الخطبة الأولى :
الحمد لله منشئ الأيام والشهور , ومفني الأعوام والدهور , المتفرد بتقدير الأقدار وتصريف الأمور , {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} .
أحمده حق حمده له الحمد كله أوله وآخره ظاهره وباطنه .
وأشهد أن لا إلا الله إله الأولين والآخرين , وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله , صفيه وخليله , خيرته من خلقه , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون , فتقوى الله جل في علاه سبب سعادة الدنيا وفوز الآخرة{...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...},{...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} .
أيها المؤمنون عباد الله : جعل الله تعالى هذه الدنيا دار عمل , يجد فيها الناس بأنواع من الأعمال ثم بعد ذلك يبعثون إلى رب يحاسبهم جل في علاه على الدقيق والجليل , على القطمير والنقير , على ما قدموا وأخروا , ذاك يوم عظيم يفد الناس فيه إلى الله عز وجل ويسألون عن أعمالهم .. عن أعمارهم فيما أفنوها , وعن أموالهم من أين اكتسبوها وفيما صرفوها , وعن كل دقيق وجليل من شأن دنياهم , والمفلح الفائز من أعد للسؤال جوابا , ومن تهيأ لذلك الموقف كما قال جل وعلا {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}, فمن خاف ذاك المقام أعد له الجواب على السؤال، من خاف ذلك المقام تهيأ له بصالح الأعمال , من خاف ذلك المقام تخفف من السيئات والأوزار .
أيها المؤمنون عباد الله : الله يقلب الليل والنهار وفي ذلك من العبر والعظات ما يراه ويشهده أولي الأبصار , فاعتبروا بتصرم الليالي وانقضاء الأيام فإن ذلك من أعماركم .
أيها المؤمنون: إن سرعة تقضي الأيام وذهاب الأعوام شيء أخبر به سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه فيما , جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : (يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح ويكثر الهرج , قالوا : ما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل القتل ), أي : كثرته وظهوره وفشوه .
وقد جاء بيان تقارب الزمان فيما رواه أحمد رحمه الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ) , ثم بين ذلك بيانا يعرف به معنى هذا التقارب , فقال صلى الله عليه وسلم : (فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السفعة ) أي: الخوصة من خوص النخل , وما أسرع احتراقها , وما أسرع زوالها , هكذا هي أيامكم , وهكذا هي جمعكم , وهكذا هي شهوركم , وهكذا هي أعوامكم , وهكذا هي أعماركم , فليعتبر الإنسان , وليبادر هذه الأيام وهذه الأوقات بصالح الأعمال قبل أن تنقضي, وقد أمركم الله تعالى بالمسارعة إليه فقال : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) }وقال جل وعلا في محكم كتابه { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا } .
إن الراشد هو الذي عمر الوقت المتقارب بما يرضى الله تعالى عنه , وقتك ماضٍ زمنك منقضٍ , فاقضه بما تفرح بلقائه وتسر بتحصيله , فإنه { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} , وقد قال الله تعالى : { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} يحفظ أعمالها ويدون ما يكون من شأنها , وقد قال الله جل وعلا : {... إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
فكل ما تعمله من ظاهر أو باطن في سر أو إعلان , في شأن ما بينك وبين الله أو ما بينك وبين الخلق فإنه مدون مسجل في الصحائف , ثم يوم القيامة تأخذ هذه الصحيفة إما بيمينك فتسر , وإما بالأخرى فتهلك , وقد قال الله تعالى في الحديث الإلهي : (يا عبادي : إنا هي أعمالكم أحصيها لكم , فمن وجد خيرا فليحمد الله , ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) .
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , أحمده حق حمده , لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه .
وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين , لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فاتقوا الله أيها المؤمنون , اتقوا الله حق التقوى , واعلموا أن تقارب الزمان الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هو من نزع بركة الأيام والجمع والشهور والسنوات , والتقوى من أعظم الأسباب المباركة في الزمان والمكان والحال والعمل , قال الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ...} , فمن أراد البركة في عمره وفي أيامه وأعماله فليلزم التقوى , فإن تقوى الله جل وعلا تفتح أبواب البركات , ويدرك بها الإنسان الخيرات , ويصلح بها حاله ومآله , فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين , اللهم اجعلنا من عبادك المتقين , اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأوليائك الصالحين يا رب العالمين .
أيها المؤمنون : الدنيا بين الله تعالى حالها , حياتك مختصرة في آيات قال الله فيها جل وعلا : { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) }, هذا حالي وحالك وكل البشر .. هي مراحل وطبقات , { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) }, مرحلة تتلوها مرحلة والعاقل الراشد من ملأها بطاعة الله عز وجل , اليوم أنت قوي وغدا أنت ضعيف , وبالأمس كنت ضعيفا كما قال جل وعلا في محكم كتابه في تصوير خلقه فقال تعالى :{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ...} , فالخاتمة ليست ضعفا فقط بل ضعفا وشيبة يحصل بها من كراهية الدنيا وتمني مفارقتها ما يشهده من طالت به الأيام , وبلغ من العمر مبلغا يكون عبئا على نفسه وعلى غيره { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ...} , فالقوة واحد والضعف سابق ولاحق , فابتدر القوة , ما دام الله قد أمدك بها , بادر صحتك قبل مرضك , قوتك قبل ضعفك , نشاطك قبل كسلك , بادر حياتك قبل موتك , فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان بإسناد لا بأس به : (اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك , صحتك قبل مرضك , غناك قبل فقرك , وفراغك قبل شغلك , وحياتك قبل موتك ) .
اللهم أعنا على طاعتك , اعمر أيامنا بما تحب وترضى يا رب العالمين , أحسن لنا العاقبة والخاتمة , أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن , اللهم أعذنا من الفتن , اللهم أعذنا من الفتن ,اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا ربنا إليك غير مفتونين , اللهم اقبضنا إليك غير مفتونين , اللهم أحينا بالإسلام وتوفنا على الإيمان , واختم لنا بصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام , اللهم إنا نسألك هدى وتقى وعفاف .
{ ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ,
اللهم اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي يا رب العالمين اللهم أيدهم بنصرك وأمدهم بعونك , واحفظهم بحفظك , واجعل عاقبة رشدا يا رب العالمين .
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء في أي مكان في الداخل أو الخارج اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه واكفنا شره بما شئت , اللهم ندرأ بك في نحورهم , ونعوذ بك من شرورهم يا رب العالمين .
اللهم وانصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في سوريا والعراق وفي سائر البلدان يا رب العالمين , اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم , يا حي يا قيوم اللهم عليك بالروس فإنهم لا يعجزونك وعليك بالصفويين فإنهم لا يعجزونك , وعليك بالصهاينة والصليبيين وكل عدو للإسلام ظاهر ومستتر , ربنا ندرأ بك وعظمتك وقوتك عن دينك وعبادك , جل شأنك سبحانك وبحمدك لا غالب لجندك فنسألك نصرا عاجلا لأهل الإسلام في كل مكان .
اللهم إنا نسألك نصرا عاجلا لإخواننا في كل مكان , اللهم أنجي المستضعفين من المسلمين في كل مكان يا رب العالمين .
اللهم عليك بالتكفيريين الغلاة اللهم أفضح أمرهم واكشف مخططاتهم واكف المسلمين شرهم , إنك على كل شيء قدير .
ربنا آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا , واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين يا رب العالمين .
اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى , خذ بناصيته إلى البر والتقوى , سدده في قوله وعمله , وافتح له بركات السماء وبركات الأرض , وارزقه بطانة صالحة , واجعله رحمة للبلاد والعباد , وافتح به عز الإسلام ونصره يا رب العالمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .