×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / دروس منوعة / كشف الكربة / الدرس(5)فقسم أمير المؤمنين حملة العلم إلى ثلاثة أقسام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

   قال المؤلف رحمه الله:" فقسم أمير المؤمنين رضي الله عنه حملة العلم إلى ثلاثة أقسام: قسم هم أهل الشبهات: وهم من لا بصيرة له من حملة العلم، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات. وقسم هم أهل الشهوات، وحظهم نوعان: أحدهما: من يطلب الدنيا بنفس العلم فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا. والثاني: من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها.. وكل هؤلاء ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام. ولهذا شبه الله تعالى من حمل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الذي يحمل أسفارا، وشبه عالم السوء الذي انسلخ من آيات الله وأخلد إلى الأرض واتبع هواه بالكلب، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضل سبيلا. والقسم الثالث من حملة العلم: هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته. وذكر أنهم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا؛ إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة العلم. وقد قسم الحسن البصري رضي الله عنه  حملة القرآن إلى قريب من هذا التقسيم الذي قسمه علي رضي الله عنه لحملة العلم.. قال الحسن: قراء القرآن ثلاثة أصناف: «صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية، أكثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله، وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم، فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف، وارتدوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن». فأخبر أن هذا القسم – وهم قراء القرآن – جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن. ووصف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه هذا القسم من حملة العلم بصفات، منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة". هذا البيان من الإمام ابن رجب رحمه الله في تعليقه على كلام الإمام علي رضي الله عنه مما ينبغي الوقوف عنده والتأمل له.  وكذلك ينبغي أن يعرض الإنسان نفسه على هذه الأقسام لينظر من أيها هو، فإن هذا هو فائدة مثل هذه القراءات ومثل هذه المطالعات حتى ينظر الإنسان إلى ما معه من نقص فيكمله، وما معه من خير فيزيده. يقول رحمه الله :"فقسم أمير المؤمنين رضي الله عنه حملة العلم إلى ثلاثة أقسام"، هذا تعليق على الكلام الذي قرأناه قبل ذلك. " قسم هم أهل الشبهات"، " وقسم هم أهل الشهوات"، وقسم هم أهل العلم والعمل. سلموا من الشبهات والشهوات. هذه أقسام ثلاثة، قوم طغت عليهم الشبهات فصرفتهم عن الحق، وقوم انقادوا للشهوات فأعاقتهم عن الهدى. وقوم سلموا من سطوة الشبهة وشؤم الشهوة ، فنقى باطنهم وسلمت ظواهرهم. يقول رحمه الله:"قسم هم أهل الشبهات: وهم من لا بصيرة له من حملة العلم"، البصيرة "هي النور الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد يميز به بين الحق والباطل"، هذا معنى البصيرة. هؤلاء ليس لهم بصيرة، يقول:"لا بصيرة له من حملة العلم، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات". ما زالت الشبهات تغزو قلبه *** حتى تشحط بينهن قتيلا+++ انظر "الصواعق المرسلة" لابن القيم (3/980).---   0 هذا حال من استسلم للشبهة ولم يكن عنده من نور البصيرة ما يميز به الحق من الباطل، ويدفع به عن نفسه الشر. هذا القسم الأول. علاج الشبهة ما هو؟ العلم، ﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾+++ سورة النحل:43.---. علاج الشبهة العلم، فإن الشبهة تضمحل وتزول بالعلم سؤالا وطلبا. الثاني "وقسم هم أهل الشهوات"، وصنفهم صنفين، فقال:"وحظهم نوعان:أحدهما: من يطلب الدنيا بنفس العلم فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا"، هذا الذي يتكسب بعلمه، ويريد بالعلم المال. لا يعني أن كل من أخذ على علمه شيئا أنه من هذا الصنف، لكن فرق بين من يتعلم ويشتغل بالعلم ثم يأخذ عليه شيء يستعين به على الحق والهدى، فهذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه في "الصحيح" من حديث ابن عباس، «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»+++"صحيح البخاري"(5737).---. هذا فرق بينه وبين ذاك الذي جعل الهم للدنيا والدين وسيلة لكسبها. ولذلك هؤلاء همهم الدنيا ليس همهم العلم، إنما همهم الدنيا يتكسبون بالدين منها ويأخذونها بالدين، هذا هو موطن الذم. "والثاني: من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها، وكل هؤلاء ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام"، من يطلب الدنيا بنص العلم ، يعني يجعل الدنيا محلا وغرضا وغاية يتكسبها بالعلم " من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها". يعني هو لم يجعل الدين وسيلة لكسب الدنيا لكن أخذت الدنيا قلبه، حتى أصبح همه الاستكثار من المتع والأنوار وسائر ما في الدنيا من زخارف وملذات. فأعمى حب الدنيا قلبه ، لكن لم يجعل الدين وسيلة لكسب الدنيا. فرق بين الصنفين، لكن كلاهما من أهل الشهوات. "والقسم الثالث من حملة العلم: هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته. وذكر أنهم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا؛ إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة العلم". ثم ذكر قريبا من هذا التقسيم ما ذكره الحسن البصري رحمه الله وهو صاحب بيان وعلم ونسك، ولكلماته رحمه الله نور يشبه كلام الصحابة والأنبياء. " قال الحسن: قراء القرآن ثلاثة أصناف:«صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به"، أي يتكسبون به، ووسيلة إلى التزيد من الدنيا. " وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية"، يعني هؤلاء فتنتهم ليس في المال، إنما في الجاه. الصنف الأول فتنته في المال، جعل القرآن موطن للتكسب. والثاني جعل القرآن وسيلة لطب العلو والارتفاع والولاية على الخلق. يقول :" أكثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله". والقسم الثالث وهو أشرفها قال:"وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم"، الله تعالى يقول : ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور﴾+++ سورة يونس:57.---. ولذلك كان القرآن دواء للقلوب إذ أنه يشفيها من أمراضها وآفاتها، وهمومها، وأحزانها، وأقذارها، فمن أراد طب قلبه فعليه بالقرآن العظيم. وواظب على درس القران فإنه   *** يلين قلبا قاسيا مثل جلمد فإن المحافظة على تلاوة القرآن وتدبره من أعظم ما تداوى به القلوب، نسأل الله ان يطب قلوبنا بذكره. يقول:" فركدوا به في محاريبهم"، أي سكنوا، الركود هنا معناه السكون وهو ما يكتسبه صاحب القرآن من سكينة تحمله على الطاعة والعبادة. "فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف، وارتدوا الحزن"، أي ظهر عليهم أثر خوف الآخرة، خوف الله جل وعلا، فالحزن هنا ليس المقصود به ما يقذفه الشيطان في قلوب المؤمنين من الضيق، إنما الحزن الذي يراد به الخوف والوجل والاستعداد للآخرة. "فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر"، يعني أندر من النادر، والكبريت الأحمر مثل يضرب للشيء الذي يقل ويعز وجوده. يقول:"فأخبر أن هذا القسم – وهم قراء القرآن – جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن"، وأنهم قلة. ثم بدأ يعلق على ما ذكره علي رضي الله عنه في وصف حملة الكتاب الذين هم أهله القائمون به. يقول رحمه الله:" ووصف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه  هذا القسم من حملة العلم بصفات، منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة. ومعنى ذلك أن العلم دلهم على المقصود الأعظم وهو معرفة الله فخافوه وأحبوه حتى سهل ذلك عليهم كل ما تعسر على غيرهم.  فلم يصل إلى ما وصلوا إليه ممن وقف مع الدنيا وزهرتها واغتر بها ولم يباشر قلبه معرفة الله وعظمته وإجلاله، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون؛ فإن المترف الواقع مع شهوات الدنيا وزينتها ولذاتها يصعب عليها ترك لذاتها وشهواتها؛ لأنه لا عوض عنده من لذات الدنيا إذا تركها فهو لا يصبر على تركها.  فهؤلاء في قلوبهم العوض الأكبر بما وصلوا إليه من لذة معرفة الله ومحبته وإجلاله، كما كان الحسن يقول: «إن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم...» من كلام يطول ذكره هنا في هذا المعنى. وإنما أنس هؤلاء بما استوحش منه الجاهلون؛ لأن الجاهلين بالله يستوحشون من ترك الدنيا وشهواتها؛ لأنهم لا يعرفون سواها فهي أنسهم، وهؤلاء يستوحشون من ذلك ويستأنسون بالله وبذكره، ومعرفته، ومحبته، وتلاوة كتابه، والجاهلون بالله يستوحشون من ذلك ولا يجدون الأنس به". هذا التعليق في غاية الأهمية لبيان ثمرة العلم. ثمرة العلم هي معرفة الله تعالى، ثمرة العلم هي كمال العلم بالله جل في علاه، ولذلك يقول رحمه الله في تفسير كلام الإمام علي رضي الله عنه:"منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة"، على غايتها، ولبها وجوهرها. يقول:"ومعنى ذلك أن العلم دلهم على المقصود الأعظم"، الذي ينبغي لكل من طلب العلم واشتغل به أن يكون حاضرا في ذهنه هو معرفة الله تعالى، معرفة الله تعالى هي أصل العلوم، معرفة الله تعالى هي منبع الخيرات، معرفة الله تعالى هي سعادة الدنيا ونجاة الآخرة. ولذلك كان أول ما أمر الله تعالى به رسوله من العلوم قوله جل وعلا:﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك﴾+++ سورة محمد:19.---، فأعلى ما يجب على المؤمن أن يجتهد به وأن يصرف جهده وطاقته في تحصيله هو العلم بالله تعالى، لأن العلم بالله تعالى يحصل للعبد به كل سعادة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم  أسعد الناس وأعبد الناس لأنه كان أعلم الخلق بربه  صلى الله عليه وسلم . وقد أخبر بذلك فقال:«إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا»+++ أخرجه البخاري(20).---. ثم ذكر الثمرة فقال:«أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له»+++ أخرجه مسلم (1108).---. فالعلم بالله تعالى هو أصل المعارف، أصل الخيرات، عنه يصدر كل بر وخير، ولذلك هؤلاء الذين وصفهم الإمام علي رضي الله عنه "هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة"، فعلموا ما للرب من الكمالات، تعرفوا على الرب الذي يعبدون، الذي له يصلون، وله يزكون، وله يصومون، ومن أجله يحجون، عرفوا ذلك فكان هذا غاية العلم الذي مكنهم من تحقيق غاية العبودية الظاهرة والباطنة. بخلاف الذي يتعبد وهو جاهل بقدر ربه جل وعلا، فإنه مهما اجتهد في العمل الظاهر يبقى القلب فارغا من لذة العبودية، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في "الصحيحين" من حديث أنس « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان»+++ أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43).---، لذته التي تغني عن كل لذة. ولهذا لذة الطاعة لا يوازيها أبدا لذة من لذات الدنيا. ولهذا الذين تم علمهم بالله والتذوا بمعرفته، تكون كل الملذات بالنسبة لهم لا شيء. هذا ما أشار إليه الإمام الحسن البصري رحمه الله حيث قال:"لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"+++ انظر " الجواب الكافي" ص(77).---، يعني لحاربونا عليها ولقاتلون عليها بالسيوف. هذه السعادة ما مصدرها ؟ ما سببها؟ العلم بالله تعالى، فبقدر ما مع الإنسان من العلم بالله، والعلم بما له من الكمالات بقدر ما يكون معه من السعادات، وبقدر ما يكون معه من تحقيق العبودية، فأنت تجتهد في التعرف على الله تعالى . سافرت في طلب الإله فدلني *** الهادي عليه ومحكم القرآن مع فطرة الرحمن جل جلاله *** وصريح عقلي فاعقلي ببيان+++" متن القصيدة النونية" ص(35).---  الذي يريد أن يتعرف على الله تعالى هذا هو طريقه، عليه أن يقبل على القرآن، عليه أن يقبل على ما جاء عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وبه يعلم ما لله جل وعلا من الكمالات، ثم تأتي الخيرات. يقول ابن رجب رحمه الله في تفسير:"هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، ومعنى ذلك أن العلم دلهم على المقصود الأعظم وهو معرفة الله فخافوه وأحبوه"، والخوف لا يكون إلا عن تعظيم وإجلال. قال :" فخافوه وأحبوه حتى"، لما خافوه وأحبوه هان عليهم كل شيء حتى أنفسهم تهون عليهم . ولذلك يقدمونها في سبيل مرضاته، وإذا كان رضاه لا يكون إلا ببذل أنفسهم بذلوا أنفسهم لله جل في علاه. ولذلك يقول:"حتى سهل ذلك عليهم كل ما تعسر على غيرهم"، ولهذا تجد الشخص الصلاة أثقل عليه من الجبل، وآخر تراه ما ينام الليل ينتظر الصلاة، وقلبه يفر ويطير إلى وقت الصلاة، فقلبه معلق بالصلاة ينتظر الصلاة بعد الصلاة. ما الذي جعل هذا على هذه الحال، وذاك على تلك الحال. يعني هذا الذي قلبه معلق بالصلاة وينتظر الصلاة بعد الصلاة، هذا ما عنده من شهوة، وما عنده محبة للتلذذ، بلى هو كذاك، كلاهما مركب تركيبا واحدا في المحاب والملذات وفي المخاوف وفي ما تنفر منه الطباع وما تنجذب إليه. لكن هذا علم شيئا ورأى شيئا فجعل الصعب عليه سهلا، والعسير عليه يسيرا ، لأنه علم ما يسعى إليه. لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله في التعليق على قوله تعالى في وصف عباد الرحمن قال:﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ﴾+++ سورة السجدة :16.---. تتجافى أي تتباعد، الجنوب تتباعد عن الفرش، تتباعد لماذا؟ طلبا للخلو بالله تعالى ومناجاته، فهؤلاء ما تقر جنوبهم إذا ناموا تجد أن نومهم نوم القلق، الذي يخشى أن يفوته شيء. مثل تماما إذا كان عندك موعد مهم وضروري ومستقبلي ، يعني عليه أهمية كبرى، تجد الإنسان ما يقر في نومه لأن نفسه تعلقت . هؤلاء هذه حالهم لكن ليس في مقابلة الخلق، ولا في تحصيل أمر دنيوي. إنما في مناجاتهم لله تعالى، لهذا يقول الحسن:" لأمر ما" يعني هناك شيء معين، " أسهر القوم ليلهم"+++ ذكر هذا الأثر ابن أبي الدنيا في "التهجد" من طريق حجاج بن يوسف، حدثنا أبو أحمد عن سفيان عن رجل عن الحسن، قلت: وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن الحسن.---، أسهروه لأنهم ذاقوا لذة لا يجدها غيرهم. وهذه اللذة يا إخواني هي السر في إقبال أهل الطاعة على طاعتهم. وهي السر في صبرهم ومكابدتهم، في تحمل المتاعب لتحصيل طاعة الله تعالى، وهذا من نعمة الله تعالى على العبد أن يريه نتيجة عمله في الدنيا قبل الآخرة. «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا»+++ أخرجه مسلم(34).---. إذا: هؤلاء الذي سهل عليم كل ما تعسر على غيرهم هو علمهم بالله، فلما علموا ما له من الكمالات، وعلموا أن بيده الدنيا والآخرة، وأنه يعطي ويمنع كانت قلوبهم في غاية التعلق به، ترقبه وتبحث عن رضاه لأنه إذا رضي فإنه تيسر كل شيء. وإذا غضب على العبد فإنه لا فلاح له لا في دنياه ولا في أخراه. اللهم ألهمنا رشدنا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

المشاهدات:4447

   قال المؤلف رحمه الله:" فقسَّم أمير المؤمنين رضي الله عنه حملة العلم إلى ثلاثة أقسام:

قسم هم أهل الشبهات: وهم من لا بصيرة له من حملة العلم، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات.
وقسم هم أهل الشهوات، وحظهم نوعان:
أحدهما: من يطلب الدنيا بنفس العلم فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا.
والثاني: من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها.. وكل هؤلاء ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام. ولهذا شبه الله تعالى من حُمِّل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الذي يحمل أسفارًا، وشبه عالم السوء الذي انسلخ من آيات الله وأخلد إلى الأرض واتبع هواه بالكلب، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضلُّ سبيلاً.
والقسم الثالث من حملة العلم: هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته. وذكر أنهم الأقلون عددًا الأعظمون عند الله قدرًا؛ إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة العلم.
وقد قسَّم الحسن البصري رضي الله عنه  حملة القرآن إلى قريب من هذا التقسيم الذي قسمه علي رضي الله عنه لحملة العلم..
قال الحسن: قُرَّاء القرآن ثلاثة أصناف: «صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية، أكثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثَّرهم الله، وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم، فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف، وارْتَدَوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن».
فأخبر أن هذا القسم – وهم قراء القرآن – جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن.
ووصف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه هذا القسم من حملة العلم بصفات، منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة".
هذا البيان من الإمام ابن رجب رحمه الله في تعليقه على كلام الإمام علي رضي الله عنه مما ينبغي الوقوف عنده والتأمل له.
 وكذلك ينبغي أن يعرض الإنسان نفسه على هذه الأقسام لينظر من أيها هو، فإن هذا هو فائدة مثل هذه القراءات ومثل هذه المطالعات حتى ينظر الإنسان إلى ما معه من نقص فيكمله، وما معه من خير فيزيده.
يقول رحمه الله :"فقسَّم أمير المؤمنين رضي الله عنه حملة العلم إلى ثلاثة أقسام"، هذا تعليق على الكلام الذي قرأناه قبل ذلك.
" قسم هم أهل الشبهات"، " وقسم هم أهل الشهوات"، وقسم هم أهل العلم والعمل.
سلموا من الشبهات والشهوات.
هذه أقسام ثلاثة، قوم طغت عليهم الشبهات فصرفتهم عن الحق، وقوم انقادوا للشهوات فأعاقتهم عن الهدى.
وقوم سُلِّمُوا من سطوة الشبهة وشؤم الشهوة ، فنقى باطنهم وسلمت ظواهرهم.
يقول رحمه الله:"قسم هم أهل الشبهات: وهم من لا بصيرة له من حملة العلم"، البصيرة "هي النور الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد يميز به بين الحق والباطل"، هذا معنى البصيرة.
هؤلاء ليس لهم بصيرة، يقول:"لا بصيرة له من حملة العلم، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات".
ما زالت الشبهات تغزو قلبه *** حتى تشحط بينهن قتيلا انظر "الصواعق المرسلة" لابن القيم (3/980).
 
0
هذا حال من استسلم للشبهة ولم يكن عنده من نور البصيرة ما يميز به الحق من الباطل، ويدفع به عن نفسه الشر.
هذا القسم الأول.
علاج الشبهة ما هو؟ العلم، ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة النحل:43..
علاج الشبهة العلم، فإن الشبهة تضمحل وتزول بالعلم سؤالاً وطلبا.ً
الثاني "وقسم هم أهل الشهوات"، وصنفهم صنفين، فقال:"وحظهم نوعان:أحدهما: من يطلب الدنيا بنفس العلم فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا"، هذا الذي يتكسب بعلمه، ويريد بالعلم المال.
لا يعني أن كل من أخذ على علمه شيئاً أنه من هذا الصنف، لكن فرق بين من يتعلم ويشتغل بالعلم ثم يأخذ عليه شيء يستعين به على الحق والهدى، فهذا داخل في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه في "الصحيح" من حديث ابن عباس، «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ»"صحيح البخاري"(5737)..
هذا فرق بينه وبين ذاك الذي جعل الهم للدنيا والدين وسيلة لكسبها.
ولذلك هؤلاء همهم الدنيا ليس همهم العلم، إنما همهم الدنيا يتكسبون بالدين منها ويأخذونها بالدين، هذا هو موطن الذم.
"والثاني: من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها، وكل هؤلاء ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام"، من يطلب الدنيا بنص العلم ، يعني يجعل الدنيا محلاً وغرضاً وغاية يتكسبها بالعلم " من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها".
يعني هو لم يجعل الدين وسيلة لكسب الدنيا لكن أخذت الدنيا قلبه، حتى أصبح همه الاستكثار من المتع والأنوار وسائر ما في الدنيا من زخارف وملذات.
فأعمى حب الدنيا قلبه ، لكن لم يجعل الدين وسيلة لكسب الدنيا.
فرق بين الصنفين، لكن كلاهما من أهل الشهوات.
"والقسم الثالث من حملة العلم: هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته. وذكر أنهم الأقلون عددًا الأعظمون عند الله قدرًا؛ إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة العلم".
ثم ذكر قريباً من هذا التقسيم ما ذكره الحسن البصري رحمه الله وهو صاحب بيان وعلم ونسك، ولكلماته رحمه الله نور يشبه كلام الصحابة والأنبياء.
" قال الحسن: قُرَّاء القرآن ثلاثة أصناف:«صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به"، أي يتكسبون به، ووسيلة إلى التزيد من الدنيا.
" وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية"، يعني هؤلاء فتنتهم ليس في المال، إنما في الجاه.
الصنف الأول فتنته في المال، جعل القرآن موطن للتكسب.
والثاني جعل القرآن وسيلة لطب العلو والارتفاع والولاية على الخلق.
يقول :" أكثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثَّرهم الله".
والقسم الثالث وهو أشرفها قال:"وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم"، الله تعالى يقول : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ سورة يونس:57..
ولذلك كان القرآن دواء للقلوب إذ أنه يشفيها من أمراضها وآفاتها، وهمومها، وأحزانها، وأقذارها، فمن أراد طب قلبه فعليه بالقرآن العظيم.
وَوَاظِب عَلَى دَرْسِ الْقُرَانِ فَإِنهُ   *** يُلَيِّنُ قَلْبًا قَاسِيًا مِثْلَ جَلْمَدِ
فإن المحافظة على تلاوة القرآن وتدبره من أعظم ما تداوى به القلوب، نسأل الله ان يطب قلوبنا بذكره.
يقول:" فركدوا به في محاريبهم"، أي سكنوا، الركود هنا معناه السكون وهو ما يكتسبه صاحب القرآن من سكينة تحمله على الطاعة والعبادة.
"فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف، وارْتَدَوا الحزن"، أي ظهر عليهم أثر خوف الآخرة، خوف الله جل وعلا، فالحزن هنا ليس المقصود به ما يقذفه الشيطان في قلوب المؤمنين من الضيق، إنما الحزن الذي يراد به الخوف والوجل والاستعداد للآخرة.
"فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر"، يعني أندر من النادر، والكبريت الأحمر مثل يضرب للشيء الذي يقل ويعز وجوده.
يقول:"فأخبر أن هذا القسم – وهم قراء القرآن – جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن"، وأنهم قلة.
ثم بدأ يعلق على ما ذكره علي رضي الله عنه في وصف حملة الكتاب الذين هم أهله القائمون به.
يقول رحمه الله:" ووصف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه  هذا القسم من حملة العلم بصفات، منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة.
ومعنى ذلك أن العلم دلَّهم على المقصود الأعظم وهو معرفة الله فخافوه وأحبوه حتى سَهَّل ذلك عليهم كل ما تعسر على غيرهم.
 فلم يصل إلى ما وصلوا إليه ممن وقف مع الدنيا وزهرتها واغتر بها ولم يباشر قلبه معرفة الله وعظمته وإجلاله، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون؛ فإن المترف الواقع مع شهوات الدنيا وزينتها ولذاتها يصعب عليها ترك لذاتها وشهواتها؛ لأنه لا عوض عنده من لذات الدنيا إذا تركها فهو لا يصبر على تركها.
 فهؤلاء في قلوبهم العوض الأكبر بما وصلوا إليه من لذة معرفة الله ومحبته وإجلاله، كما كان الحسن يقول: «إنَّ أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم...» من كلام يطول ذكره هنا في هذا المعنى.
وإنما أَنِسَ هؤلاء بما استوحش منه الجاهلون؛ لأن الجاهلين بالله يستوحشون من ترك الدنيا وشهواتها؛ لأنهم لا يعرفون سواها فهي أُنسهم، وهؤلاء يستوحشون من ذلك ويستأنسون بالله وبذكره، ومعرفته، ومحبته، وتلاوة كتابه، والجاهلون بالله يستوحشون من ذلك ولا يجدون الأنس به".
هذا التعليق في غاية الأهمية لبيان ثمرة العلم.
ثمرة العلم هي معرفة الله تعالى، ثمرة العلم هي كمال العلم بالله جل في علاه، ولذلك يقول رحمه الله في تفسير كلام الإمام علي رضي الله عنه:"منها أنه هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة"، على غايتها، ولبها وجوهرها.
يقول:"ومعنى ذلك أن العلم دلَّهم على المقصود الأعظم"، الذي ينبغي لكل من طلب العلم واشتغل به أن يكون حاضراً في ذهنه هو معرفة الله تعالى، معرفة الله تعالى هي أصل العلوم، معرفة الله تعالى هي منبع الخيرات، معرفة الله تعالى هي سعادة الدنيا ونجاة الآخرة.
ولذلك كان أول ما أمر الله تعالى به رسوله من العلوم قوله جل وعلا:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ سورة محمد:19.، فأعلى ما يجب على المؤمن أن يجتهد به وأن يصرف جهده وطاقته في تحصيله هو العلم بالله تعالى، لأن العلم بالله تعالى يحصل للعبد به كل سعادة.
ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أسعد الناس وأعبد الناس لأنه كان أعلم الخلق بربه  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقد أخبر بذلك فقال:«إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا» أخرجه البخاري(20)..
ثم ذكر الثمرة فقال:«أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» أخرجه مسلم (1108)..
فالعلم بالله تعالى هو أصل المعارف، أصل الخيرات، عنه يصدر كل بر وخير، ولذلك هؤلاء الذين وصفهم الإمام علي رضي الله عنه "هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة"، فعلموا ما للرب من الكمالات، تعرفوا على الرب الذي يعبدون، الذي له يصلون، وله يزكون، وله يصومون، ومن أجله يحجون، عرفوا ذلك فكان هذا غاية العلم الذي مكنهم من تحقيق غاية العبودية الظاهرة والباطنة.
بخلاف الذي يتعبد وهو جاهل بقدر ربه جل وعلا، فإنه مهما اجتهد في العمل الظاهر يبقى القلب فارغاً من لذة العبودية، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في "الصحيحين" من حديث أنس « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ» أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43).، لذته التي تغني عن كل لذة.
ولهذا لذة الطاعة لا يوازيها أبداً لذة من لذات الدنيا.
ولهذا الذين تم علمهم بالله والتذوا بمعرفته، تكون كل الملذات بالنسبة لهم لا شيء.
هذا ما أشار إليه الإمام الحسن البصري رحمه الله حيث قال:"لَوْ يَعْلَمُ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ" انظر " الجواب الكافي" ص(77).، يعني لحاربونا عليها ولقاتلون عليها بالسيوف.
هذه السعادة ما مصدرها ؟ ما سببها؟ العلم بالله تعالى، فبقدر ما مع الإنسان من العلم بالله، والعلم بما له من الكمالات بقدر ما يكون معه من السعادات، وبقدر ما يكون معه من تحقيق العبودية، فأنت تجتهد في التعرف على الله تعالى .
سافرت في طلب الإله فدلني *** الهادي عليه ومحكم القرآن
مع فطرة الرحمن جل جلاله *** وصريح عقلي فاعقلي ببيان" متن القصيدة النونية" ص(35). 
الذي يريد أن يتعرف على الله تعالى هذا هو طريقه، عليه أن يقبل على القرآن، عليه أن يقبل على ما جاء عن خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه يَعلم ما لله جل وعلا من الكمالات، ثم تأتي الخيرات.
يقول ابن رجب رحمه الله في تفسير:"هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، ومعنى ذلك أن العلم دلَّهم على المقصود الأعظم وهو معرفة الله فخافوه وأحبوه"، والخوف لا يكون إلا عن تعظيم وإجلال.
قال :" فخافوه وأحبوه حتى"، لما خافوه وأحبوه هان عليهم كل شيء حتى أنفسهم تهون عليهم .
ولذلك يقدمونها في سبيل مرضاته، وإذا كان رضاه لا يكون إلا ببذل أنفسهم بذلوا أنفسهم لله جل في علاه.
ولذلك يقول:"حتى سَهَّل ذلك عليهم كل ما تعسر على غيرهم"، ولهذا تجد الشخص الصلاة أثقل عليه من الجبل، وآخر تراه ما ينام الليل ينتظر الصلاة، وقلبه يفر ويطير إلى وقت الصلاة، فقلبه معلق بالصلاة ينتظر الصلاة بعد الصلاة.
ما الذي جعل هذا على هذه الحال، وذاك على تلك الحال.
يعني هذا الذي قلبه معلق بالصلاة وينتظر الصلاة بعد الصلاة، هذا ما عنده من شهوة، وما عنده محبة للتلذذ، بلى هو كذاك، كلاهما مركب تركيباً واحداً في المحاب والملذات وفي المخاوف وفي ما تنفر منه الطباع وما تنجذب إليه.
لكن هذا علم شيئاً ورأى شيئاً فجعل الصعب عليه سهلاً، والعسير عليه يسيراً ، لأنه علم ما يسعى إليه.
لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله في التعليق على قوله تعالى في وصف عباد الرحمن قال:﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ سورة السجدة :16..
تتجافى أي تتباعد، الجنوب تتباعد عن الفرش، تتباعد لماذا؟ طلباً للخلو بالله تعالى ومناجاته، فهؤلاء ما تقر جنوبهم إذا ناموا تجد أن نومهم نوم القلق، الذي يخشى أن يفوته شيء.
مثل تماماً إذا كان عندك موعد مهم وضروري ومستقبلي ، يعني عليه أهمية كبرى، تجد الإنسان ما يقر في نومه لأن نفسه تعلقت .
هؤلاء هذه حالهم لكن ليس في مقابلة الخلق، ولا في تحصيل أمر دنيوي.
إنما في مناجاتهم لله تعالى، لهذا يقول الحسن:" لأمر ما" يعني هناك شيء معين، " أسهر القوم ليلهم" ذكر هذا الأثر ابن أبي الدنيا في "التهجد" من طريق حجاج بن يوسف، حدثنا أبو أحمد عن سفيان عن رجل عن الحسن، قلت: وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن الحسن.، أسهروه لأنهم ذاقوا لذة لا يجدها غيرهم.
وهذه اللذة يا إخواني هي السر في إقبال أهل الطاعة على طاعتهم.
وهي السر في صبرهم ومكابدتهم، في تحمل المتاعب لتحصيل طاعة الله تعالى، وهذا من نعمة الله تعالى على العبد أن يريه نتيجة عمله في الدنيا قبل الآخرة.
«ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» أخرجه مسلم(34)..
إذاً: هؤلاء الذي سهل عليم كل ما تعسر على غيرهم هو علمهم بالله، فلما علموا ما له من الكمالات، وعلموا أن بيده الدنيا والآخرة، وأنه يعطي ويمنع كانت قلوبهم في غاية التعلق به، ترقبه وتبحث عن رضاه لأنه إذا رضي فإنه تيسر كل شيء.
وإذا غضب على العبد فإنه لا فلاح له لا في دنياه ولا في أخراه.
اللهم ألهمنا رشدنا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94030 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89944 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف