×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (8) الأمن الفكري.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

                   الأمن الفكري
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم مستمعينا الكرام إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر والذي يأتيكم عبر أثير إذاعتكم إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة إعدادا وتقديما محدثكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل بسام العماري، وفي هذه الحلقة مستمعينا الكرام وفي كل حلقة نختار موضوعا نخصصه للحديث عنه، ونتناقش ونتحاور حوله، بالإضافة إلى أننا أيضا نسعد بمداخلتكم وتفاعلكم معنا من خلال ما يطرح من موضوعات.

موضوعنا في هذه الحلقة سوف نناقشه -بإذن الله تعالى- مع ضيفنا الدائم في هذه البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، والذي نسعد بانضمامه إلينا الآن عبر الهاتف، فالسلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك يا أخي عبد الله، أهلا بك ومرحبا.
المذيع: حياكم الله يا شيخ خالد، طبعا في هذه الحلقة اخترنا موضوع "الأمن الفكري" ضرورة للحديث عنه، وأيضا تفصيل هذا الموضوع وما يعنيه، وأهمية هذا الأمر بالنسبة للأفراد والجماعات، وكذلك أيضا ما يتصل بهذا الموضوع من أنه ضرورة شرعية يجب ترسيخها في كل المجتمعات الإسلامية حتى تسير -بإذن الله سبحانه وتعالى- في أمن وأمان واستقرار، في البداية ماذا يمكن أن نقول حول مسألة الأمن الفكري؟
الشيخ: أولا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيا الله الإخوة والأخوات في هذا اللقاء، وأسأل الله أن يجعله لقاء نافعا مباركا، موضوع حلقتنا لهذا اليوم موضوع حيوي، وهو موضوع ينبغي أن يتعاطى معه بصورة عملية أكثر منها صورة تنظيرية؛ لأن الأمن الفكري يطرح في كثير من الأحيان وفي كثير من الأطروحات على أنه قضية فكرية، قضية ذات شأن يختص بعض الجهات كالنخب الثقافية أو الجامعات ومراكز البحوث، أو الجهات الأمنية ونحو ذلك.
والحقيقة أن هذا قصور كبير في فهم الأمن الفكري، وأنا أقول: لو كان ثمة مجال أن يوجه سؤال للإخوة والأخوات المستمعين ومضمونه ماذا تعرف عن الأمن الفكري؟ أو ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تستمع إلى هذه المفردة، أو هذه الكلمة، أو هذا المصطلح الأمن الفكري؟

في كثير من الأحيان فيما يظهر لي أنا لن أتقدم بالجواب؛ لأن المفترض أن يكون الجواب منكم، لكن لما كان الأمر من جهة واحدة لا أستطيع أن أتحاور مباشرة، أنا أقول: يعني الأمن الفكري عندما يطلق هذا المصطلح يتبادر إلى الذهن في كثير من الأحيان حسب ما لمسته ووجدته من بعض الأفراد أنه قضية تتعلق بمعالجات انحرافات فكرية فقط، والحقيقة أن هذا قصور في الفهم؛ لأن الأمن الفكري يرتكز على مرتكزين:

 المرتكز الأول: هو نشر الفكر الصحيح الذي يحقق للناس الأمن.
الأمر الثاني: معالجة ما يمكن أن يكون من انحرافات فكرية تتعلق بالعقائد، تتعلق بالسلوكيات، تتعلق بالمجتمع، تتعلق بالأفراد؛ هذا النظر الواسع الذي يبين لنا أن المعالجات الأمنية أو عفوا الأمن الفكري لايقتصر فقط على المعالجات الأمنية الفكرية التي تعالج الانحراف في فكر الناس، إنما هو أوسع من ذلك حيث إنه يعالج الناحيتين، الناحية الفكرية التي هي الأساس والأصل بنشر المعاني الصحيحة، وبذر القيم السليمة, ودعوة الناس إلى ما يكون فيه صلاح دينهم ودنياهم.

وهذا الجانب جانب مهم للغاية؛ لأنه جانب البذر، جانب التأصيل، جانب الوقاية، ثم هناك انحرافات في المسيرة البشرية، في مسيرة الأفراد، في مسيرة الجماعات، في مسيرة الناس، هذه الانحرافات الأمن الفكري يتدخل في معالجتها وتقويمها وردها إلى جادة الصواب.
إذا فهمنا هذه القضية وهي أن الأمن الفكري ليس فقط معالجات لفئة محدودة من الناس، أو معالجات انحرافات ضيقة بل هو أوسع من ذلك بكثير.

 عرفنا أن الأمن الفكري يمثل للمجتمعات وللمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص ضرورة دينية وضرورة دنيوية، ضرورة دينية؛ لأن الدين الحنيف أرسى قواعد الأمن الحياتي من كل جانب، ونبه إلى ضرورة تحقيق خصال التقوى والإيمان لتطيب الحياة ويحصل الأمن، قال الله تعالى { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }+++(الأنعام:82)--- جعل الله تعالى الأمن جائزة، جعله ثوابا، جعله نتيجة و ثمرة لمن حقق ما ذكر الله تعالى في الآية الكريمة من التحلي بخصال الإيمان والمجافاة والمجانبة لخصال الظلم، وأعلاه وأكبره وأعظمه الظلم في حق الله بأن يشرك به غيره، وأن يسوى به غيره -جل في علاه-، فقال: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك }+++ (الأنعام:82)--- هؤلاء ليس غيرهم لهم الأمن وهم مهتدون، وجعل الله تعالى سلب الأمن ثمرة المخالفة لتعاليم الشريعة، وفيما جاءت به الرسل، ولما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهدايات، قال الله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}+++(النحل:112)--- تأمل الجزاء والعقوبة المترتبة على تضييع خصال الشريعة، خصال الإيمان، خصال التقوى، تضييع ما يكون من أسباب الاستقامة، كل هذا يثمر ما ذكره الله تعالى في قوله: { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }+++(النحل:112)--- أذاقها الله لباس الجوع والخوف، وانظر حيث جعل الخوف والجوع لباسا، أي أنه يحيط بهم من كل جانب في أفكارهم وفي سلوكهم وفي عملهم.
المذيع: يخيم عليهم.
الشيخ: وفي خاصتهم وفي عامتهم، في بيوتهم، في شوارعهم، في مكاتبهم، اللباس لا ينفك عنه الإنسان حتى في أخص الحالات يلبس لباسا، في نومهم، في يقظتهم فجعل الخوف محيطا بهم من كل جانب كإحاطة اللباس ببدن الإنسان وقربه منه أيضا.

الإحاطة والقرب والملاصقة وعدم الانفكاك كل هذا يبين لنا أن الأمن الفكري ضرورة دينية؛ لأنه به يتحقق الأمن على المرتكزات الأساس والخصال الخمس التي جاءت الشريعة بتحقيقها: سلامة الدين، سلامة العقل، سلامة المال، سلامة النفس، سلامة الأعراض ،وبها تحفظ الضرورات الخمس التي تستقيم بها الحياة.
الأمن الفكري ضرورة دنيوية؛ لأنه ما يمكن تطيب دنيا الناس إلا بعبادة، إلا بأمن، إلا باستقرار، إلا بسكون وطمأنينة يتحقق بها المقصود من التنمية المقصود من الترفه والتنعم بما أنعم الله تعالى، وبما سخر كما قال تعالى: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة }+++(الأعراف:32)--- فهي للمؤمنين ما في الدنيا من متاع، ما في الدنيا من نعم، هي لأهل الإيمان ويشاركهم فيها غيرهم، لكن أذن الله بالتمتع بها بما لا يوقع الإنسان بالخروج عن الصراط المستقيم، وبما يقع في مخالفة الشرع القويم.

من هذه المقدمة يا أخي عبد الله وأخي وأختي المستمعين والمستمعات الكريمات يعني يتبين لنا أن الأمن الفكري ليس مصطلحا خاصا يعيش مع كل واحد منا، كلنا صغيرنا وكبيرنا، ذكرنا وأنثانا، من يعمل منا ومن لا يعمل، من يدرس ومن لا يدرس، الجميع يحتاج إلى أن يأمن فكره، والتأمين الفكري مرتكز لكل أوجه الأمن الأخرى: الأمن الصحي، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الأمن البيئي كل أوجه الأمن التي تذكر بشتى صورها هي فرع عن الأمن الفكري؛ لأنه إذا استقام الفكر صلح العمل؛ ولهذا نحتاج إلى أن نقف مع هذا المعنى وقفة واضحة وجلية، وأن نعرف أن الأمن الفكري ضرورة لحياتنا، ضرورة لديننا، ضرورة لإقامة ما نأمله من مجتمع متقدم، مجتمع صالح، مجتمع نافع للبشرية.
المذيع: شيخ خالد أنتم في حديثكم هذا بسطتم وجليتم وفصلتم مثل هذا الموضوع والعنوان الذي ربما أحيانا يعتبره البعض بأنه نخبوي خاص بفئة معينة، وأنه لا يمكن أن يهم هذا الأمر إلا شريحة ما من المجتمع، وأنه ليس يعني من الأهمية أننا نلتفت إليه ونهتم به، لكن عندما تحدثتم بأن الأمن الفكري هو نواة كل أنواع الأمن وجب علينا ضرورة أن نتعرف على هذا الأمن وهذا النوع، وماذا نعني به؟ وخصوصا أننا نعلم أن الأمن الفكري لا تتحقق بدونه عبادة الله -سبحانه وتعالى-، وهو الغرض من إيجاد الناس في هذه الحياة، كيف يمكن أيضا أن نتحدث فيما يتعلق بالأمن الفكري بواقع تطبيقات من الكتاب والسنة التي تشرح مثل هذا المصطلح؟.
الشيخ: ألمحت في حديثي قبل قليل أن الأمن الفكري هو ثواب وأجر وجزاء، الأمن بمعناه العام ومنه الأمن الفكري، هو ثمرة للاستقامة على شرع الله -عز وجل-، القيام بحقوقه -جل في علاه- أعظم الحقوق على الخلق حق الله -جل وعلا-؛ ولذلك قدمه بالذكر على سائر الحقوق، قال تعالى :{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}+++ (الإسراء:23)--- وذي القربى إلى آخر ما ذكر الله تعالى من أصحاب الحقوق.

الحق الأول الذي ينبغي أن ينظر إليه ويبحث عنه لتحقيق كل أمن فكري وإقامة كل مطالب الصلاح والاستقامة هو الأمن فيما يتعلق بصلتك بالله عز وجل، بإقامة حقه -جل في علاه-، فإن إقامة حقه سبب لكل خير في الدنيا والآخرة، الله تعالى يقول: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}+++(النور:55)---
المذيع: إذا وضع شرطا.
الشيخ: هذه الآية الكريمة بما تضمنته من أعمال هي وعد إلهي مرتب على فعل أمور {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات}حققوا الإيمان واشتغلوا بالعمل الصالح، الإيمان طبعا يعني هنا أمر مهم أن نعرف أن الإيمان والعمل الصالح ليس هو ما يقترحه الناس أو يبتدعونه ويأتون به من قبل أنفسهم، إنما الإيمان المقصود به هنا الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، الذي دل عليه القرآن، الذي كان منهجا له صلوات الله وسلامه عليه، وكان عليه هو وأصحابه في أفضل قرن وفي أكمل مجتمع.
هؤلاء إذا حقق الإيمان والعمل الصالح، وهو ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- وعد الله هؤلاء ليستخلفنهم في الأرض أي يجعلهم خلفاء في الأرض، خلفاء أي يمكنهم في الأرض تمكينا ينالون به كل رفعة وكل سمو يعود عليهم وعلى البشرية بالخير {كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم أي الذي رضيه، وهو الذي قال فيه -جل وعلا-: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}+++(المائدة:3)---، ثم بعد ذلك ذكر منافع قريبة دنيوية، قال: {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني } أي  يحققون العبادة {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} فالطريق الذي يدرك به الأمن على وجه الكمال هو أن يقيم كل واحد منا أنا وأنت وأنت وكل أحد من الناس يقيم شرع الله في نفسه، بتقواه -جل وعلا- في السر والعلن، بأداء الحقوق: حق الله أولا، ثم حق النبي، طبعا حق النبي صلى الله عليه وسلم يتبع حق الله؛ لأنه شرعه، وحق الوالدين، وحق القرابات، وحق كل ذي حق {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}+++(النساء:58)--- بمجموع هذا، بمجموع أداء الحقوق ومنظومة اشتغال الإنسان بالإيمان والعمل الصالح يدرك خيرا كثيرا وسعادة كبرى، وطمأنينة لا يمكن أن تتوقف عند حد.
المذيع: جميل شيخ خالد تحدثتم عن مسألة مكونات الأمن الفكري، وكيفية تحقيقه، لكن نأتي أيضا إلى جانب مهم ألا وهو كيف يمكن أن نحمي هذا الأمن الفكري الذي سعينا في ترسيخه وفي تأكيده في نفوسنا وفي مجتمعاتنا؟ كيف يمكن أن نصونه من الدخن؟ وكيف يمكن أيضا أن نصونه مما يهدده من أخطار وأضرار ربما تلحق به نتيجة عدم القيام بما يجب علينا.
الشيخ: الدور المطلوب يعني لعلنا قبل ما نؤخرها ولا نتكلم عنها الآن، مسئولية من الأمن الفكري؟ هل هو مسئولية  لجهة من الجهات؟ هذه قضية مهمة، ثم بعد هذه إذا عرفنا مسئولية من الأمن الفكري؟ انتقلنا للسبل والأسباب التي يتحقق بها الأمن الفكري وكيفية الوقاية مما يمكن أن يكون من انحرافات وإخلالات بهذا الأمن.

فإذا أردنا على وجه العجلة أن نتكلم عن من المسئول عن تحقيق الأمن الفكري؟ الأمن الفكري ليس مسئولية منوطة بجهة محددة أو فئة من الناس، الأمن الفكري هو مسئولية فردية أولا، كل واحد منا مسئول أن يؤمن نفسه فكريا بأن يقيم الفكر السليم ويجانب ويتوقى كل فكر منحرف.

 والفكر عندما نقول الفكر هو كل ما ينتج عن هذا الفكر من عقائد، كل ما ينتج عن هذا الفكر من سلوكيات؛ لأن الفكر هو مبدأ الاعتقاد، الفكر هو مبدأ العمل، الفكر هو منطلق السلوك.
المذيع: والسلوك يترجم الفكر.
الشيخ: لذلك لما نقول الأمن الفكري نحن لا نقصد فقط سلامة الفكر بغض النظر عما يترتب على ذلك من ثمار وآثار؛ لأن الفكر هو المرتكز الأول الذي يقوم مسيرة الإنسان، فلابد إذا ذكرنا ذلك أن نعرف أن المشارك في إقامة الفكر السليم في تحقيق الأمن الفكري ابتداء الوالدان، قال الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}+++(النحل:78)--- ثم امتن الله تعالى بالآلات التي تدرك {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون }+++(النحل:78)--- فالمبدأ هو في الخروج الأول عندما يكون الإنسان يخرج لا علم له بشيء فيتلقفه والداه، فالواجب عليهما في رعايتهم لابنهما وبنتهما وولدهما ما يجعل المسئولية الأولى على الوالدين في تحقيق الأمن الفكري بزراعة وبذر المعاني السليمة الصحيحة ورعايتها، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل مولود يولد على الفطرة))+++[البخاري:ح1359]--- وهو ما جعل الله تعالى من مرتكزات في فطر الناس، من محبته وتعظيمه والانجذاب إليه، هذه الفطرة إما أن تقوم وتعزز وتقوى وتوجه إلى الطريق السديد، وإما أن يحرف بها، ولذلك قال: ((فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) +++[البخاري:1359]---، وهذه أمثلة لأوجه الانحراف في الفطرة عن طريقها القويم الذي يوصل إلى الصراط المستقيم، والذي يهدي إلى صلاح الدنيا والدين.
 
فالبذرة الأولى أو المسئولية الأولى لتحقيق الأمن الفكري هو الوالد والأم والأب، هما المرتكز الأول أو اللذان بهما تحقيق الأمن، ثم معلوم أن المجتمع يخرج بين أبوين وأسرة لها دور، وسواء كان أبا أو أما وهما مفتاح التوجيه، وكذلك الإخوة والأخوات، وكذلك سائر القرابات وهلم جرا، في محيط البيئة هذه التي ينشأ فيها الطفل إلى تقريبا ثلاث سنوات أربع سنوات هو قريب في التأثر بهؤلاء، لا يتعدى التأثر بغيرهم في غالب الحال المحيط الأسري، بعد ذلك يخرج إلى مجتمع، وهذا مجتمع يتلقفه، وابتداء خروجه إلى المؤسسات التربوية التي يناط بها تعليم النشء، وتعليم النشء هو من أقوى وآكد العوامل المؤثرة في تحقيق الأمن الفكري، ولهذا المسئولية لا سيما في البدايات في المراحل الأولى من التعليم من المسئوليات العظمى المؤثرة لتشكيل الفكر، لتشكيل العقائد، لتشكيل السلوك، لتحقيق الأمن الفكري بمفهومه الواسع الذي يشمل العقائد والأعمال والسلوكيات هو المؤسسات التعليمية.
ولهذا المؤسسة التعليمية معلوم أنها يعني مرتكزة  على شيئين: الشيء الأول المعلم، والشيء الثاني المناهج؛ ولهذا من الضروري أن تراعي مؤسسات التعليم هذا الأمر مراعاة بالغة الدقة، وأن يكون تحت نظر ومراجعة وفحص وتقويم ومتابعة لتحقيق الدور المنشود للمؤسسة التعليمية في البناء، في بناء الأمن الفكري، وفي تحقيق المقصود من إصلاح النشأ وإشاعة المعاني الفاضلة ومحاصرة المعاني الرديئة.
المذيع: شيخ خالد فقط تأذن لي آخذ هذا الاتصال من المستمع عبد العزيز الشريف، ثم -إن شاء الله- نواصل أيضا حديثنا فيما يتعلق بدور المؤسسات التربوية، أخي عبد العزيز تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام.
المتصل: أخ عبد الله مساكم بكل خير، حياكم الله أخ عبد الله.
المذيع: أسعد الله مساءك تفضل أخ عبد العزيز.
المتصل: سلام عليكم شيخ خالد.
الشيخ: الله يحييك أهلا وسهلا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: فضيلة الشيخ يقول الله- عز وجل-: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به}+++(النساء:83)--- الإشاعات أليست مؤثرة في الأمن الفكري، أيضا بارك الله فيك، ما يتعاطاه الإنسان من أمور تغضب الله من مخدرات ومن مسكرات وغيرها هل لهذه الأشياء تأثير في الأمن الفكري، الأمر الثالث: بارك الله فيك آيات القرآن كلها تدل على التفكير {أفلا تعقلون}+++(الأنعام:32)--- {أفلا تتذكرون}+++(الأنعام:80)--- لماذا القرآن العظيم يحث على التفكير؟ وهل التفكير بالعقل أم بالقلب؟ وجزاك الله كل خير.
المذيع: جزاك الله خيرا أخي عبد العزيز، طيب شيخ خالد أستأذنكم أيضا في أخذ الاتصال الثاني ثم نجيب عليه جملة إن شاء الله، طيب إلى أن يجهز الاتصال الثاني مع أحد المستمعين نبدأ في الإجابة.

 صاحب الفضيلة فيما يتعلق بما أورده المستمع عبد العزيز الشريف فيما يتعلق بالشائعات ودورها في تقويض الأمن الفكري.
الشيخ: أخي عبد الله بس نستكمل الفكرة ونرجع للجواب على السؤال إذا سمحت.
المذيع: تفضل يا شيخ.
الشيخ: تكلمنا بالتدريج مسئولية من تحقيق الأمن الفكري وقلنا: تكلمنا عن دور الوالدين، ودور الأسرة، ثم دور المؤسسات التعليمية، ثم بعد ذلك من المهم أن نعرف أن الإعلام يمثل مفتاحا رئيسا في هذه الأيام، في هذا العصر على وجه الخصوص؛ لتعدد وسائله وتنوع طرقه في الوصول إلى تشكيل الأفكار ابتداء من الصغار بالبرامج التي يشاهدونها، سواء كانت البرامج التي تبث أو البرامج التي يمكنون من استعمالها من الألعاب ووسائل المتعة التي يأخذونها على وجه اللهو هذه لها تأثيرات.
يعني بعض البرامج في الألعاب الإلكترونية على سبيل المثال هي من الطرق التي يحصل بها الإخلال بالأمن الفكري من خلال بث عقائد منحرفة، من خلال بث سلوكيات مدمرة للفرد والمجتمع، من خلال بث الاستهانة بالدماء بهذه البرامج الإلكترونية التي فيها سرقة السيارات، وقتل الناس وصدم الناس، والسطو على المساجد.
المذيع: الألعاب الإلكترونية صحيح.
الشيخ: هذه من أوجه الإخلال بالأمن الفكري الذي ننشد جميعا تحقيقه؛ فلذلك الإعلام بكل وسائله، بكل صوره لم نتكلم عن الأوجه الأخرى من أوجه الإعلام التي الآن هي في يد الصغير قبل الكبير، يشتغل بها فئام وشرائح واسعة من الناس، نحن نحتاج إلى المراجعة في استثمار هذه الوسائل لتحقيق الأمن الفكري، ولا يخفى علينا أن بعض الانحرافات الفكرية سواء كانت فيما يتعلق بالانحراف نحو الغلو والتكفير، وتدمير المجتمع والقناعة بالأفكار المدمرة والمذاهب الضالة، أو كانت من جهة أخرى الأفكار الإلحادية، أو الأفكار الإباحية، أو الأفكار التغريبية التي تدعو إلى الانخلاع والانسلاخ عن التاريخ وعن الدين، وحتى الانسلاخ عن الجلد في بعض الأحيان، بعض  الطروحات كل هذا هو نتاج أوجه ممارسته هو الإعلام هو الذي يسوق لهذا ويسوق لهذا، ولذلك المزاحمة في الإعلام ضرورية لتحقيق الأمن الفكري بطرح قويم وسليم، والبحث عن مناطق التأثير للوصول إلى الشرائح والجهات المستهدفة بالتوعية والإرشاد والبيان والتوضيح والوقاية، هذا من الجهات المؤثرة وبالغة التأثير في تحقيق الأمن الفكري.
كذلك من الوسائل التي يتحقق البرامج التي يعيش بها المجتمع سواء كانت برامج ترفيهية، برامج تعليمية، أو برامج توعوية يحتاج الناس أن يطرح هذا حتى يكون همهم، وحتى يتوقون كل ما يمكن من أوجه الانحراف والزلل الذي يهدد أمنهم، ويهدد مجتمعاتهم، ويهدد دينهم، ويهدد دنياهم بالتدمير والفساد.

 هذه لمحة من الفقرات والخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هذا المحور، وهو محور من المسئول عن تحقيق الأمن الفكري؟ نقول: كلنا صغيرنا وكبيرنا كلنا شركاء في تحقيق الأمن الفكري لأنفسنا ولمجتمعنا، ينبغي أن نشارك وأن نعلم أننا محاسبون على ما يكون من تقصير، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).+++[البخاري:5200]---
المذيع: أستأذنك شيخ خالد فقط في هذا الاتصال من زياد الدمجاني من المدينة المنورة أخي زياد تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: مساك الله بالخير أخوي عبد الله.
المذيع: مساك الله بالنور حياك الله.
المتصل: أحييك وأحيي ضيفك الكريم الشيخ خالد.
الشيخ: الله يحييك مرحبا.
المتصل: الله يبارك فيك، أنا أوجه سؤالا للشيخ خالد ثقافة الحوار عندنا يعني ضعيفة، والسؤال هل ثقافة الحوار سبب من أسباب تنمية وتطوير الأمن الفكري؟ شكرا مقدما.
المذيع: شكر الله لك، شكرا أخي زياد، طيب شيخ خالد تسترسلون فيما تحدثتم به فيما يتعلق بمهددات الأمن الفكري أو ربما ما يعزز الأمن الفكري من برامج ووسائل إعلام هادفة تسعى إلى تحقيق الأمن الفكري.
الشيخ: هو الدخول في تفاصيل هذا أخي عبد الله وأيها الإخوة والأخوات المستمعون والمستمعات، الدخول في التفاصيل أحيانا يعني لا يمكن أن نأتي عليه بشكل كافي ووافي لا سيما أننا في برنامج محدود الدقائق لكن نقول: نحن نحتاج إلى لو لم نخرج من هذه الحلقة إلا بتحريك هذا الموضوع في أذهاننا وفي أنفسنا وإبراز أهميته، وأنه نحن شركاء في صناعة الأمن الذي ننعم به وتستقيم به شعائرنا التعبدية ويستقيم  به ديننا وتستقيم به دنيانا،  إذا كان هذا مطلبا ومكسبا كبيرا.

 التفاصيل نقول: عندما نذكر أن كلنا شركاء في تحقيق الأمن الفكري فبالتالي سنبحث عن الدور الذي يمكن أن نقدمه؛ الوالد الأب والأم والإخوة والأخوات والأسرة والقرابات، والمجتمع والمؤسسات التعليمية، والمؤسسات الإعلامية والمفكرون والعلماء وأصحاب الرأي، كما أن الولاة بالمؤسسات الحكومية وهي مؤسسات ذات عمق وقوة وقدرة مادية ومعنوية وفكرية، كلهم الحقيقة شركاء في صناعة الأمن الفكري، وولاة أمرنا ولله الحمد تنبهوا إلى أهمية الاعتناء بهذا الموضوع، وأولوه عناية مبكرة، ولذلك نجد أن الطرح لهذا الموضوع وإقامة الملتقيات والندوات.
المذيع: والكراسي البحثية.
الشيخ:  وعناية المراكز به واضحة يعني وجلية يعني مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية هو نموذج علاجي طبعا هذا لفئة محددة ونتوقع ما ذكرنا.
المذيع: هناك برامج وقائية يا شيخ خالد.
الشيخ: إنه الأمن الفكري محدود بفئة لا هذا نذكر نماذج وصور للموجود عندنا من أوجه تعزيز هذا الجانب والقيام عليه.

الحملات التي يقيمها المناطق والإمارات المناطق من جهة الأمن الفكري لها دور، يعني مثلا في القصيم حملة سمو الأمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز فيما يتعلق بحملة ضد الفكر الضال والمناهج المنحرفة، كلها تصب في نفس الهدف هذا من الجهة الحكومية، لكن نحن نحتاج إلى دور أكبر لإشراك الجهات الحكومية والمدنية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الخيرية.
المذيع: ومكاتب الدعوة، نعم.
الشيخ: لتحقيق المنشود من إشاعة الأمن الفكري، وأنا قلت :كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فجميعنا مسئولون عن هذا المعنى، في جانب آخر، وهو لمحة إذا كان يسمح الوقت لمحة مما ينبغي أن نستحضره في مسألة الوقاية من الانحرافات الفكرية، معي أستاذ عبد الله.
المذيع: نعم أسمعك يا دكتور.
الشيخ: طيب إذا أردت نتكلم عن هذا الموضوع نشرع فيه بإذن الله.
المذيع: طيب لو كان بشكل موجز حتى نتطرق إلى الأسئلة التي عرضها المستمعون الكرام.
الشيخ: طيب هو أخي الكريم الآن بنظرة عامة على الوضع العالمي العام والاضطرابات الحاصلة في كل مناطق العالم لا سيما منطقتنا التي تعتبر يعني هي مرتكز العالم وأساسه والحقيقة أرض الصراع، أصل الصراع الحاصل هو صراع أفكار بلا ريب، مبدأ الصراع هو الصراع الفكري، هذا الصراع الفكري هو الذي يتحول إلى صراع بكل أوجهه: اقتصادي، ثقافي، إعلامي، مسلح، كلها فرع عن الصراع الفكري فعندما تتصارع الأفكار يتبعها بعد ذلك كل ما يمكن أن يكون من أوجه الصراع، عندما نتحدث عن صراع الأفكار نحن نتحدث عن جهات عديدة في الداخل والخارج تسعى إلى اقتناص أفكار الشباب، وذكرت الشباب على وجه الخصوص مع أن الأمن الفكري لا يقتصر عليهم إنما هو لكل أفراد المجتمع؛ لأن الشباب هم المرتكز وهم أمل الأمة، وهم معقد الأمل في تحقيق النمو وفي تحقيق الرقي فإذا أصيبت الأمة في شبابها فقدت عناصر قوتها، فقدت المرتكز الأساسي الذي تبني عليه كل آمالها فيما يتعلق بصلاح دينها وفيما يتعلق بصلاح دنياها.
الشباب يواجهون تيارات مختلفة وانحرافات كثيرة وتتخطفهم جهات عديدة كل يروج لسلعته، وكل يسعى لاقتطاع أكبر قدر من أفكار الشباب لاستمالتهم إلى فئته، وإلى جهته، وإلى فكره، وإلى ما يتبناه، وهنا تكمن الخطورة أن هذه المعركة كثير من الناس من أهل التوجيه السليم والذين يحرصون على سلامة أفكار الناس ودينهم ودنياهم، ويحرصون على استقرار الأمن والتي لها مواقع، ولها جهات، ولها مسارح ينبغي أن يتنبه لها، وأن يبادر إلى معالجتها بالممكن من أوجه العلاج، طبعا الإنسان مكلف بما يطيق، والله تعالى يقول: { فاتقوا الله ما استطعتم }+++(التغابن:16)--- فمن المهم أن نبذل الوسع في تقويم ما نستطيع تقويمه، وفي حفظ شبابنا من هذه الانحرافات.
النبي -صلى الله عليه وسلم- برزت بوادر الانحراف من وقته صلى الله عليه وسلم لا سيما الانحراف المتعلق بكل صورة فيما يتعلق بالانفلات من الشريعة، وفيما يتعلق بالغلو كلاهما، وهما خطران يتهددان الشباب اليوم، الشباب بين خطرين خطر الغلو الذي يجتلبهم وينتزعهم إلى التدمير والتفجير والشرور المتلاحقة في الجناية على الأمة، وعلى الناس أو الجانب الآخر الإلحاد والإباحية.
المذيع: والانفلات من الشرع.
الشيخ: والانجراف وراء بريق الحياة التغريبية التي تخرجهم عن الصراط المستقيم وكلا هذين خطران، وكلاهما يتهدد الشباب، لكن أذكر لمحة في موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ما  جاء من الغلاة، الجانب الآخر تكلم عنه القرآن فيما يتعلق بالنفاق، وفيما يتعلق بإرادة الشر والفساد بالناس ونشر وإشاعة الرذيلة فيهما، هذا جانب اعتنى به القرآن، ومهم أن يعتنى به، وأن يبرز حتى يوقى الشباب شره.

لكن فيما يتعلق بالجانب الآخر وهو الأخطر حقيقة في خطورته قد تكون أكبر، وهو الذي ينبغي أن يعتنى به، وأن لا يقتصر فقط على جانب الانحلال  على الجانبين، كلاهما ينبغي أن يعتنى به وأن يعالج.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وزع شيئا من الغنائم جاء رجل فقال: اعدل يا محمد، وخطورة هذا النوع من الفكر فكر الغلو أنه يتظاهر بثياب شرعية، وأنه يأتي بألفاظ براقة، ويأتي بشعارات جذابة، ولذلك من المهم في معالجة هذا الفكر أن يبتدأ أولا ببيان براءة الإسلام منه، وأنه مهما تظاهر أصحابه بالصلاح والديانة وما إلى ذلك من الشعارات البراقة، مهما تظاهروا بشيء من هذا فإن ذلك لا يواري سوءات الفكر المنحرف وانحرافات الاعتقاد الذي طووا عليه قلوبهم، فما فتئ الضلال يلبسون على الناس بشعاراتهم الكاذبة التي يخطفون بها العقول ويعمون بها البصائر؛ لذلك لما جاء الرجل وقال: يا محمد أو اعدل يا رسول الله أو اعدل يا محمد قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:( من يعدل إن لم أعدل؟)، ثم قال له -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر أحد الصحابة استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله: قال: (( يحقر أحدكم صلاته  مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم))+++[البخاري:ح3610]--- هذا التوصيف النبوي لهم من حيث سلامة صلاتهم، أو كثرة صلاتهم، وكثرة صيامهم وكثرة قراءتهم.
المذيع: يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
الشيخ: إن هناك غشاوة قد يلتبس به حال هؤلاء عن  الناس فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يغركم ولا يعميكم ما يتظاهرون به أو ما يمارسونه من عبادات في الصلاة والصوم والقراءة؛ لأن هذا عار عن فهم مقاصد الشريعة، عار عن إدراك أسرارها، عار عن إقامتها في الحقيقة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر قراءتهم قال:( يحقر أحدكم قراءته مع قراءتهم)، قال ((يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)) وهذا يبين أنه ما عندهم من العلم والمعرفة والإدراك لما جاء به الرسول ما يميزون به بين الحق والباطل، ولذلك تورطوا في سفك دماء المسلمين، وفي التنفير عن الدين، وفي تشويه الإسلام، وفي أذية عباد الله، وهذا الموقف النبوي يبينه أن هؤلاء يقتلون أهل الإسلام ويذرون أهل الأوثان؛ يعني يتسلطون في القتل على المسلمين ويذرون من يستحق القتل، وذكر نموذجا منهم وهم أهل الأوثان الذين يعادون المسلمين ويكيدون لهم المكائد فيتركونهم ويتوجهون بالقتل والأذى لأهل الإسلام.
المذيع: والنتيجة يخرجون من الدين يا شيخ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية.
الشيخ: نعم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ بيان أنهم لم ينالوا من الإسلام شيئا لا في سلوك، ولا في اعتقاد، ولا عمل كسرعة مرور السهم الذي يرمى به الصيد في الرمية فيما رماه.

 المقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال:  يقتلون أهل الإسلام إذا انتقل الآن، انظر انتقل الموضوع من فكر إلى ممارسة، يقتلون أهل الإسلام عند ذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) وقال: أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله يوم القيامة.

 هذا يبين أن الفكر عندما ينحرف سيتبعه انحراف العمل، وانحراف العمل إذا بلغ إلى هذا الحد فليس له معالجة إلا كما ذكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الحديث.

 فهذا النموذج الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتطاول العهد حتى خرج أولئك الذين وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقتلوا علي بن أبي طالب، وهموا بقتل عمرو بن العاص ومعاوية، وكفروا الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ولم يبعد الأمر، هذا في سنة أربعين تقريبا من الهجرة النبوية، ولم يتطاول الزمان حتى خرجت فرق منهم تشبه إلى حد كبير الغلاة الذين يقتلون الناس في المساجد الآن.
ففي تاريخ خليفة بن خياط يذكر من نماذج هؤلاء الغلاة أنهم كانوا يدخلون المسجد، وقد دخلوا في الكوفة مسجدا وهذا موجود في التاريخ، وفي أحداث سنة ثلاثة وخمسين مسجدا في الكوفة فقتلوا كل من فيه ما أبقوا أحدا من المصلين؛ وذلك لكونهم كانوا يعتقدون كفر أهل الإسلام، ويعتقدون أنهم خارجون عن دين الإسلام، ثم خرجوا إلى الشوارع فما وجدوا أحدا إلا وضربوه بالسيف حتى الذين اعتلوا المنابر فرارا منهم أدركوهم وقتلوهم هذا ما يفعله هؤلاء القتلة.
المذيع: كأنما الصورة تتجدد الآن في هذا العصر.
الشيخ: ويفجرون في مساجد المسلمين، ويتسلطون عليهم باسم الجهاد، وهو فساد باسم نصرة الإسلام، وهو تمكين لأعداء الإسلام على أهل الإسلام، هذا هو ما تفعله داعش، وما تفعله القاعدة وما تفعله الحشد الذي يقتل أهل السنة في العراق وهلم جرا .

كل هذا مهما اختلفت التسميات العنوان واحد يقتلون أهل الإسلام ويذرون أهل الأوثان، وكل هذه الانحرافات الفكرية بشتى صورها محتاجة إلى معالجات صادقة من كل الفئات الذين ذكرت لتقويم الجادة ووقاية الشباب من هذه الانحرافات، نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه وأن يقينا شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.
المذيع: اللهم آمين، أنا فقط أعلن للمرة الأخيرة رقم التواصل معنا في هذا البرنامج 0125427746، في الأسئلة التي طرحها المستمع الكريم عبد العزيز الشريف لعلنا نجيب عن الثلاث نقاط التي أوردها بشكل سريع تحدث في أول نقطة أو في أول سؤال عن دور الشائعات في تقويض الأمن الفكري.
الشيخ: بالتأكيد أن من وسائل الإخلال بالأمن الفكري الإشاعة، والإشاعة خطرها كبير وتأثيرها عظيم؛ ولذلك نهى الله تعالى عن بثها، وعن تداولها وعن الحديث عنها، بل الواجب ردها إلى أولي الأمر كما قال الله تعالى: { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم }+++(النساء:83)--- فالواجب أن نكف عن نشر الشائعات، والشائعات اليوم سوقها رائج الآن.
المذيع: التقنية الحديثة.
الشيخ: لا يتكلف الإنسان في نشر الشائعات من أن يهمز زرا ويضغط إرسالا، وتنتشر الشائعة إلى ملايين وليس فقط إلى ثلاثة أو أربعة أو مجلس محدود.

 اليوم المجالس الإلكترونية تمثل منابر يحدث فيها الإنسان ملايين البشر، وهؤلاء أيضا ينقلون عنه وبالتالي تكون الشائعة كالنار بل أشد من النار في الهشيم انتشارا وذيوعا لذلك من المهم أن يتوقى الإنسان أن ينقل سوءا أو شرا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع))+++[مسلم:ح5/5]--- يعني يكفيك من الإثم ويكفيك من الشر أن تنشر الشر والفساد، أن تنقل كل ما تسمع،(( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)).+++[سبق]---

المذيع: تحدث أيضا عن جانب لعله أيضا فيما يتعلق بموضوع الشائعات قبل أن ننتقل إلى النقطة الثانية أن الإنسان يجب عليه أو يلزمه  التثبت قبل أن ينقل كل شيء حتى لا يبوء بإثم من تصلهم أيضا هذه الرسائل وتتسبب فيه من بلبلة للأمن وزعزعة للاستقرار، تحدث أيضا في النقطة الثانية في مسألة المخدرات والمسكرات ومذهبات العقل ودورها أيضا فيما يتعلق بمهددات الأمن الفكري.
الشيخ: بالتأكيد يعني الملاحظ أن كثيرا من المتورطين في المناهج الفكرية المنحرفة سواء الغالية، أو الإلحادية والإباحية كثير منهم مر بمرحلة من مراحل تعاطي المخدرات التي تدمر آلية التفكير، وتهدم القيم، وتحول الإنسان إلى أرض سهلة الاجتياح، فكره يسهل اجتياحه لقيادته إلى غلو أو إلى إباحة وإلحاد؛ لذلك من المهم أن نتضافر في محاربة هذا الغزو الذي يوجه إلى أبناء المسلمين في كل مكان، ونحن في المملكة نشهد الحملات المتتابعة التي أو الحوادث المتتابعة التي يحفظ الله تعالى البلاد من شرور أصحاب المخدرات بجهود رجال الأمن الذين يقبضون عليهم، ويقفون على الكميات الهائلة التي يحاول تهريبها إلى البلاد وإلى السوق السعودية هذا المكر العظيم، وهذا التهريب هدفه هو تدمير أعظم ما يملكه الإنسان من الفكر الذي به يدرك الخير ويتوقى الشر.
المذيع: أنا أنتقل إلى فقط لأن الوقت لم يعد هناك المزيد من الوقت لكم ننتقل إلى سؤال الأخ زياد عندما قال ثقافة الحوار لدينا ضعيفة، وربما أسهم هذا في أن يتخلل الأمن الفكري نوع من المهددات أو نوع من الأخطار التي تضعف وتوهن هذا الأمن الفكري، لدينا في مجتمعنا هل هذا الفعل صحيح يا شيخ خالد؟
الشيخ: بالتأكيد أنا أوافق الأخ أن فقدان ثقافة الحوار المؤصل الذي يحاول فيه الإنسان لتلقي الحق والوصول إليه بالتأكيد أن هذا ضرورة لتحقيق الأمن الفكري؛ لأن كثيرا من الناس قد يقع في الانحراف نتيجة أنه لا يتاح له المجال في المناقشة، لا يتاح له المجال في تداول الرأي، وقد تكون هناك إشكاليات فكرية، قد تكون هناك إشكاليات عقدية، قد تكون هناك إشكاليات تتعلق بنظرة الإنسان للمجتمع في بعض المواقف، فيحتاج إلى فتح قنوات الحوار التي تجيب على التساؤلات وتحل الإشكالات وتوضح شيئا من المناهج التي تقي الناس الشرور والفساد.
المذيع: جميل، شيخ خالد فيما يتعلق بهذه المسألة، وأنه تحدثنا عن مسألة ثقافة الحوار لكن يبرز هنا أيضا جانب فيما يتعلق بمواجهة الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان ما أثر هذا الأمر؟ لو في دقيقة ما أثر هذا الأمر في تعزيز وتقويم بعض السلوكيات وأيضا تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقويم بعض السلوكيات الخاطئة؟ بدلا من فقط الزجر والنهي عنها، ربما تظل جذورها موجودة ولكن ربما ظاهرها يذهب، وفي ذات الوقت يخيل للإنسان أنه أن الشخص الذي يحاوره انتهى إلى الطريق الصحيح بينما هو ما زال يقبع في ذات المشكلة، وفي ذات السلوكيات الخاطئة.
الشيخ: بالتأكيد أنه هذا ما ذكرته مهم، وهو في غاية الضرورة لتوقي الانحرافات الفكرية، وأنه نحن بحاجة إلى أن نفتح كل الأبواب التي من خلالها نصل إلى الشباب لا سيما الشباب؛ لأنهم المرتكز، ومن خلال المناقشة لهم والتواصل معهم تتلمس حاجاتهم، وينظر إلى المؤثرات التي تحيط بهم، ويجنبون مخاطر الأفكار المنحرفة، وتفتح لهم قنوات الفكر الجيد، لكن في قضية أحب أن أنبه إليها.
المذيع: باختصار يا شيخ.
الشيخ: أحيانا لما نقول: ثقافة الحوار يعني يطلب البعض منا عندما نتكلم عن ثقافة الحوار أنه يكون حوار متجاوز لكل الحدود، لا يرتبط بقاعدة، ولا يحترم معظما، ولا يعني تهدر قيمة القيم والثوابت لأجل إتاحة مجال للمناقشة والحوار، وهذا ليس بسديد.
المذيع: لكن هناك ضوابط قبل أي حوار يحتكم إليها قبل أن ينشأ ويجب علينا أن نتبعها قبل أن نبدأ أي حوار وبالفعل هو ما تعلمناه ونعرفه دائما.

 أشكركم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم شكر الله لكم ونفع بما قلتم.
الشيخ: بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على استماعكم لنا طوال هذه الساعة على أمل أن نكون قد قدمنا ما ينال استحسانكم، ويحوز على رضاكم، تقبلوا في الختام تحيات محدثكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل بسام العماري، ومن تنسيق واستقبال المكالمات الزميل سالم بلقاسم، ومن تنفيذ الفترة الزميل محمد باصويلح، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في حلقة الأسبوع المقبل حتى ذلكم الحين، وفي كل حين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:5698

                   الأمن الفكري
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر والذي يأتيكم عبر أثير إذاعتكم إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة إعدادًا وتقديمًا محدثكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل بسام العماري، وفي هذه الحلقة مستمعينا الكرام وفي كل حلقة نختار موضوعًا نخصصه للحديث عنه، ونتناقش ونتحاور حوله، بالإضافة إلى أننا أيضًا نسعد بمداخلتكم وتفاعلكم معنا من خلال ما يُطرح من موضوعات.

موضوعنا في هذه الحلقة سوف نناقشه -بإذن الله تعالى- مع ضيفنا الدائم في هذه البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، والذي نسعد بانضمامه إلينا الآن عبر الهاتف، فالسلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك يا أخي عبد الله، أهلاً بك ومرحبًا.
المذيع: حيَّاكم الله يا شيخ خالد، طبعًا في هذه الحلقة اخترنا موضوع "الأمن الفِكري" ضرورة للحديث عنه، وأيضًا تفصيل هذا الموضوع وما يعنيه، وأهميةَ هذا الأمر بالنسبة للأفراد والجماعات، وكذلك أيضًا ما يتصل بهذا الموضوع من أنه ضرورة شرعية يجب ترسيخُها في كل المجتمعات الإسلامية حتى تسير -بإذن الله سبحانه وتعالى- في أمنٍ وأمانٍ واستقرار، في البداية ماذا يمكن أن نقول حول مسألة الأمن الفكري؟
الشيخ: أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّا الله الإخوة والأخوات في هذا اللقاء، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا، موضوع حلقتِنا لهذا اليوم موضوع حيويٌّ، وهو موضوع ينبغي أن يُتعاطى معه بصورة عملية أكثرَ منها صورة تنظيريَّة؛ لأن الأمن الفكري يُطرح في كثير من الأحيان وفي كثير من الأُطْروحات على أنه قضيةٌ فكرية، قضية ذات شأن يختص بعض الجهات كالنُّخَب الثقافية أو الجامعات ومراكز البحوث، أو الجهات الأمنية ونحو ذلك.
والحقيقة أن هذا قُصورٌ كبير في فهم الأمن الفكري، وأنا أقول: لو كان ثمة مجالٌ أن يوجَّه سؤال للإخوة والأخوات المستمعين ومضمونه ماذا تعرف عن الأمن الفكري؟ أو ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تستمع إلى هذه المُفْردة، أو هذه الكلمة، أو هذا المصطلح الأمن الفكري؟

في كثير من الأحيان فيما يظهر لي أنا لن أتقدم بالجواب؛ لأن المفترض أن يكون الجواب منكم، لكن لما كان الأمر من جهة واحدة لا أستطيع أن أتحاور مباشرةً، أنا أقول: يعني الأمن الفكري عندما يُطلق هذا المصطلح يَتبادَر إلى الذهن في كثير من الأحيان حسب ما لمستُه ووجدته من بعض الأفراد أنه قضيَّةٌ تتعلق بمعالجَات انحرافاتٍ فكرية فقط، والحقيقة أن هذا قصور في الفهم؛ لأن الأمن الفكريَّ يرتكَّز على مرتكزين:

 المرتكز الأول: هو نشر الفكر الصحيح الذي يحقِّق للناس الأمنَ.
الأمر الثاني: مُعالجة ما يمكن أن يكون من انحرافات فكريَّة تتعلق بالعقائِد، تتعلق بالسلوكيَّات، تتعلق بالمجتمع، تتعلق بالأفراد؛ هذا النظر الواسع الذي يبين لنا أن المعالجات الأَمنيَّة أو عفوًا الأمن الفكري لايقتصر فقط على المعالجات الأمنية الفكرية التي تعالج الانحراف في فِكر الناس، إنما هو أوسع من ذلك حيث إنه يعالج الناحيتين، الناحية الفكرية التي هي الأساس والأصلُ بنشر المعاني الصحيحة، وبَذْر القيم السَّلِيمة, ودعوة الناس إلى ما يكون فيه صلاح دينهم ودنياهم.

وهذا الجانب جانبٌ مهم للغاية؛ لأنه جانب البذر، جانب التأصيل، جانب الوقاية، ثم هناك انحرافاتٌ في المسيرة البشرية، في مسيرة الأفراد، في مسيرة الجماعات، في مسيرة الناس، هذه الانحرافات الأمن الفكري يتدخَّل في مُعالجتها وتقويمِها وردِّها إلى جَادَّة الصَّواب.
إذا فهمُنا هذه القضية وهي أن الأمن الفكري ليس فقط معالجات لفِئةٍ محدودة من الناس، أو معالجاتِ انحرافاتٍ ضيِّقة بل هو أوسع من ذلك بكثير.

 عرفنا أن الأمن الفكري يمثِّل للمجتمعات وللمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص ضرورةً دينية وضرورةً دُنيوية، ضرورة دينية؛ لأن الدين الحنيف أرسى قواعدَ الأمن الحياتِيِّ من كل جانب، ونبَّه إلى ضرورة تحقيقِ خِصال التَّقوى والإيمان لتطيبَ الحياةُ ويحصل الأمن، قال الله تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }(الأنعام:82) جعل الله تعالى الأمن جائزةً، جعله ثوابًا، جعله نتيجةً و ثمرةً لمن حقق ما ذكر الله تعالى في الآية الكريمة من التحلِّي بخصال الإيمان والمجافاة والمجانبة لخصال الظلم، وأعلاه وأكبره وأعظمُه الظلم في حق الله بأن يشرك به غيرُه، وأن يسوَّى به غيرُه -جلَّ في علاه-، فقال: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ } (الأنعام:82) هؤلاء ليس غيرهم لهم الأمن وهم مهتدون، وجعل الله تعالى سلبَ الأمن ثمرةَ المخالفة لتعاليم الشريعة، وفيما جاءت به الرسل، ولما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهدايات، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(النحل:112) تأمَّل الجزاءَ والعقوبة المترتبةَ على تضييع خِصال الشريعة، خصال الإيمان، خصال التقوى، تضييع ما يكون من أسباب الاستقامة، كل هذا يُثمر ما ذكره الله تعالى في قوله: { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }(النحل:112) أذاقها الله لِباس الجوع والخوف، وانظر حيث جعل الخوفَ والجوع لباسًا، أي أنه يحيط بهم من كل جانب في أفكارهم وفي سلوكهم وفي عملهم.
المذيع: يخيِّم عليهم.
الشيخ: وفي خاصَّتِهم وفي عامَّتهم، في بيوتهم، في شوارعهم، في مكاتبهم، اللباس لا ينفَكُّ عنه الإنسان حتى في أخص الحالات يلبس لباسًا، في نومهم، في يقظتهم فجعل الخوف محيطًا بهم من كل جانب كإحاطَة اللباس بِبَدن الإنسان وقربِه منه أيضًا.

الإحاطة والقرب والملاصقة وعدم الانفكاك كلُّ هذا يبين لنا أن الأمن الفكريَّ ضرورةٌ دينية؛ لأنه به يتحقق الأمن على المرتَكَزات الأساس والخِصال الخمس التي جاءت الشريعة بتحقيقها: سلامة الدين، سلامة العقل، سلامة المال، سلامة النفس، سلامة الأعراض ،وبها تحفظ الضرورات الخمس التي تستقيم بها الحياة.
الأمن الفكريُّ ضرورة دنيوية؛ لأنه ما يمكن تَطِيب دنيا الناس إلا بعبادة، إلا بأمن، إلا باستقرار، إلا بسكون وطمأنينة يتحقق بها المقصود من التنمية المقصود من الترفُّه والتنعم بما أنعم الله تعالى، وبما سخَّر كما قال تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(الأعراف:32) فهي للمؤمنين ما في الدنيا من متاع، ما في الدنيا من نعم، هي لأهل الإيمان ويشاركهم فيها غيرُهم، لكن أذن الله بالتَّمَتُّع بها بما لا يوقع الإنسان بالخروج عن الصراط المستقيم، وبما يقع في مخالفة الشرع القويم.

من هذه المقدمة يا أخي عبد الله وأخي وأختي المستمعين والمستمعات الكريمات يعني يتبين لنا أن الأمنَ الفكريَّ ليس مصطلحًا خاصًّا يعيش مع كل واحد منَّا، كلِّنا صغيرنا وكبيرنا، ذكرنا وأُنثانا، من يعمل منَّا ومن لا يعمل، من يدرس ومن لا يدرس، الجميع يحتاج إلى أن يأمن فكره، والتأمين الفكري مرتَكَز لكل أوجه الأمن الأُخرى: الأمن الصحي، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الأمن البيئي كل أوجه الأمن التي تُذكر بِشَتَّى صورها هي فرع عن الأمن الفكري؛ لأنه إذا استقام الفكر صلح العمل؛ ولهذا نحتاج إلى أن نقف مع هذا المعنى وقفةً واضحة وجليَّة، وأن نعرِف أن الأمن الفكري ضرورةٌ لحياتنا، ضرورة لديننا، ضرورة لإقامة ما نأمَلُه من مجتمع متقدِّم، مجتمع صالح، مجتمع نافع للبشرية.
المذيع: شيخ خالد أنتم في حديثكم هذا بسطتم وجلَّيتُم وفصَّلتُم مثلَ هذا الموضوع والعنوان الذي ربما أحيانًا يعتبره البعض بأنه نُخبَويٌّ خاصٌّ بفئة معينة، وأنه لا يمكن أن يهُمَّ هذا الأمر إلا شريحةً ما من المجتمع، وأنه ليس يعني من الأهمية أننا نلتفت إليه ونهتم به، لكن عندما تحدثتم بأن الأمن الفكري هو نَواة كلِّ أنواع الأمن وجب علينا ضرورةً أن نتعرف على هذا الأمن وهذا النوع، وماذا نعني به؟ وخصوصًا أننا نعلم أن الأمن الفكري لا تتحقق بدونه عبادةُ الله -سبحانه وتعالى-، وهو الغرض من إيجاد الناس في هذه الحياة، كيف يمكن أيضًا أن نتحدث فيما يتعلق بالأمن الفكري بواقع تطبيقات من الكتاب والسنة التي تشرح مثل هذا المصطلح؟.
الشيخ: ألمحتُ في حديثي قبل قليل أن الأمن الفكري هو ثواب وأجر وجزاء، الأمن بمعناه العام ومنه الأمن الفكري، هو ثمرةٌ للاستقامة على شرع الله -عز وجل-، القيام بحقوقه -جل في علاه- أعظم الحقوق على الخلق حق الله -جل وعلا-؛ ولذلك قدَّمه بالذكر على سائر الحقوق، قال تعالى :{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23) وذي القربى إلى آخر ما ذكر الله تعالى من أصحاب الحقوق.

الحقُّ الأول الذي ينبغي أن يُنظر إليه ويبحث عنه لتحقيق كلِّ أمن فكري وإقامة كل مطالب الصلاح والاستقامة هو الأمن فيما يتعلق بِصِلَتك بالله عز وجل، بإقامة حقِّه -جل في علاه-، فإن إقامة حقه سبب لكل خيرٍ في الدنيا والآخرة، الله تعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(النور:55)
المذيع: إذًا وضع شرطًا.
الشيخ: هذه الآية الكريمة بما تضمَّنته من أعمال هي وعد إلهي مرتِّب على فعل أمور {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}حققوا الإيمان واشتغلوا بالعمل الصالح، الإيمان طبعًا يعني هنا أمر مهمٌّ أن نعرف أن الإيمان والعمل الصالح ليس هو ما يقترحه الناس أو يبتدعونه ويأتون به من قِبَل أنفسهم، إنما الإيمان المقصود به هنا الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، الذي دل عليه القرآن، الذي كان منهجًا له صلوات الله وسلامه عليه، وكان عليه هو وأصحابُه في أفضل قرنٍ وفي أكمَلِ مجتمع.
هؤلاء إذا حُقِّق الإيمان والعمل الصالح، وهو ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- وَعَد الله هؤلاء ليستخلِفَنَّهم في الأرض أي يجعلهم خلفاء في الأرض، خلفاء أي يمَكِّنُهم في الأرض تمكينًا ينالون به كلَّ رفعةٍ وكل سُموٍّ يعود عليهم وعلى البشرية بالخير {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} يمكِّن لهم دينَهم الذي ارتضى لهم أي الذي رضيه، وهو الذي قال فيه -جل وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}(المائدة:3)، ثم بعد ذلك ذكر منافعَ قريبة دنيوية، قال: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي } أي  يحققون العبادة {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} فالطريق الذي يُدْرَك به الأمن على وجه الكمال هو أن يقيم كلُّ واحد منا أنا وأنت وأنتِ وكل أحدٍ من الناس يقيم شرعَ الله في نفسه، بتقواه -جل وعلا- في السِّرِّ والعَلَن، بأداء الحقوق: حقِّ الله أولاً، ثم حق النبي، طبعًا حق النبي صلى الله عليه وسلم يتبع حقَّ الله؛ لأنه شرعه، وحق الوالدين، وحق القرابات، وحق كل ذي حق {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(النساء:58) بمجموع هذا، بمجموع أداء الحقوق ومنظومة اشتغال الإنسان بالإيمان والعمل الصالح يدرك خيرًا كثيرًا وسعادةً كبرى، وطَمَأنينةً لا يمكن أن تتوقف عند حدٍّ.
المذيع: جميل شيخ خالد تحدثتم عن مسألة مكوِّنات الأمن الفكري، وكيفية تحقيقه، لكن نأتي أيضًا إلى جانب مهمٍّ ألا وهو كيف يمكن أن نحمي هذا الأمن الفكري الذي سَعَينا في ترسيخه وفي تأكيده في نفوسنا وفي مجتمعاتنا؟ كيف يمكن أن نصونه من الدَّخَن؟ وكيف يمكن أيضًا أن نصونَه مما يهدده من أخطار وأضرار ربما تَلحَق به نتيجةَ عدم القيامِ بما يجب علينا.
الشيخ: الدور المطلوب يعني لعلنا قبل ما نؤخرها ولا نتكلم عنها الآن، مسئوليةُ مَن الأمن الفكري؟ هل هو مسئولية  لجهة من الجهات؟ هذه قضية مهمة، ثم بعد هذه إذا عرفنا مسئولية مَن الأمن الفكري؟ انتقلنا للسُبُل والأسباب التي يتحقق بها الأمن الفكري وكيفيَّةِ الوقاية مما يمكن أن يكون من انحرافات وإخلالاتٍ بهذا الأمن.

فإذا أردنا على وجه العجلة أن نتكلَّم عن من المسئول عن تحقيق الأمن الفكري؟ الأمن الفكري ليس مسئوليةً مَنُوطة بجهة محددةٍ أو فئة من الناس، الأمن الفكري هو مسئوليٌة فردية أولاً، كل واحد منا مسئول أن يؤمِّن نفسَه فكريًّا بأن يُقيمَ الفكرَ السليم ويجانبَ ويتوقَّى كلَّ فكرٍ منحرف.

 والفكر عندما نقول الفكر هو كل ما ينتج عن هذا الفكر من عقائد، كل ما ينتج عن هذا الفكر من سُلوكيات؛ لأن الفكر هو مبدأ الاعتقاد، الفكر هو مبدأ العمل، الفكر هو مُنطلق السلوك.
المذيع: والسلوك يتُرجِم الفكر.
الشيخ: لذلك لما نقول الأمن الفكري نحن لا نقصد فقط سلامةَ الفكر بغض النظر عما يترتب على ذلك من ثمار وآثار؛ لأن الفكر هو المرتَكَز الأول الذي يُقوِّم مسيرةَ الإنسان، فلابد إذا ذكرنا ذلك أن نعرف أن المشارِك في إقامة الفكر السليم في تحقيق الأمن الفكري ابتداءً الوالدان، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}(النحل:78) ثم امتنَّ الله تعالى بالآلات التي تدرك {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(النحل:78) فالمبدأ هو في الخروج الأول عندما يكون الإنسان يخرج لا عِلمَ له بشيء فيتلقَّفُه والداه، فالواجب عليهما في رعايتهم لابنهما وبنتِهما وولدهما ما يجعل المسئولية الأولى على الوالدين في تحقيق الأمن الفكري بزِراعةِ وبَذْر المعاني السليمة الصحيحة ورعايتِها، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلُّ مَولود يُولَد على الفِطْرة))[البخاري:ح1359] وهو ما جعل اللهُ تعالى من مُرتَكَزات في فطر الناس، من محبته وتعظيمه والانجذاب إليه، هذه الفطرة إما أن تقوِّم وتعزِّز وتقوِّى وتوجه إلى الطريق السَّدِيد، وإما أن يحرَّف بها، ولذلك قال: ((فأبواه يُهوِّدانِه أو ينصِّرانه أو يمَجِّسانه)) [البخاري:1359]، وهذه أمثلة لأوجهِ الانحراف في الفطرة عن طريقها القويم الذي يوصل إلى الصراط المستقيم، والذي يهدي إلى صلاح الدنيا والدين.
 
فالبذرة الأولى أو المسئولية الأولى لتحقيق الأمن الفكري هو الوالد والأم والأب، هما المرتكز الأول أو اللذان بهما تحقيق الأمن، ثم معلوم أن المجتمع يخرج بين أبوين وأسرة لها دور، وسواء كان أبًا أو أمًّا وهما مفتاح التوجيه، وكذلك الإخوة والأخوات، وكذلك سائر القرابات وهلُمَّ جرًّا، في محيط البيئة هذه التي ينشأ فيها الطفل إلى تقريبًا ثلاث سنوات أربع سنوات هو قريب في التأثر بهؤلاء، لا يتعدى التأثرَ بغيرهم في غالب الحال المحيط الأسري، بعد ذلك يخرج إلى مجتمع، وهذا مجتمع يَتَلقَّفه، وابتداءُ خروجِه إلى المؤسسات التربوية التي يناط بها تعليم النشء، وتعليم النشء هو من أقوى وآكد العوامل المؤثرة في تحقيق الأمن الفكري، ولهذا المسئولية لا سيما في البدايات في المراحل الأولى من التعليم من المسئوليات العُظمى المؤثرةِ لتشكيل الفكر، لتشكيل العقائد، لتشكيل السلوك، لتحقيق الأمن الفكري بمفهومه الواسع الذي يشمَل العقائدَ والأعمال والسلوكيات هو المؤسسات التعليمية.
ولهذا المؤسسة التعليمية معلوم أنها يعني مرتكِزة  على شيئين: الشيء الأول المعلم، والشيء الثاني المناهج؛ ولهذا من الضروري أن تراعي مؤسسات التعليم هذا الأمرَ مراعاةً بالغةَ الدِّقَّة، وأن يكون تحت نظر ومراجعة وفحص وتقويم ومتابعةٍ لتحقيق الدور المنشُود للمؤسسة التعليمية في البناء، في بناء الأمن الفكري، وفي تحقيق المقصود من إصلاح النشأ وإشاعة المعاني الفاضلة ومحاصرة المعاني الرديئة.
المذيع: شيخ خالد فقط تأذن لي آخذ هذا الاتصال من المستمع عبد العزيز الشريف، ثم -إن شاء الله- نواصل أيضًا حديثنا فيما يتعلق بدور المؤسسات التربوية، أخي عبد العزيز تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام.
المتصل: أخ عبد الله مسَّاكم بكل خير، حياكم الله أخ عبد الله.
المذيع: أسعد الله مساءك تفضل أخ عبد العزيز.
المتصل: سلام عليكم شيخ خالد.
الشيخ: الله يحييك أهلاً وسهلاً وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: فضيلة الشيخ يقول الله- عز وجل-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}(النساء:83) الإشاعات أليست مؤثرة في الأمن الفكري، أيضًا بارك الله فيك، ما يتعاطاه الإنسان من أمور تغضب اللهَ من مخدِّرات ومن مُسكرات وغيرها هل لهذه الأشياء تأثيرٌ في الأمن الفكري، الأمر الثالث: بارك الله فيك آيات القرآن كلها تدل على التفكير {أَفَلا تَعْقِلُونَ}(الأنعام:32) {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}(الأنعام:80) لماذا القرآن العظيم يحثُّ على التفكير؟ وهل التفكير بالعقل أم بالقلب؟ وجزاك الله كل خير.
المذيع: جزاك الله خيرًا أخي عبد العزيز، طيب شيخ خالد أستأذنكم أيضًا في أخذ الاتصال الثاني ثم نجيب عليه جملةً إن شاء الله، طيب إلى أن يجهز الاتصال الثاني مع أحد المستمعين نبدأ في الإجابة.

 صاحب الفضيلة فيما يتعلق بما أورده المستمع عبد العزيز الشريف فيما يتعلق بالشائعات ودورها في تقويض الأمن الفكري.
الشيخ: أخي عبد الله بس نستكمل الفكرة ونرجع للجواب على السؤال إذا سمحت.
المذيع: تفضل يا شيخ.
الشيخ: تكلمنا بالتدريج مسئولية من تحقيق الأمن الفكري وقلنا: تكلمنا عن دور الوالدين، ودور الأسرة، ثم دور المؤسسات التعليمية، ثم بعد ذلك من المهم أن نعرف أن الإعلام يمثل مفتاحًا رئيسًا في هذه الأيام، في هذا العصر على وجه الخصوص؛ لتعدد وسائله وتنوع طرقه في الوصول إلى تشكيل الأفكار ابتداءً من الصغار بالبرامج التي يشاهدونها، سواء كانت البرامج التي تبث أو البرامج التي يمكَّنون من استعمالها من الألعاب ووسائل المتعة التي يأخذونها على وجه اللهو هذه لها تأثيرات.
يعني بعض البرامج في الألعاب الإلكترونية على سبيل المثال هي من الطرق التي يحصل بها الإخلال بالأمن الفكري من خلال بثِّ عقائد مُنحرفَة، من خلال بثِّ سُلوكيات مدمِّرة للفَرد والمجتمع، من خلال بث الاستِهانَة بالدِّماء بهذه البرامج الإلكترونية التي فيها سَرقةُ السيارات، وقتل الناس وصدمُ الناس، والسَّطْو على المساجد.
المذيع: الألعاب الإلكترونية صحيح.
الشيخ: هذه من أوجُه الإخلال بالأمن الفكري الذي ننشُد جميعًا تحقيقَه؛ فلذلك الإعلام بكل وسائله، بكل صوره لم نتكلم عن الأوجه الأخرى من أوجه الإعلام التي الآن هي في يد الصغير قبل الكبير، يشتغل بها فئامٌ وشرائح واسعة من الناس، نحن نحتاج إلى المراجعة في استثمار هذه الوسائل لتحقيق الأمن الفكري، ولا يخفى علينا أن بعض الانحرافات الفكرية سواء كانت فيما يتعلق بالانحراف نحو الغلوِّ والتكفير، وتدمير المجتمع والقناعة بالأفكار المدمِّرة والمذاهب الضَّالة، أو كانت من جهة أخرى الأفكار الإلحادية، أو الأفكار الإباحِيَّة، أو الأفكار التغريبية التي تدعو إلى الانخلاع والانسلاخ عن التاريخ وعن الدين، وحتى الانسلاخ عن الجلد في بعض الأحيان، بعض  الطروحات كل هذا هو نتاج أوجه ممارسته هو الإعلام هو الذي يسوِّق لهذا ويسوق لهذا، ولذلك المزاحمة في الإعلام ضروريةٌ لتحقيق الأمن الفكري بطرح قَويمٍ وسليم، والبحث عن مناطق التأثير للوصول إلى الشرائح والجهات المستهدفَة بالتوعية والإرشاد والبيان والتوضيح والوقاية، هذا من الجهات المؤثِّرة وبالغةِ التأثير في تحقيق الأمن الفكري.
كذلك من الوسائل التي يتحقق البرامج التي يعيش بها المجتمع سواءً كانت برامج ترفيهيَّة، برامج تعليمية، أو برامج تَوعَويَّة يحتاج الناس أن يطرح هذا حتى يكون همّهم، وحتى يتوقَّون كلَّ ما يمكن من أوجه الانحراف والزَّلل الذي يهدِّد أَمنَهم، ويهدد مجتمعاتِهم، ويهدِّد دينهم، ويهدد دنياهم بالتدمير والفساد.

 هذه لمحةٌ من الفقرات والخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هذا المحور، وهو محور من المسئول عن تحقيق الأمن الفكري؟ نقول: كلُّنا صغيرنا وكبيرنا كلنا شركاء في تحقيق الأمن الفكري لأنفسنا ولمجتمعنا، ينبغي أن نشارك وأن نعلم أننا محاسَبون على ما يكون من تقصير، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مَسئولٌ عن رعيَّتِه)).[البخاري:5200]
المذيع: أستأذنك شيخ خالد فقط في هذا الاتصال من زياد الدمجاني من المدينة المنورة أخي زياد تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: مسَّاك الله بالخير أخوي عبد الله.
المذيع: مساك الله بالنور حياك الله.
المتصل: أحييك وأحيي ضيفك الكريم الشيخ خالد.
الشيخ: الله يحييك مرحبًا.
المتصل: الله يبارك فيك، أنا أوجِّه سؤالا للشيخ خالد ثقافة الحوار عندنا يعني ضعيفة، والسؤال هل ثقافة الحوار سبب من أسباب تنمية وتطوير الأمن الفكري؟ شكرًا مقدمًا.
المذيع: شكر الله لك، شكرًا أخي زياد، طيب شيخ خالد تَستَرسِلون فيما تحدَّثتُم به فيما يتعلق بمهدِّدات الأمن الفكري أو ربَّما ما يعزِّز الأمن الفكري من برامج ووسائل إعلام هادفة تسعى إلى تحقيق الأمن الفكري.
الشيخ: هو الدخول في تفاصيل هذا أخي عبد الله وأيُّها الإِخوة والأخوات المستمعون والمستمعات، الدخول في التفاصيل أحيانًا يعني لا يمكن أن نأتيَ عليه بشكل كافي ووافي لا سيَّما أننا في برنامج محدود الدقائق لكن نقول: نحن نحتاج إلى لو لم نخرج من هذه الحلقة إلا بتحريك هذا الموضوع في أذهاننا وفي أنفسنا وإبراز أهميتِه، وأنه نحن شركاءُ في صناعة الأمن الذي نَنعَم به وتستقيم به شعائرُنا التعبُّديَّة ويستقيم  به ديننا وتستقيم به دنيانا،  إذا كان هذا مطلبًا ومكسبًا كبيرًا.

 التفاصيل نقول: عندما نذكر أن كلَّنا شركاء في تحقيق الأمن الفكري فبالتالي سنبحث عن الدور الذي يمكن أن نقدِّمَه؛ الوالد الأب والأم والإخوة والأخوات والأسرة والقرابات، والمجتمع والمؤسسات التعليمية، والمؤسسات الإعلامية والمفكِّرون والعلماء وأصحاب الرأي، كما أن الولاة بالمؤسسات الحكومية وهي مؤسسات ذاتُ عُمق وقوة وقدرة مادية ومعنوية وفكرية، كلهم الحقيقة شركاء في صناعة الأمن الفكري، وولاة أمرنا ولله الحمد تنبَّهوا إلى أهمية الاعتناء بهذا الموضوع، وأولَوه عنايةً مبَكِّرة، ولذلك نجد أن الطرْح لهذا الموضوع وإقامة الملتَقَيات والندوات.
المذيع: والكراسي البحثية.
الشيخ:  وعناية المراكز به واضحة يعني وجليَّة يعني مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية هو نموذج علاجيُّ طبعًا هذا لفئة محددة ونتوقع ما ذكرنا.
المذيع: هناك برامج وقائية يا شيخ خالد.
الشيخ: إنه الأمن الفكري محدود بفئة لا هذا نذكر نماذج وصور للموجود عندنا من أوجه تعزيز هذا الجانب والقيام عليه.

الحملات التي يقيمها المناطق والإمارات المناطق من جهة الأمن الفكري لها دور، يعني مثلاً في القصيم حملة سمو الأمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مِشعل بن سعود بن عبد العزيز فيما يتعلق بحملة ضدِّ الفكر الضَّال والمناهج المنحَرِفة، كلها تصُبُّ في نفس الهدف هذا من الجهة الحكومية، لكن نحن نحتاج إلى دور أكبر لإشراك الجهات الحكوميةِ والمدنية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الخيرية.
المذيع: ومكاتب الدعوة، نعم.
الشيخ: لتحقيق المَنشود من إشاعة الأمن الفكري، وأنا قلت :كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فجميعنا مسئولون عن هذا المعنى، في جانب آخر، وهو لمحة إذا كان يسمح الوقت لمحة مما ينبغي أن نستحضرَه في مسألة الوقاية من الانحرافات الفكرية، معي أستاذ عبد الله.
المذيع: نعم أسمعك يا دكتور.
الشيخ: طيب إذا أردت نتكلم عن هذا الموضوع نشرَع فيه بإذن الله.
المذيع: طيب لو كان بشكل موجز حتى نتطَرَّق إلى الأسئلة التي عرضها المستمعون الكرام.
الشيخ: طيب هو أخي الكريم الآن بنَظرة عامة على الوضع العالمي العام والاضطرابات الحاصلة في كل مناطق العالم لا سيما منطقتنا التي تُعتَبر يعني هي مُرتَكَز العالَم وأساسه والحقيقة أرض الصراع، أصل الصِّراع الحاصل هو صراعُ أفكار بلا ريب، مبدأ الصراع هو الصراع الفكري، هذا الصراع الفكري هو الذي يتحول إلى صراع بكُلِّ أوجهه: اقتصادي، ثقافي، إعلامي، مُسلَّح، كلها فرع عن الصراع الفكري فعندما تتصارع الأفكار يتبعها بعد ذلك كل ما يمكن أن يكون من أوجه الصراع، عندما نتحدث عن صراع الأفكار نحن نتحدَّث عن جهات عديدةٍ في الداخل والخارج تسعى إلى اقتناص أفكار الشباب، وذكرتُ الشباب على وجه الخصوص مع أن الأمن الفكري لا يقتصر عليهم إنما هو لكل أفراد المجتمع؛ لأن الشباب هم المرتكز وهم أمَل الأمَّة، وهم مَعقِد الأمل في تحقيق النُّموِّ وفي تحقيق الرُّقِيِّ فإذا أصيبَت الأمة في شبابِها فقدَت عناصرَ قوَّتِها، فقدَت المرتَكز الأساسيَّ الذي تبني عليه كلَّ آمالها فيما يتعلق بصلاح دينها وفيما يتعلق بصلاح دنياها.
الشباب يواجِهون تياراتٍ مختلفةً وانحرافات كثيرةً وتتخطَّفُهم جهات عديدةٌ كلٌّ يروِّج لسلعته، وكلٌّ يسعى لاقتطاع أكبر قَدر من أفكار الشباب لاستمالتهم إلى فئتِه، وإلى جهته، وإلى فِكره، وإلى ما يتبنَّاه، وهنا تكمُن الخطورة أن هذه المعركةُ كثيرٌ من الناس من أهل التوجيه السليم والذين يحرِصون على سلامة أفكارِ الناس ودينِهم ودنياهم، ويحرصون على استقرار الأمن والتي لها مواقِعُ، ولها جهاتٌ، ولها مَسَارح ينبغي أن يتنبَّه لها، وأن يبادر إلى معالجتِها بالممكن من أوجه العلاج، طبعًا الإنسان مكلَّف بما يطيق، والله تعالى يقول: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }(التغابن:16) فمن المهم أن نبذل الوُسْع في تقويم ما نستطيع تقويمَه، وفي حفظ شبابِنا من هذه الانحرافات.
النبي -صلى الله عليه وسلم- بَرَزت بوادِرُ الانحراف من وقته صلى الله عليه وسلم لا سيما الانحراف المتعلِّق بكل صورة فيما يتعلق بالانفلات من الشريعة، وفيما يتعلق بالغُلوِّ كلاهما، وهما خطران يتهدَّدان الشباب اليوم، الشباب بين خطرين خطرِ الغلو الذي يجتلِبُهم وينتَزِعُهم إلى التدمير والتفجير والشرور المتلاحِقة في الجناية على الأمة، وعلى الناس أو الجانب الآخر الإلحاد والإباحية.
المذيع: والانفلات من الشرع.
الشيخ: والانجراف وراء بريق الحياة التغريبية التي تخرجهم عن الصراط المستقيم وكلا هذين خطران، وكلاهما يتهدَّد الشبابَ، لكن أذكر لَمحةً في موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ما  جاء من الغلاة، الجانب الآخر تكلم عنه القرآن فيما يتعلق بالنفاق، وفيما يتعلَّق بإرادة الشر والفساد بالناس ونشر وإشاعة الرذيلة فيهما، هذا جانب اعتنى به القرآن، ومهم أن يُعتنى به، وأن يُبرَز حتى يُوقَى الشبابُ شرَّه.

لكن فيما يتعلق بالجانب الآخر وهو الأخطر حقيقةً في خطورته قد تكون أكبر، وهو الذي ينبغي أن يُعتنى به، وأن لا يُقتَصر فقط على جانب الانحلال  على الجانبين، كلاهما ينبغي أن يعتنى به وأن يعالج.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وزَّع شيئًا من الغنائم جاء رجل فقال: اعدل يا محمد، وخطورةُ هذا النوع من الفِكر فكرِ الغلوِّ أنه يتظاهر بِثيابٍ شرعية، وأنه يأتي بألفاظ برَّاقةٍ، ويأتي بشعارات جذَّابة، ولذلك من المهم في معالجة هذا الفكر أن يُبتدأ أولاً بِبَيان براءَة الإسلام منه، وأنه مهما تظاهر أصحابُه بالصلاح والديانَة وما إلى ذلك من الشعارات البرَّاقة، مهما تظاهروا بشيء من هذا فإن ذلك لا يوارِي سوءاتِ الفكر المنحرف وانحرافات الاعتقاد الذي طَووا عليه قلوبَهم، فما فتئ الضُّلَّال يُلبِّسون على الناس بشعاراتهم الكاذبة التي يخطِفون بها العقول ويُعمون بها البصائر؛ لذلك لما جاء الرجل وقال: يا محمد أو اعدل يا رسول الله أو اعدل يا محمد قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:( مَن يَعْدِل إن لم أعدل؟)، ثم قال له -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر أحد الصحابة استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله: قال: (( يَحقِر أحدُكم صلاتَه  مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامِهم وقراءتَه مع قراءتهم))[البخاري:ح3610] هذا التوصيف النبوي لهم من حيث سلامة صلاتهم، أو كثرة صلاتهم، وكثرة صيامهم وكثرة قراءتهم.
المذيع: يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرَهم.
الشيخ: إن هناك غشاوة قد يَلتَبِس به حالُ هؤلاء عن  الناس فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يغرَّكم ولا يعميكم ما يتظاهرون به أو ما يمارسونه من عبادات في الصلاة والصوم والقراءة؛ لأن هذا عارٍ عن فهم مقاصد الشريعة، عارٍ عن إدراك أسرارها، عارٍ عن إقامتها في الحقيقة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر قراءتهم قال:( يحقِر أحدُكم قراءته مع قراءتهم)، قال ((يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرَهم)) وهذا يبيِّن أنه ما عندهم من العلم والمعرفة والإدراك لما جاء به الرسول ما يميِّزُون به بين الحق والباطل، ولذلك تورَّطُوا في سفك دماء المسلمين، وفي التنفِير عن الدين، وفي تشويه الإسلام، وفي أذيَّة عباد الله، وهذا الموقف النبوي يبينه أن هؤلاء يقتلون أهل الإسلام ويذَرون أهلَ الأوثان؛ يعني يتسلَّطون في القتل على المسلمين ويذرُون من يستحقُّ القتلَ، وذكر نموذجًا منهم وهم أهل الأوثان الذين يعادونُ المسلمين ويكِيدون لهم المكائد فيتركونهم ويتوجَّهون بالقتل والأذى لأهل الإسلام.
المذيع: والنتيجة يخرجون من الدين يا شيخ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرَّميَّة.
الشيخ: نعم يمرُقون من الدين كما يمرُق السَّهم من الرمية؛ بيان أنهم لم ينالوا من الإسلام شيئًا لا في سلوكٍ، ولا في اعتقاد، ولا عمل كسرعة مرور السهم الذي يُرمى به الصَّيدُ في الرمية فيما رماه.

 المقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال:  يقتلون أهل الإسلام إذًا انتقل الآن، انظر انتقل الموضوع من فكر إلى ممارسة، يقتلون أهل الإسلام عند ذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ)) وقال: أينما لقِيتُموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا عند الله يوم القيامة.

 هذا يبين أن الفكر عندما ينحرف سيَتبَعه انحرافُ العمل، وانحراف العمل إذا بلغ إلى هذا الحدِّ فليس له معالجة إلا كما ذكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الحديث.

 فهذا النموذج الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتطاول العهد حتى خرج أولئك الذين وَصَف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقتلوا عليَّ بن أبي طالب، وهمُّوا بقتل عمرو بن العاص ومعاوية، وكفَّروا الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ولم يَبْعُد الأمر، هذا في سنة أربعين تقريبًا من الهجرة النبوية، ولم يتطاول الزمان حتى خرجَت فِرَق منهم تشبه إلى حدٍ كبير الغُلاة الذين يقتلون الناس في المساجد الآن.
ففي تاريخ خَليفة بن خيَّاط يُذكر من نماذج هؤلاء الغُلاة أنهم كانوا يدخلون المسجد، وقد دخلوا في الكوفة مسجدًا وهذا موجود في التاريخ، وفي أحداث سنة ثلاثة وخمسين مسجدًا في الكوفة فقتلوا كلَّ من فيه ما أبقَوا أحدًا من المصَلِّين؛ وذلك لكونهم كانوا يعتقدون كفر أهل الإسلام، ويعتقدون أنهم خارجون عن دين الإسلام، ثم خرجوا إلى الشوارع فما وجدوا أحدًا إلا وضربوه بالسيف حتى الذين اعتلوا المنابر فرارًا منهم أدركوهم وقتلوهم هذا ما يفعله هؤلاء القتلة.
المذيع: كأنما الصورة تتجدد الآن في هذا العصر.
الشيخ: ويفجِّرون في مساجد المسلمين، ويتسلَّطون عليهم باسم الجهاد، وهو فَساد باسم نُصرة الإسلام، وهو تمكين لأعداء الإسلام على أهل الإسلام، هذا هو ما تفعله دَاعِش، وما تفعله القاعدة وما تفعله الحشد الذي يقتل أهلَ السنة في العراق وهلُمَّ جرًّا .

كل هذا مهما اختلفت التسمِيَّات العنوان واحد يقتلون أهل الإسلام ويذرون أهل الأوثان، وكل هذه الانحرافات الفكرية بِشتَّى صورها مُحتاجة إلى معالجات صادقة من كل الفئات الذين ذكرت لتقويم الجادَّة ووِقاية الشباب من هذه الانحرافات، نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه وأن يقينا شرَّ كلِّ ذي شر هو آخذٌ بناصيته.
المذيع: اللهم آمين، أنا فقط أعلن للمرَّة الأخيرة رقمَ التواصل معنا في هذا البرنامج 0125427746، في الأسئلة التي طرحها المستمع الكريم عبد العزيز الشريف لعلنا نُجيب عن الثلاث نِقاط التي أوردَها بشكلٍ سريع تحدَّث في أول نقطة أو في أول سؤال عن دور الشائعات في تقويض الأمن الفكري.
الشيخ: بالتأكيد أن من وسائل الإخلال بالأمن الفكري الإشاعة، والإشاعة خطرها كبير وتأثيرُها عظيم؛ ولذلك نهى الله تعالى عن بثِّها، وعن تداولها وعن الحديث عنها، بل الواجب ردُّها إلى أولي الأمر كما قال الله تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }(النساء:83) فالواجب أن نكُفَّ عن نشر الشائعات، والشائعات اليوم سُوقها رائجٌ الآن.
المذيع: التقنية الحديثة.
الشيخ: لا يتكلَّف الإنسان في نشر الشائعات من أن يهمز زرًّا ويضغط إرسالاً، وتنتشر الشائعة إلى ملايين وليس فقط إلى ثلاثة أو أربعة أو مجلس محدود.

 اليوم المجالس الإلكترونية تمثل منابرَ يحدِّث فيها الإنسان ملايين البشر، وهؤلاء أيضًا ينقُلون عنه وبالتالي تكون الشائعة كالنار بل أشدَّ من النار في الهشيم انتشارًا وذيوعًا لذلك من المهم أن يتوقَّى الإنسان أن ينقل سوءًا أو شرًّا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( كَفَى بالمَرءِ إِثمًا أن يُحَدِّث بكلِّ ما سَمِع))[مسلم:ح5/5] يعني يكفيك من الإثم ويكفيك من الشر أن تنشُر الشرَّ والفساد، أن تنقل كلَّ ما تسمع،(( كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع)).[سبق]

المذيع: تحدث أيضًا عن جانب لعلَّه أيضًا فيما يتعلق بموضوع الشائعات قبل أن ننتقل إلى النقطة الثانية أن الإنسان يجب عليه أو يلزمه  التثبُّت قبل أن ينقل كلَّ شيء حتى لا يبوءَ بإثم من تصلُهم أيضًا هذه الرسائل وتتسبَّب فيه من بَلْبلة للأمن وزعزعة للاستقرار، تحدث أيضًا في النقطة الثانية في مسألة المُخَدِّرات والمُسْكرات ومُذهِبات العقل ودورها أيضًا فيما يتعلق بمهدِّدات الأمن الفكري.
الشيخ: بالتأكيد يعني الملاحَظ أن كثيراً من المتورِّطِين في المناهج الفكرية المُنحرِفة سواءً الغالِيَة، أو الإلحادية والإباحية كثير منهم مرَّ بمرحلةٍ من مراحل تعاطي المخدِّرات التي تُدمِّر آليةَ التفكير، وتهدم القيَم، وتحوِّل الإنسان إلى أرضٍ سهلة الاجتِيَاح، فِكرُه يسهُل اجتياحُه لقيادته إلى غلوٍّ أو إلى إباحة وإلحاد؛ لذلك من المهم أن نَتضافَر في محاربة هذا الغزوِ الذي يوجَّه إلى أبناءِ المسلمين في كل مكان، ونحن في المملكة نَشْهد الحملاتِ المتتابِعة التي أو الحوادث المتتابعة التي يحفظ الله تعالى البلاد من شرور أصحاب المخدِّرات بجهود رجالِ الأمن الذين يقبِضون عليهم، ويقِفون على الكمِّيَّات الهائلةِ التي يحاول تهريبَها إلى البلاد وإلى السوق السعودية هذا المَكر العظيم، وهذا التهريب هدفه هو تدميرُ أعظم ما يملكه الإنسان من الفكر الذي به يدرك الخيرَ ويتوقَّى الشرَّ.
المذيع: أنا أنتقل إلى فقط لأن الوقت لم يعد هناك المزيد من الوقت لكم ننتقل إلى سؤال الأخ زياد عندما قال ثقافة الحوار لدينا ضعيفة، وربما أسهَمَ هذا في أن يتخلَّلَ الأمنَ الفكريَّ نوعٌ من المهدِّدات أو نوع من الأَخطار التي تُضعِف وتوهِن هذا الأمن الفكري، لدينا في مجتمعنا هل هذا الفعل صحيح يا شيخ خالد؟
الشيخ: بالتأكيد أنا أوافق الأخ أن فقدان ثقافَة الحوار المؤصَّل الذي يحاول فيه الإنسان لتلَقِّي الحق والوصول إليه بالتأكيد أن هذا ضرورةٌ لتحقيق الأمن الفكري؛ لأن كثيرًا من الناس قد يقع في الانحراف نتيجةَ أنه لا يُتاح له المجال في المناقشة، لا يتاح له المجال في تداول الرَّأي، وقد تكون هناك إشكالياتٌ فكرية، قد تكون هناك إشكاليات عَقَدية، قد تكون هناك إشكاليات تتعلق بنظرة الإنسان للمجتمع في بعض المواقف، فيحتاج إلى فتح قنواتِ الحوار التي تُجيب على التساؤُلات وتحُلُّ الإشكالات وتوضح شيئًا من المناهج التي تقي الناس الشرور والفساد.
المذيع: جميل، شيخ خالد فيما يتعلق بهذه المسألة، وأنه تحدثنا عن مسألة ثقافَة الحُوار لكن يبرُز هنا أيضًا جانب فيما يتعلق بمواجهة الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان ما أثُر هذا الأمر؟ لو في دقيقة ما أثر هذا الأمر في تعزيز وتقويم بعض السلوكيات وأيضًا تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقويم بعض السلوكيات الخاطئة؟ بدلاً من فقط الزجر والنهي عنها، ربما تظل جُذورُها موجودةً ولكن ربما ظاهرها يذهب، وفي ذات الوقت يخيَّل للإنسان أنه أن الشخص الذي يحاوره انتهى إلى الطريق الصحيح بينما هو ما زال يقبَع في ذات المشكلة، وفي ذات السلوكيات الخاطئة.
الشيخ: بالتأكيد أنه هذا ما ذكرته مهم، وهو في غاية الضرورة لتوقِّي الانحرافات الفكرية، وأنه نحن بحاجة إلى أن نفتح كل الأبواب التي من خلالها نصِلُ إلى الشباب لا سيما الشباب؛ لأنهم المرتَكَز، ومن خلال المناقشة لهم والتواصُل معهم تُتَلمَّس حاجاتهم، ويُنظر إلى المؤثِّرات التي تحيط بهم، ويجنَّبون مخاطرَ الأفكار المنحرفة، وتُفتح لهم قنواتُ الفِكر الجيد، لكن في قضية أحبُّ أن أنبه إليها.
المذيع: باختصار يا شيخ.
الشيخ: أحيانًا لما نقول: ثقافة الحوار يعني يطلب البعض منا عندما نتكلم عن ثقافة الحوار أنه يكون حوار متجاوِز لكل الحدود، لا يرتبط بقاعدة، ولا يحترِم مُعظَّمًا، ولا يعني تُهدر قيمة القيم والثوابت لأجل إتاحة مجال للمناقشة والحوار، وهذا ليس بسديد.
المذيع: لكن هناك ضوابط قبل أي حوار يُحتكم إليها قبل أن ينشأ ويجب علينا أن نتبعها قبل أن نبدأ أيَّ حوار وبالفعل هو ما تعلَّمناه ونعرفه دائمًا.

 أشكركم صاحبَ الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم شكر الله لكم ونفع بما قلتم.
الشيخ: بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على استماعكم لنا طوال هذه الساعة على أمل أن نكون قد قدمنا ما ينال استحسانكم، ويحوز على رضاكم، تقبَّلوا في الختام تحيات محدثكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل بسام العماري، ومن تنسيق واستقبال المكالمات الزميل سالم بلقاسم، ومن تنفيذ الفترة الزميل محمد باصويلح، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في حلقة الأسبوع المقبل حتى ذلكم الحين، وفي كل حين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات42599 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات29317 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات24692 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات22204 )
6. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات20768 )
7. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات20340 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات15634 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات12307 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات12301 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10910 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10816 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات10560 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف