قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وفي "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها، سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ»([1]).
وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال:«لا يزال الله عز و جل مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه»([2]).
وخرَّج الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ :«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ بِخَمسِ كَلِمَاتٍ ، أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ»، وذكر منها«وَآمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنصِبُ وَجْهَهُ لِوَجهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا»([3]).
وفي المعنى أحاديث أخرى متعددة.
وقال عطاء: سمعت أبا هريرة يقول إذا صلى أحدكم فلا يلتفت فإنه يناجي ربه، إن ربه أمامه، وإنه يناجيه فلا يلتفت.
قال عطاء رحمه الله تعالى: وبلغنا أن الرب عز وجل يقول:" يا ابن أدم إلى من تلتفت، أنا خير لك ممن تلتفت إليه، وخرَّجه البزار وغيره مرفوعاً، والموقوف أصح([4]).
وقال أبو عمران الجوني رحمه الله تعالى:" أوصى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام : يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجي بقلب وجل ولسان صادق".
بعد فراغ المؤلف رحمه الله من ذكر ما يتصل بالخشوع وفضله وبيان معناه والنصوص الواردة فيه، بيَّن رحمه الله جملة من صور الخشوع في الصلاة، فابتدأها بذكر الخشوع في الصلاة في الجملة، كقوله تعالى"{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}"، فالصلاة كلها محل للخشوع.
ثم بيَّن رحمه الله مواطن يظهر فيها الخشوع في أعمال الصلاة، وهذا من الخشوع الفعلي الذي هو ثمرة خشوع القلب.
أول ما ذكر من ذلك وضع اليدين على الصدر، حيث قال :" ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام".
ثم ذكر ثانياً من المظاهر التي يبدو فيها الخشوع في الصلاة إقبال العبد على الله تعالى، بوجهه وبدنه بأن لا يلتفت إلى سواه جل وعلا، ولذلك قال :"ومن ذلك إقباله على الله عز وجل وعدم التفاته إلى غيره وهو نوعان"، ذكر أنواع الالتفات ، التفات القلب والتفات البصر، وكلاهما مذموم، وكلاهما ينقص الثواب والأجر، وأعظمهما التفات القلب، وإن كان التفات الوجه يحذره كثير من الناس، ويتحاشاه لكن التفات القلب أعظم منه، ولذلك يجوز التفات البصر عند الحاجة أما قلبه فينبغي أن يكون في كل الأحوال مقبلاً على الرب جل في علاه.
وما ذكره من النصوص والأحاديث هو مما يتصل بهذا، بحفظ الوجه عن الالتفات إلى غير الله، وحفظ القلب عن الالتفات إلى سواه جل في علاه.
هذا ما يتصل بثاني الصور التي ذكر فيها المؤلف ما يظهر به الخشوع في أفعال الصلاة.
ثالث ما ذكره المؤلف رحمه الله من الأفعال التي تظهر الخشوع في الصلاة قال:"ومن ذلك الركوع وهو ذل بظاهر الجسد، ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله، حتى بايع بعضهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على ألا يخر إلا قائماً - يعني أن يسجد من غير ركوع- كذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والمحققون من العلماء.
وقال الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}([5]).
وتمام الخضوع في الركوع أن يخضع القلب لله، ويذل له فيتم بذلك خشوع العبد بباطنه وظاهره لله عز وجل، ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعظامِي وما استقل به قدمي»([6])، إشارة إلى أن خشوعه في ركوعه قد حصل بجميع جوارحه، ومن أعظمها القلب الذي هو ملك الأعضاء والجوارح فإذا خشع خشعت الجوارح والأعضاء كلها تبع لخشوعه".
إذاً: هذا ثالث المظاهر في أفعال الصلاة التي يحصل بها الخشوع، الركوع وهو الانحناء ذلاً لله جل وعلا .
يقول المؤلف "وهو ذل بظاهر الجسد"، وهو الذل لابد أن يقترن معه ذل القلب، ولهذا أشار إلى وجوب العناية بذل القلب في هذا الركوع، قال:"ولهذا"، لكون الركوع في صورته، وفي ظاهره ذل، قال:"ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله، حتى بايع بعضهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على ألا يخر إلا قائماً"، يعني لا يسجد إلا قائماً فلا ركع، "كذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والمحققون من العلماء"، وقال تعالى "{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}" وهنا يشمل تركهم الصلاة وتركهم الركوع على وجه الخصوص.
قال:"وتمام الخضوع في الركوع"، يعني من تمام الخضوع الذي يتطابق فيه الظاهر مع الباطن ، وأنا أقول -يا أخواني- تنبهوا لهذا المعنى، كمال الخضوع في الركوع أن يذل القلب لله جل وعلا وأن يخضع، ولذلك قال :"أن يخضع القلب لله، ويذل له فيتم بذلك خشوع العبد بباطنه وظاهره لله عز وجل"، يقول :"ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، كما جاء في "الصحيح" من حديث علي رضي الله عنه في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الليل، كان يقول في ركوعه «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعظامِي وعصبي وما استقل به قدمي»([7])
هذا التفصيل في ذكر مواطن الخشوع هو من التلذذ وإظهار العبودية بجميع الأجزاء، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَوَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}([8])، هو نوع من الاستفاضة التي مقصودها إظهار الذل.
الله جل وعلا - يا إخواني - لا يُدْخَل عليه من باب مثل ما يدخل عليه من باب الذل له عز وجل، أعظم باب تدخل به على الله جل وعلا أن تذل له وأن تظهر افتقارك إليه.
ولهذا كثير من الناس يدعو الله تعالى بنوع من الترفع " إن جاءت المسألة أو لا، إن حصل أو لا"،هذا نوع من الموانع التي تقع في كثير من القلوب فتحرمها أن تصيب ما تريد من الخير.
ولهذا جاء في "الصحيح " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : إذا سألتم الله تعالى ليعزم أحدكم المسألة في سؤاله لله تعالى، فلا يقول اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له([9]).
وليعظم الرغبة، أي ليكمل في قلبه الرغبة فيما عند الله تعالى، وهذا لا يكون إلا بالشعور بالافتقار والعبد فقير، فقره ذاتي مهما اغتنى، مهما تبوأ من المكانات والمناصب هو فقير إلى الله تعالى، فالفقر وصف ذاتي للإنسان كما أن الغنى وصف ذاتي للرب جل وعلا ،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}([10]).
وإذا أردت أن تعرف فائدة إظهار الفقر لله تعالى، وإظهاره بالحال والمقال ، انظر إلى دعوة موسى عليه السلام لما خرج خائفاً يترقب وجاء إلى مدين، ووجد أمة من الناس يسقون سقى لهم، وهذا نوع من الإحسان للمرأتين، ثم تولى إلى الظل، ماذا قال؟ ، قال : {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}([11])، فلما أظهرافتقاره إلى الله تعالى وحاجته إليه، جاءه فوق ما يؤمله، أول ما جاءه جاءه الأمن ،{ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}([12])، أول فائدة حصلها.
ثم العمل:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}([13])، جاءته الوظيفة وجاءه الزواج ، بعد هذا جاءه النور المبين، جاءته النبوة، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا}([14])، جاءه الوحي من رب العالمين، كل هذا نتاج إعلان الافتقار إلى الله تعالى، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
لهذا تجد الإطناب في كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام السؤال والطلب، وفي مقام وصف الافتقار إلى الله جل وعلا يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعظامِي وعصبي وما استقل به قدمي»، ما بقي شيء، يعني لما فصل أجزاء ومكونات البدن قال: "وما استقل به قدمي"، ليشمل كل ما لم يذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وبهذا يتحقق الخشوع التام لله تعالى ، وما يمكن أن يخشع السمع والبصر والمخ وما أقلت القدم والقلب غافل، بل لابد أن يكون أول الخاشعين، «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»([15]).
وأيضاً من مظاهر الذل لله جل وعلا في الصلاة قال :" ومن ذلك السجود" وهذا رابع المظاهر.
قال:"ومن ذلك السجود وهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه عز وجل، حيث جال العبد أشرف ما له من الأعضاء وأعزها عليه وأعلاها حقيقة أوضع ما يمكنه فيضعه في التراب متعفراً، ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه وخشوعه لله عز وجل، ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه الله عز وجل إليه فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، لأنه أذل ما يكون العبد في سجوده، وكلما ذل العبد لله ارتفع، من تواضع لله رفعه، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِوَلَا فَسَادًا}([16])، معادلة واضحة، بقدر ما معك من الخضوع والذل والانكسار لله تعالى، بقدر ما تفوز بالرفعة والعلو في الدنيا والآخرة.
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لأنه أذل ما يكون، وهو ساجد، يقول : "كما صح ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وقال الله تعالى {وَاسجُدْ وَاقْتَرِبْ}([17])، والسجود أيضاً مما كان يأنف منه المشركون والمستكبرون عن عبادة الله عز وجل، وكان بعضهم يقول : أكره أن أسجد فتعلوني أُستي"، يعني مؤخرته"وكان بعضهم يأخذ كفاً من حصى فيرفعه إلى جبهته ويكتفي بذلك عن السجود، وإبليس إنما طرده الله لما استكبر عن السجود لمن أمره الله بالسجود له، ولهذا يبكي إذا سجد المؤمن ويقول: أمر ابن آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار"([18])، ومن تمام خشوع العبد لله عز وجل وتواضعه له في ركوعه وسجوده أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو".
هذا رابع مظاهر الخشوع والذل في أفعال الصلاة، هو قولي وفعلي:
فعلي بالجلوس بين يدي الله تعالى على هذه الصفة التي يجلسها المصلي، يجلس مفترشاً ساقيه، ذليلاً منخفضاً بين يدي الله تعالى يمجده ويقدسه، التحيات لله والصلوات والطيبات هذا تمجيد عظيم، التحيات يعني الملك في أحد التفاسير، والثاني : البقاء، التحيات بمعنى البقاء الدائم الذي لا انقضاء له، والثالث أنه كل ما يحيى به الناس، وكل تحية تذكر لأحد فالله أحق بها جل وعلا.
" التحيات لله" أي المستحق لها، "التحيات لله والصلوات والطيبات.."، كل هذا تمجيد لله جل وعلا، وتقديم بين يدي السؤال، لأنه بعد ذلك يأتي السؤال والطلب، وهذا ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في قوله :"ومن تمام خشوع العبد لله عز وجل وتواضعه له في ركوعه وسجوده أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك"، وهذا هو الحق الذي للرب جل في علاه.
يقول :" فكأنه يقول الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك، فلهذا شرع للعبد في ركوعه أن يقول "سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده أن يقول "سبحان ربي الأعلى"، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أحيانا يقول في سجوده "سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة"، وروي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه قال ليلة في سجوده، أقول كما قال أخي داود عليه السلام "أعفر وجهي في التراب لسيدي، وحق لسيدي أن تعفر الوجوه لوجهه"، وهذا لا يصح، ليس في كلام السلف فضلاً عن الآثار النبوية إطلاق هذا الوصف لله تعالى "لسيدي"، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "السيد الله تبارك وتعالى" هذا صحيح، لكن أن يرد بهذه الصيغة، لم يرد ذلك حتى إن الإمام مالك رحمه الله أنكر على من دعا الله تعالى بقول " يا سيدي هب لي، أو يا سيدي أعطني"، قال: " محدث لم يكن في قول السابقين"، يا رب يا الله.
"قال الحسن رحمه الله تعالى :إذا قمت إلى الصلاة فقم قانتاً كما أمرك الله، وإياك والسهو والإلتفات، إياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، وتسأل الله الجنة وتعوذ به من النار، وقلبك ساه لا تدري ما تقول بلسانك، خرَّجه محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى([19])، وروي بإسناده عن عُثْمَانَ بنِ أَبِي دَهرَشٍ قال : بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة جهر فيها بالقراءة فلما فرغ قال:«هل أسقطت من هذه السورة شيئاً، قالوا لا ندري، قال أبي بن كعب: نعم آية كذا وكذا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فلا يدرون ما يتلى منه مما ترك، هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل، فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ولا يقبل الله من عبد عملاً حتى يشهد بقلبه مع بدنه"([20]).
والآثار في هذا المعنى كثيرة جداً؛ ومرَّ عصام بن يوسف رحمه الله تعالى بحاتم الأصم".
"عصام بن يوسف"، من أصحاب عبد الله بن المبارك، وحاتم الأصم من الفقهاء في النفوذ، والأئمة في السلوك، وهو أعجمي، وله قصص مشهورة حتى سمي بـ"لقمان الأمة" لبلاغته وفصاحة عظاته رحمه الله تعالى، وله قصة مع الإمام أحمد رحمه الله جميلة لكن لا نطيل بذكرها، لكنه لقي أحمد وتحدث معه، وكان الناس يجتمعون إليه من كل مكان.
قال رحمه الله تعالى:"ومرَّ عصام بن يوسف رحمه الله تعالى بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال : يا حاتم تحسن تصلي، قال : نعم، قال : كيف تصلي، قال حاتم: أقوم بالأمر وأمشي بالخشية وأدخل بالنية، وأكبِّر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالسبيل والسنة، وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل، وأرجع على نفسي بالخوف، أخاف أن لا يقبل مني، وأحفظه بالجهد إلى الموت.
قال : تكلم فأنت تحسن تصلي".
يعني شهد له بحسن الصلاة، لما وصف هذه الصلاة بهذا التهيؤ قبل فعلها ، يعني الصلاة لا تقتصر فقط على التكبير والتسليم إنما الأمر يكون قبل ذلك بما ذكر من "أقوم بالأمر وأمشي بالخشية وأدخل بالنية"، ثم بعد ذلك قال رحمه الله : "وأرجع على نفسي بالخوف، أخاف أن لا يقبل مني، وأحفظه بالجهد إلى الموت"، وبهذا يحسن الإنسان الصلاة بأن يكون مستعداً لها قبلاً وبعداً.