المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر برنامج "الدين والحياة" ، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعتكم إذاعةِ"نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتحدث عن موضوع مُهمٍّ ألا وهو الرقيةُ الشرعية، هذا الموضوع الذي يَهمُّ المسلمين جميعًا ويهمهم أيضًا أن يتعرفوا عليه، وأن يتعرفوا على بعض الأخطاء التي تحصُل حتى يَتَجنَّبوها، إضافة إلى الكثير من المعارف التي تندرج تحت هذا الموضوع.
في بدء هذه الحلة تقبلوا أجملَ التَّحايا من فريق العمل من الإعداد والتقديم محُدِّثكم عبد الله الداني ومن استقبال المكالمات الزَّميل خالد فلاتة، ومن التنفيذ على الهواء الزميلين محمد أبا صويلح وجميل مرجان.
أيضًا في هذه الحلقة مستمعينا الكرام وفي كل الحلقات ضيفُنا الدائمُ بإذن الله تعالى في هذا البرنامج فضيلةُ الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجامعة القصيم الذي يلتحق بنا الآن عبر الهاتف، ونسعد بأن نرحب بفضيلته، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبًا أهلا وسهلا، حيَّاك الله يا عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات.
المقدم: حياكم الله يا شيخ خالد، طبعًا في هذه الحلقة ذكرنا كما في بدء هذه الحلقة سنتحدث عن موضوع مُهمٍّ عن الرُّقْية الشرعية، تعرفيها وشرعيِّتِها، وكذلك الشروط الواجب توافرها فيها إضافة إلى ما يشاع في هذه الرقية الشرعية، وهناك أيضًا بعض الأخطاء التي نُنَوِّه عنها وننبه إلى عدم الوقوع فيها، إضافة إلى الكثير من الموضوعات المهمة كما يُسعدنا أيضًا مستمعينا الكرام أن نتلقى أسئلتكم واستفساراتكم حول هذا الموضوع المهم على الرقم0126477117 أو على الرقم 0126493028 أو بالمراسلة عبر الواتساب 0556111315
إذًا مستمعينا الكرام نستهل هذا الحديث عن الرقية الشرعية ونبدأ، ولكن بعد هذا الفاصل.
المقدم: مرحبا بكم مجددًا مستمعينا الكرام إلى برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة"، ونرحب أيضًا مرة أخرى بضيفنا صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح عضوِ الإفتاء وأستاذِ الفقه بجامعة القصيم.
الشيخ خالد فيما يتعلق بحديثنا عن الرقية الشرعية، في البداية لو يكون هناك تعريفٌ عن المقصود أو تعريف بالمقصود بالرقية الشرعية؟
الشيخ: أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: حيَّا الله الإخوة والأخوات من المستمعين والمستمعات حيثما كانوا، وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة التي نتناول فيها موضوعًا مهمًّا وهو موضوع الرقى وما فيها من الأحكام والمستجدات.
الرُّقية في الأصل هي تَعْويذاتٌ وأذكار تقال لدفع مرض أو لرفعه، للدفع الذي هو الوقاية، والرفع الذي هو المعالجة.
الرقية تستعمل استعمالين: الاستعمال الأول استعمال وِقائي، والاستعمال الثاني استعمال عِلاجي.
المقدم: علاجي.
الشيخ: وكلاهما مما أقرَّته السنة، وجاء دليله في القرآن، فالله تعالى أنزل هذا الكتاب المبين هداية للعالمين، يقول الله -جلَّ في علاه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:57]، فقوله -جل وعلا-: ﴿رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي علاج لها وإذهاب لأوجاعها وأمراضها، والأصل في هذا الشفاء أنه شفاء للأمراض المعنوية من الكفر بالله والنفاق وباقي الآفات التي تصيب القلوبَ، لكن من رحمة الله تعالى أن جعل هذا القرآنَ مما يحصل به بركةٌ للناس وشفاء حتى في الأمراض الحسية، والأمراض المتعلقة بالأبدان.
يقول الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾[الإسراء:82]، ويقول -جل وعلا-: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾[فصلت:44].
والدليل على أن القرآن يُستشفى به من أمراض الأبدان أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا مرض استرقى بالقرآن، طَلَب الرقية من القرآن بقراءة ما يسَّر الله تعالى من التعويذات والآيات القرآنية التي يُستَدْفع بها البلاء.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر يستعيذ بالله -عز وجل- من الجان، ومن أعين الناس حتى نزلت المعوذتان وهي سورة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق:1]، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1]، فترك النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك واقتصر على المعوِّذتين في استشفائه صلى الله عليه وسلم وفي قراءته على نفسه.
ومما يدل أيضًا على أن القرآن مما يشفى به الأمراض الحسية ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بماء فيهم لَدِيغ أو سَليم، ماء عليه عرب، عليه جماعة من الناس، وكان في هذا الجمع رجلٌ مريض، ولذلك قال: فيهم لديغ أو سليم يعنى مريض، فعَرَض لهم رجل من أهل الماء فقال:" أفيكم من راقٍ إن في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ بفاتحة الكتاب فبَرِأ ذلك الرجل كأنما نُشِط من عِقَال يعنى: زَالَ به ما كان قد أصاب بدنه من أثَر السُّمِّ الذي سرى في بدنه، بسبب لَدغَةِ ما لدغه، فكره الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أخذَ المال على ذلك، فقالوا للصحابي الذي قرأ: أأخذت على كتاب الله أجرًا؟!، فقدِموا المدينة فالتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إنَّ أحقَّ ما أَخَذتُم عليه أجرًا كتاب الله»البخاري(ح5737).
وفي رواية أخرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- وهو الذي قرأ على ذلك الرجل قال: «وَما يُدريك أنَّها رُقية؟»البخاري(ح5007) أي ما يدريك أن سورة الفاتحة مما يُسترقى به، ومما يُستدفع به البلاء والأذى؟ فدل هذا على أن قراءة القرآن مما يُشفى به البدن، ويُستكشف به الضرُّ.
وقد روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- في خبرها عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهذا خبر في صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا آوى إلى فِراشه نَبَذَ بِكَفَّيه بقل هو الله أحد، وبِالمعَوِّذَتَين جميعًا ثم مسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده»صحيح الإمام البخاري(5748) أي يمسح بعد أن ينفخ في يديه بقراءة المعوِّذتين والإخلاص ما أقبَلَ من جسده، ما تصل إليه يدُه من جسده.
فلما اشتكى -صلى الله عليه وسلم- كانَ يأمرها أن تفعل ذلك، كان يأمرها صلى الله عليه وسلم بذلك.
وجاء في صحيح البخاري أيضًا ما روته عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَنفُث على نفسه في مرضه الذي قُبض فيه بالمعوِّذات وهو مرض حِسِّيٌّ، ينفث على نفسه في ذلك المرض بالمعوذات أي بـــ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ﴾[الفَلَق:1]،و﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ﴾[الناس:1]فلما ثَقُل، ازداد تعبُه ومرضُه بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة: كنت أنا أنفث عليه بهن، يعنى هي التي تقرأُ لما ثقل ولم يستطع القراءة صلى الله عليه وسلم كانت عائشة تقرأ بالمعوذتين، تقول: «فَأمْسحُ بيديَّ نصفَه بِبَرَكتِه»[صحيح الإمام البخاري(ح5735)] يعنى تقرأ المعوذتين في يدي النبي صلى الله عليه وسلم وتمسح بيده ما بلغ من بدنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لبركة يده الشريفة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذان الحديثان كلاهما في الصحيح من حديث عائشة دلَّ على ما تقدم الحديث عنه في أول الكلام من أن الرقية تكون علاجيةً وتكون وقائيةً، فقراءة عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم أو قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قُبض فيه بالمعوذات فلما ثقُل كانت تنفُثُ عليه بهن فتمسح بيده هذه علاجية، وقراءته صلى الله عليه وسلم بالإخلاص والمعوذتين كل ليلة إذا آوى إلى فراشه هذه وقائية، ولذلك لما مرض -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ وتكون لهذا ولا يَلتَبِس من آفات الآفات المفسدة للقلب من التعلق بغير الله عز وجل، وغيره من الشرك أو النفاق أو الكبر أو غير ذلك من الآفات التي تُصيب القلوب، لكن مع هذا هو شفاء لما في الأبدان من الأمراض والأسقام، ولذلك أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بل أقرَّ أصحابه وفعل، أَقرَّ أبا سعيد في قراءته على الرجل بالفاتحة، أو قال: «وَمَا يُدريك أنَّها رُقيَة؟»، وكان يقرأ بالمعوذتين صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالإخلاص والمعوذات، وكل هذا يدل على أن القرآن شفاء لما في الصدور، وشفاء للأبدان، فهو شفاء للمؤمنين، شفاء قلوب، وشفاء أبدان.
وقد جاء في ابن ماجه من حديث علي بإسناد فيه ضعف أي أن الحديث ضعيف، قال -صلى الله عليه وسلم-: «خَيرُ الدَّواء القُرآن»سنن ابن ماجه(3501)، وضعفه الألباني في الضعيفة:3093 إلا أن الحديث في إسناده مقال، ولكنه من حيث المعنى مُصدِّق لما في آيات الكتاب في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾[فصلت:44]، وفي قوله: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾[الإسراء:82]، وفي قوله أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:57]، فالآية الأولى ذكرت أنه شفاء مُقيَّد حيث قال: ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُور﴾ِ، وفي سورة الإسراء جاء ذلك عامًّا ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾ دون تحديد لما في الصدور، وأيضًا ففي سورة فصلت قال: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾، فالقرآن شفاء بلا شكٍّ ومما يعزِّز هذا ما يجد الإنسان من الأثر المبارَك لهذا الكتاب الحكيم، والقرآن العظيم على النفوس من البهجة والسرور والانشراح والقوة والتأكيد العظيم للقرآن على تاليه، وعلى من قُرأ عليه.
قال الله -جل وعلا- في محكم كتابه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا﴾[الرعد:31] هذه الآية تبيِّن عظيمَ تأثيرِ القرآن فيقول الله تعالى: لو أن كلامًا يقرأ ويتلى في كلام الناس أو في كلام أحد من المتكلمين، : ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾أي تحرَّكت يه الجبال من أماكنها وانتقلت ﴿ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ﴾ وفُصِلت ﴿أوكُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ أي خُوطب به أهلُ القبور لكان ذلك القرآن هو الكتاب الحكيم، هو هذا القرآن الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
المقدم: صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: فهذا يبين لنا عظيمَ تأثير شأن القرآن بهذا الحد من التأثير العظيم الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية العظيمة التي تبين تأثير القرآن وعظيم أَثرِه من أنه يُسيِّر الجبال من أماكنها ويقطع الأرض، وأنه يُخَاطَب به الموتى، لو كان هناك كلام يحصل به من التأثير هذا الذي ذكر الله -جل وعلا- لكان لهذا القرآن الحكيم، وهذا الكتاب المبين، وهذا الذكر العظيم الذي أنزله الله تعالى على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، نزل به الروح الأمين.
فتأثير القرآن بالغٌ وعظيم، لكن يحتاج أن يوافق قلوبًا صادقة، ولذلك من شروط الانتفاع بالقرآن: الإيمان به، فإنه من آمن به حصل له من الانتفاع بهذا الكتاب ما لا يحصل لغيره، وإن كان كل من سمع القرآن يجد نفعًا وهداية، ويصيبه شيءٌ من التأثير لكنَّ الذين غُلِّفت قلوبهم في الضلال والانحراف هؤلاء كما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾[الإسراء:82]، فلا يزيد أهلَ الظلم والانحراف إلا خسارةً، وكذلك في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾[فصلت:44]، الله أكبر.
عليهم عمًى أي يزيدهم عمايةً؛ وذلك لا لأنه ظلمةٌ بل لأن ثمَّة من الموانع ما يمنع وصولَ هذا القرآن إلى قلوبهم، ولذلك قال: ﴿ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾، ذكر المانع، و﴿ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ﴾ هناك ما يمنع من انتفاعهم وهو ما غشا آذانَهم وأسماعَهم من الموانع التي تردُّ القرآن وتمنع بلوغَ هداياته لقلوبهم، وهو عليهم عمى، أولئك لكونه قد سدَّ عليهم طريق الاهتداء فلا ينتفعون بالقرآن، أولئك يُدعون من مكان بعيدٍ كالذي يُنادى من مكان بعيد لا يسمعك، ولا يبلغه قولك.
والمقصود أن القرآن العظيم شفاء وهداية لكل من صدق في طلب الهداية منه، أو طلب الشفاء منه، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يكون سليمَ القصد، صحيح الإرادة في طلبه للشفاء بالقرآن، ويسلم أمره لله -عز وجل- فما قضاه الله كائن، لكن هي أسباب تُدرَك بها المطالب، وقد يأخذ الإنسان بالسبب ولا يقضِي الله تعالى بحصول الأثر.
فهذه معاني ينبغي استحضارُها، كما أن الاستشفاء يكون بالأدعية النبوية والرُّقى الشرعيةِ التي أُثِرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك في جملة من الأحاديث، منها ما في الصحيح، صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك الأشعري، قال: «كنا نَرقِي في الجاهلية فقُلنا يا رسول الله: كيفَ تَرَى في ذلك؟» يعنى هل نترُك هذه الرُّقى. هل نعدِل عنها؟
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اعرِضوا عليَّ رُقَاكم» أي أروني ماذا تقولون في رقاكم؟
فلما عَرضوا عليه رُقاهم أي ما يستعملونه من الأذكار والأدعية والأقوال التي تقال في سياق طلب الشفاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا بَأسَ بالرُّقى ما لم يَكُن فيه شِركٌ»صحيح مسلم(2200/64) وهذه قاعدة يبين بها النبي -صلى الله عليه وسلم- الضابط فيما يُقبل من الرُّقية إذا لم تكن من الكتاب والسنة.
إذا المرتبة الأولى في الرقى هي الرقية إذا كانت من الكتاب أي من كلام الله، أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم والأدعية الثابتةِ عنه.
ثم بعد ذلك تندرِج بقيةُ الرقى في هذه القاعدة العامة التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: «لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شِرْك»أي لا حرج فيما تستعملونه من الأدعية والأقوال التي يُسْتجلَبُ بها الشفاء ويُدفع بها المرض ما لم يكن فيه شرك، هذا هو الضابط وهذه هي القاعدة.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جملةٌ من الأذكار والأدعية والتَّعْوِيذات إلتى كان يقولها -صلى الله عليه وسلم- لطلب الشِّفاء، فمن ذلك ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعوِّذ الحسنَ والحسين»، ويقول: «إنَّ أباكم كان يُعوِّذ بهما إسماعيلَ وإسحاقَ» أباكم يريد به إبراهيم عليه السلام، يقول: «أَعوذُ بكلمات الله التامَّة من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّةٍ»[البخاري:3371]، فهذا دعاء نبوي ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح، وهو أيضًا دعاء للوقاية أي رقية وِقائية، تعويذات لاستدفاع البلاء والوقاية منه.
وجاء في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى رقاه جبريل، الراقي جبريل عليه السلام، يرقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بِسم الله يُبْرِيك، ومن كل داء يَشفِيك، ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد، ومن شرِّ كلِّ ذي عَين»[مسلم:2186/39]، وفي رواية أخرى- هذا حديث عائشة في صحيح مسلم. - وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد اشتَكَيتَ؟» يعنى هل أصابك شكوى أو مرض؟، «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: بِسم الله أَرقيك، من كل شيءٍ يُؤذيك، ومن شرِّ كل نفس أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك، بسم الله أرقيك.[مسلم:2186]
وجاء عنه أيضًا صلى الله عليه وسلم من الأدعية والأذكار ما في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي عاصم الثَّقَفي أنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أن أسلم، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضَع يدَكَ على الذي تألَّم من جسدك» يعنى على مكان الألم في جسدك سواء على أَعَلَى بدنِك أو في أسفلِه، في قباله أو في جهة الخلف منه حيث موضعُ الألم يضع يده، ثم يقول: « وقل: بسم الله ثلاثًا» يعنى بسم الله، بسم الله، بسم الله ثلاث مرات، «وقل: أَعوذُ بالله وقدرتِه من شرِّ ما أَجِدُ وأُحاذِر»[مسلم:2202/67]، وفي رواية «أعوذُ بعزَّة الله العظيم وقُدرته من شرِّ ما أَجِد وأُحاذِر»[سنن ابن ماجه:5322]، أكرر ذلك سبع مرات.
هذه كلُّها من الأذكار النبوية التي يُستدفَع بها المرض ويُطلب بها الشفاءُ ويُتوقَّي بها الضرُّ، وقد وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الرُّقية، فالرقية مشروعة بفعله صلى الله عليه وسلم وبتوجيهه وبإقراره، كما بإقراره من حديث أبي سعيد حينما قال: «وما يُدريك أنَّها رُقيَة؟» وبقوله في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- : «إنَّ أحق ما أَخذْتُم عليه أجرًا كتابَ الله» ، وأما فعله فهذا الذي ذكرته في حديث عائشة، وحديث ابن عباس، وحديث عثمان بن أبي العاص الثقفي.
وأما أمره فقد جاء ذلك في حديث أم سلمه- رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي في بيتها جاريةً في وجهها سَفْعَة أي شيء من السواد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «استرقُوا لها، أي أطلبوا الرُّقية لها؛ فإن بها النَّظْرة»[البخاري:5739] أي أنها مَعْيونَة.
المقدم: جميل.
الشيخ: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاسترقاء، في قوله «اسْتَرْقوا لها» والحديث في صحيح الإمام مسلم، قال: «استرقوا لها» إي اطلبوا لها الرقية فإن بها النظرة.
ومنه أيضًا ما في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر، قال: «رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حَزم في رقية الحيَّة»[مسلم:2198]، هذا نوع من الرقى، وقال لأسماء بنتِ عُمَيس: «مَا لي أَرى أجسامَ بني أخِي ضارِعةً، تُصيبهم الحاجة؟» يسأل أسماء عن أبناء جعفر، فيقول: «ما لي أرى أجسامَ بني أخي ضارعةً» يعنى ضعيفة ظاهرة أو نَحيلة أو ضعيفة، تصيبهم الحاجة؟
يعنى هل هذا عن فقر وقلةِ ذات يد؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم أي تصيبهم العين، قال: «ارقيهم». هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، قالت: فعرضتُ عليه أي عرضَتْ عليه أن ترقيَهم، فقال: «ارقيهم»أي أمرها صلى الله عليه وسلم بالرقية.[مسلم:2198]
فالمقصود أن الأدلة متوافرة في مشروعية الرُّقيةِ سواءً مِن فِعْله، أو مِن إقراره، أو من توجيهه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد دخل على أنس رجلٌ، دخل عليه عبد العزيز وثابت، وهما من أصحاب أنس، فقال ثابت: يا أبا حمزة اشتكيتُ، يعني يخبره قال: يا أبا حمزة اشتكيتُ أي أنه أصابني شكوى، وهذا ثابت من أقرب طلاب أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-، فقال: ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلي، قال: «اللهم ربَّ الناس، مذهبَ البأس، اشفه أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا»[البخاري:5742]
ومثله أيضًا ما جاء في الصحيح من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعَوِّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى على المريض: «اللهم ربَّ الناس أَذهِب البأس، اشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا».[البخاري:5675]
المقدم: جميل، شيخ خالد أستأذنك في هذا الاتصال، قبل أن نأخذ الاتصال فقط أُعلن أرقام التواصل مرة أخرى، 6477117، 6493028، مفتاح المنطقة 012، آخذ أول اتصال من أبو أحمد من المدينة، تفضل أبأ أحمد.
أحمد من المدينة.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ: وعليكم السلام.
المتصل: أنا أحمد الله يحفظك.
الشيخ: حياك الله أخ أحمد تفضل.
المتصل: أسعد لله مساءكم بكل خير، وجزاكم الله خيرا على هذا البرنامج وهذه الحلقة، شيخ جزاكم الله خير تحدثتم حديثا جميلا مسنودًا بالأدلة حول الرقية.
لكن في حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ولا يَسْتَرقُون»[البخاري:5752] وفي رواية أخرى: «ولا يرْقُون»[أخرجها أبو الطاهر المخلِّص في المخلصيات:3/243]، وقال ابن حجر في الفتح: وقد أنكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذه الرواية وزعم أنها غلط من راويها؛ واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟ وأيضا فقد رقى جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورقى النبي أصحابه، وأذن لهم في الرقى الفتح11/408كيف يجمع بين هذه النصوص كلها، وما الأفضل في هذه الحالة، هل يُحرم الشخص هذا الثواب لمجرد أنه رقى أو استرقي؟ تفصيل ذلك جزاكم الله خير.
المقدم: طيب شكرًا أخ أحمد، الشيخ خالد فيما يتعلق بالجمع بين الأدلة، فيما يتعلق بالسبعين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وكذلك مسألة طلب الرقية في هذا الجانب، كيف يمكن لنا أن نجمع بين هذين الأمري؟.
الشيخ: ما أشار إليه الأخ هو مارواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «عُرضَت علي الأُمَم فجعل يمرُّ النبيُّ ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأُفُق فرَجَوتُ أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي انظر فرأيت سوادًا كثيرًا سدَّ الأُفقَ، وهكذا فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أُمُّتك ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب». سكت النبي صلى الله عليه وسلم، وتذاكَر الناسُ من هؤلاء؟
فكل أحد قال من اجتهاده ما يبين ما الذي تميَّز به هؤلاء السبعون ألفًا، فقال قائل: هم الذين وُلِدوا في الإسلام، وقيل: غير ذلك، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه قال: «هم الذين لا يتطيَّرون، ولا يَستَرقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون». ذكر هذه الخصال هذا هو المحفوظ الصحيح.
وأما رواية:« ولا يرقون »فهي غير محفوظة، بل هي شاذةٌ وضعَّفها الحفاظ.
فالمحفوظ هو أربع خصال: لا يتطيَّرون، ولا يَسْتَرقون، ولا يكْتَوون، وعلى ربهم يتوكَّلون.
المقدم: ولعلَّ الذي يجمع بين هذا وهؤلاء الأصناف.
الشيخ خالد: مسألة التوكل على الله سبحانه وتعالى وكمال العقل.
الشيخ: هكذا قيل قوله: وعلى ربهم يتوكلون، قيل: هذا وصف جامع للوصف الجامع للثلاث خصال المتقدمة: لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، والسببُ (وعلى ربهم يتوكلون) وقيل: بل هي صفة زائدة على الصفات الأربع، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذا من باب عطف العام على الخاصِّ، فالتوكُّل أشملُ مِن ترك هذه الخصال الثلاثة، لكنه هو الباعث عليها وهو المُوجِد لها؛ فإن المتوكِّل لا يسترقي، المتوكل لا يتطيَّر، المتوكل لا يكتوي لكن ثمة من لا يتطير، ولا يسترقي، ولا يكتوي لكنه لا يُتِمُّ التوكُّلَ؛ فهو من باب عطف العامِّ على الخاص؛ لأن التوكل: صِدْق الاعتمادِ على الله- عز وجل- في جلب النفع ودفع الضُّرِّ في كل شيء، والشاهد أن قوله صلى الله عليه وسلم «ولا يَسْتَرقون» أي لا يطلبون الرقيةَ من غيرهم، هذا الوصف النبوي هل هو نهي عن الرقية؟
الجواب: لا، بالتأكيد ليس نهيًا؛ لأن هذا مضموم إلى ما تقدم من الأدلة الدالة على جواز الرقية، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم سلمه لما رأي الجارية التي في خدِّها سفعةٌ قال: «استرقوا لها؛ فإن بها النَّظْرةَ»، وقال لأسماء بنت عميس: «ما لِأجسامِ بني أخي ضارعة؟ أَتُصيبهم حاجة؟ قالت: لا، إنما تُسرع إليهم العين، قال: ارقيهم» وقد رقى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه جماعة من أهل بيته، وكان يرقي نفسه صلى الله عليه وسلم، فمجموع هذه الأدلة يدل على أن قوله: «ولا يَسْتَرقون» ليس نهيًا عن طلب الرقية، إنما هو بيان فضيلة.
المقدم: تحقيق الكمال نعم.
الشيخ: تحقُّق علوِّ المرتبة وأداركُ المنزلة العليا أن يترك طلب الرقية؛ لأن ترك طلب الرقية من الناس هو مما يكمُل به التوكل على الله -عز وجل-، ويكمل به إنزالُ الحاجة به، لكن هذا لا ينهى عنه، لاسيما فيما يكون من الرقى التي تتعلق بالعين، وتتعلق بالسِّحر.
المقدم: العلاجية.
الشيخ: فهذه جاءت نصوص في الرقية بها، ورُقيةِ الغير بها، فهي أحقُّ ما تُستعمل فيه الرقية، ولذلك في قوله: «ولا يسترقون»؛ إما أن يقال: إن هذا في غير ما جاءت به النصوص من الإذن بالرقية كالعين والسحر، أو يقال: إن هذا يشمل كلَّ الصور، لكنه على وجه الفضيلة والكمال، وليس على وجه النهي والتحريم، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم- أن هذه الفضيلة لا تفوتُ فيما إذا استرقى الإنسان من العين أو من السحر، أما ما عداه من الإصابات التي قد تصيبك من الأمراض الحسية والبدنية والتي لا علاقة لها بالأمراض الروحية كالعين والسحر ونحو ذلك، هذه يرقي الإنسان نفسه، وهذا الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وجَّه إليه أصحابه.
إذا عندنا الأمراض نوعان: أمراض كالعين والسِّحر هذه طلب الرقية فيها لا يُفوِّت الفضيلةَ فيما يظهر لي والله تعالى أعلم؛ لأن النبي أمر بذلك كما تقدم في الأحاديث.
وأما الأمراض التي لا علاقة لها بهذا الأمر، لا علاقة لها بالعين والسحر ونحو ذلك إنما هي أمراض بدنِيَّه كحرارةٍ، ووجعٍ في بطن، أو ما أشبه ذلك مما هو مصنَّفٌ ضمن الأمراض البدنية العُضوية، فهذا فيما يظهر -والله تعالى أعلم- أن ترك الرقية فيه أكمل، لكن لو فعل فإنه جائز.
المقدم: الشيخ خالد قبل أن ندخل إلى موضوع الإنسان يعتمد على نفسه في مسألة الرقية، ويرقي نفسه كما ورد في الأحاديث واتباعًا لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فقط أذكِّر بالرقم التواصل معنا: الرقم الأول 6477117، الرقم الأخر هو 6493028 مفتاح المنطقة 012
أتحدث في موضوع مهمٍّ ألا وهو مسألة الاعتماد يعنى التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وأن الإنسان يبادِر إلى أن يرقي نفسَه، ولا يرجع إلى الآخرين كما هو حاصل الآن عندما راجت سوق الرُّقاة فيما يتعلق بمسألة ازدحام الناس على أبوابهم وغير ذلك، ربما نتحدث عن هذه المسالة، وكذلك فيما يتعلق بأن الإنسان المصاب لن يكون هناك شخص أكثرُ منه إحساسًا بالآلام والأوجاع التي تصيبه، فبالتالي هو بإذن الله تعالى ينفع نفسه بما يقرأه من قرآن، ومن أورادٍ وأدعية في الرقية الشرعية.
الشيخ: الأصل في الرُّقى أنها أدعية وأذكار، والأصل في الأدعية والأذكار أن يباشِرَها الإنسان بنفسه، وهذا ما يعظم به أجره ويدرِك به ثوابًا؛ فإن قراءتَه على نفسه مما يَنال به الأجر حتى لو لم يدرِك بها المقصودَ والغاية من إزالة المرض ودفعِه، هو مأجورٌ على قراءته، فكل قراءة يقرؤها أو دعاء يدعوه يُؤجر عليه ويثاب عليه، حصَل له ما يريد من شفاء أو لم يحصل.
ولهذا يجب على الإنسان أن يحرص على أن يقرأ على نفسه بنفسه، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، كما جاء في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت:« إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ نفسَه بالمعوذات، ويمسح ما أقبل من بدنه، ثم أنه لما ثَقُل صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت تقرأ- رضي الله تعالى عنها-، تقرأ رضي الله تعالى عنها عليه من المعوِّذات وتمسح بيده صلى الله عليه وعلى آله وسلم[تقدم].
فالأصل في الرقية أن تكون من الإنسان نفسه، لكن لو أنه طَلَب من أحد أن يقرأ عليه أو أن يرقيه فلا بأس بذلك، لكن في كل الأحوال يجب أن يعلق قلبه بالله عز وجل، فالفَرَج منه -جل في علاه-، والعطاء منه سبحانه وبحمده، ولا يدرك الإنسان خيرًا إلا بتمام الاستناد إليه والاعتماد عليه -جل في علاه-، وكلما عظُم اعتمادُ القلب على الله كان ذلك أقربَ في حصول المطلوب، ونيلِ المرغوب، وإدارك ما يؤَمِّل، ويعلم المؤمن أن الشفاء الحقيقي هو شفاء القلب من التعلق بغير الله عز وجل، فإن من تعلَّق بغير الله وُكِل إليه حتى ولو كان القارئ الذي يقرأ القرآن، من تعلَّق بغير الله وُكِل إليه أي جُعل أمرُه إليه بمعنى أنه توكَّل على من لا ثمرةَ في الاعتماد عليه، إنما الشأن كلُّ الشأن في أن يعتمد ويستند القلب على الله وحده لا شريك له، لهذا من المهم لكل من قرأ القرآن في طلب الاستشفاء أو الأذكار أو الأدعية النبوية، أو أنه فعل ذلك بنفسه، أو فعل ذلك بغيره أن يعلِّق قلبه بالله؛ فهو الذي بيده الشفاء، ولهذا يؤكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى في أدعيته ففي الأذكار التي كان يقولها -صلى الله عليه وسلم- في الرقية: «لا شِفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا، اللهم ربَّ الناس مذهِبَ البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سَقمًا» في حديث أنس[صحيح البخاري:ح5742]، وفي حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وفي حديث عائشة الآخر كان يقول: «امسح البَأس ربَّ الناس بيدِك الشفاءُ، لا كاشِفَ له إلا أنت»[البخاري:5744].
هذا المعنى ينبغي ألا يغيبَ عن كل مريض أن الشفاء بيد الله -عز وجل-، وأنه لا يشفي إلا الله، وإذا مرضتُ فهو يشفين سبحانه وبحمده.
المقدم: والرقية مجرَّد سبب.
الشيخ: والرقية سبب، وكما ذكرت أن من فوائد دعاء الإنسان ورقيته لنفسه أنه صاحب الحاجة، ومعلوم أن صاحب الحاجة أبْلَغُ في بيانها والإلحاح في طلبها، وهو أيضًا مضطر إلى الله -عز وجل-: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾[النمل:62]، فأنت مضطر إلى الله -عز وجل- أكثر مِن مَن يقرأ عليك، فلذلك احرص على أن تتضرع إلى الله -عز وجل- وتدعوه وتقرأ على نفسك الآية المباركة والأدعية النبوية بقلبٍ حاضر وانتظر الفرج من الله -عز وجل-.
المقدم: الشيخ خالد قبل أن ندخل في موضوع الأخطاء الحاصلة، وحتى نتجنَّبَها جميعًا هنا سؤال من أم عبد الرحمن من جدة تقول: أرقي نفسي بدعاء سيدنا أيوب -عليه السلام- وأحيانًا سورة البقرة، وسورة الشرح، هل هذا صحيح؟ هل هذه الرقية صحيحة؟
الشيخ: الدعاء بدعاء أيوب: «ربِّ إنِّي مسَّنِيَ الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين» هذا من الأدعية، ولكن هذا وغيره من الأدعية التي يحضُرها الخير عند ذكرها، ومن أسباب حصول المطلوب إن شاء الله تعالى، فلا بأس بأن يدعو بهذا الدعاء، وهو من الأدعية القرآنية، وفيه المبالغة في طلب السؤال بالتوسل إلى الله بأمرين: التوسل على الله -عز وجل- بالحال، بحال الإنسان وعظيم طاقته وصبره، «رب إنِّي مسني الضر» أنت تسأل الله تعالى بحالك وعظيم فقرِك وضعفِك وحاجتك وافتقارك إليه، «وأنت أرحم الراحمين» وتتوسل إليه بكمال صفاته، بصفة الرحمة على وجه الخصوص التي بها تُدرِك كلَّ إحسان، وبها يصيبك كلُّ بِرٍّ، ويندفع عنك كل سوء.
وأما سورة الشرح فلا بأس إذا قرأها الإنسان؛ كلُّ القرآن مبارك، لكن لا يحدِّد سورة معينة، ويقول: هذه التي...
المقدم: حتى سورة البقرة يا شيخ، يعنى يَروجُ عند الناس قراءة سورة البقرة للرُّقية.
الشيخ: أفضل ما يكون من الرقى التي جاء بها النص: المعوِّذات، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ويضاف إليهما الإخلاص، وسورة الفاتحة؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي سعيد: «وما يدريك أنها رقية؟»[سبق]
المقدم: وآية الكرسي هل تدخل في ذلك يا شيخ؟
الشيخ: لا، سورة البقرة على وجه العموم قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن أخذَها بركة وتركَها حسْرَة ولا تَستَطيعُها البَطَلة»[صحيح مسلم:804/252] والبطلة هم السحرة، ففيه إشارة إلى أنها يقرأ بها في دفع السحر وشرِّه، وما يكون من آثاره، فقوله: ما يستطيعها البَطَلة أي السحرة.
المقدم: آخذ اتصالا فقط من أم محمد، اتفضلي يا أم محمد باختصار.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: أقولك يا شيخ في عندنا بيقولوا سورة البقرة لما يكون الإنسان مريض يقرؤها كل يوم، في حديث إذا قرأها مرة ثلاثة أيام بإذن الله تعالى ما يدخل البيت شياطين، فالبعض يقول: تقرأ كل يوم للمعالجة وأذكار لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
المقدم: الشيخ يجيبك على السؤال، شكرًا لك أم أحمد.
المتصل: تقرأ مرة بس بيقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أذكار هذا فيقول بدل ما تقرأ مرة تقرأ ألف مرة للمريض، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هذه تقرأ في أذكار الصباح والمساء يا شيخ.
المقدم: طيب يعطيك العافية الشيخ الآن سمع السؤال ولعلك ياشيخ خالد باختصار تجيب على أم أحمد.
الشيخ: هو يا أختي الكريمة مسألة سيأتينا في أخطاء القراء التحديدات التي تُقترح لعدد القراءات، لعدد قراءات الآيات أو السور بمرة أو مرتين أو بعشر مرات، كل هذا لا دليل عليه، الآية والنصوص دالة على أن البقرة مباركة لمن قرأها، وأن الشيطان يفِرُّ من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة دون تحديد بمرَّة أو بعشر مرات أو بأكثر أو بأقل؛ فلا ينبغي التحديد أو أن ذلك كل يوم، إنما ذلك حسب ما يطيق الإنسان ويستطيع، بعض الناس يقول: أقرأ البقرة يوميًا، أختمها يوميًّا، لا دليل على هذا إنما الذي جاء فيه التحديد هو قراءة المعوِّذات والإخلاص.
المقدم: والفاتحة.
الشيخ: الرقية التي تكون عند النوم، جَمَع يديه فنَفَثَ فيهما ثلاثًا فقرأ قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس ثلاث مرات، هذا الذي جاء.
أما ما عدا هذا فإنه يحتاج إلى دليل، ومعنى هذا أن كلَّ من ذكر عددًا في الأدعية والأوراد لابد أن يذكر الدليل على ذلك، والدليل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
المقدم: نعم؛ لأنها توقيفية.
الشيخ: لاسيما إذا قال: لا يحصل الشفاء إلا بذلك بأن تقرأها أربعين، أو تقرأها خمسين، أو تكرِّرَها ألفًا أو ما أشبه ذلك.
المقدم: يجب أن يكون فيها نصٌّ، طيب آخذ الدكتور بعدي آخر اتصال، أستأذنك يا شيخ خالد في هذا الاتصال، الدكتور بعدي يتفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: سلام ورحمة الله حياك الله أخي.
المتصل: سأختصر بإذن الله بما أن طبعًا تعاليم الدين الإسلامي وما ورد في كتاب الله يدل على الأخذ بالأسباب والاستشفاء، فذُكر بأن العسل فيه شفاء للناس، وذُكر ما يتعلق بطلب العلم وحتى في السياسة قال السموات والأرض بالعلم وطلب السبب الحقيقي المادي الملموس فهنا في مجتمعاتنا الإسلامية للأسف راجت بعض أو تم المبالغة في بعض الممارسات التي أَدخلت الناس بلا شكٍّ، ولا نستطيع أن نبرِّر، دخلوا في الشرك بدون أن يدركوا أبعادَ ما يعملون، فهناك اعتقاد في من يقرأ بأن نفسه مباركة، وبأن -أكرمكم الله- ما يتم البَصْق في بعض العِلَب والزيوت والمياه.
المقدم: قوارير المياه، نعم.
المتصل: فيها خير وبركة، وهذا غير صحيح أنا لا أطول الكلام هذا؛ لأن هناك في المصحَّات النفسية والمستشفيات النفسية ما الله به عليم، السبب هو الاعتقاد بهذا الممارسات التي بلغت يعنى فعلًا مستوى غيرَ طبيعيٍّ بمجتمعاتنا، فأصبحت كالتجارة تمارَس في أماكن معينة، نقطة أودُّ الإشارة إليها أيضًا.
المقدم: باختصار أخي الدكتور؛ لأن الوقت ما عاد باقي فيه شيء كثير .
المتصل: تلميح أخي لو سمحت.
المقدم: تفضل باختصار شديد.
المتصل: الأدلة التي أوردها الشيخ جزاه الله خير بأن ما يتعلق بأخذ الأجر في القرآن، أيهما نصدق الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾[البقرة:41] ، أم الحديث الذي ربما يكون غيرَ مؤكَّد، أنا أتشكَّك في سند هذا الحديث: «خيرُ ما يُؤخَذ عليه أَجْر».
الشيخ: هذا الحديث في صحيح البخاري، كيف فيه شكٌّ؟
المتصل: أنا أقول لك: وآيات الله البينات، أليست أبلغَ؟
الشيخ: آيات الله تجمع بينهما، لا نضرب كتاب الله بالسنة.
المتصل: أليست آياتُ الله أبلغ؟
المقدم: أخي الدكتور لم يعد هناك بعد الكثير من الوقت لكن الشيخ إن شاء الله يسند هذا الحديث.
المتصل: أتمنَّى العودةَ إلى كتاب الله عودة حقيقية، أما بعض الأقاويل لا ينبغي أن تكون سندًا.
المقدم: يجيبك الشيخ إن شاء الله، ويصحح لك هذه.
الشيخ: في البخاري يا أخي الكريم.
المقدم: الله المستعان، دكتور خالد لو يكون هناك توضيح لهذا الأمر.
الشيخ: على كل حال هو موضوع الأخ ذكر جُملة من المسائل ما يتعلق بوجود تعلق بالقراء، أو مخالفات بالتأكيد ثمة مخالفات كثيرة، والموضوع يحتاج إلى أكثر من حلقة...
المقدم: صح، لعلنا إن شاء الله نأخذها في الحلقة القادمة.
الشيخ: أكثر من حلقة للتنبيه عليه؛ لأنه هي القضية قضية خطيرة لكن ثمة إشكالٌ أيضًا ذكره وهو تشكُيكه في حديث في الصحيحين، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» فالأخ الكريم أنا أقول له ولغيره من الناس: لا تتقدم في ردِّ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لفهم فهِمتَه تبيَّن لك أنه يُعارض قولَ الله، هنا في مثل هذه إذا جاءك قول النبي، لا تقول: لا والله ما أنا آخذ إلا كتاب الله ونضع الأقاويل.
كلام النبي ليس أقاويل، كلام النبي بيان وتفسير للقرآن وبالتالي عندما يأتي الحديث في صحيح البخاري أو في صحيح الإمام مسلم أو تَقَبَّله الأمة بالقبول، لا ينبغي ولا يجوز لأحد أن يوصف هذا بالأقاويل، بل هذا قول النبي، وعند ذلك أحتاج إلى أن أراجع فهمي للآية في معنى قوله تعالى: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾[البقرة:41] هذا لا يمكن أن يتعارض، وبيان النبي يبين أن هذا ليس داخلاً، لكن أيضًا فيما يتعلق بأخذ الأجرة يعنى ثمة إشكالية تحتاج إلى توضيح وهي من الأخطاء التي يمكن أن يُدرجها يعنى ما يفعله بعض الناس من الاتجار بكتاب الله، ويقرأ في خزَّان ماء ويبيع الجرَّة بمبالغ قد تكون قليلة أو كثيرة بغض النظر أنا عندي هذا ثمة فيه إشكال، وهو أنه نوع من العَبَث الذي لا يجوز؛ لأن الوارد في القراءة على نحو معين.
أظن أن الوقت لا يتسع.
المقدم: نعم، والله كان ودنا نأخذ أكثر، ولكن إن شاء لعلنا نفرد الحديث عن هذا الأمر في الحلقة القادمة إن شاء الله شيخ خالد، سعدنا المستمعين بهذا الأمر إن شاء الله.
الشيخ: بإذن الله.
المقدم: أشكر صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد ابن عبدالله المصلح عضو الإفتاء، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم الذي كان معنا في هذه الحلقة على مدى ساعة كاملة في برنامجكم" الدين والحياة"، أتمنى لكم التوفيق وشكر الله لكم صاحب الفضيلة.
الشيخ: بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام وأنتم لكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على حسن استماعكم، وتفاعلكم معنا في هذه الحلقة، في حلقة الأسبوع المقبل إن شاء الله سوف نستأنف أو سوف نستكمل ما بدأناه في هذه الحلقة عن الرقية الشرعية وعن أبرز الأخطاء الحاصلة وإضافة إلى العديد من المحاوِر التي لم نتمكن من طرحها في هذه الحلقة.
تقبلوا أجمل التَّحايا من محدثكم عبد الله الداني، ومن استقبال مكالمات الزميل خالد فلاته، ومن التنفيذ على الهواء الزميلين محمد أبا صويلح، وجميل مرجان.
حتى الملتقى بكم بإذن الله تعالى في حلقة الأسبوع المقبل نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.