قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم ؛ أنه قال تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد}.
فأخبر أنه يعلم ما توسوس به نفسه ثم قال:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}، فأثبت العلم؛ وأثبت القرب وجعلهما شيئين فلا يجعل أحدهما هو الآخر .
وقيد القرب بقوله : {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه}.
وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد أو أن ذاته أقرب إلى الميت من أهله ؛ فهذا في غاية الضعف؛ وذلك أن الذين يقولون : إنه في كل مكان أو أنه قريب من كل شيء بذاته لا يخصون بذلك شيئا دون شيء ولا يمكن مسلما أن يقول : إن الله قريب من الميت دون أهله ولا إنه قريب من حبل الوريد دون سائر الأعضاء .
وكيف يصح هذا الكلام على أصلهم وهو عندهم في جميع بدن الإنسان ؛ أو قريب من جميع بدن الإنسان أو هو في أهل الميت كما هو في الميت ؛ فكيف يقول ونحن أقرب إليه منكم إذا كان معه ومعهم على وجه واحد وهل يكون أقرب إلى نفسه من نفسه وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة ؛ فإنه قال:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فقيد القرب بهذا الزمان وهو زمان تلقي المتلقيين قعيد عن اليمين وقعيد عن الشمال وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب لم يختص ذلك بهذه الحال ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب.
"مجموع الفتاوى" ( 5/504-505).