×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / تفسير ابن كثير / الدرس(58) استكمال سورة القدر

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

فصل : ثم قد قيل: إنها في أول ليلة من شهر رمضان، يحكى هذا عن أبي رزين. وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة. وروى فيه أبو داود حديثا مرفوعا عن ابن مسعود. وروي موقوفا عليه، وعلى زيد بن أرقم، وعثمان بن أبي العاص. وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري. ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه: { يوم الفرقان } [ الأنفال: 41 ] . وقيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود أيضا، رضي الله عنهما. . وقيل: ليلة إحدى وعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم [في] العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: [إن] الذي تطلب أمامك. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف معي فليرجع، فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وإنها في العشر الأواخر وفي وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء". وكان سقف المسجد جريدا من النخل، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة فمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه. وفي لفظ: "في صبح إحدى وعشرين" أخرجاه في الصحيحين . قال الشافعي: وهذا الحديث أصح الروايات. وقيل: ليلة ثلاث وعشرين؛ لحديث عبد الله بن أنيس في "صحيح مسلم" وهو قريب السياق من رواية أبي سعيد، فالله أعلم. وقيل: ليلة أربع وعشرين، قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين" إسناده رجاله ثقات. وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصنابحي، عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين". أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم -أو: إني لأظن-أي ليلة القدر هي؟ فقال عمر: أي ليلة هي؟ [فقلت] سابعة تمضي -أو: سابعة تبقى-من العشر الأواخر. فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ قال ابن عباس: فقلت: خلق الله سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإن الشهر يدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع...لأشياء ذكرها. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنا له. وكان قتادة يزيد عن ابن عباس في قوله: ويأكل من سبع، قال: هو قول الله تعالى: { فأنبتنا فيها حبا وعنبا [وقضبا] } الآية [ عبس: 27 ، 28 ] . وهذا إسناد جيد قوي، ونص غريب جدا، والله أعلم. وقيل: إنها تكون في ليلة تسع وعشرين. قال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عمر بن عبد الرحمن، عن عبادة بن الصامت: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في رمضان، فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، [أو تسع وعشرين] أو في آخر ليلة". وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود -وهو: أبو داود الطيالسي-حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي ميمونة عن أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى" . تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. وقيل: إنها تكون في آخر ليلة، لما تقدم من هذا الحديث آنفا ولما رواه الترمذي والنسائي، من حديث عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث، أو آخر ليلة". يعني: التمسوا ليلة القدر. وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي المسند من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: "إنها آخر ليلة". فصل قال [الإمام] الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للسائل إذ قيل له: ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم". وإنما ليلة القدر ليلة معينة: لا تنتقل. نقله الترمذي عنه بمعناه. وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر. وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نص عليه مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والمزني، وأبو بكر بن خزيمة، وغيرهم. وهو محكي عن الشافعي -نقله القاضي عنه، وهو الأشبه -والله أعلم. وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عمر: أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر". وفيها أيضا عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" ولفظه للبخاري. ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". وجه الدلالة منه: أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذا لو كانت تنتقل لما علموا تعينها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال: إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط. وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" : فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه". وقوله: "فرفعت" أي: رفع علم تعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة؛ لأنه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". وقوله: "وعسى أن يكون خيرا لكم" يعني: عدم تعيينها لكم، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، عز وجل. ثم اعتكف أزواجه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة. ولهما عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. أخرجاه . ولمسلم عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره . وهذا معنى قولها: "وشد المئزر". وقيل: المراد بذلك: اعتزال النساء. ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين، لما رواه الإمام أحمد: حدثنا سريج، حدثنا أبو معشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره، واعتزل نساءه. انفرد به أحمد . وقد حكي عن مالك، رحمه الله، أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على أخرى: رأيته في شرح الرافعي، رحمه الله. والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: "اللهم، إنك عفو تحب العفو، فاعف عني"؛ لما رواه الإمام أحمد: حدثنا يزيد -هو ابن هارون-حدثنا الجريري -وهو سعيد بن إياس-عن عبد الله بن بريدة، أن عائشة قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني". وقد رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، من طريق كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم، إنك عفو تحب العفو، فاعف عني". وهذا لفظ الترمذي، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح". وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: "هذا صحيح على شرط الشيخين"ورواه النسائي أيضا من طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة عن عائشة قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني". ذكر أثر غريب ونبأ عجيب، يتعلق بليلة القدر، رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن سعيد -يعني الراسبي-عن هلال أبي جبلة، عن أبي عبد السلام، عن أبيه، عن كعب أنه قال: إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة، مما يلي الجنة، فهي على حد هواء الدنيا وهواء الآخرة، علوها في الجنة، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي، فيها ملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، عز وجل، يعبدون الله، عز وجل، على أغصانها في كل موضع شعرة منها ملك. ومقام جبريل، عليه السلام، في وسطها، فينادي الله جبريل أن ينزل في كل ليلة قدر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى، وليس فيهم ملك إلا قد أعطى الرأفة والرحمة للمؤمنين، فينزلون على جبريل في ليلة القدر، حين تغرب الشمس، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك، إما ساجد وإما قائم، يدعو للمؤمنين والمؤمنات، إلا أن تكون كنيسة أو بيعة، أو بيت نار أو وثن، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبث، أو بيت فيه سكران، أو بيت فيه مسكر، أو بيت فيه وثن منصوب، أو بيت فيه جرس معلق، أو مبولة، أو مكان فيه كساحة البيت، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات، وجبريل لا يدع أحدا من المؤمنين إلا صافحه، وعلامة ذلك من اقشعر جلده ورق قلبه ودمعت عيناه، فإن ذلك من مصافحة جبريل. وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر: "لا إله إلا الله"، ثلاث مرات، غفر الله له بواحدة، ونجا من النار بواحدة، وأدخله الجنة بواحدة. فقلنا لكعب الأحبار: يا أبا إسحاق، صادقا؟ فقال كعب وهل يقول: "لا إله إلا الله" في ليلة القدر إلا كل صادق؟ والذي نفسي بيده، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق، حتى كأنها على ظهره جبل، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر. فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس، فيبسط جناحيه - وله جناحان أخضران، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة-فتصير الشمس لا شعاع لها، ثم يدعو ملكا فيصعد، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ولمن صام رمضان احتسابا، ودعاء لمن حدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله. فإذا أمسوا  دخلوا السماء الدنيا، فيجلسون حلقا [حلقا] فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا، فيسألونهم عن رجل رجل، وعن امرأة امرأة  فيحدثونهم حتى يقولوا: ماذا فعل فلان؟ وكيف وجدتموه العام؟ فيقولون: وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدا ووجدناه العام مبتدعا، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناه العام عابدا قال: فيكفون عن الاستغفار لذلك، ويقبلون على الاستغفار لهذا، ويقولون: وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله، ووجدنا فلانا راكعا، وفلانا ساجدا، ووجدناه تاليا لكتاب الله. قال: فهم كذلك يومهم وليلتهم، حتى يصعدون إلى السماء الثانية، ففي كل سماء يوم وليلة، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى، فتقول لهم سدرة المنتهى: يا سكاني، حدثوني عن الناس وسموهم لي. فإن لي عليكم حقا، وإني أحب من أحب الله. فذكر كعب الأحبار أنهم يعدون لها، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم. ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول: أخبرني بما أخبرك سكانك من الملائكة. فتخبرها، قال: فتقول الجنة: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، اللهم عجلهم إلي، فيبلغ جبريل مكانه قبلهم، فيلهمه الله فيقول: وجدت فلانا ساجدا فاغفر له. فيغفر له، فيسمع جبريل جميع حملة العرش فيقولون: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، ومغفرته لفلان، ويقول يا رب، وجدت عبدك فلانا الذي وجدته عام أول على السنة والعبادة، ووجدته العام قد أحدث حدثا وتولى عما أمر به. فيقول الله: يا جبريل، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له. فيقول جبريل: لك الحمد إلهي، أنت أرحم من جميع خلقك، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم، قال: فيرتج العرش وما حوله، والحجب والسموات ومن فيهن، تقول: الحمد لله الرحيم، الحمد لله الرحيم. قال: وذكر كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب. آخر تفسير سورة "ليلة القدر" [ولله الحمد والمنة] .

المشاهدات:3547

فصل : ثم قد قيل: إنها في أول ليلة من شهر رمضان، يحكى هذا عن أبي رزين. وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة. وروى فيه أبو داود حديثا مرفوعا عن ابن مسعود. وروي موقوفا عليه، وعلى زيد بن أرقم، وعثمان بن أبي العاص.
وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري. ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه: { يوم الفرقان } [ الأنفال: 41 ] .
وقيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود أيضا، رضي الله عنهما. .
وقيل: ليلة إحدى وعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم [في] العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: [إن] الذي تطلب أمامك. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف معي فليرجع، فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وإنها في العشر الأواخر وفي وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء". وكان سقف المسجد جريدا من النخل، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة فمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه. وفي لفظ: "في صبح إحدى وعشرين" أخرجاه في الصحيحين .
قال الشافعي: وهذا الحديث أصح الروايات.
وقيل: ليلة ثلاث وعشرين؛ لحديث عبد الله بن أنيس في "صحيح مسلم" وهو قريب السياق من رواية أبي سعيد، فالله أعلم.
وقيل: ليلة أربع وعشرين، قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين" إسناده رجاله ثقات.
وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصنابحي، عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين".
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم -أو: إني لأظن-أي ليلة القدر هي؟ فقال عمر: أي ليلة هي؟ [فقلت] سابعة تمضي -أو: سابعة تبقى-من العشر الأواخر. فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ قال ابن عباس: فقلت: خلق الله سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإن الشهر يدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع...لأشياء ذكرها. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنا له. وكان قتادة يزيد عن ابن عباس في قوله: ويأكل من سبع، قال: هو قول الله تعالى: { فأنبتنا فيها حبا وعنبا [وقضبا] } الآية [ عبس: 27 ، 28 ] .
وهذا إسناد جيد قوي، ونص غريب جدا، والله أعلم.
وقيل: إنها تكون في ليلة تسع وعشرين. قال أحمد بن حنبل:
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عمر بن عبد الرحمن، عن عبادة بن الصامت: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في رمضان، فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، [أو تسع وعشرين] أو في آخر ليلة".
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود -وهو: أبو داود الطيالسي-حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي ميمونة عن أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى" .
تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به.
وقيل: إنها تكون في آخر ليلة، لما تقدم من هذا الحديث آنفا ولما رواه الترمذي والنسائي، من حديث عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث، أو آخر ليلة". يعني: التمسوا ليلة القدر.
وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي المسند من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: "إنها آخر ليلة".
فصل
قال [الإمام] الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للسائل إذ قيل له: ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم". وإنما ليلة القدر ليلة معينة: لا تنتقل. نقله الترمذي عنه بمعناه. وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر.
وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نص عليه مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والمزني، وأبو بكر بن خزيمة، وغيرهم. وهو محكي عن الشافعي -نقله القاضي عنه، وهو الأشبه -والله أعلم.
وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عمر: أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".
وفيها أيضا عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" ولفظه للبخاري.
ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".
وجه الدلالة منه: أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذا لو كانت تنتقل لما علموا تعينها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال: إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط.
وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" : فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
وقوله: "فرفعت" أي: رفع علم تعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة؛ لأنه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".
وقوله: "وعسى أن يكون خيرا لكم" يعني: عدم تعيينها لكم، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، عز وجل. ثم اعتكف أزواجه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة.
ولهما عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. أخرجاه .
ولمسلم عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره .
وهذا معنى قولها: "وشد المئزر". وقيل: المراد بذلك: اعتزال النساء. ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين، لما رواه الإمام أحمد:
حدثنا سريج، حدثنا أبو معشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره، واعتزل نساءه. انفرد به أحمد .
وقد حكي عن مالك، رحمه الله، أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على أخرى: رأيته في شرح الرافعي، رحمه الله.
والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: "اللهم، إنك عفو تحب العفو، فاعف عني"؛ لما رواه الإمام أحمد:
حدثنا يزيد -هو ابن هارون-حدثنا الجريري -وهو سعيد بن إياس-عن عبد الله بن بريدة، أن عائشة قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني".
وقد رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، من طريق كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم، إنك عفو تحب العفو، فاعف عني".
وهذا لفظ الترمذي، ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح". وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: "هذا صحيح على شرط الشيخين"ورواه النسائي أيضا من طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة عن عائشة قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني".
ذكر أثر غريب ونبأ عجيب، يتعلق بليلة القدر، رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال:
حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن سعيد -يعني الراسبي-عن هلال أبي جبلة، عن أبي عبد السلام، عن أبيه، عن كعب أنه قال: إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة، مما يلي الجنة، فهي على حد هواء الدنيا وهواء الآخرة، علوها في الجنة، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي، فيها ملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، عز وجل، يعبدون الله، عز وجل، على أغصانها في كل موضع شعرة منها ملك. ومقام جبريل، عليه السلام، في وسطها، فينادي الله جبريل أن ينزل في كل ليلة قدر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى، وليس فيهم ملك إلا قد أعطى الرأفة والرحمة للمؤمنين، فينزلون على جبريل في ليلة القدر، حين تغرب الشمس، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك، إما ساجد وإما قائم، يدعو للمؤمنين والمؤمنات، إلا أن تكون كنيسة أو بيعة، أو بيت نار أو وثن، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبث، أو بيت فيه سكران، أو بيت فيه مسكر، أو بيت فيه وثن منصوب، أو بيت فيه جرس معلق، أو مبولة، أو مكان فيه كساحة البيت، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات، وجبريل لا يدع أحدا من المؤمنين إلا صافحه، وعلامة ذلك من اقشعر جلده ورق قلبه ودمعت عيناه، فإن ذلك من مصافحة جبريل.
وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر: "لا إله إلا الله"، ثلاث مرات، غفر الله له بواحدة، ونجا من النار بواحدة، وأدخله الجنة بواحدة. فقلنا لكعب الأحبار: يا أبا إسحاق، صادقا؟ فقال كعب وهل يقول: "لا إله إلا الله" في ليلة القدر إلا كل صادق؟ والذي نفسي بيده، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق، حتى كأنها على ظهره جبل، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر. فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس، فيبسط جناحيه -
وله جناحان أخضران، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة-فتصير الشمس لا شعاع لها، ثم يدعو ملكا فيصعد، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ولمن صام رمضان احتسابا، ودعاء لمن حدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله. فإذا أمسوا  دخلوا السماء الدنيا، فيجلسون حلقا [حلقا] فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا، فيسألونهم عن رجل رجل، وعن امرأة امرأة  فيحدثونهم حتى يقولوا: ماذا فعل فلان؟ وكيف وجدتموه العام؟ فيقولون: وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدا ووجدناه العام مبتدعا، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناه العام عابدا قال: فيكفون عن الاستغفار لذلك، ويقبلون على الاستغفار لهذا، ويقولون: وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله، ووجدنا فلانا راكعا، وفلانا ساجدا، ووجدناه تاليا لكتاب الله. قال: فهم كذلك يومهم وليلتهم، حتى يصعدون إلى السماء الثانية، ففي كل سماء يوم وليلة، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى، فتقول لهم سدرة المنتهى: يا سكاني، حدثوني عن الناس وسموهم لي. فإن لي عليكم حقا، وإني أحب من أحب الله. فذكر كعب الأحبار أنهم يعدون لها، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم. ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول: أخبرني بما أخبرك سكانك من الملائكة. فتخبرها، قال: فتقول الجنة: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، اللهم عجلهم إلي، فيبلغ جبريل مكانه قبلهم، فيلهمه الله فيقول: وجدت فلانا ساجدا فاغفر له. فيغفر له، فيسمع جبريل جميع حملة العرش فيقولون: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، ومغفرته لفلان، ويقول يا رب، وجدت عبدك فلانا الذي وجدته عام أول على السنة والعبادة، ووجدته العام قد أحدث حدثا وتولى عما أمر به. فيقول الله: يا جبريل، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له. فيقول جبريل: لك الحمد إلهي، أنت أرحم من جميع خلقك، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم، قال: فيرتج العرش وما حوله، والحجب والسموات ومن فيهن، تقول: الحمد لله الرحيم، الحمد لله الرحيم.
قال: وذكر كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب.
آخر تفسير سورة "ليلة القدر" [ولله الحمد والمنة] .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93805 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89673 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف