×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(5) أسباب حياة القلوب
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. قال رحمه الله تعالى في منظومته: وعين امتراض القلب فقد الذي له***أريد من الإخلاص والحب فاعلما ومعرفة الشوق إليه إنابة***بإيثار ذا دون المحبات فاحكما ومؤثر محبوب سوى الله قلبه *** مريض على جرف من الموت والعمى وأعظم محذور خفى موت قلبه***عليه تشغل عن دواه بضد ما وآية ذا هون القبائح عنده *** ولولاه أضحى نادما متألما فجامع أمراض القلوب اتباعها*** هواها فخالفها تصح وتسلما ومن شؤمه ترك اغتذاء بنافع *** وترك الدوا الشافي وعجز كلاهما بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فكنا قد قرأنا ما تقدم من ذكر المؤلف لمرض الجوارح، وأن مرضها يكون إما بمنع منافعها، وإما بماذا؟ بنقص النفع، ودليل صحة الجوارح إتيانها منافعها وكمالها فيما خلقت له، بعد ذلك قال: وعين امتراض القلب فقد الذي له ***أريد من الإخلاص والحب فاعلما "وعين امتراض" أي: حقيقة مرض القلب، والامتراض هو الاعتلال، حقيقة مرض القلب "فقد فقد الذي له"أي: غياب وذهاب الذي أريد له "من الإخلاص والحب فاعلما" الإخلاص هو: إفراد الله تعالى بالعبادة؛ والحب هو: الذي تقوم عليه العبودية, وبهذا يشير المؤلف رحمه الله إلى ثالث أسباب حياة القلوب, فقد ذكر في الأسباب ما تقدم من تدبر القرآن، ثم أعقبه بذكر تعظيم الملك العلام, ثم جاء بثالث الأسباب وهو محبة الحي القيوم جل وعلا؛ فقال رحمه الله: وعين امتراض القلب فقد الذي له***أريد من الإخلاص والحب فاعلما وحب الله جل وعلا منزلته عليا ومقامه كبير كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهو أصل العبودية, لا تتحقق العبودية لأحد إلا بكمال المحبة.  وعبادة الرحمن غاية حبه - أي منتهى حبه - مع ذل عابده هما قطبان وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار حتى قامت القطبان "فلك العبادة" جميع حقوق العبادة وشئونها تدور على هذين الأصلين؛ الأصل الأول محبة الرب جل وعلا، والأصل الثاني تعظيمه سبحانه وبحمده والذل له جل في علاه. والحب عمل قلبي يحمل على المسابقة إلى الخيرات والفعل للمبرات. والتعظيم والذل عمل قلبي يحول بين المرء وبين المخالفة؛ إذ مقتضى الذل الانقياد والخضوع. تقدم ما يتعلق بالتعظيم، والمؤلف في هذه الأبيات يشير إلى ما يتعلق بالحب؛ يقول رحمه الله: ومعرفة الشوق إليه إنابة***بإيثار ذا دون المحبات فاحكما الشوق إلى الله جل وعلا أسمى المقامات؛ يقول الرازي رحمه الله في بيان الشوق: "الشوق إلى الله ألذ المقامات وأكثرها بهجة وسعادة"([1])؛ ولذلك جاء في الحديث سؤال الله تعالى الشوق إلى لقائه([2])، والشوق إلى لقاء الله هو نوع من الشوق إليه جل وعلا. والمؤلف يقول في بيان كيف يعرف العبد صحة المحبة والشوق إلى الله؟ لماذا ذكر الشوق؟ لأن الشوق ثمرة المحبة؛ فالمحبة في القلب بذرة تثمر الشوق إلى الله جل وعلا([3]), فالشوق هو النتيجة، والأصل هو المحبة, ما علامة المحبة؟ لأن المحبة قد يدعيها كل أحد، لكن المؤلف من فقهه ونصحه أن بين لنا المعيار الذي تعرف به صحة المحبة ويعلم به صدقها؛ فقال رحمه الله: ومعرفة الشوق إليه إنابة إذا الإنابة هي عنوان المحبة، الإنابة هي برهان المحبة وترجمانها؛ فالذي يدعي الشوق إلى الله وقد انصرف عن الله جل وعلا وأعرض عنه ليس صادقا في محبته، وليس صادقا ولا صحيحا في شوقه إلى الله جل وعلا؛ فإنما يتم الشوق إلى الله جل وعلا بتمام الإنابة، وقد عرف جماعة من العلماء الشوق بأنه: "حركة القلب في الظفر إلى المحبوب"([4]), لو قيل: ما معنى الشوق إلى الله؟ فيقال: هو حركة القلب؛ ولذلك يقول بعض السلف:"باب الله يطرق لا بالأظافر إنما يطرق بوجيف القلوب"([5])، وجيف أو وجيب القلوب؛ أي: خفقانها([6]), فيطرق بحركتها إلى الله تعالى؛ ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: الشوق إلى الله هو سفر القلب في طلب محبوبه([7]). سفر القلب؛ قطع المسافة إلى الله تعالى بالقلوب لا بالسير فوق مراكب الركبان، فمفاوز الآخرة لا تقطع بالأقدام، إنما تقطع بسير القلوب، فالشوق عمل قلبي، وهو من أصدق الثمار الناتجة عن المحبة، لكن هناك علامة حتى يميز الخبيث من الطيب وحتى تبصر الدعوى من الصدق، ويميز الصادق من الكاذب؛ بالدليل وهو الإنابة. والإنابة جماع لخيرات كثيرة؛ يقول ابن القيم في تعريف الإنابة: "حقيقة الإنابة" هذه الكلمات يا إخواني مهمة تبين كثيرا من معاني النصوص التي تقرأها وتسمعها في كلام الله تعالى وكلام رسوله، فمن المهم أن نستحضر هذه المعاني عند قراءتنا ومطالعتنا لكلام الله تعالى وسماعنا له، "حقيقة الإنابة: عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه"([8]) هذه حقيقة الإنابة، فلا يوصف العبد بأنه منيب إلا إذا حقق هذا الوصف, عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه, وبه نعلم أن الشوق يعرف بإنابة العبد إلى الله تعالى, وإنابته هي أن يقبل بقلبه على الله تعالى وأن يلازم طاعة ربه جل وعلا، وأن يقبل على الله بكله بقلبه وقالبه؛ لذلك يقول المؤلف: ومعرفة الشوق إليه إنابة*** بإيثار ذا دون المحبات فاحكما هنا بيان آلة ووسيلة الإنابة، الباء هنا للسببية([9]) أو للآلة أو للطريقة التي يتحقق بها الإنابة "إيثار" والإيثار هو التقديم([10]), "بإيثار ذا"المشار إليه الشوق والمحبة "بإيثار ذا"أي: محبته والشوق إليه "دون المحبات"أي: دون سائر المحبات وبقية المحبوبات. القلب يملأ بألوان من المحاب، هناك محاب طبيعية وهناك محاب غير طبيعية، هناك محاب مذمومة ومحاب محمودة، وهناك محاب جبلية؛ فمحبة الوالد لولده محبة طبيعية، محبة الإنسان لما يلائمه ويسره طبيعية, لكن المحبة التي يجب أن تبقى في المقام الأعلى ولا ينازعها نوع من أنواع المحاب هي محبة الله جل وعلا؛ ولذلك قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}([11]) فلا يعدل في قلوبهم محبة الله تعالى محبة، وقد حذر الله رب العالمين العباد من أن تزاحم المحبوبات محبته فقال: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا}([12]) فذكر محبته ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به وهو الجهاد، وذاك ما وصفه الله تعالى بأنه مكروه {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}([13]) فإذا كانت هذه المحبات مقدمة على محبة الله ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به؛ هنا يكون الإنسان قد وقع في خلل في المحبة؛ {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}، وهذا التربص أمر فيه الله بالتمهل والانتظار أي: أنكم قد استحققتم العقوبة، وهي نازلة بكم، ولكن {انتظروا إنا منتظرون}([14]). يقول رحمه الله: "فاحكما"أي: فاحكم بصحة الشوق عند تقديم محبة الله على سائر المحبوبات. ثم يقول الله رحمه الله في سوء وشؤم تقديم محبة غير الله على محبته قال: "ومؤثر محبوب سوى الله قلبه" مؤثر أي: مقدم، "محبوب سوى الله" أي: عدا الله، وهذا يشمل كل المحبوبات، "ومؤثر محبوب سوى الله قلبه***مريض" هذا حكم بالمرض على القلب الذي تقدمت فيه محبة غير الله على محبته سبحانه وبحمده, ومثله في المرض من محبته فرع عن محبة الله, فمن قدم محبة غير النبي على محبته فقلبه مريض, من قدم محبة شيء على محبة ما شرعه الله ورسوله فقلبه مريض, وإنما ذكر محبة الله فقط؛ لأن محبة الله هي أصل المحبات الشرعية، وكل محبة أمر بها وأثني عليها في الكتاب والسنة هي فرع عن محبة الله، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة الصالحين ومحبة الطاعات كل هذا فرع عن محبة الله، وهو من تمام محبة الله، فمن أحب الله أحب ما أحب؛ ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»([15]) أوثق يعني: أشد وأمكن العرى التي يتمسك بها المؤمن لتحقيق إيمانه الحب في الله؛ لأنه ثمرة محبة الله جل وعلا, وذكرنا في درس سبق حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان» كل هذه الثلاث الخصال تدور على ماذا؟ على محبة الله ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به وبغض ما يغضبه رب العالمين، فكلها دائرة على المحبة: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله، منه كما يكره أن يلقى في النار»([16]) فهذه الخصال كلها دائرة على تحقيق المحبة وآثارها وثمارها، فالذي امتلأ قلبه بمحبة سوى الله قلبه في غاية الألم؛ ولذلك جاء في الحديث: «من تعلق شيئا وكل إليه»([17])، ومحبة كل شيء سوى الله عذاب على صاحبه, إلا محبة الله فهي البهجة والنعيم, وهذا الفرق بين محبة الله ومحبة غيره, محبة الله لذة وبهجة، سعادة وسرور وطمأنينة وانشراح؛ ومحبة غيره الله على نقيض هذا؛ ولذلك تجد العشاق أتعس الناس والمحبين أشدهم أذى وأكدرهم بالا, والقلب إذا خلص لله سر وابتهج؛ ولهذا يقول: "ومؤثر محبوب سوى الله قلبه***مريض على جرف" يعني هو مريض، لكن هذا لا ينفي عنه الموت؛ ولذلك قال: "على جرف" يعني على مكان خطير يوشك أن يهوي في الموت والعمى نعوذ بالله؛ بأن يموت قلبه ويتعطل عما خلق له ويعمى عما ينفعه, وبقدر زيادة هذه المحاب في قلب الإنسان - المحبوبات سوى محبة الله في قلب الإنسان - بقدر ما يكون معه من الموت والمرض والعمى. والقلب يا إخواني مضطر إلى محبة الله تعالى؛ مضطر ضرورة لا يجد بهجة ولا سرور إلا بمحبته؛ ولذلك يقول الشاعر: هوى غيركم نار تلظى ومحبس *** وحبكم الفردوس بل هو أفسح([18]) "غيركم"أي: غير الله جل وعلا "ومحبس وحبكم الفردوس" أي: الجنة والنعيم، "بل هو أفسح" يعني أوسع؛ ولذلك يقول السلف: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"([19])؛ الجنة التي في الدنيا هي طعم الإيمان، هي لذته، هي بهجته التي تدرك وتنال بصدق المعاملة مع الرب تعالى بتعظيمه ومحبته جل في علاه.  بعد هذا انتقل المؤلف رحمه الله مستطردا في علامات موت القلب فقال:"وأعظم محذور خفى موت قلبه" يعني أعظم ما يجب أن يحذره الإنسان وأن يتقيه وأن يكون على وجل منه موت القلب، وكثير من الناس عن قلبه في غفلة، لا يهمه ما علا قلبه من أنواع البلايا والآثام، والقلب من أشد الأعضاء تأثرا؛ ولذلك جاء في الصحيح من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه سلم قال: «تعرض الفتن على القلوب» الفتن يعني البلايا والمخالفات التي يقع فيها الإنسان في هذه الدنيا, «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها» أي: وقع في الفتن وما تتضمنه من مخالفة أمر الله تعالى «نكت فيه نكتة سوداء»([20]) حتى تتتابع هذه النكت؛ ولذلك كل معصية ثق أنها تؤثر في قلبك, لكن لأن القلب خفي وهذا التأثير لا يظهر على الناس يظن كثير من الناس أن هذه المعصية ما أثرت عليه ولا سوت شيئا في حياته، وهذا اختلال وخطأ كبير في مسيرة الإنسان إلى الله تعالى، المعاصي أقل ما فيها من الشؤم أنها تعيقك في سيرك إلى الله، تحجزك وتمنعك، تماما مثل الذي يعدو في طريق يريد أن يصل إلى غاية أو هدف إذا وجدت في طريقه العوائق، لابد أن يتعثر سيره، ولو كان هذا التعثر بالتوقي، حتى لو لم يسقط، تجده يميل يمينا ويسارا حتى يتوقى هذه العوارض التي تعرض عليه في طريقه، كذلك المعاصي هي عوارض منها ما يمسك بقدم الإنسان حتى يهلك نعوذ بالله؛ لذلك ينبغي للمؤمن أن يكون على حذر من هذا الذي ذكر المؤلف وهو موت القلب، وموت القلب ما يكون فجأة هكذا، إنما يكون غالبا بأسباب تتقدم وتفريط سابق، وإلا فإن الله تعالى حكم عدل {وهو أعلم بمن اهتدى}([21]), {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}([22])؛ زيغ القلب وموته ثمرة ما تراكم عليه من الآفات والشرور التي أهملها الإنسان حتى وقع في هذه الموبقة. يقول رحمه الله:"وأعظم محذور خفى" أي: خفي على الإنسان وعلى الناس؛ لأن الإنسان قد يكون في نظر الناس على حال سوية وكاملة, يقول المؤلف: وأعظم محذور خفى موت قلبه *** عليه تشغل عن دواه بضد ما أي: بضد الدواء وضد الدواء ماذا؟ الآفة، الداء، فتجده لا يشتغل بمداواة قلبه وإصلاحه وتزكيته وتطهيره وتطييبه مما علاه بالاستغفار والأوبة والرجوع إلى الملك الغفار سبحانه وبحمده, بل يتبع السيئة سيئة؛ والخطيئة أختها والذنب ذنبا؛ حتى يسود القلب, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا»([23]) وهذا وصف نبوي دقيق يبين كيف تعمل المعاصي في تأثير القلب، فذكر التأثر في اللون من حيث كونه «أسود مربادا» أي: بهيم السواد، «كالكوز مجخيا» يعني: كالكوب أو الكأس مقلوبا، وهذا يدل على ماذا؟ على عدم نفاذ الخير إليه، ما يصل إليه الخير, أنت الآن ائت بكوب واقلبه وصب فيه ماء؛ هل يدخل شيء من الماء إلى جوفه؟ هل ينتفع بالكوب وهو مقلوب؟ لا ينتفع به إلا إذا أعد في استوائه وكونه مهيئا للصب فيه, القلب يؤول حاله وينتهي مآله إذا توالت عليه الذنوب والمعاصي والسيئات الظاهرة والباطنة إلى هذا الوصف؛ ولذلك يقول المؤلف: "وأعظم محذور خفى موت قلبه ***عليه" ثم مع هذه الخفية لا يوجد تنبه، بل هو مشتغل بما يزيد الطين بلة والمرض آفة. يقول: "تشغل عن دواه" يعني انشغل عن المعالجة بأسباب المرض، "تشغل عن دواه بضد ما" ودواه ماذا؟ دواء القلب ماذا؟ أعظم ما يداوى به القلب ذكر الله جل وعلا، وسيأتي في كلام المؤلف رحمه الله؛ {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}([24]) ولذلك الذي يريد علاج قلبه فليكثر من ذكر الله تعالى فإنه أعظم الأدوية وأنجعها. ثم قال:"وآية ذا" أي علامة موت القلب، والمؤلف ذكر جملة من علامات موت القلب نجعلها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:3231

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

قال رحمه الله تعالى في منظومته:

وعينُ امتراضِ القلب فَقْدُ الذي له***أُرِيدَ من الإخلاصِ والحُبِّ فاعْلَما
ومعرفةُ الشوقِ إليه إنابة***بإيثارِ ذا دونَ المحباتِ فاحْكُمَا
ومؤثرُ محبوبٍ سوى اللهِ قلبُه *** مريضٌ على جرف من الموتِ والعَمى
وأعظم محذورٍ خَفَى موتُ قلبه***عليه تَشغَّل عن دواه بضدِّ ما
وآية ذا هونُ القبائحِ عندَه *** ولولاه أضْحى نادمًا متألما
فجامعُ أمراضِ القلوبِ اتباعُها*** هواها فخالِفْها تصحُّ وتسْلَمَا
ومن شؤمهِ تركُ اغتذاءٍ بنافعٍ *** وترك الدوا الشافي وعجز كلاهما
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فكنا قد قرأنا ما تقدم من ذكر المؤلف لمرض الجوارح، وأن مرضها يكون إما بمنع منافعها، وإما بماذا؟ بنقص النفع، ودليل صحة الجوارح إتيانها منافعها وكمالها فيما خُلقت له، بعد ذلك قال:

وعينُ امتراضِ القلب فَقْدُ الذي له ***أُرِيدَ من الإخلاصِ والحُبِّ فاعْلَما
"وعينُ امتراضِ" أي: حقيقة مرض القلب، والامتراض هو الاعتلال، حقيقة مرض القلب "فقد فَقْدُ الذي له"أي: غياب وذهاب الذي أريد له "من الإخلاصِ والحُبِّ فاعْلَما" الإخلاص هو: إفراد الله تعالى بالعبادة؛ والحب هو: الذي تقوم عليه العبودية, وبهذا يشير المؤلف رحمه الله إلى ثالث أسباب حياة القلوب, فقد ذكر في الأسباب ما تقدم من تدبر القرآن، ثم أعقبه بذكر تعظيم الملك العلام, ثم جاء بثالث الأسباب وهو محبة الحي القيوم جل وعلا؛ فقال رحمه الله:

وعينُ امتراضِ القلب فَقْدُ الذي له***أُرِيدَ من الإخلاصِ والحُبِّ فاعْلَما
وحب الله جل وعلا منزلته عليا ومقامه كبير كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهو أصل العبودية, لا تتحقق العبودية لأحد إلا بكمال المحبة.

 وعبادة الرحمن غاية حبه - أي منتهى حبه - مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار حتى قامت القطبان

"فلك العبادة" جميع حقوق العبادة وشئونها تدور على هذين الأصلين؛ الأصل الأول محبة الرب جل وعلا، والأصل الثاني تعظيمه سبحانه وبحمده والذل له جل في علاه.

والحب عمل قلبي يحمل على المسابقة إلى الخيرات والفعل للمبرات. والتعظيم والذل عمل قلبي يحول بين المرء وبين المخالفة؛ إذْ مقتضى الذل الانقياد والخضوع. تقدم ما يتعلق بالتعظيم، والمؤلف في هذه الأبيات يشير إلى ما يتعلق بالحب؛ يقول رحمه الله:

ومعرفةُ الشوقِ إليه إنابة***بإيثارِ ذا دونَ المحباتِ فاحْكُمَا
الشوق إلى الله جل وعلا أسمى المقامات؛ يقول الرازي رحمه الله في بيان الشوق: "الشوق إلى الله ألذ المقامات وأكثرها بهجة وسعادة"([1])؛ ولذلك جاء في الحديث سؤال الله تعالى الشوق إلى لقائه([2])، والشوق إلى لقاء الله هو نوع من الشوق إليه جل وعلا.

والمؤلف يقول في بيان كيف يعرف العبد صحة المحبة والشوق إلى الله؟ لماذا ذكر الشوق؟ لأن الشوق ثمرة المحبة؛ فالمحبة في القلب بذرة تثمر الشوق إلى الله جل وعلا([3]), فالشوق هو النتيجة، والأصل هو المحبة, ما علامة المحبة؟ لأن المحبة قد يدَّعيها كل أحد، لكن المؤلف من فقهه ونصحه أنْ بيَّن لنا المعيار الذي تُعرف به صحة المحبة ويعلم به صدقها؛ فقال رحمه الله: ومعرفةُ الشوقِ إليه إنابة إذًا الإنابة هي عنوان المحبة، الإنابة هي برهان المحبة وترجمانها؛ فالذي يدَّعي الشوق إلى الله وقد انصرف عن الله جل وعلا وأعرض عنه ليس صادقًا في محبته، وليس صادقًا ولا صحيحًا في شوقه إلى الله جل وعلا؛ فإنما يتم الشوق إلى الله جل وعلا بتمام الإنابة، وقد عرف جماعةٌ من العلماء الشوق بأنه: "حركة القلب في الظفر إلى المحبوب"([4]), لو قيل: ما معنى الشوق إلى الله؟ فيقال: هو حركة القلب؛ ولذلك يقول بعض السلف:"باب الله يطرق لا بالأظافر إنما يطرق بوجيف القلوب"([5])، وجيف أو وجيب القلوب؛ أي: خفقانها([6]), فيطرق بحركتها إلى الله تعالى؛ ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: الشوق إلى الله هو سفر القلب في طلب محبوبه([7]). سفر القلب؛ قطع المسافة إلى الله تعالى بالقلوب لا بالسير فوق مراكب الركبان، فمفاوز الآخرة لا تقطع بالأقدام، إنما تقطع بسير القلوب، فالشوق عمل قلبي، وهو من أصدق الثمار الناتجة عن المحبة، لكن هناك علامة حتى يميز الخبيث من الطيب وحتى تبصر الدعوى من الصدق، ويميز الصادق من الكاذب؛ بالدليل وهو الإنابة.

والإنابة جماع لخيرات كثيرة؛ يقول ابن القيم في تعريف الإنابة: "حقيقة الإنابة" هذه الكلمات يا إخواني مهمة تبين كثيرًا من معاني النصوص التي تقرأها وتسمعها في كلام الله تعالى وكلام رسوله، فمن المهم أن نستحضر هذه المعاني عند قراءتنا ومطالعتنا لكلام الله تعالى وسماعنا له، "حقيقة الإنابة: عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه"([8]) هذه حقيقة الإنابة، فلا يوصف العبد بأنه منيب إلا إذا حقق هذا الوصف, عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه, وبه نعلم أن الشوق يُعرف بإنابة العبد إلى الله تعالى, وإنابته هي أن يُقبِل بقلبه على الله تعالى وأن يلازم طاعة ربه جل وعلا، وأن يُقبل على الله بكله بقلبه وقالبه؛ لذلك يقول المؤلف:

ومعرفةُ الشوقِ إليه إنابة*** بإيثارِ ذا دونَ المحباتِ فاحْكُمَا

هنا بيان آلة ووسيلة الإنابة، الباء هنا للسببية([9]) أو للآلة أو للطريقة التي يتحقق بها الإنابة "إيثار" والإيثار هو التقديم([10]), "بإيثار ذا"المشار إليه الشوق والمحبة "بإيثار ذا"أي: محبته والشوق إليه "دون المحبات"أي: دون سائر المحبات وبقية المحبوبات. القلب يُملأ بألوان من المحاب، هناك محاب طبيعية وهناك محاب غير طبيعية، هناك محاب مذمومة ومحاب محمودة، وهناك محاب جِبلِّية؛ فمحبة الوالد لولده محبة طبيعية، محبة الإنسان لما يلائمه ويسره طبيعية, لكن المحبة التي يجب أن تبقى في المقام الأعلى ولا ينازعها نوع من أنواع المحاب هي محبة الله جل وعلا؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}([11]) فلا يعدل في قلوبهم محبة الله تعالى محبة، وقد حذر الله رب العالمين العباد من أن تزاحم المحبوبات محبته فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}([12]) فذكر محبته ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به وهو الجهاد، وذاك ما وصفه الله تعالى بأنه مكروه {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}([13]) فإذا كانت هذه المحبات مقدمة على محبة الله ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به؛ هنا يكون الإنسان قد وقع في خلل في المحبة؛ {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، وهذا التربص أمر فيه الله بالتمهل والانتظار أي: أنكم قد استحققتم العقوبة، وهي نازلة بكم، ولكن {انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}([14]).

يقول رحمه الله: "فاحْكُمَا"أي: فاحكم بصحة الشوق عند تقديم محبة الله على سائر المحبوبات.

ثم يقول الله رحمه الله في سوء وشؤم تقديم محبة غير الله على محبته قال:

"ومؤثرُ محبوبٍ سوى اللهِ قلبه" مؤثر أي: مقدم، "محبوب سوى الله" أي: عدا الله، وهذا يشمل كل المحبوبات، "ومؤثرُ محبوبٍ سوى اللهِ قلبُه***مريضٌ" هذا حكم بالمرض على القلب الذي تقدمت فيه محبة غير الله على محبته سبحانه وبحمده, ومثله في المرض مَن محبته فرع عن محبة الله, فمن قدَّم محبة غير النبي على محبته فقلبه مريض, من قدم محبة شيء على محبة ما شرعه الله ورسوله فقلبه مريض, وإنما ذكر محبة الله فقط؛ لأن محبة الله هي أصل المحبات الشرعية، وكل محبة أُمر بها وأثني عليها في الكتاب والسنة هي فرع عن محبة الله، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة الصالحين ومحبة الطاعات كل هذا فرع عن محبة الله، وهو من تمام محبة الله، فمن أحب الله أحب ما أحب؛ ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»([15]) أوثق يعني: أشد وأمكن العرى التي يتمسك بها المؤمن لتحقيق إيمانه الحب في الله؛ لأنه ثمرة محبة الله جل وعلا, وذكرنا في درس سبق حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ» كل هذه الثلاث الخصال تدور على ماذا؟ على محبة الله ومحبة رسوله ومحبة ما أمر به وبغض ما يغضبه رب العالمين، فكلها دائرة على المحبة: «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّه، وَأَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّار»([16]) فهذه الخصال كلها دائرة على تحقيق المحبة وآثارها وثمارها، فالذي امتلأ قلبه بمحبة سوى الله قلبه في غاية الألم؛ ولذلك جاء في الحديث: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»([17])، ومحبة كل شيء سوى الله عذاب على صاحبه, إلا محبة الله فهي البهجة والنعيم, وهذا الفرق بين محبة الله ومحبة غيره, محبة الله لذة وبهجة، سعادة وسرور وطمأنينة وانشراح؛ ومحبة غيره الله على نقيض هذا؛ ولذلك تجد العشاق أتعس الناس والمحبين أشدهم أذى وأكدرهم بالًا, والقلب إذا خلص لله سُرَّ وابتهج؛ ولهذا يقول: "ومؤثرُ محبوبٍ سوى اللهِ قلبُه***مريضٌ على جرف" يعني هو مريض، لكن هذا لا ينفي عنه الموت؛ ولذلك قال: "على جرف" يعني على مكان خطير يوشك أن يهوي في الموت والعمى نعوذ بالله؛ بأن يموت قلبه ويتعطل عما خُلق له ويعمى عما ينفعه, وبقدر زيادة هذه المحاب في قلب الإنسان - المحبوبات سوى محبة الله في قلب الإنسان - بقدر ما يكون معه من الموت والمرض والعمى. والقلب يا إخواني مضطر إلى محبة الله تعالى؛ مضطر ضرورة لا يجد بهجة ولا سرور إلا بمحبته؛ ولذلك يقول الشاعر:

هَوَى غَيْرِكُم نَارٌ تَلَظَّى وَمَحْبَسٌ *** وَحُبُّكُمُ الفِرْدَوْسُ بَلْ هُوَ أَفْسَحُ([18])
"غيركم"أي: غير الله جل وعلا "ومحبس وحبكم الفردوس" أي: الجنة والنعيم، "بل هو أفسح" يعني أوسع؛ ولذلك يقول السلف: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"([19])؛ الجنة التي في الدنيا هي طعم الإيمان، هي لذته، هي بهجته التي تدرك وتنال بصدق المعاملة مع الرب تعالى بتعظيمه ومحبته جل في علاه.

 بعد هذا انتقل المؤلف رحمه الله مستطردًا في علامات موت القلب فقال:"وأعظم محذورٍ خَفَى موتُ قلبه" يعني أعظم ما يجب أن يحذره الإنسان وأن يتقيه وأن يكون على وجل منه موت القلب، وكثير من الناس عن قلبه في غفلة، لا يهمه ما علا قلبه من أنواع البلايا والآثام، والقلب من أشد الأعضاء تأثرًا؛ ولذلك جاء في الصحيح من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه سلم قال: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ» الفتن يعني البلايا والمخالفات التي يقع فيها الإنسان في هذه الدنيا, «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا» أي: وقع في الفتن وما تتضمنه من مخالفة أمر الله تعالى «نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ»([20]) حتى تتتابع هذه النكت؛ ولذلك كل معصية ثق أنها تؤثر في قلبك, لكن لأن القلب خفي وهذا التأثير لا يظهر على الناس يظن كثير من الناس أن هذه المعصية ما أثرت عليه ولا سوت شيئًا في حياته، وهذا اختلال وخطأ كبير في مسيرة الإنسان إلى الله تعالى، المعاصي أقل ما فيها من الشؤم أنها تعيقك في سيرك إلى الله، تحجزك وتمنعك، تمامًا مثل الذي يعدو في طريق يريد أن يصل إلى غاية أو هدف إذا وجدت في طريقه العوائق، لابد أن يتعثر سيره، ولو كان هذا التعثر بالتوقي، حتى لو لم يسقط، تجده يميل يمينًا ويسارًا حتى يتوقى هذه العوارض التي تعرض عليه في طريقه، كذلك المعاصي هي عوارض منها ما يمسك بقدم الإنسان حتى يهلك نعوذ بالله؛ لذلك ينبغي للمؤمن أن يكون على حذر من هذا الذي ذكر المؤلف وهو موت القلب، وموت القلب ما يكون فجأة هكذا، إنما يكون غالبًا بأسباب تتقدم وتفريط سابق، وإلا فإن الله تعالى حكم عدل {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}([21]), {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}([22])؛ زيغ القلب وموته ثمرة ما تراكم عليه من الآفات والشرور التي أهملها الإنسان حتى وقع في هذه الموبقة.

يقول رحمه الله:"وأعظم محذورٍ خَفَى" أي: خفي على الإنسان وعلى الناس؛ لأن الإنسان قد يكون في نظر الناس على حال سوية وكاملة, يقول المؤلف:

وأعظم محذورٍ خَفَى موتُ قلبه *** عليه تَشغَّل عن دواه بضدِّ ما
أي: بضد الدواء وضد الدواء ماذا؟ الآفة، الداء، فتجده لا يشتغل بمداواة قلبه وإصلاحه وتزكيته وتطهيره وتطييبه مما علاه بالاستغفار والأوبة والرجوع إلى الملك الغفار سبحانه وبحمده, بل يتبع السيئة سيئة؛ والخطيئة أختها والذنب ذنبًا؛ حتى يسود القلب, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا»([23]) وهذا وصف نبوي دقيق يبين كيف تعمل المعاصي في تأثير القلب، فذكر التأثر في اللون من حيث كونه «أسود مربادًّا» أي: بهيم السواد، «كالكوز مجخيًا» يعني: كالكوب أو الكأس مقلوبًا، وهذا يدل على ماذا؟ على عدم نفاذ الخير إليه، ما يصل إليه الخير, أنت الآن ائت بكوب واقلبه وصب فيه ماءً؛ هل يدخل شيء من الماء إلى جوفه؟ هل ينتفع بالكوب وهو مقلوب؟ لا ينتفع به إلا إذا أعد في استوائه وكونه مهيئًا للصب فيه, القلب يؤول حاله وينتهي مآله إذا توالت عليه الذنوب والمعاصي والسيئات الظاهرة والباطنة إلى هذا الوصف؛ ولذلك يقول المؤلف: "وأعظم محذورٍ خَفَى موتُ قلبه ***عليه" ثم مع هذه الخفية لا يوجد تَنَبُّه، بل هو مشتغل بما يزيد الطين بلة والمرض آفة.

يقول: "تَشغَّل عن دواه" يعني انشغل عن المعالجة بأسباب المرض، "تشغل عن دواه بضدِّ ما" ودواه ماذا؟ دواء القلب ماذا؟ أعظم ما يداوى به القلب ذكر الله جل وعلا، وسيأتي في كلام المؤلف رحمه الله؛ {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}([24]) ولذلك الذي يريد علاج قلبه فليكثر من ذكر الله تعالى فإنه أعظم الأدوية وأنجعها.

ثم قال:"وآية ذا" أي علامة موت القلب، والمؤلف ذكر جملة من علامات موت القلب نجعلها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19142 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12318 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9794 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8398 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف