×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / من رحاب الحرمين / منزلة السنة في فهم القرآن

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8697

الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، له الحمد كله أوله وآخره ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على محجة بيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى آثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وأوسع لنا علمًا وعملاً صالحًا يا رب العالمين.

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ(التوبة:33﴾ فالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعثه الله ـ تعالى ـ بالعلم النافع والعمل الصالح وبهما يحصل الظهور لهذا الدين في الأرض، فإن الذي ميز هذا الدين وجعله ظاهرًا على كل ملة ودين أنه دينٌ مبنيٌ على العلم، دينٌ مبنيٌ على الهدى، دينٌ موصولٌ بالسماء فليس هو خرافات ولا أساطير ولا تجارب بشرية تقبل الصحة والخطأ، إنما هو دين رب العالمين، أرسل به الروح الأمين إلى قلب سيد المرسلين محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فبلغ الدين على أكمل بيان وأوضح هدى، لم يترك شيئًا إلا دل الأمة عليه من الخير والبر، لم يترك سبيلاً من السبل الموصلة إلى الله إلا عرف به حتى ترك الناس على محجةٍ بيضاء أي طريقٍ واضح لا لبس فيه ولا غبش، وقد شهد الله تعالى له بالبلاغ وتمام الإيضاح والبيان فقال في أكبر جمع شهده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عرفة ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا(المائدة:3﴾ دينٌ رضيه الله وشهد له بالكمال والتمام.

دينٌ لا يمكن أن يأتي الناس بمثله أو أن تقترح العقول نظيره أو أن يكون محلاً لهمزٍ أو لمزٍ أو طعنٍ أو تنقصٍ هو دين رب العالمين، فكل من ظن أو توهم أن ثمة في ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نقصٌ فإنما النقص في رأيه وإنما النقص في ذهنه، وأما ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم  ـ فهو على أتم ما يكون من الوضوح والبيان ومن رحمة الله بهذه الأمة أن هذا النور المبين وهذا الدين القويم لم يجعل الله ـ تعالى ـ حفظه إلى الناس بل تكفل بحفظه وهذا أمر فارق به دين الإسلام سائر الأديان أنه دينٌ محفوظ فليس عرضة للزيادة ولا النقص ولا التخليط ولا التشبيه فكل من أراد الدين الذي كمل وجاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشهد الله له بالتمام وأخبر بالرضا عن كل من أراد ذلك الدين فإنه يصل إليه من معين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يأتيه ذلك النور نقيًا بينًا واضحًا لا لبس فيه ولا غبش إنه القرآن الذي قال فيه ـ جل وعلا ـ:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(الحجر:9﴾ وهذا الحفظ لهذا الذكر وهو القرآن العظيم ليس حفظًا لآيات  وألفاظ فحسب بل هو حفظ لآياته وألفاظه فلا زيادة فيه ولا نقص كما أنه حفظٌ لمعانيه ولبيانه ولترجمانه إنه حفظٌ للكتاب وللسنة التي بينت القرآن فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنزل الله ـ تعالى ـ عليه الذكر وأتاه بهذا النور القويم وجعل من أعظم مهامه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يبين للناس ما نزل إليهم وهنا يتبين أنه لا يمكن أن يفهم أحدٌ القرآن كما أنزله رب العالمين إلا إذا علم هدي وسنة سيد المرسلين محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن أخذ بالسنة وطالعها وتعلمها وعرفها وفق إلى معرفة معاني القرآن، قال الله ـ جل في علاه ـ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ(النحل:44﴾ فلا يمكن لأحد أن يعرف معاني القرآن على وجه الكمال ولا أن يدرك شرائع الإسلام على التمام إلا بإدراك ما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وهنا تبرز أهمية العناية بالسنة وأن سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي ما تركه من قول أو عمل أو تقرير، كل هذا كان بيانًا للقرآن وقد جاء في الصحيح من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها لما سألت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما خلقه؟ يعني ما هي صفاته العملية؟، ما هي طريقته ومعاملته؟ كيف يتعامل مع الناس ظاهرًا وباطنًا لأن الخلق لا يقتصر فقط على الصورة والشكل بل يشمل حتى ما في القلب من المعاني النبيلة الشريفة أو ما يقابلها من المعاني الرديئة.

