×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(2)عاشوراء دروس وعبر.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5443

المذيع: مرحبًا بكم مستمعينا الكرام في حلقتنا الثانية، وبالفعل سوف نتحدث -إن شاء الله- هذا اليوم عن موضوع مهمِّ ألا وهو "عاشوراء دروسٌ وعبر"، اسمحوا لي في بدء هذه الحلقة أن أرحب بضيفي وضيفكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد ابن عبد الله المصلح عضو الإفتاء، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم.

الشيخ خالد! السلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ: مرحبًا بك أهلاً وسهلاً، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، وأهلاً بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المذيع: حياكم الله، إذًا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة، سنتحدث عن موضوع "عاشوراء دروسٌ وعبر"، ويمكنكم أيضًا أن تشاركونا عبر  هشتاج برنامج "الدين والحياة" .

 برنامج "الدين والحياة" من خلاله -إن شاء الله- نستقبل مشاركاتكم وتفاعلكم معنا في هذه الحلقة، وفي هذا البرنامج بشكل عام، أيضًا هذه أجمل التحايا لكم من محدثكم عبد الله الداني من تقديم هذه الحلقة،  ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح.

 شيخنا نبدأ حديثنا في هذه الحلقة عن موضوعنا عن "عاشوراء دروسٌ وعبر"، ونحن بالفعل في هذه الأيام، وفي غمرة الشعور باليأس من البعض عندما تمرُّ بهم المُدْلَهِمَّات، وعندما يَدْلهِمّ الظلام والظروف تتكالب على المسلمين من كل حَدَبٍ وصَوْب من جراء تتابع النَّكْبَات والشدائد عليهم أحيانًا، يكون هناك نوع من اليأس من البعض، وهذا أمرٌ خاطئٌ ولا شك في ذلك، ولكن يأتي يوم عاشوراء يذكِّرُنا ويذكر الأمة أنه لا شيء يقف أمام قوة الله -سبحانه وتعالى-، ولعلنا نَستَلْهِم الكثيرَ من الدروس والعبر من هذا اليوم، فتفضلوا بارك الله فيكم.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد،،،

 فأهلاً وسهلاً بك أخي عبد الله والإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، ولا شكَّ أن الموضوع الذي طرحتَ من حيث آثار ما يقع في النفوس من تذكِّر أيام الله -عز وجل- التي خَلَت في الأمم السابقة، والتي جرت في وقائع الزمان مما يَشْحَذ في النفوس العِبَر والعظات، ويلهمها أنواعًا من الاعتبار الذي يجعلهم يستلهمون الواقعَ أو يقرءون الواقع، ويستشرفون المستقبل من خلال سنن الله تعالى التي أجراها في الأمم السابقة، ولذلك إن كان القرآن الكريم  وكرر الله تعالى فيه ِمن أخبار مَن خلا من أخبار الأمم السابقة ما فيه عبرة وعظة، ولقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}(يوسف:111) فجعل الله تعالى المقصودَ الأعظم من تلك الأخبار التي ملأ بها الكتاب العظيم والقرآن المجيد الذي هو كتاب الله الخاتم ورسالته للبشرية كافَّة.

جعل الله تعالى ذلك لأجل أن يعتبر من يعتبر، ويتَّعِظ من يتعظ من الناس بما في هذا الكتاب من المواعظ والعبر والعظات، وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم موسى -عليه السلام- كما ذكر في محكم التنزيل أمر الله تعالى موسى -عليه السلام- بأن يذكِّر الناس بما منَّ الله تعالى، بما أجراه من أيام الزمان فقال الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}(إبراهيم:5)، فأيام الله هي ما أجراه الله -جل في علاه- من العِبَر والعظات التي فيها من الوقائع ما ينبغي للمؤمن أن يقف عنده، ويتذكر ما فيه من عظاتٍ وعبر يحسن بها النظر في الواقع وتحليله، وما يكون فيه مما يحتاج إليه الناس، كما أنه ينظر ويستشرف المستقبل، فإن المستقبل هو فرعٌ عن الواقع، ومن لا ينتفع بالواقع والجاري في أيام الله -عز وجل- والأيام الماضية، فإنه لن ينتفع من تجارب الآخرين التي من خلالها يعرف ما يمكن أن يقع في أيام الزمان وحوداثه، وقد قيل: إن السعيد من وعِظ بغيره، والله تعالى كرَّر وأعاد وأبدى من قصص المتقدمين ما فيه عبرة وعظة، ليس ذاك للتسلية ولا لشغل الوقت، ولا شيء من ذلك بالكلية إنما كان ذلك التذكير الذي جاء في كتاب الله -عز وجل- مما جرى للأمم السابقة غايته وغرضُه ومقصوده هو تنبيه الناس إلى ما ينفعهم، وإلى ما يعتبرون به، وينتفعون فيما يستقبلون من حوادث الزمان، ولهذا هذه الحوادث التي قصَّها الله تعالى في كتابه ينبغي لأهل الإيمان أن يقفوا عندها وقفةَ اعتبار، وقفة اتعاظ، وقفة تدبُّرٍ، وقفة تأمُّل، وقفة نظر ليس المقصود أن نقرأ هذه القصص ونستمتع بأحداثها وفصولها كما أننا ننظر في أحوال الناس على وجه الاستشراف لأحداث واقعهم وما يكون من أحداث زمانهم، إنما المقصود من ذلك أن ينظر الناس بعين الاعتبار لتلك الحوادث التي تفيدُهم صبرًا وشكرًا.

 لذا لو على سبيل المثال وقفنا على أمر الله -عز وجل- بالتذكير بأيام الله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(إبراهيم:5) هذا مقصود الرسالة، ثم قال الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ}(إبراهيم:5) أي في هذا التذكير بأيام الله وما أجراه الله تعالى من حوادث الزمان التي تناقلَتْها الناس واشتهرَت بينهم، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}(إبراهيم:5) أي لَعِبَر وعظات {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}(إبراهيم:5).

 وانظر كيف جمع الصبر والشكر؟ لأن الحوادث التي مرَّت والتي وقعت هي إما نعمٌ يتركها الله تعالى ينظر عواقبها، أو بلايا ابتلى الله تعالى بها الناس لينظر عواقبها، فهي تفيد فائدتين:  فائدة الصبر عند البلاء، وفائدة الشكر عند السراء، وهذه حال المؤمن أنه لا يخلو في نظره في وقائع الزمان وحوداثه بين أن يكون صابرًا على أقضية الله وأقداره التي لا تلائمه، ولا يحبها، ويكرهها، وبين أن يكون شاكرًا لما أفاض الله تعالى عليه من النعم، وما بَلَّغه إياه من المِنَن، وما وصله إليه من أوجه الإحسان .

ولذلك من المهم لكل مؤمن ومؤمنة أن نجعل مَنهجًا لنا في نظرنا واعتبارنا بما قصَّه الله من القصص، الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ }(يوسف:111). وهذا يبين أن القصص المذكور في القرآن ليس غرضه ولا مقصوده مجردَ الحكاية كما يتسلَّى الإنسان بحكاية المتقدمين، وذِكْر ما يكون من حوادث الزمان الواقعة لأجل التسلية والترويح عن النفس والسرور بالأخبار، لا، المقصود أعظم من هذا، وهو الاعتبار {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى }(يوسف:111) ثم يؤكد الله تعالى أن هذا القصص في غاية الدِّقَّة لأجل أن تكتمل الهداية، ويكتمل الانتفاع {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}(يوسف:111)، هذا الذي نخبركم به في القرآن ليس أساطير وأكاذيب إنما هو تصديق لما في سابق الزمان ووصفٌ دقيق وعميق لما جرى من أحداث، ووقع من أيامٍ لأجل أن يحصل الهداية والرحمة لقوم يؤمنون، لذلك قال:{وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف:111).

أخي عبد الله، أخي الفاضل المستمع الكريم والمستمعة الكريمة! أنا أقول: عندما نستمع إلى قصص القرآن يجب أن ننطلق من هذا المنطلق حتى ننتفع من هذه الآيات والعبر، أن نتذكر أيام الله، نتذكر تلك القصص للاعتبار والعظة، ولما فيها من الأسرار، والله تعالى انتقى أحسنَ القصص فبلَّغنا إياه في كتابه، ولذلك يقول -جل وعلا-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }(يوسف:3)، فالذي في القرآن ليس قصصًا عادية، أو قصصًا من هَمَل قصص التاريخ، لا، هي أحسن القصص التي مرَّت على البشرية، وهذا الحكم ليس حكم شخصٍ روائيٍّ أو صاحبِ نظرة قاصرة على نمط أو جانب من جوانب تقييم الروايات والقصص، إنه تقييم ربِّ العالمين للقصة كاملةً، ولعبرها وعظاتها، وما فيها من الحِكَم، وما فيها من الأسرار، وما فيها من الفوائد، وأوجه الاتفاق، كل ذلك يندرج في قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}(يوسف:3).

  وهنا تنبيه، أن هذه القصص تُذهب عن الناس الغفلة، هذه القصص تُحيي في القلوب الذكرى، ولذلك فيما ذكرنا قبل قليل في أمر الله لموسى بالرسالة{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ  لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}(إبراهيم:5).

  هي تخرج الإنسان، هذه القصص المفترض أنها تُخرجنا من كل ما يكون من المعاني السلبية إلى المعاني الفاضلة الإيجابية التي تشحن النفوس بالسموِّ، التي ترتقي بالقلوب، التي تسمو بالأرواح إلى أن تُحسِن التعامل مع الواقع، وتستشرف المستقبل.

فيما يتعلق بعاشوراء قصتُه جاء بيانُها في كتاب الله -عز وجل- بيانًا واضحًا جليًّا في مواضع عديدة، إن بيان خاتمة هذه القصة وهو ما أجراه الله تعالى من إنقاذ موسى -عليه السلام- وقومه وقعت في هذا اليوم ، روى البخاري في صحيحه من حديث سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة، وكان مقدمه المدينة -صلى الله عليه وسلم- بعد بعثته بثلاث عشرة سنة، جاء -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مهاجرًا، وقد جاء إلى مجتمع يختلف عن المجتمع المكِّي، فالمجتمع المكي كان مجتمعًا عربيًّا خالصًا ينقسم إلى مؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم قِلَّة مستضعفة، وكافرٍ مشرك وهم الأكثرية، والذين لهم السطوة والقوة، لما انتقل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة جاء إلى مجتمع مُختلِط، به مؤمن به، وفيه مكذِّبٌ له من العرب، وهذا عامل وعنصر جديد على المجتمع المسلم، وهم اليهود الذين كانوا من أهل الكتاب، وهم الذين كانوا يستفتحون على الناس أنه سيأتي رسولٌ فيتبعونه، ويكون لهم به الظهور والغلبة على الناس.

جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى اليهود، وهم أهل كتاب يؤمنون بموسى وإن كانوا قد كذَّبوا بعيسى، لكنهم كانوا على أَثَرةٍ من علم بما بقي من آثار الكتاب الذي لم يحرَّف، وإلا  فغالب ما في التوراة جرى عليه من التحريف والتبديل ما جرى، جاء فوجدهم يصومون يوم عاشوراء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالح، إذًا وصفوا هذا اليوم بأنه يومٌ صالح، ومعنى يومٌ صالح: أنه من الأيام الصالحة، بيَّنوا ذلك فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهم، بنو إسرائيل المقصود به موسى -عليه السلام- ومَن آمن مِن بني إسرائيل به، وكان من آمن من بني إسرائيل عددًا قليلًا؛ لشدة سطوة فرعون وغلبته على الناس في ذلك اليوم، والعدو الذي أظهر الله موسى وقومَه عليه هو فرعون ملك مصر الطاغية، الذي ذكر الله تعالى من أخباره في محكم الكتاب ما تَبيَّن به عظيمُ كفره وشديد جحوده وعناده، ومحاربته لله ولرسوله.

هذا يومٌ صالح، يوم نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوه فرعون، فصامه موسى شكرًا لله -عز وجل- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « أنا أحقُّ بموسى »[صحيح البخاري:ح2004]، وفي بعض الروايات قال -صلى الله عليه وسلم- :«أنا أولى بموسى منكم»[صحيح البخاري:3397، ومسلم:1130/127].

 نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بموسى من بني إسرائيل؛ لأن الولاية الحقيقية التي تكون بين الناس لا بالنسب،  يعني من حيث النسب  بنو إسرائيل ألصق نسبًا بموسى، لكن الولاية والقُربى إنما تكون حقيقةً بالمعنى الذي لا يتزحزح، ولا يزول، ويختصر كلَّ الفروقات، وتذوب أمامه كلُّ التنوعات، وهو أُخوَّة الدين، وهو الارتباط بدين رب العالمين، بالعبودية لله الواحد الديان.

هذه هي التي تختصر كلَّ الفروقات التي تكون بين الناس، سواء كان فروقات عرقِيَّة جنسية تتعلق بالنسب، تتعلق بالمال، تتعلق بالجاه، تتعلق بالمناصب، تتعلق بالمكان، تتعلق بالزمان، حتى الزمان تزول كل الفروقات بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين موسى -عليه السلام- من القرون الشيء غير القليل، ومع هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بموسى منكم»؛ لما بينهما من الارتباط في تحقيق العبودية لله -عز وجل-، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات:10).

 هذا المعنى جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يبادِر إلى شكر الله -عز وجل- بصوم هذا اليوم، فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصومه، وصيامه ثابتٌ ثبوتًا بينًا واضحًا، لا مجال لأن يأتيَ مُتعالِم ويقول: إن صومه أُكذوبةٌ، أو إنه لا فضيلةَ فيه، فصوم يوم عاشوراء ثابتٌ بالسنة النبوية المطهرة، وعليه عمل أهل الإسلام، فإذا جاءنا اليوم من يقول للناس: إن صومه أكذوبة، فالأكذوبة هي ما تفوَّه به، وما تكلم به، وهو صادر إما عن جهلٍ، وإما عن غِوايةٍ وضلالة، وأما الثابت في السنة فهو واضحٌ بيِّن، وعليه تواطأت كلمات العلماء، فليس أمرًا حدث في الناس قريبًا، أو يرى إحداثه في قرنٍ من قرون الأمة، إنما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه، وهو العمل الذي امتدَّ إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القائل: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع»[صحيح مسلم:1134/134]، لأصومن التاسع يعني مع العاشر المقصود أن هذه الأمة أمة يرتبط أولها بآخرها، ولما نقول: الأمة لا نقصد بذلك أمةَ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بل أمة أهل الإيمان الذين يندرجون في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:« السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»[صحيح البخاري:831]، هذا المعنى يصيب به الإنسان السلام على كل مسلم ومؤمن في السماء أو في الأرض، هذا المعنى وهو تحقيق العبودية لله يجعل الأمة أمة واحدة كما قال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:92) هذا المعنى أقول: من المهم أن نستحضرَه، وأن يكون حاضرًا في أذهاننا ليتبين لنا أن صومَنا في هذا اليوم هو من شكر الله -عز وجل- على هذه النعمة التي تفضَّل بها على موسى -عليه السلام-، وأن النصر الذي أجراه الله تعالى لموسى -عليه السلام- ليس نصرًا خاصًّا به، ولا بمن كان معه، ولا بمن آمن به واتبعه، بل هو نصرٌ لكل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، في سابق الزمان وحاضره.

 وقد قال الله تعالى فيما وقع بين أهل الكتاب الروم، والفرس المجوس قال الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ }(الروم:4و5) فجعل نصرَه لأهل الكتاب في ذلك الزمان على المجوس المشركين نصرًا منه -جل وعلا-، وجعله مُوجِبًا لفرح المؤمنين بهذا النصر، رغم اختلاف الديانة بمعنى رغم اختلاف الأتباع، هذه الأمة تتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وتؤمن به والنصارى الذين ذكرهم الله تعالى كانوا يؤمنون بعيسى عليه السلام، ولم تبلغهم رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد، لكن جعل نصرهم نصرًا يوجب فرحَ أهلِ الإيمان.

المقصود، خلاصة الجواب، أو خلاصة الحديث عن هذه النقطة حتى ننتقل إلى ما بعدها أن هذه الأمة أمة واحدة، وأن ارتباط هذه الأمة ارتباط وثيق لا يزحزحه اختلافُ رسول، لا يزحزحه اختلاف شريعة، لا يزحزحه اختلاف مكان، لا يزحزحه اختلاف جنس، لا يزحزحه اختلاف زمان، بل كما قال رب العالمين: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:92) .

ولكن يجب أن يُعلم أن كل من لم يقبل دعوةَ النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الهدى والنور فإنه خارج عن هذه الأمة اليهود والنصارى وغيرهم ممن رفضوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به، هؤلاء ليسوا من هذه الأمة، إنما الحديث عن الأمة المؤمنة بموسى الذي بشَّر بمحمد، الحديث عن الأمة المؤمنة بعيسى الذي بشَّر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أحمد {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}(الصف:6)، هؤلاء أمة واحدة، وأما مَن ترك ما أمَرَتْه به رسله من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والانقياد له، والقبول لرسالته فهؤلاء خارجون عن هذه الأمة، فلا يتَّصلون بها، وليسوا منها، بل هم خارجون عن أمة الإسلام، التي هي الأمة التي تنتظم جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم -عليه السلام-إلى خاتمهم محمد بن عبد الله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:92)  .

المذيع: شيخ خالد بعد هذا السرد الرائع والجميل من فضيلتكم حول هذا الموضوع المهم عن "عاشوراء دروسٌ وعبر" هنا مَلمحٌ فيما يتعلق بنصر الله -سبحانه وتعالى- لموسى -عليه السلام- عندما قال -سبحانه وتعالى- على لسان قوم موسى الذين آمنوا به: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}(الشعراء:61)، فردَّ عليهم موسى -عليه السلام-: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(الشعراء:62) هل هناك ملمحٌ خفيٌّ في هذا الجانب خاصة عندما تدلَهِمّ الخطوب؟

 وفي ذلك أيضًا في الجانب الآخر فيما كان فيه جواب موسى -عليه السلام- على قومه الذين قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}(الشعراء:61) الذي فيه قوة الإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى.

الشيخ: أخي الكريم الأخ عبد الله، وأيها الإخوة والأخوات المستمعون والمستمعات! لو سألنا سؤالاً، ولعلي أسأل هذا السؤال ما هي أعظم قصة قصَّها الله تعالى في كتابه الحكيم؟

المذيع: قصة موسى.

الشيخ: المتبادر إلى أظن أنا أعطيت مُهلة دقيقةً أو أقل لتجيبوا في أنفسكم يعني لو قيل لنا: إيش القصة التي تمثل أعظم قصة في القرآن؟ الكثير سيكون الجواب، ولعلي أسمع منك الجواب يا أخ عبد الله ونقيس عليك بقية المستمعين.

المذيع: قصة موسى عليه السلام.

الشيخ: يعني لو قيل لك يا أستاذ عبد الله: إيش أعظم قصة في القرآن الكريم؟

المذيع: هي قصة موسى عليه السلام؛ تكررت أكثر من مرة وجاءت في أكثر من موضع.

الشيخ: هذا الجواب السليم، لكن الجواب الذي أتوقَّع أنه متبادر لذهن كثير من السامعين: إنها قصة يوسف -عليه السلام-؛ لأن الله تعالى قال: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}(يوسف:3)،   هذه في مطلع سورة يوسف، ولذلك بعض الناس يظن، وكذلك بعض أهل العلم أن المقصود بأحسن القصص هو هذه القصة قصة يوسف -عليه السلام-.

 كل قصص القرآن حسنة عظيمة، لكن أحسن القصص وأوفاها وأشملُها في بيان العبر والعظات هي قصة موسى، وهذا الجواب سؤال يمكن أن يتبادر للذهن لماذا كرَّر الله قصة موسى؟ لماذا أعاد الله تعالى وأبدى فيها في كتابه الحكيم كثيرًا حتى إنها أكثر القصص ذكرًا وبيانًا وإيضاحًا، لماذا؟

الجواب على هذا: أن قصة موسى -عليه السلام- كان فيها من العظات، وفيها من العبر، وفيها ما تحتاجه هذه الأمة، لاسيما وأنها أمة ستقابل اليهود، وسيكون بينها وبينهم من المواقف ما يمتد إلى أَمَدٍ بعيد، كانت هذه القصة حَرِيَّةً بالذكر والتكرار، وإن كان الجميعُ يندرج في قول الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ }(يوسف:111) لكن هذه القصة لها من المزيَّة والمكانة والمنزلة ما جعل الله تعالى يكررها إجمالاً وتفصيلاً وتركيزًا على بعض المواقف، وطويًا لبعض الأحداث، وتفصيلاً لها في موضعٍ آخر، ولذلك ليس في قصص القرآن تكرارٌ محضٌ.

 وهنا تنبيه مهمٌّ فيما يتعلق بقصص القرآن، ما في قصة تأتي مكررة بدون أي معنى، بل في كلِّ موضع تُذكر فيه القصة ستجد فيها من الإضافات والإلماحات والتنبيهات والعظات والعبر ما ليس في الموضع السابق، ولهذا ليس التكرار تكرارًا إخباريًّا فقط لأحداث وقعت أعاد الله تكرارها، لا، الله تعالى يكرر القصص ولتكراره في كل موضع من العبر والعظات ما ينبغي أن يقف عنده أهل العلم، وأهلُ البصر، وأهل الإسلام، وتالي القرآن حتى يسْتَلْهم ما فيه من العظات والعبر، ولهذا طريق الوصول إلى تلك الفروقات إنما هو بالتدبُّر، وأن يقرأ القرآن بقلب حاضر، أما الذي يقرأ القرآن بقلب غائب فإنه لا يتمكن من الوقوف على الأسرار في تكرار قصص القرآن.

 لعلي قبل أن ألج في مسألة هذا اليوم، وما فيه من نصر الله -عز وجل- للنبي صلى الله عليه وسلم ولموسى -عليه السلام-، وما يتصل بهذا الجانب نستعرض شيئًا يسيرًا من خبر هذه القصة.

 ابتدأت هذه القصة -قصة موسى عليه السلام- بأن الله تعالى هيَّأه، كان فرعون متسلِّطًا على بني إسرائيل، وعلى عموم المصريين، لكن على بني إسرائيل على وجه الخصوص؛ لأنه نُبىء مِن قِبَل سحرته وبعض المنجِّمين أنه سيخرج من هؤلاء من يذهب بملكه، فعَمَد فرعون إلى استحياء نساء بني إسرائيل وتذبيح  أبنائهم، لكن هذا لم يستمر كلَّ سنة؛ لأنه كان يحتاج إلى أن يستبقيَ من ذكور بني إسرائيل من يستعملهم في الخدمة، ولمَشَاقِّ الأعمال، لكنه كان يقلِّل منهم بعملية الذبح لهم، واستبقاء النساء، والتسلط عليهم.

قدر الله أن موسى - عليه السلامر- ولد في السنة التي كان يذبح فيها فرعونُ رُضَّعَ بني إسرائيل أو من ولد من بني إسرائيل يذبحه، فكان ما كان من تهيئة الله تعالى لموسى أن حفظه، وأَلقَت به أمُّه في اليمِّ، ثم التقطه آل فرعون، وجرى ما جرى من أن استثني هذا المولود من سائر الأولاد الذين يذبحون في تلك السنة، ورُبِّيَ في بيت فرعون على نظر أمه كما قص الله تعالى في محكم كتابه.

 نشأ موسى -عليه السلام- وترعرع في ظل فرعون، وفي بيته وكان ما كان من خروجه من مصر على الحادثة التي قصَّها الله تعالى، ثم حصل أن نُبِّىء موسى -عليه السلام-، وهذا هو موطن الشاهد أو بداية قصة موسى وفرعون أن موسى -عليه السلام- جاءه الوحي، وكان الوحي مميّزًا لموسى -عليه السلام- حيث إنه ابتدأه الله تعالى  بالوحي مباشرة ليس برسول، بل ناداه بنفسه، وهذا السبب في تسمية موسى -عليه السلام- كليمَ الرحمن؛ لأنه ابتدأ الله تعالى وحيه إلى موسى بأن كلمه، والذي كلَّم الله -عز وجل- نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، كلم الله -عز وجل- في مواضع عديدة، ومنها ليلة الإسراء والمعراج، وكذلك المرسلون كلَّمهم رب العالمين، ولكن الذي ميَّز موسى، ومن أجله وصف بأنه كليمُ الرحمن أن الله ابتدأه بالوحي تكليمًا مباشرة، فناداه وناجاه -جل في علاه- فقال: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(القصص:30)، وأمره بالرسالة، وأمره بأن يذهب إلى فرعون، لماذا يذهب إلى فرعون؟ لأن تحت يديه بني إسرائيل الذين هم أتباعه، الذين هم تتوجه إليهم الرسالة؛ لأن موسى لم يبعث للناس عامَّة بل بعث إلى بني إسرائيل الذين كانوا تحت ملك وقهر فرعون، فلذلك أرسل إليهم، فلذلك أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون لأجل هذا المعنى، وإلا فرسالة موسى خاصة لبني إسرائيل، ولا تشمل جميع الناس.

جاء موسى إلى فرعون بما جاء به من الهدى ودين الحق، فقال له فرعون مستكبرًا معاندًا: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ}(الشعراء:23 -24)، ثم مضى موسى في تبيين صفات رب العالمين الموجبة للإيمان به {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ}(الشعراء:26) {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}(الشعراء:28) {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(طه:50) ومضى موسى في التعريف برب العالمين مع أن سؤال فرعون لم يكن سؤالَ استرشاد، ولم يكن سؤال استفسار، ولم يكن سؤالَ استفهام عن الرب الذي يدعو إليه موسى، إنما كان استكبارًا وعنادًا، ولذلك كان يعقِّب على أسئلة موسى بنوع من الاستخفاف {أَلا تَسْتَمِعُونَ}(الشعراء:25) {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}(الشعراء:27)، كل هذا على وجه الاستكبار والاستخفاف بهذه الدعوى، موسى -عليه السلام- لم يلتفت إليه بل مضى في التعريف برب العالمين.

 فرعون لما مضى ورأى هذا الإصرار، لما مضى موسى ورأى الإصرار منه في تبليغ الرسالة كان منه أن بدأ بالتهديد، قال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}(الشعراء:29) ،  قال له موسى ليقطع عليه الطريق قال: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}(الشعراء:30)، يعني تفعل هذا وتسجُنني ولو جئتك بشيءٍ مبين واضحٍ ظاهر في الدلالة على صدق ما جئت به؟، فجاءه بالآيات من اليد التي كانت تُشِعُّ نورًا وتضيء، ومن العصا التي وضعها فالتقطت ما كان يأفِكُه الساحرون فتنقلب العصا إلى ثعبان، إلى حيَّةٍ تسعى، قال له بعد أن جاء بهذه الآيات البينات، قال: هذا سحر مبين، وجحد فرعون بهذا البيان العظيم، والآيات الكبيرة التي جاءت مصدِّقَة لموسى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا }(النمل:14) {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}(الأعراف:132)، هكذا في إصرارٍ على الكفر واستكبارٍ على الهداية فما كان؟.

المذيع: مع كثرة الآيات وتنوعها يا شيخ خالد.

الشيخ: نعم، كما ذكر الله تعالى، الله تعالى أرسل إليهم آيات متنوعة {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}(الإسراء:101)، فهذا من أكثر الرسل قبل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- آيات موسى- عليه السلام-، وكانت الآيات مستمرةً، يعني فرعون لم تكن الآية فقط عند بداية الرسالة بل حتى إلى الرَّمَق الأخير كما سيأتي بيانه بعد قليل في الرمق الأخير وهي يعاين  الآية العصا التي ضرب موسى بها موسى البحر {فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}(الشعراء:63)، لكن استحكمت غِوايتُه، وتمكَّن الكفر من قلبه، وعميت بصيرته فأصَرَّ رُغم كثرة الآيات وتنوُّعِ الدلالات الدالة على صدق موسى، وأن ما جاء به حقٌّ وهدىً من رب العالمين.

استكبر فرعون على موسى ومضى في غيِّه، فلما أغلق الطريق أمام موسى -عليه السلام- في تبليغ رسالة رب العالمين أمره الله تعالى بأن يخرج من مصر، يخرج منها ببني إسرائيل ليحققوا العبودية لرب العالمين، ويتركوا هذا المستكبر الطاغية الذي تجبَّر عليهم وتسلط، قال الله تعالى فيما أوحاه إلى موسى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}(الدخان:23).

 انظر، أمرَه الله بالخروج ليلاً، ثم أخبره أنه لن يخرج آمنًا بل سيتبعه فرعون وجنوده: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}(الشعراء:53)،  فرعون لم يكتف بجنوده الذين هم تحت يده وهم كُثُر، بل أرسل في المدائن أي في مدن مصر وجهاتها وأطرافها وجوانب ملكه، حشد حشدًا عظيمًا من الجنود، وقال: هم شرذمة قليلون كما وصفهم هو بقوله كما قصَّ الله: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}(الشعراء:54) طيب إذا كانوا شِرذمة قليلين كما وصف، إذا كانوا على هذا النحو من القِلَّة والضعف والهوان، فلماذا ترسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل جنديٍّ يقاتل معك، ويُظهِركم على موسى وقومه؟، لكن الله -جل وعلا- أراد أن يخزيه، وأن يظهر له أن هذه القوة مهما عظمت فإنه لا تقف أمام الله وقَدَره وما يجريه من آياتٍ {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}(الشعراء:54 - 56).

 فأخذ فرعون كل أسباب الهدف، وهيَّأ جيشه، وجهَّز جنده لملاحقة موسى ومن معه، وجاء بهم من كل مكان، فخرج فرعون وقومه من مصر أرضِ الجنَّات والعيون والكنوز والمُقام الكريم لأجل ماذا؟ لقتل موسى ومن معه، ولو تركهم  لما كان ما كان مما أجراه الله تعالى وجعله آية، خرجوا بَغيًا وعدوًا فأدركهم فرعون، أدرك فرعون موسى وقومَه، موسى توجَّه إلى جهة المشرق، ولما بلغ منتهى المشرق الذي قُبالة البحر كان فرعون قد أدرك موسى ومن معه، فوقع  الآن موسى بين عدوٍّ يطلبه من خلفه، وبين بحرٍ يمنعه من الاجتياز والوصول إلى الجهة التي يريد، فما كان من أصحاب موسى إلا أن دخلهم الخوف ودبَّ في قلوبهم نوعٌ من التشكك؛ لأنهم يعاينون الخطر أمام أعينهم، ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم فقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}(الشعراء:61) يا موسى إنا لمدركون، سيدركنا فرعون وقومه، وكأنهم يقولون: يعني إنك وَحَلتَنا ماذا سنفعل؟ ما المخرج؟ كيف النجاة من هذه الورطة؟ فانظر إلى ذلك الثبات العظيم، وذلك اليقين الراسخ، وذلك التصديق المتناهي بوعد رب العالمين والثقة به -جل في علاه- قال: {قَالَ كَلَّا}(الشعراء:62) موسى -عليه السلام- قال: كلا لن يكون الأمر كما تتصور، كلا، وهي كلمة ردع وزجر وطلب كفٍّ عن هذه الظنون والأوهام  الكاذبة {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(الشعراء:62)  إن معي ربي، من هو ربي؟ الذي أؤمن به، والذي أمرني بالخروج، والذي وعدني بالنصر، والذي بيده ملكوت كل شيء، إنه ليس ربًّا من هذه الأرباب التي تُعبد من دون الله، ولا تحقِّق نصرًا، ولا تجلب خيرًا، ولا تدفع شرًّا، إنه الله رب الأرباب رب العالمين، إنه ربي سيهدين.

 هذه الثقة التامة بالله التي لا تكون إلا لأصحاب القلوب المؤمنة التي رسخ الإيمان في قلوبها{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(الشعراء:62)   أي سيدلني على ما أخرج به من هذا المأزق، وليس فقط دلالة بل دلالة وإعانة، والدلالة هنا تطلق على معنيين:

 معنى الدلالة والإرشاد، وتطلق على معنى التوفيق والإلهام الذي يحصل به المقصود، ويحصل به إدراك المطلوب، فجاء الوحي من رب العالمين مباشرة، ما فيه فاصل.

جاء الوحي من رب العالمين {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}(الشعراء:63)، موسى أنت الذي وثقت بي وقلت: لئن جاءتني الهداية، جاءتك الهداية والمخرج الذي تخرج به وقومك من هذا المأزق { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}(الشعراء:63)، البحر وهو الماء الشاسع المتلاطم الذي فيه من الكثرة والوَفْرة ما لا يمكن نزحُه بعصا يضرب بها البحر، لكن هو أمر الله الذي إذا أراد شيئًا إنما يقول له: كن فيكون، فضرب موسى البحر، الله -عز وجل- وعد موسى فقال: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}(الشعراء:63)، ثم جاءت النتيجة {فَانفَلَقَ}(الشعراء:63) أي انقسم البحر فكان كل شقٍّ: التصوير الإلهي لأثر تلك الضربة بتلك العصا، يد موسى يضرب بها بحرًا، يد موسى تضرب بعصى بحرًا عظيمًا متلاطمًا فينتج عنه انفلق {فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}(الشعراء:63) أي كالجبل الكبير الشامخ الذي لا تُرى قمَّتُه لعلوِّه وسموِّه سار موسى -عليه السلام- في تلك الطرق التي فُتحت له في ذلك البحر، وسلكوا ذلك الشقَّ العظيم، فرعون وراءهم يُبصر هذه الآية، لو كان له قلبٌ لكان ثبت بإيمانه، ولعلم أنه ليس بسحر؛ لأنه لو كان سحرًا ما كان يدخل هذا البحر؛ لأن السحر يغشم الأعين لكن لا يَقلِب الحقائق، ما فيه سحر في الدنيا يقلب حقائق الأشياء إنما هي قدرة رب العالمين، فقامت عليه الحجة، وهذا من رحمة الله وعظيم إقامته الحجج على عباده أن أقام عليهم الحجة قبل أن يهلك، وكان هلاكه في آية من آيات الله -عز وجل- {فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}(الشعراء:63).

دخل موسى -عليه السلام- وقومه حتى إذا نجوا وتجاوزوا ذلك البحر وقفوا، وإذا بفرعون وقومه قد سلكوا الطريق وشقُّوا نفس السبيل الذي دخله موسى ومن معه، فلما توسَّط فرعون وقومه بين جبال الماء أطبق الله تعالى عليهم الماء من كل جانب فأغرقوا أجمعين، كما قال رب العالمين: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}(الزخرف:55) {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}(الدخان:29)، هذه عاقبتهم كانوا عبئًا على الأرض، فخفف الله تعالى الأرض منهم بإهلاكهم لقطع فسادهم وإزالة طغيانهم، وما كانوا عليه من تجبُّرٍ واستكبار.

قال الله تعالى بعد ذلك: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}(غافر:45)

العذاب السيء الذي ساءت به حالهم، وزالت به نعماؤهم فكم من جناتٍ تركوها، وكم من زروعٍ هجروها، وكم من مقامٍ كريمٍ خلَّفوه وراءهم وجاءوا إلى حتفهم، فكانوا في هذا الموقف العظيم الذي أظهر الله تعالى به موسى وقومه.

 ولاستكمال القصة فقط الثانية لم تنته عقوبة فرعون عند هذا الحدِّ، بل جعله الله آية وعبرة للعالمين بإبقاء جسده كما قال رب العالمين: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}(يونس:92)، فنجَّاه الله تعالى ببدنه، وجعله لمن خلفه آية، من خلفه؟ هل هم بنو إسرائيل الذين عاينوه على غرقه وبعد موته؟ أم هم الناس بعد ذلك إلى يومنا هذا؟ كما يقال في جثة فرعون؟ وجثَّته محفوظة الآن وموجودة في مصر، الله أعلم بحقيقة الأمر، لكنه عبرة سواءً لمن شاهد جثته أو لمن سمع خبره، فإنه عبرة وعظة لكل مستكبر يستكبر على الله -عز وجل- وعلى رسله، ولا ينتهي هذا على هذا الحد، بل كما قال الله تعالى في حياتهم البرزخيَّة، وهي التي تكون ما بين الحياة الدنيا ويوم القيامة: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}(غافر:46) فالعقوبات لم تكن ظلمًا من رب العالمين لهم، ولذلك قال: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}(النحل:118) حاشاه أن يظلمهم {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود:101 - 102).

هذا سردٌ مشتمِل لتلك القصة في ذلك الخبر الذي قصه الله في كتابه من شأن موسى من نبأ موسى وفرعون، لكن متى كان هذا الموقف؟ متى أظهر الله موسى وقومه على فرعون بإهلاكه وإغراقه، كان في اليوم العاشر من محرَّم، ولذلك صامه النبي صلى الله عليه وسلم، وصامته الأُمة مُتأسِّيَةً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شكرًا لله على ما أظهر من نصرٍ وعزٍّ لأوليائه على أعدائه.

المذيع: شيخ خالد! طبعًا فقط نذكر مستمعينا الكرام بأنه يمكنهم أن يشاركونا على الواتس أب على الرقم 0556111315 وكذلك أيضًا عبر الاتصال على الرقم 0126477117 وموضوعنا في هذا اليوم عن: "عاشوراء دروسٌ وعبر" بعد أن ذكرتم صاحب الفضيلة قصة موسى، وأن الله سبحانه أنجاه وأظهره على فرعون وقومه، وهذا الأمر يستوجب أيضًا أن نعرف أن الباطل مهما انتفخ ومهما انتَفَش، ومهما تجبَّر الظالم والطاغية، فإن مآله إلى الهزيمة والخسران والبوار والهلاك، وأن مصير المؤمنين الصادقين النصر والتأييد من الله -سبحانه وتعالى-، وإن طالت بهم اللأواء والبلوى، هذا أيضًا هنا بارقة أمل للمسلمين المؤمنين المصدقين بوعد الله سبحانه وتعالى.

الشيخ: بالتأكيد هذا  مستوحى من القصة وفوائدها، وأنه مهما طال ليلُ البغي، واستطال الطغاة في الأذى لأولياء الله وعباده والتجبّر على الناس إلا أن الله تعالى لابد أن ينتصر لأوليائه، ولابد أن ينتقم للمؤمنين، الله تعالى حكمٌ عدل، وقد قال -جل في علاه-: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}(غافر:51) فتأمل أخي عبد الله، وأيها الأخ، وأيها المستمع الكريم والمستمعة الكريمة! أن الله تعالى لم يقصر النصر على الآخرة، بل جعل النصر معجَّلاً في الدنيا، وموعودًا به في الآخرة، وهو النصر الأعظم والأكبر والذي تَقَرُّ به النفوس {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(غافر:51) فلا يمكن أن يمتد ظلمٌ ولا أن يتطاول بغيٌ، ولا أن يستمر شرٌّ وكفرٌ، بل كل بغيٍ وظلمٍ وكفرٍ واعتداءٍ واستكبارٍ على الناس لابد أن يكون عاقبته في الدنيا خسرٌ وبوار وظهور لأولياء الله تعالى، ويعظم ذلك عندما يقوم الناس لرب العالمين، ولذلك قال: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ  يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(غافر:51 و52)، ثم هذا النصر وإن كان موعودًا لا يتخلف من الله -عز وجل- إلا أنه يجب أن يعلم أهل الإيمان أن هذا النصر له شروط، وله أسباب لابد من بذلها والأخذ بها حتى تكون العاقبة لأولياء الله-عز وجل- ويدركون من نصر الله ما تنعم به قلوبهم، وما تُسرُّ به أفئدتهم.

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7)

 موسى وقومه لم ينتصروا بلا جهدٍ ولا بذل، بل بذلوا، ولو كان البذل ضعيفًا في نظرك ولو كان البذل وفق الأسباب المادية التي تحيط بك غيرَ مؤدٍّ إلى نتيجة إلا أن الإنسان لو بذل كل ما في وسعه، وبذل كل ما في طاقته، وأخذ ما يمكنه من الأسباب بعد ذلك قد أدى ما عليه، ولينتظر وعد الله تعالى بالنصر، والله لا يُخلف الميعاد -جل في علاه-.

المذيع: شيخ خالد يُبرَز في هذا الحديث جانب آخر، وهو الهجرة النبوية، هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة، وبدء ظهور الدعوة الإسلامية، وانتصار الإسلام وبداية انتشار الإسلام، وإظهار الله تعالى لدعوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ونصرته وتحقيق وعده له -سبحانه وتعالى-، لو نأخذ يعني لفتة حول هذا الموضوع وهذا الملمح المهم.

الشيخ: نعم هناك نقاطٌ مستفادة من قصة موسى- عليه السلام-، موسى -عليه السلام- بقي في مصر يدعو قومه ويدلُّهم على الله -عز وجل- إلى أن جرى ما جرى من استكبار فرعون وأذاه وتهديداته، ثم خرج موسى كما أمره الله تعالى {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}(الدخان:23) وكان هذا مبدأ تخلص بني إسرائيل من هذا الظالم ونهايته.

  نبينا صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو قومه إلى التوحيد، ويبين لهم ضلال ما هم عليه من عبادة الأوثان والظلم والاستكبار الذي كانوا عليه، وسيء الأخلاق الذي استمرؤوه وقاموا عليه، فدعاهم إلى صالح الأخلاق دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وبذل في ذلك طاقته وجهده، آذاه قومه وبالغوا في أذاه حتى مكروا به مكرًا كُبَّارًا، وأرادوا سجنه أو قتله، فأذن الله تعالى له بالهجرة إلى المدينة بعد أن يسَّر الله له من أسباب النصرة منهم فتعاقدوا معه على أن ينصروه، وعلى أن يمنعوه مما يمنعوا منه أنفسهم وأولادهم وأهليهم وأموالهم، فهاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانت هجرته مبدأ النصر لهذه الأمة، مبدأ الظهور لدين الإسلام؛ لأنه في مكة لم تكن الدعوة منتشرة انتشارًا واسعًا، ولم يكن أعداء الله يمكِّنون النبي صلى الله عليه وسلم من أن يدعو إلى ربه دعوةً يكون لها انتشار وقبول في سائر الآفاق والجهات، لكن لما خرج إلى المدينة تغيَّر الحال أصبحت الدعوة ليست محليَّةً قاصرة على أهل مكة، إنما كانت عامة، كان يأتيه الناس من كل مكان، وقيَّض الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أسباب النصر ما توالت بشائره وتعاقبت حوادثه حتى أظهره الله تعالى تصديقًا لما وعده به في مُحكم التنزيل {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(الصف:9)، فأظهر الله رسوله بتلك الوقائع التي وقعت بينه وبين خصومه، وظهر دين الإسلام بالحجة والبيان، فآمن الناس كما أظهره الله تعالى بالسيف والسنان فيمن عاندوه ووقفوا في سبيله، فكان أن صدق ما وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بإظهار الدين، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، فجاء في السنة التاسعة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كل من في الجزيرة وأطرافها مؤمنين به صلى الله عليه وسلم منقادين له فصدق قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}(النصر:1و2و3)، فحقق الله لرسوله الظهور في هذه الجزيرة التي هي جزيرة الإسلام وحصنُه، ثم بعد ذلك حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، وودعَّ الناس في أعظم جمعٍ شهدته الجزيرة، لم تشهد الجزيرة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم جمعًا كالذي شهده الناس مع رسول الله في حجة الوداع، فكان جمعًا عظيمًا مبدأً لظهور الإسلام وإعلانًا لغلبته وظهوره على كل دين، فحقق الله لرسوله بهذه الهجرة المباركة هذا الانتشارَوالظهور، كما حقق لموسى -عليه السلام- التخلَّصَ من هذا الجبار ودعوة بني إسرائيل والتميز عن غيرهم بإسرائه وخروجه من مصر إلى الجهة التي أمره الله تعالى بالخروج إليها.

المذيع: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، حديثٌ شيُّقٌ وماتع، وكان بودِّنا أن نطيل وأن نستطرد في هذا الحديث، لولا ضيق الوقت، ولكن -إن شاء الله- لعلنا نكون قد أتينا على الكثير من هذه الدروس والفوائد والعبر، ولعل الله -سبحانه وتعالى- أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن   عبد الله المصلح عضو الإفتاء، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم أشكركم وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لكم في علمكم، وأن ينفع بكم الإسلام وأهله.

الشيخ: آمين، وأنا أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات، وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأنتم أيضًا مستمعينا الكرام لكم الشكر والتقدير على استماعكم في هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" على مدى ساعةٍ كاملة، تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الله الداني من الإعداد والتقديم، ومن التنفيذ الزميل محمد بصويلح، نلتقيكم -إن شاء الله- في مثل هذا الوقت من الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى حتى ذلكم الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

                       

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف