الأحكام القضائية والعبَثيَّة الإيرانية
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر برنامج "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، مرحبًا بكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة ومعكم يشرف بصحبتكم في هذه الحلقة إعدادًا وتقديمًا محدثُكم عبدالله الداني، ومن استقبال المكالمات وتنسيق الاتصالات الزميل خالد فلاته، ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح، كما يسرنا مستمعينا الكرام أن نرحب بضيفنا وضيفكم في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج بضيفنا الدائم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبدالله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم.
فأهلًا ومرحبًا بكم والسلام عليكم ورحمة الله شيخ خالد.
- الشيخ: مرحبًا بك حيَّاك الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلًا وسهلًا.
- المذيع: بارك الله فيكم شيخ خالد كما تحدثنا راح يكون موضوعنا في هذه الحلقة حديثَ الساعة ألا وهو ما أعلَنَت عنه المملكة العربية السعودية عبرَ وَزارة الداخلية يوم أمس، تنفيذَها حكمَ القتل حِرابةً وتعزيرًا بحقِّ سبعةٍ وأربعين إرهابيًّا، وذلك بعد أن أسفرَ التحقيقُ عنهم عن توجيه الاتهام لهم بارتكابِهم للجرائم الموجبةِ لذلك، وإدانتِهم بالمسئولية عنها، إضافةً إلى ما صدر بحقِّهم صكوك شرعية صدرت بحقهم من القضاء الشرعي تتضمَّن ثبوتَ ما نُسِبَ إليهم شرعًا والحكم عليهم بإقامة الحد الحرابة بقتل أربعةٍ منهم، والقتل تعزيرًا لبقية المتَّهمين، طبعًا هذا سيكون إن شاء الله بإذن الله سيكون موضوعَنا في هذه الحلقة، ونذكر فقط بأرقام التواصل معنا في هذه الحلقة من خلال الرقم الأول0126477117والرقم الثاني0126493028، أما مشاركات الواتساب055611315
وكذلكم يمكنكم أن تشاركونا مستمعينا الكرام عبر هشتاج "الدين والحياة"
إذًا على بركة الله نبدأ حلقتنا ولكن بعد هذا الفاصل.
حيَّاكم الله من جديد مستمعينا الكرام في برنامجكم "الدين والحياة"، ونرحِّبُ أيضًا مرةً أخرى بضيفنا وضيفكم الشيخ: خالد المصلح.
شيخ خالد: حديثنا اليوم في هذه الحلقة عن أثر تطبيق الشريعة الإسلامية والحدود الشرعية في استِباب الأمن، وما استمَعنا إليه في بدايةِ هذه الحلقة من أن هذا الموضوع كان بمناسبة لما صدر يومَ أمس من أحكام شرعية كانت أيضًا أعلنت عنها وزارة الداخلية، كيف يمكن أن نتحدَّث عن هذا الأمر؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن تميُّزِ وتفرُّدِ المملكة العربية السعودية بتطبيق الشريعة الإسلامية عن سائر دول العالم مما انعكس أيضًا هذا الأمر على استتباب الأمن فيها؟
- الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتَفَى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات والمستمعين والمستمعات في هذا البرنامج الذي أسأل الله تعالى أن يكون نافعًا مباركًا للقائل والسامع.
- المذيع: آمين.
- الشيخ: فيما يتصلُ بتطبيق الحدود الشرعية والسيرِ في العقوبات على ما اقتَضتْه نصوصُ الشارع الحكيم ينبغي قبل أن نتحدَّث عن هذه النقطة أن نعرِف أن شريعةَ أرحم الراحمين، شريعةَ الرحمةِ للعالمين، شريعةَ الإسلام وما جاء به سيد الأنام -صلاة الله وسلامه عليه- تدورُ على معاني عظيمةٍ وتحقِّق مقاصدَ كبرى لابد أن تكون حاضرةً في أذهان الناس ليفهموا بناء هذه الشريعة، وعلى ماذا تقوم، وما الذي تحقِّقه، وما هي السبل والآليات التي اتخذتها الشريعة لتحقيق تلك المقاصد؟
هذه الشريعة جاءت لتحقيق الغرضِ من الوجود فالله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، كما قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2]، وكما قال -جل في علاه-: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾[الأنبياء:35]، وكما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، فالله تعالى خلَقَنا لعبادتِه؛ فهذا هو المقصود من هذا الوجود وهذا الخلق منذ آدم -عليه السلام- إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها، هذه الغاية وهذا المقصودُ وهذا المَقصِد الأسمى الذي جاءت الشريعة لتحقيقه جاءت الشريعة مقرِّرةً ابتداءً ببيان حق الله -عزَّ وجلَّ- على خلقه وأنه يُعبد -جل في علاه- وحده لا شريك له، وهذا معنى أشهد أن لا إله إلا الله، وجاءت أيضًا مُقرِّرةً الطريقة الذي يتحقق به هذا المقصود؛ وهو الطريق الذي يصل به الناسُ لعبادة الله، فجاءت الشريعة بالأمر بعبادة الله وحده، والأمر بأن لا يُعبد إلا بما شَرَع، فالطريق الموصل إلى تلك الغايةِ ليس إلى أذهان الناس ولا إلى أرائهم، ولا إلى أذواقهم، ولا إلى ما يشهدون ويحبُّون ويستحسنون، إنما جاء ذلك مفصَّلًا مبيَّنًا على وجهٍ واضح بيِّن جليٍّ، وهو ما جاء في شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن والسنة وهو معنى أشهد أن محمدًا رسول الله، أن لا نعبده إلا بما شرع.
هاتان القاعدتان بهما قَوام الحياة، وعليهما يصلح أمر الدنيا والدِّين، وبهما تَسعد البشريةُ في الدنيا وتنجو في الآخرة، هذه العبادات لا يمكن أن تتحقق إلا بحفظ مقاصِد وحفظ أمورٍ جعل الشارعُ نصوصَ الشريعة كلَّها تدور على تحقيقها:
أول ذلك: حفظ الدين.
ثم جاء بعدها: حفظُ النَّفس.
ثم: حفظ المال.
ثم: حفظ العقل.
ثم: حفظ العِرض.
هذه المقاصد الخمسة عليها يَدُور كلُّ ما جاءت به الشريعة من الأحكام والحكم، لا يمكن أن تتحقَّق العبادة التي جعل الله تعالى الخلقَ لأجلها، وهو الذي بيَّن في كتابه أنه ما خلق الناسَ إلا لهذه الغاية، هذه الغاية لا يمكن أن تتحقَّقَ العبوديةُ، لا يمكن أن تتحقق إلا بحفظ هذه المُقوِّمات الخمس، والمقاصد الكبرى التي بها تَسعد البَشَريَّةُ، حفظُ الدين من الشِرك ومن البدعة ومن الانحراف، حفظ النفوس بصيانتها من الاعتداء والقتل، حفظ العقول من الإفساد، حفظ الأموال من الاعتداء والضياعِ، حفظ العِرض من التعدِّي والانتهاك، «كلُّ المسلم على المسلم حرام دَمُه ومالُه وعرضُه»[مسلم:ح2564/32] فجاءت الشريعة مقرِّرةً لهذه المعاني، عندما يقع خللٌ في شيء من هذه الأمور الخمسة لابد من تعديلِ المسار، وإذا نظرتَ إلى العقوبات في الشريعة سواءً كانت عقوباتٍ حَدِّيَّةً جاءت الشيعة بتحديد العقوبة، أو كانت العقوبة تعزيريَّة جاءت الشريعة بجواز العقوبة فيها وجعلت التحديدَ راجعًا إلى ما يُحقِّق المصلحةَ، وما يتحققُ به للناس الخيرُ وما يردع عن الشرِّ والفساد، فالعقوبات على هذا النحو إما عقوباتٌ حدِّيةٌ مقدَّرة من قِبل الشريعة جاءت النصوصُ بها، سرقة مثلًا ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾[المائدة:38]، أو الزنا على سبيل المثال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾[النور:2]، وما أشبه ذلك من النصوص التي جاءت بتحديدِ قدرِ العقوبة، وهذه تُسمَّى حدودًا، ثم بعد ذلك أذِنَت بالتعزير في كل معصيةٍ لا حدَّ فيها، لكن قدرَ هذه العقوبةِ يرجِع إلى نظر القاضي، نظر الحاكم الشرعيِّ الذي يستنِد إلى الكتاب والسنة وهذا ينظرُ إلى حجمِ المُخالفةِ، وإلى أثرها، وإلى الضَّررِ المترتِّب عليها، وإلى ما يمنع التورُّطَ فيها، كل هذه الاعتبارات والمعايير تُستَحضَر في قدر العقوبةِ التعزيريةِ، هل هي جلدٌ؟ هل هي حبسٌ؟ هل هي قتلٌ؟ هل هي نفيٌ؟ هل هي تشهيرٌ؟ هل هي عقوبة مالية؟ أنواع التعزيرات متنوعةٌ وليست على حدٍّ واحد، وفي كل تلك العقوبات التعزيرية يُستنار بحجم الجريمةِ، أيضًا تَكرار الجريمة، أساس خطرها وأثرُها على المجتمع، الرادِع مما ينبغي أن يكون من المعايير الحاضرةِ في قدر العقوبة التعزيرية، ما يتصل بالأردع، ما يحصل به الرَّدْع عن تورُّط آخر بهذه العقوبة، وهذا ما أشار إليه في آية السرقة ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾[المائدة:38]، هذا عقوبة على الفعل ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ تنكيلٌ لأجل أن يعتبر الآخرون ويرتدعوا عن أن يتورطوا في مثل ما تورط فيه هذا الذي فَقَد يدَه بسبب جنايتِه على المال، فهذه اعتبارات مهمَّة لابد أن نفهَمَها، إذاً العقوبات الشرعية بين حُدود قدَّرَتها الشريعةُ وبيَّنت المقاديرَ التي تَزِن العقوبة بها قدرًا وجنسًا ونوعًا على شكل واضح، على شكل واضح ولذلك تُسمى حدًّا؛ لأن فيه قَدرا محدَّدًا من الشريعة، والتعزيرُ وهو ما يرجع إلى نظر وليِّ الأمر الناظرِ في القضية على وِفق الإضاءات الشرعية التي تُحقق العدالةَ وتحفظُ الجماعةَ وتَدرؤ المفسَدَةَ وتُطهِّر المجتمع من المخالفات والمعاصي، هذا هو الأمر الذي ينبغي أن يُستحضر في العقوبة الشرعية، وبالتالي تجدُ أن جميع العقوباتِ الشرعية تدور على هذين المعنيين، أما ما يتَّصل بالقِصاص فهذا فيما يتعلَّق بالجنايات، الجنايات وهي الاعتداء على الدِّماء والأَنفس هذه عقوبتُها مبيَّنَةٌ وتسمى قَصاصًا؛ لكنها لا تكون في مقابل جِناية على أشخاص في نفوسهم بالقتل، أو في أبعاضهم بالجناية على الدمِّ، وما أشبه ذلك قطع وما أشبه ذلك قطع وما إلى ذلك، وهذه لها بابٌ مستقِلٌّ يسمى فقه العقوبات الشرعية في الجنايات والقصاص فيها، لكن كلُّ هذا داخل في أبواب العقوبات الشرعية يقصد منه تحقيق حفظِ هذه المقوِّمات الخمسة، الأديان، حفظ النفوس، حفظ العقول، حفظ الأموال، حفظ الأعراض، ولك أن تتصور هذا، حفظ مثالٍ لكل واحد من هذه المقاصد، حدُّ الرِّدَّة لحفظ الأديان، حدُّ القَصاص في الجنايات للحفاظ في النفوس، حد المُسكِر لحفظ العقول، حد السرقة لحفظ الأموال، حد القَذْف لحفظ الأعراض، وهذه أمثلةٌ حتى تعرف أن جميع العقوبات الشرعية حدِّيةً أو تعزيرية أو قصاصًا كلُّها لأجل دفع الضرر.
- المذيع:جميل طيب شيخ إذا تحدثنا عن هذا الجانب ومسألة حفظ الضرورات الخمس في هذه الحدود الشرعية التي لها جانب مهمٌّ جدًّا وهو أيضًا مصلحة المجتمع وحمايةُ هذا المجتمع ربما تكون أحكامٌ فيها قتل لكن بهذا القتل ينتُج هناك جانب آخر مهم إحياء المجتمع والحفاظُ على كِيانِه بعيدًا عن أن يمسَّه أيُّ سوء، فيه أيضًا شيءٌ جميل جدًّا يتمثَّل في الآية الكريمة في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾[البقرة:179]، فهناك حياةٌ في تطبيق هذه الشريعة عندما تطبق هذه الحدود الشرعية يكون هناك أيضًا أمن وأمانٌ وحفاظٌ على مصلحة المجتمع.
- الشيخ: بالتأكيد المعنى هذا ثابت في ذهن المطَّلِع على العقوبات الشرعية وما جاءت به الشريعة، أيها الإخوة والأخوات من المستمعين والمستمعات هذه الشريعة شريعةُ أحكمِ الحاكمين ليست اقتراحًا بشريًّا، ولا رأيًا شخصيًّا، ولا تجربةً في زمان أو مكان، هذا شرع، هذا دين بيَّن الله تعالى فيه عظيمَ ما تصلح به أحوالُ الناس؛ لذلك الأحكام الشرعية لا يمكن أن تجدَ فيها خللا، لا يمكن أن تجد فيها ضررًا، لا يمكن أن تجد فيها سوءًا أو ضررًا على الناس، لا يمكن أن تجد فيها ما ينافي العقلَ والحكمة؛ بل هي عقلٌ وحكمةٌ وهي مُحكَمَةٌ، كما قال -جل في علاه-: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾[هود:1]، الله -جل وعلا- في القصاص يقول -جل في علاه-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾[البقرة:179]، هذه الآية الكريمة تُبيِّن أن القصاص حياة، بالتأكيد أن القصاص عُقوبةٌ على الجريمة على الجناية على النفس وما دونَها، وفيه الحياة من جهة أن القتلَ كما يقول العرب: "أنْفَى للقتل" يعني إذا أردتَ أن تحاصرَ جريمةً فاقتل القاتلَ لأجل أن تحاصِر هذه الجريمةَ، فالقتل أنفى للقتل؛ يعني الذي يجعَلُ القتلَ ينتفي عن الناس هو أن تَقتُلَ القاتل؛ لأن كلَّ أحدٍ قبل أن يُقدِم على هذه الجريمة يعلم أن قتله لغيره سيكون سببًا لقتل نفسه؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾[البقرة:179]، هذا مقصد من مقاصد العقوبات الشرعية، العقوبةُ الشرعية عمومًا بكل صُورِها سواءً كانت حدًّا، أو كانت تعزيرًا، أو كانت قصاصًا في الجنايات، أو حكومة في مالا قصاص فيه؛ لأن العقوبات تدور على هذه الأصناف الأربعة، كلُّها تقصِد تحقيقَ سعادةِ الناس، كلُّها تقصد تأمينَ الناس على أديانِهم، تأمين الناس على أنفسهم، تأمين الناس على عقولهم، تأمين الناس على أموالهم، تأمينَ الناس على أعراضهم، بها تطيبُ حياتُهم، بها تَسعدُ نفوسهم؛ ولذلك تجد أن معدَّل الجريمةِ في البلدان التي تقام فيها الحدودُ الشرعية على الوجه الذي يحقِّق المقاصِد أقلَّ بكثير من تلك البلدان التي لا تُطبِّق الحدود الشرعية، نحن في هذه البلاد ولله الحمد من فضل الله تعالى على حُكَّامها وعلى شعبها أن جعل دستورَها مُنبثقًا من كتاب الله تعالى وسنَّةِ نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والحكمُ الأعلى في محاكِمِها وفي فَصلِها بين الناس هو للشريعة للكتاب والسنة، وذاك فضلُ الله تعالى الذي ينبغي أن نحمدَه عليه، إذا نظرتَ إلى بلاد الدنيا كلِّها لم تجد بلدًا تجعلُ القرآن والسنةَ حاكمةً على الجميع كما هو في هذه البلاد ولله الحمد، وهذا من التحديث بنعمة الله، وهو من فضل الله على حُكَّام هذه البلاد وعلى شعبها، وهو نعمةٌ تستوجب شكرًا وثناءً وإشهارًا وإظهارها ليس نفاقًا ولا رياءً، كما يقول المُغرِضُون ويدَّعي المزوِّرون إنما هذه تحديث بنعمة الله ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾[الضحى:11]، لا يعنِي ألا يكون ثمة تقصيرٌ أو قصور في هذا العمل البشري «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء»[أخرجه الترمذي في سننه:ح2499، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح:ح2341] لكن الأحكام الشرعية التي تجري على خُصومات الناس وعلى أحوالهم وعلى ما يكون من شؤونِهم هو حكمُ الشريعة وِفق ما يكون من اجتهادِ القُضاةِ واجتهاد المجتهدين؛ لكن الأصلَ والمَعينَ والمصدرَ الذي يَنطلق منه وينبَثِقُ عنه الحكم هو كتابُ الله وسنَّةُ رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فنعمةٌ عظمى يُشكر عليها -جلَّ في علاه- ويُسأل الله -جل وعلا- المزيد من التثبيت والإعانة وردِّ كيد الكائدين؛ لأن تحكيم الشريعة وإجراءَ قواعدِها في الحكم على الناس مما تضرَّرت منه أُنُوف كثيرٍ من الحاقدين، ونَزَفت منه كثيرٌ من قلوب المُعتدين الذين يُريدون لهذه البلاد أن تكون كسائر البلدان التي تحكَّم فيها القوانينُ الوَضعيَّة ويُلغَى فيها شرع ربِّ العالمين عن أن يكون حاكمًا على الناس ومصلح الحال لأحوالهم، فَينبَغي أن تُذكَر هذه القضية وتُشكَر ويُحمَد الله تعالى عليها، ويُعرَف أن الأحكام الشرعيةَ الصادرةَ في هذه البلاد تنبَثِق من الكتاب والسنة، وبالتالِي يجب على المؤمِن أن يقرَّ عينًا بهذا، وأن يفرحَ وأن يفاخِر الدنيا بنعمة الله تعالى، وما تفضل به علينا بهذه النعمةِ العُظمى التي بها استتبَّ الأمن وبها اجتمَعت الكلمة، وبها يَحفَظ الله البلادَ، وبها يدرؤ عنها المخاطر، فإن تحكيم الشريعةِ سببٌ من أعظم أسباب تحقيق الأمن واجتماع الكلمة، والتِآم الصفِّ، وقطع الطريق على المفسدين، فإن حُكمَ الله تعالى به تصلُح أحوال الناس، وهو حكم أحكم الحاكمين ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة:50]، فيجب على أهل الإسلام أن يحمدوا الله تعالى على هذا، وهي تجربة رائدة لأنك إذا نظرت أن كثيرًا من البلدان التي تَرغب في تحكيم الشريعة يأتِيها من يُثبِّطها من يُقعِدُها، ويقول: هذه أحكام غير مناسبةٍ للعصر، هذه أحكام لا تتناسب.
والحمد لله أقام الله هذه التجرِبة المباركة في هذه البلاد السعودية المباركةِ، هذه التجربة شاهدةٌ فعلًا على صلاحيةِ هذا الدين وصلاحية هذه الأحكام، بل إصلاحية هذه الأحكام لأحوال الناس، فهي ليست صالحة بل هي مُصلحة لأحوال الناس مقوِّمةٌ لمسيرتهم.
- المذيع:جميل طبعًا شيخ خالد أيضًا هناك تطبيقاتٌ كثيرة جدًّا فيما تفضلتم به في واقِعنا في تطبيق هذه المملكة العربية السعودية لأحكامِ هذه الشريعة الغرَّاء، فإذا ما انتقلنا إلى جانب آخر وهو رَدع الفساد والمفسدين في الأرض بهذه الأحكام الشرعية، وهناك ممن لا يعني كما تفضَّلت ثمة نفوس تستعصي عن التقويم، لا يُجدي معهم يعني نُصح، ولا يُجدي معهم يعني مثل ما يقال: إنه إرشاد وغير ذلك، ولكن في نفس الوقت في مثل هذه الأحكام كما يقال: آخرُ العلاج الكَيُّ، إذا ما استعصت هذه النفوس عن الرجوع لجادَّة الصوابِ فإن شرع الله سبحانه وتعالى كفيلٌ بأن تأخذ حقَّها ممن ما تستحقه من العقوبة، وبالتالي أيضًا في نفس الوقت يكون هذا الأمر رادعًا لكل من سوَّلت له نفسه عملَ شيء يُخلُّ بأمن هذا المجتمع، ربما هذا الأمر أيضًا يكون من تحقيق المقاصد العظمى التي جاءت بها هذه الشريعة الإسلامية الغراء.