قالت ـ رضي الله عنها ـ في بيان ما كان عليه سيد ولد آدم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: "كان خلقه القرآن". مسند أحمد (25302)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين

وتنبه أيها الأخ لتعرف أن النبي كان يترجم القرآن في قوله يترجمه في عمله يترجمه في حاله يترجمه في معاملته، يترجمه في سلوكه، يترجمه في كل أحواله، وبهذا تعلم أنك لا تستطيع ولا تدرك فهم الكتاب العظيم ومعرفة معاني القرآن الكريم إلا بمعرفة ما جاء به سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.

أيها الأخوة السنة لا يمكن أن يفهم الإنسان الدين إلا بإدراكها ومعرفتها، أرأيتم لو أن أحدًا لم يبلغه شيء من خبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءه القرآن العظيم أيكون قادرًا على امتثال ما أمر الله ـ تعالى ـ به، الجواب: لا يمكن، لا يمكن لأحد أن يمتثل ما أمر الله ـ تعالى ـ به مهما جهد وأوتي من أسباب الفهم لا يمكن أن يمتثل أوامر القرآن إلا من خلال الأخذ بسنة سيد الأنام محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك على سبيل المثال المسلمون كلهم يصلون وقد فرض الله عليهم الصلاة ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (النساء:103﴾ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ(البينة:5﴾ أخبروني كيف يصلي الإنسان دون معرفة لهدي سيد الأنام كيف كان يصلي هل يمكن أن يأتي بالصلاة على الوجه الذي أمر به وهو لا يعرف سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا علم له بما فيها من بيان الصلاة أتظنون أنه يمكن أن يصلي أحد دون معرفة هديه في صلاته إذا كان كذلك إذا كان الأمر ممكنًا فلماذا يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح «صلوا كما رأيتموني أصلي»صحيح البخاري (631) لماذا يأمرهم بأن يرجعوا إليه في معرفة كيف تكون صلاتهم لو لم يكن ذلك الفعل وتلك الأقوال والأفعال والهدي  بيانًا لما ينبغي أن يفعله المؤمن ليحقق الصلاة التي أمر بها في قوله ـ تعالى ـ:﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ(البقرة:43﴾.

روى البيهقي وابن عبد البر والخطيب البغدادي وجماعات من أهل العلم عن الحسن البصري عن عمران بن حصين ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه كان جالسًا ومعه أصحابه، عمران بن حصين أحد الصحابة الكرام فقال رجل من القوم كلمة، قال: لا تحدثونا إلا بالقرآن يعني لا تخبرونا بشيء غير القرآن وكأن يقول لا نريد ما تنقلونه من الأخبار عن سيد الأنام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما نريد أن تخبرونا بما في القرآن من البيان والهدى فقال عمران صحابي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الله تعالى عنه: ادنو، فدنا ذلك الرجل منه فقال: أرأيت لو كنت أنت وأصحابك ليس معكم إلا القرآن أكنت تعرف كم تصلي الظهر والعصر والمغرب، أكنت تعرف أن الظهر أربعًا والعصر أربعًا والمغرب ثلاثًا يجهر فيها بالركعتين الأوليين، الجواب: لا يمكن ليس في القرآن شيءٌ من بيان ذلك.السنة لابن أبي عاصم (815)، والطبراني (547)

 فقرره بأنه لابد له من السنة بشيء يمارسه على وجه الدوام وهي صلاته، لا يمكن أن يصلي مسلم صلاة صحيحة كاملة كما أمر الله ـ تعالى ـ ويقيم أمر الله بإقامة الصلاة إلا بالرجوع إلى سنة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ثم عاد إليه بالسؤال فقال: أرأيت لو كنت أنت وأصحابك إلى القرآن، أي لا تأخذون إلا القرآن ولا تتحدثون إلا به دون هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكنت تجد في القرآن أن الطواف بالبيت سبعًا وأن السعي بين الصفا والمروة سبعًا الجواب: لا لأن الله إنما ذكر الطواف إجمالاً في كتابه ولم يبين كم عدد الطواف ومن أين يبتدأ الطواف وكذلك لم يبين كم عدد السعي وكيف يكون السعي وما السنة فيه، إنما جاء بيان ذلك في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذان يتعلقان بركنين من أركان الإسلام هما الصلاة والحج فإذا كان هذان الركنان لا يمكن أن يقيمهما الإنسان إلا بالرجوع إلى السنة علم أن كل دعوة تقول إننا بغنى عن السنة ويكفينا القرآن فهي دعوة باطلة حقيقتها هدم الإسلام، حقيقتها نبذ ما جاء به سيد الأنام ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فإنه جاء بالقرآن وجاء بالسنة معه والسنة بيان القرآن وإيضاحه ولذلك لما خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاجًا يقول جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ في وصف إقبال الناس على النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما خرج حاجًا قال: فقدم المدينة بشرٌ كثير كلهم يريد أن يأتم بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويعمل بعمله كل هؤلاء الذين حجوا معه ما يزيد على مائة ألف جاءوا من أطراف الجزيرة يأتمون به ولم يحدث في تاريخ العرب اجتماع كهذا الاجتماع كلهم جاءوا يريدون أن يأتموا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وينظرون كيف يمتثلون ما أمر الله ـ تعالى ـ به في قوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا(آل عمران:97﴾ فكان مجيئهم لأجل الإتساء به والاقتداء بهديه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولذلك قال في الحديث نفسه، « وبين أظهرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن وهو يعرف تأويله» يعني يعرف بيانه وتفسيره وإيضاحه «وما عمل به من شيءٍ عملنا به» ثم ساق الآيات الدالة على طاعة الله ورسوله، هكذا قال جابر رضي الله تعالى عنه. صحيح مسلم (1218)

المقصود يا إخواني أنه لا يمكن لأحد أن يتحقق لأحد إقامة دين الله الذي أمر الله ـ تعالى ـ به الناس ولا يمكن أن يحقق الإسلام إلا بمعرفة ما جاء عن سيد الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

لذلك من المهم لكل مسلم يريد نجاته أن يستكثر من مطالعة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكثر من سماع ما جاء عنه من الأقوال والأعمال فهو الهدى المبين وهو إيضاح القرآن فحيث ما اشتبه عليك شيء من معاني القرآن فاطلبه في هديه وفي سيرته وفي سنته وستوفق إلى خير كثير وبر كثير بما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أقوام يأتون يقولون: ما كان من أمر الله أخذناه وما كان من غيره تركناه فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لا ألفين أحدكم يأتيه الأمر من أمري» يعني يأتيه الهدي من هديي «ويأتيه القول من قولي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله» سنن أبي داود (4605)، وصححه الألباني أي لا يأخذ إلا ما جاء في كتاب الله فحذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا المسلك وبين خطورته وأنه لا يمكن أن تتحقق الشريعة ولا أن تقوم الديانة إلا بإتباع السنة إلا بمعرفتها، إلا بمطالعتها ولذلك حرص الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ على بيان هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى بيان أقواله وأعماله وأحواله في دق أمره وجليله، وصفوا لنا كل شيء لم يتركوا لنا شيئًا من شأنه إلا أخبرونا به كيف ينام وكيف يستيقظ وكيف يقضي حاجته وكيف يعمل إذا دخل الخلاء وإذا خرج منه كيف يتعامل مع أهله وأزواجه، كيف يتعامل مع أصحابه، كيف يتعامل مع أعدائه وأحبائه من آمن به ومن كفر به، كل ذلك جاء بيانه ثم جاء بيان ما هو أهم مما يتعلق بصلة العبد بربه فبينوا لنا كيف صلاته وكيف صومه وكيف زكاته وكيف حجه وكيف سائر تحقيق ما أمر الله ـ تعالى ـ به من الفرائض والحدود، جاء ذلك بيانًا واضحًا في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد عمل علماء الإسلام على جمع ما يسر الله ـ تعالى ـ من ذلك بشكل واضحٍ بين في دواوين السنة التي جمعت أقواله وأعماله وأحواله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سواءً في ذلك ما اشترط الصحة كصحيح البخاري و وصحيح مسلم وما كان دون ذلك من سائر كتب أهل العلم التي ضمت أحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وليعلم أيها الأخوة الكرام أن السنة من حيث القرآن وبيانها له جاءت على أنحاء:

جاءت السنة مصدقة لما في القرآن مؤكدة لما في الكتاب الحكيم وهذا كثير فيما يتعلق بأصول الإسلام وأركانه ودعائمه وفيما يتعلق بأصول الإيمان وفيما يتعلق بمجملات دين الإسلام فجاءت آمرة لما أمر القرآن مؤكدة لما جاء في كتاب الله الحكيم فمثلاً فرض الله ـ تعالى ـ الحج في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا(آل عمران:97﴾، وجاء في السنة ما في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطب أصحابه فقال: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» صحيح مسلم (1337)، هذا تصديق مطابق وتأكيد بين لما جاء في القرآن بلسان سيد الأنام نبينا محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ هذا النوع الأول من أنواع بيان السنة للقرآن أن تأتي مؤكدة مقررة لما في السنة وقد تأتي بزيادة بيان من حيث الفضائل والأجور فمثلاً على سبيل التمثيل الحج جاء فرضه في كتاب الله ـ عز وجل ـ لكن ثوابه وأجره من أين استفيد، استفيد من قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» صحيح البخاري (1521)، ومسلم (1350) ومن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» صحيح البخاري (1773)، ومسلم (1349) فجاء في بيان الفضائل والأجور وما يترتب على امتثال تلك الأوامر من الخيرات والعطايا والهبات التي رتبها الله ـ تعالى ـ على الأعمال، هذا إذًا هو النوع الأول وهو ما كان في السنة مقررًا ومؤكدًا وذاكرًا لما في القرآن على وجه التأكيد له.

النوع الثاني مما جاء في السنة النبوية، ما جاء مبينًا لكتاب الله تعالى وما أجمل في كتابه سبحانه وبحمده كأمره ـ جل وعلا ـ بإقامة الصلاة في قوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ(البقرة:43﴾ وأمره بإيتاء الزكاة وأمره بالصوم وأمره بالحج وأمره بالبر وأمره بأداء الأمانات وما إلى ذلك من سائر ما جاءت به السنة من المجملات أو النصوص العامة التي جاء بيانها وإيضاحها في كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(النحل:44﴾ هذا هو النوع الثاني وهذا إذا تتبعناه وجدناه على أنحاء أي بيان السنة للقرآن جاء على أنحاء فجاء بيانًا لمجمل وجاء تخصيصًا لعلم وجاء تقييدًا لمطلق وجاء توضيحًا لمشكل.

 كل هذه المعاني مما جاءت به السنة في بيان القرآن فبيان المجمل كما ذكرت فيما يتعلق مثاله الصلاة جاء الأمر بها مجملاً في القرآن وجاء بيانها في السنة النبوية، تخصيص العام كقوله ـ تعالى ـ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ(النساء:11﴾ فإن الله ـ تعالى ـ بين قسمة الأموال، وجاء في السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يتعلق بشأنه وأنه ما تركه لا يورث فقتال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» صحيح البخاري (3093)، ومسلم (1759) فهذا بيان مخصص لما في القرآن من العموم وقد عمل به أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان ما تركه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدقة ولا تورث عنه فلم يرث منه أزواجه ولم ترث منه ابنته ـ رضي الله تعالى عنها ـ فاطمة لم ترث منه شيئًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببيان السنة.

جاءت السنة أيضًا بتقييد المطلق فقد قال الله ـ تعالى ـ بعد ذكر المواريث: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ (النساء:11﴾  وفي الآية الأخرى قال: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ (النساء:12﴾  هذا مطلق يشمل كل وصية يوصي بها الميت، لكن جاء في السنة منع الوصية للوارث كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «لا وصية لوارث» فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بين أن هذا الإطلاق في هذه الآية خارجٌ منه ما دل عليه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لا وصية لوارث» مسند أحمد (17663)، وقال محققو المسند: صحيح لغيره.

وهناك أيضًا أمثلة يتبين بها ما في القرآن من معاني كقوله ـ تعالى ـ:﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(المائدة:38﴾ هذه الآية الكريمة بينت حكم السرقة وما يترتب عليها من العقوبة لكن هذا لم يبين قدر المال المسروق ولم يبين من أين يكون القطع فجاء بيان ذلك بالسنة فلا قطع فيما دون ثلاثة دراهم، ربع دينار جاء ذلك في السنة وجاء بيان القطع أنه من المفصل مع أن اليد تصدق في اللغة على جميع ما يشمله العضو من رأس الأصبع إلى مفصل العضد مع الكتف هذا كله يد لكن السنة بينت أن القطع إنما يكون من مفصل الكف هكذا قال جماعة من أهل العلم في بيان السنة للقرآن والمقصود أنه لا غنى لأحد يريد أن يعرف ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وما جاء به من الهدى إلا بمراجعة السنة إلا بمعرفة ما كان عليه هديه وعمله وحاله وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

النوع الثالث من أنواع بيان السنة للقرآن هو بيان أحكام لم يأت بها النص في كتاب الله عز وجل وهذا كثير جدًا وهو مندرج في آيات الطاعة التي أمر الله ـ تعالى ـ المؤمنين بها في قوله ـ تعالى ـ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (النساء:80﴾ وفي قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر:7﴾ فإن هذه الآيات تدل على وجوب أخذ كل ما ثبت وصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قول أو عمل.

لذلك من المهم أن نعرف أن كل حكم نبوي لم يأت النص عليه في القرآن فإنه من القرآن بالمعنى العام الإجمالي لأن الله أمر بطاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر بالأخذ بما جاء به، فكل ما جاء في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه مندرجٌ في ذلك روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ «أنه لعن الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله» سمعت امرأة يقال لها أم قيس من بني أسد هذا القول عن عبد الله بن مسعود وكانت قارئة لكتاب الله فجاءت، وانتبه إلى هذه القصة، جاءت هذه المرأة إلى عبد الله بن مسعود فقالت: بلغني أنك تلعن الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله فمن أين لك ذلك، قال: ما لي، من القائل؟ عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أما وإنه في كتاب الله يعني هذا اللعن الذي أخبرت به في كتاب الله المرأة أصابها نوع من الاستفهام، كيف تلعن، كيف أن هذا اللعن في كتاب الله وهي قد قرأته، قالت أين هو في كتاب الله فإني قد قرأت ما بين دفتيه، يعني ما بين جلديه فلم أجده قال لها عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه لكن انتبه عبد الله بن مسعود لا يشير إلى القراءة اللفظية والقراءة التي يغيب فيها الإنسان عن إدراك المعاني إنما يريد عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ القراءة التي يتفهم فيها الإنسان ما يتلو ويدرك معاني ما يقرأ وهذه هي القراءة التي ينتفع بها صاحبها ويفهم ما أراد الله ـ تعالى ــ بيانه بكتابه، إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه ثم تلا قول الله ـ عز وجل ـ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(الحشر:7﴾صحيح البخاري (4886)

فاستدل عبد الله بن مسعود على أن لعن النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة إلى آخره في كتاب الله بهذه الآية لأنه قد جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكل ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو في كتاب الله، كل ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو في كتاب الله لأن الله أمرنا بأن نأخذ عنه والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فتح الله له في بيان الحق وهداية الخلق فتحًا مبينًا فكان لا يتكلم إلا بالحق ولا ينطق إلا به وهذا ليس لأحد من البشر سواه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس لأحد من الناس هذا الوصف إلا لنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولغيره من النبيين لكن لأمتنا ليس هذا لأحد إلا له ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقد قال الله ـ تعالى ـ له شاهدًا بهذا المعنى قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(النجم:3و4﴾ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يتكلم بشيء ولا يبين عن شيء إلا كان ذلك البيان وذلك الإيضاح هو هداية من الله ـ عز وجل ـ ومن وحي الله ـ عز وجل ـ الذي أوحاه لرسوله ولا تظن أن هذه الأحكام التي جاء بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي من قبل نفسه أو هي من رأيه بل هي من وحي الله له إما أن يكون وحيًا ابتدائيًا وإما أن يكون وحيًا اقراريًا أي أن الله ـ تعالى ـ يقره على اجتهاده وما بينه بالاجتهاد وفهم مقاصد الشريعة وإدراك معاني كلام الله ـ عز وجل ـ فيكون بذلك مدركًا للهدى مبينًا له وقد أقره الله ـ تعالى ـ على ذلك.

كل هذا الكلام يا إخواني، يقول القائل لماذا كل هذا الكلام لأننا نرى في الناس أو من بعض الناس إعراضًا عن السنة وتقليلاً لشأنها وهؤلاء يحرمون أنفسهم هذا النور، يمنعون أنفسهم من هذه الهداية كل من أعرض عن السنة فقد حجب عن نفسه نورًا من أنوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهداية من هداياته، الناس بأحوج ما يكونون إلى كل كلمة تكلم بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن كلامه هداية كلامه ببيان وإيضاح لما يصلح به معاش الناس ومعادهم ولذلك كان أعظم ما أصيبت به الأمة بموته ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو انقطاع الوحي عن السماء هذا أعظم مصاب أصيبت به الأمة عندما انقطع وحي السماء وحي القرآن ووحي الهداية التي جاء بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم ما أصيبت به الأمة هو انقطاع البيان الوحي القرآني والبيان النبوي لذلك فكان ذلك مصابًا عظيمًا حتى إن الصحابة كانوا يبكون على هذه النازلة العظمى وهي ما أصيبوا به من انقطاع الوحي ـ رضي الله تعالى عنهم ـ فكانت مصيبة على الأمة جمعاء لذلك ينبغي للمؤمن أن يحرص على فهم، على مطالعة كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقراءة سنته ومطالعة ما جاء به لأن هذا به تكمل له الهداية به يحقق الإيمان به يأخذ بخصال الإسلام وإنما نقول هذا الكلام لمعرفة منزلة السنة ومرتبتها من القرآن وأنها كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما صح عنه في المسند وغيره «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه» مسند أحمد (17174) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيحين، والذي مثله أي مثل القرآن هو سنة سيد الأنام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو قوله وعمله وبيانه وهداه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فحريٌ بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه أن يحرص على أن يعمل بعمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يأخذ بما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر:7﴾، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(الممتحنة:6﴾ فمن أراد الهدى والتقى والصلاح والسداد فليجتهد في الاستكثار من معرفة هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفهم ذلك حتى يدرك الهداية على أكمل وجهٍ وأبين سبيل ويكون ذلك زيادة في إيمانه وتحقيقًا لإسلامه وصلاحًا لشأنه فإن أكمل الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «وشر الأمور محدثاتها» صحيح مسلم (867) فكل محدثة خارجة عن هديه فهي ضلالة، نسأل الله أن يقينا وإياكم شر الضلال ما ظهر منه وما بطن.

كيف نعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا سؤال يحتاج إلى جواب إذا كنا نقول لن نحقق الإيمان كما ينبغي ولن ندرك الإسلام على الوجه الذي يرضى الله ـ تعالى ـ به عنا إلا بمعرفة السنة فسؤالٌ يرد إلى الذهن كيف نعرف سنته وقد مات ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا سبيل لنا إلى رؤيته حتى نتأسى به، السبيل هو الإقبال على الصحيح المنقول من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحيح المنقول من عمله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحيح المنقول من حاله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فبقدر إقبالك على ما تبين لك من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولاً وعملاً وإقرارًا وحالاً فإنك تدرك من هديه وتعرف من سنته المطلوب من إتباع هديه والأخذ بسنته والإتساء به، وقد قال الله ـ تعالى ـ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(الأحزاب:21).

إذًا الآن الطريق واضح إذا أردنا أن نعمل بالسنة فلابد لنا من معرفة أقواله من معرفة أعماله وأفعاله من معرفة أحواله من معرفة إقراره ـ صلى الله عليه وسلم، ـفالسنة تدور إما على قول نبوي وإما على فعلٍ منقول وإما على حالٍ من أحواله نقلت إلينا وإما على إقرارٍ منه صلى الله عليه وسلم:

مثال القول ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان» صحيح البخاري (8)، ومسلم (16) هذا يتبين به شيء من سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما قاله في شأن أركان الإسلام ودعائمه.

مثال الفعل ما جاء في صفة صلاته وصفة وضوئه وصفة قيامه في الليل كما جاء في الصحيح من حديث عائشة على سبيل المثال أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الليل فقالت: "كان لا يزيد على إحدى عشر ركعة في رمضان ولا في غيره وكان يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا" صحيح البخاري (1147)، ومسلم (837). هذا بيان لفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبه تتبين سنته هذا الطريق الثاني من الطرق التي يعرف بها ما كان عليه، ما نقل من أفعاله صلى الله عليه وسلم.

الطريق الثالث من طرق معرفة شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أخبر به من حاله، والحال هي صفة الفعل لكنها ليست كالفعل بل هي تصف، هي وصف إجمالي لشأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ذلك قولها في جواب من سألها عن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جواب عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ عمن سأل عن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: "كان خلقه القرآن" مسند أحمد (24601)، وقال محققو المسند: حديث صحيح، وكذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا سر بدا في وجهه وإذا غضب عرف ذلك في وجهه، هذا كله حكايات لحاله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبها تعرف سنته.

أما الطريق الرابع مما تعرف به سنته هو إقراراته، وإقراره هو أن يبلغه الأمر إما من قولٍ أو من فعل فلا ينكره ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بل من أهل العلم من عد ما جرى في زمانه مما يظهر ولم ينكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يعد دليلاً لإثبات الإباحة والجواز، مثال إقراره القولي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إقراره لقول أنه كان يلبي بقوله لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكان أصحابه يلبون بأنواع من التلبيات غير تلبيته بقول بعضهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل فكان يبلغه ولا يرده، هذا إقرار لقول فمن سنته ما دل على إقرارٍ لقول كهذا الذي جرى منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إقرار أصحابه على تلبياتٍ كانوا يلبونها خلاف تلبيته وكان يلزم تلبيته صلى الله عليه وسلم.

من أيضًا السنن الإقرارية التي أقر فيها عملاً وليس قولاً أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغه عن رجل من أصحابه أنه كان إذا صلى ختم الصلاة بقراءة سورة الإخلاص، هذا عمل ويمكن أن يقال بأنه إقرار على قول لكنه عمل باعتبار أنه فعلٌ في الصلاة أو جزءٌ من الصلاة فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما بلغه ذلك قال: «اسألوه لم يصنع ذلك» فقالوا له: لم تصنع ذلك قال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ـ «أخبروه أن الله يحبه» صحيح البخاري (7375)، ومسلم (813). لأنه أحب صفته فأحبه الله ـ جل في علاه ـ هذا إقرار حالي إقرار لفعلٍ فعله أحد أصحابه ـ رضي الله تعالى عنهم ـ بينما بلغه ذلك فلم ينكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

كل هذا مما تثبت به السنة فينبغي للمؤمن أن يحرص على مطالعة المنقول عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولاً وفعلاً وحالاً وإقرارًا فبها تتبين الأحكام الشرعية، بها يكمل لك الهدي النبوي الذي لا أكمل منه، فمن أراد خير الهدي الذي شهد له الله ـ عز وجل ـ بالكمال فإنه لا سبيل له إلى تحصيل ذلك إلا بمعرفة سنة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من حيث التطبيق العملي الآن عرفنا أنه لا يمكن أن نعرف السنة إلا بمطالعة ما جاء عنه من قول، مطالعة ما جاء عنه من فعل، مطالعة ما جاء عنه من حال، مطالعة ما جاء عنه من إقرار، لكن أين أجد هذا؟ أجدها في دواوين السنة فإن الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ بلغوا ما كانوا يتلقونه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسمعونه بلاغًا شافيًا واضحًا، استوعب وصف كل أحواله وأقواله وما تحتاج الأمة إلى بيانه في شأنها الخاص وفي شأنها العام حتى إن ما جاء في وصفه وأحواله استوعب الدقيق والجليل، الصغير والكبير، الخاص والعام حتى إنك ترى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماثلاً بين يديك بقوله وبفعله وبحاله وبإقراره من خلال هذا الوصف الشامل لذلك كله في أقوال أصحابه رضي الله تعالى عنهم.

فالصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ قاموا بعمل جليل وهذا مما ميزهم الله ـ تعالى ـ به ورفع به أقدارهم وعلا به شأنهم أنهم بينوا بيانًا وافيًا واضحًا جليًا ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا يتعبدون الله تعالى بذلك ويتحرزون في ذلك غاية التحرز ويتحرون في ذلك غاية التحري ويستحضرون قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» صحيح البخاري (1291)،ومسلم (4) فكانوا شديدي التحري فيما ينقلونه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي بيان ما أخذوه عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فلذلك نشروا السنة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وبذلوا الأنفس والمهج في بيان دين الله ـ عز وجل ـ حتى إن أبا ذر يقول: لو وضعتم الصمصامة على هذه كما في صحيح البخاري واستطعت أن أجيز كلمة سمعتها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن تجهزوا علي لفعلت، وهذا من شدة حرصه ـ رضي الله تعالى عنهم ـ على تبليغ الرسالة وعلى نقل ما علموه من هدي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أيها الأخوة: تلقى عن الصحابة من؟ التابعون ـ رضي الله تعالى عنهم ورحمهم ـ وتلقى عنهم تابعوهم ثم إن الصحابة منهم من كتم شيئًا من الحديث ومنهم من نقل ذلك لفظًا فأخذ العلماء في نهاية القرن الأول التدوين فدونوا السنة وابتدأ التدوين من عهد الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ لكن ظهر ذلك في أواخر المائة الأولى في زمن عمر بن عبد العزيز فكتب بعض أهل العلم ديوانًا في جمع أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم تتابع علماء الأمة في جمع أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان من أعظم الأعمال في ذلك ما فعله الإمام البخاري رحمه الله حيث جمع الصحيح من أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتعلقة بأيامه وأحواله وأعماله وسننه بأبي هو وأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان قبله أئمة علماء قد جمعوا وبعده كذلك فجمعوا للأمة أحاديث في دواوين بينة واضحة تكلموا عنها كلامًا واضحًا كما قلت منهم من اشترط الصحة ومنهم من لم يشترط وكانوا في ذلك على درجات ومراتب.

وأصول السنة في ستة أو سبعة كتب؛ وهي كتاب الإمام البخاري صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، ومسند الإمام أحمد هذه الكتب الستة حوت معظم ما يتعلق بسنة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهذا من فضل الله ـ تعالى ـ على الأمة لا يعني أنه ليس ثمة كتب أخرى ما بقي من الكتب هي خير وفيها نفع وفيها بيان لهديه لكن أصول أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم  ـ وما جاء عنه محفوظ في هذه الكتب السبعة أو الكتب الستة ولذلك احتفى العلماء بها واعتنوا بها بيانًا وإيضاحًا وشرحًا وتفصيلاً وتعليقًا وتناقلتها الأمة عبر قرون من القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا وهذه الكتب يتداولها علماء الإسلام ويتناقلها أهل الإسلام ويقرؤونها ويشرحونها ويبينونها لأنها حوت هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على وجه التفصيل الذي لا يترك شأنًا من شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا ويبينه.

بعد ذلك جرى من علماء الأمة نوع من التقريب للعلم لأن النفوس قد تعجز عن الوصول إلى هذه الكتب، فاجتهدوا في جمع أنواع من أنواع العلم فثمة أحاديث تتعلق بالآداب، أحاديث تتعلق بالفضائل أحاديث تتعلق بالأحكام، أحاديث تتعلق بالعقائد فصنف كل عالم من العلماء شيئًا من التصانيف، فصنف العلماء على اختلاف عصورهم في كل باب من هذه الأبواب، كل منهم أخذ بسهم، كل منهم ضرب في طريق، فاجتمع كمٌ كبير من الكتب التي تبين الأحكام وتبين الفضائل، تبين الآداب تبين الرقاق، تبين العقائد في كم كبير من المؤلفات التي إذا محصتها ونظرت بها وجدتها ترجع إلى تلك الأصول الستة أو السبعة التي فيها جمع هديه ـ صلى الله عليه وسلم  ـوما كان عليه من قولٍ وعملٍ وتقريرٍ وحالٍ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف