كان ناتجاً عن إرهاق وتعب، هذا ذل، كالخشوع الذي على الأرض، هل تحمد الأرض بخشوعها، كما قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً}، هل هذا مما تحمد به الأرض؟ لا، الأرض ليست مكلفة ولا يطلب منها خشوع، لكن هذا وصف لها.
ومنه قوله جل وعلا، ما هو وصف وليس محلاً للمدح، منه قوله جل وعلا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}، أي ذليلة{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}، بعض الناس يفهم خاشعة يعني عابدة، لا.
هنا الخشوع هو الذل الذي ليس ذل ناتج عن المعصية، وليس ذلا تتحقق به الطاعة، وفرق بين الذلين، بين الذل الذي ينشئ عن المعاصي، والذل الذي هو طاعة يحصل به عز الإنسان وارتفاعه وعلوه وسعادته في الدنيا والآخرة، فشتان بينهما.
يقول رحمه الله:"ومتى تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه، كان ذلك خشوع نفاق وهو الذي كان السلف يستعيذون منه، كما قال بعضهم:" استعيذوا بالله من خشوع النفاق"، قالوا : وما خشوع النفاق، قال : أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع.
ونظر عمر رضي الله عنه إلى شابٍ قد نكس رأسه فقال له: يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب".
فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق، وأصل الخشوع الحاصل في القلب".
يقول رحمه الله هذا تنبيه أن الخشوع أمر ليس تكلفاً، وإذا تكلفه الإنسان عاد عليه بالنقص والذم، وكان وزراً لا أجراً، فإنه من أظهر للناس الخشوع كان لابساً ثوب زور، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذَّر من المتشبع بما لم يعط، فمن أظهر من حاله خلاف ما في قلبه طلباً لحمد الناس هذا هو النفاق، وهو أشد من الرياء ولهذا قال المؤلف رحمه الله:"ومتى تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه كان ذلك خشوع نفاق"، يعني يجب الحذر منه، ولهذا قال عمر رضي الله عنه للشاب "ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب"، يعني لو زاد خشوع قلبك لذلت جوارحك دون تكلف، ولعل عمر رأى منه تكلفاً وتصنعاً للخشوع والذل فقال هوِّن عليك، ما يمكن تخشع جوارحك وقلبك فارغ من هذا المعنى، بل ينبغي أن يكون هناك تناسب بين ما في القلب وبين ما في الظاهر ، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يعتني بظاهره أكثر من عنايته بباطنه، بل يجب أن تكون العناية بالبواطن أضعاف العناية بالظاهر، لأن الباطن إذا طاب انقاد الظاهر، هذا واحد.
ولأن الباطن إذا طاب عذر الإنسان بتخلف الظاهر إذا كان تخلفه لعجز أو لمانع أو لعارض بخلاف الباطن.
إذا زان الظاهر وفسد الباطن كان هذا وبالاً على صاحبه.
ولهذا كان المنافقين أشد عقوبة من الكافرين، قال الله تعالى :{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}([12])، لأنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، فزانت ظواهرهم وخبثت بواطنهم.
لهذا يجب على المؤمن أن يعتني بقلبه، ولبه وباطنه أضعاف ما يعتني بظاهره، ومن صدق الله صدقه الله تعالى.
وما أحسن وما أجمل كلمة عمر رضي الله عنه يقول رحمه الله للشاب الذي رآه قد نكس رأسه": يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد -يعني الخشوع في الظاهر - "على ما في القلب"، أي فلا تتكلف ما ليس في قلبك.
ثم ذكر رحمه الله بعد هذا: بماذا يحصَّل الخشوع؟ كيف يحصِّل الإنسان الخشوع.
([6])قال الشيخ الألباني في "إرواء الغليل":"موضوع أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من رواية الحكيم عن أبى هريرة , وصرح الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي (ق 202) بأن إسناده ضعيف.
قلت:بل هو أشد من ذلك ضعفا , فقد قال المناوي في "فيض القدير":" رواه - يعنى: الحكيم - " في " النوادر " عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن ابن عجلان عن المقبري عن أبى هريرة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته فى الصلاة ...الحديث.
قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": وسليمان بن عمرو هو أبو داود النخعي متفق على ضعفه , وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب.
وقال في " المغنى ": سنده ضعيف , والمعروف أنه من قول سعيد , ورواه ابن أبى شيبة في مصنفه وفيه رجل لم يسم. وقال ولده: فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه.
وقال الزيلعي: قال ابن عدى: أجمعوا على أنه يضع الحديث ".
قلت: وكذلك رواه موقوفا ابن المبارك فى " الزهد " (ق 213/1) : " أنبأنا معمر عن رجل عن سعيد به".
ومن هذا الوجه رواه ابن أبى شيبة (2/51/1) .
فهو لا يصح لا مرفوعا ولا موقوفا , والمرفوع أشد ضعفا , بل هو موضوع وكأنه لذلك لم يعرج عليه البيهقي فلم يورده في سننه الكبرى ـ على سعتها ـ وإنما أورده (2/289) موقوفا معلقا. والله سبحانه أعلم.