- الشيخ: بالتأكيد الشريعة المطهَّرة جاءت بإصلاح أحوال الناس في إصلاح معاشِهم ومعادِهم، ومثل ما ذكرت يا أخي الكريم يعني الشريعة في الإصلاح تدعو إلى قطع كلِّ ما يكون من أسباب الفساد والشرِّ، تسعى إلى أن تقوِّم الشخص نفسه، وأن تقطع دابر الفساد، فالشريعةُ لم تقف فقط في الإصلاح على يعني إصلاح الشأن نفسِه، أو النظر فقط إلى إصلاح المجتمع بل العقوبات الشرعية تحقِّق الغَرضَين، تحقق الإصلاحَ الشخصيَّ للإنسان، وأيضًا تنظر إلى إصلاح الأمَّة كلِّها من خلال هذه العقوبة، وأنت يعني ذكرت في آية القصاص قوله -جل وعلا-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾[البقرة:179]، الذي ذكره الله تعالى في القصاص فائدة تعود على عموم الناس يقول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ فالحياة للأمة كلها بتذكر أحكام الشريعة في الجِنايات والقصاص على المُعتدين، لكن هذا لا يعني أن القاتل لا يَنتَفِع من هذه العقوبة، القاتل ينتفع من هذه العقوبة، وأظهر ما يكون في بيان معنى هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: «تُبايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئا ولا تَزْنوا ولا تَسْرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق».
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حقًّا لله، وثلاثةَ حقوق لإصلاح ما بين الخلق وما بين جِنسهم.
الحق الأول: الإصلاح ما بين العبد وربِّه أن لا تشركوا بالله شيئا، لا تَزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، صيانة النفوس، صيانة الأموال، صيانة الأعراض، وكلها في الحقوق بين الناس، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذَكَر طلب البيعة على تَركِك هذه المفسدات للحياة البشرية من الشرك بالله والزنا والسرقة والقتل بغير حق قال: «فمن وفَّى منكم -أي حفظ العهد فامتنع عن هذه القاذورات- فأَجْرُه على الله -ينال أجره وثوابه من الله- ومن أصاب من ذلك شيئًا – يعني من تورَّط في شيء من هذه الذنوب وهذه اللوثات الجرائم والموبقات- فعُوقب به أي في الدنيا فهو كفارةٌ له»[البخاري:18، ومسلم:1709/41]
هذا يبين أن العقوبات يَنتفع منها المعاقَب، يعني هي رحمة للأمَّة جمعاء، ورحمة بالذي وقعت عليه العقوبة؛ فإنه كفَّارةٌ له يحطُّ الله تعالى بها من خطاياه، يعفو الله تعالى بها عن سيِّء العمل، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:(كفارةٌ له)، فلهذا ينبغي أن يُنظر إلى العقوبات أنها ليست فقط رحمةً للأمة أو للجماعة، بل هي حتى رحمةٌ للمُعتَدي الظالم الذي وقع منه الجُرم فإنها تقِيه سيِّءَ عمله وفسادَ سعيه، وتزيلُ عنه شيئًا من الذنب المتعلِّق بجرائمه وأخطائه، إن مما ينبغي أن نلاحظه أخي الكريم في هذه القضيَّة أن العقوبات الشرعيةَ لاسيما العقوباتُ التعزيرية مقصودُها التقويم، وهذا المعنى جليٌّ واضح؛ لأن المقصود من هذه العقوبات هو إصلاح حالِ الناس وتقويمُ سعيهِم وإعادةُ خطاهم إلى الطريق القويم، في حال عدم حصول المقصود وهذا مَلحظ مهمٌّ ينبغي العناية به في حال أن العقوبات ما أتت بنتيجةٍ حيث غرم جلد كل هذه العقوبات لم تأت بالنتيجة المطلوبة، فتكون النفوس قد استعصت على التقويم، الضلال تمكَّن منها، الانحراف أصبح جزءًا من مكوِّناتها، الشيطان استولى على قلوبهم واستحوذ على أذهانهم فلا ينفع معهم نُصح، ولا يجزي في ردِّهم إلى الصراط المستقيم والطريقِ القويم جُهدٌ، عند ذلك تصل الأمور لحدِّ أنه لا بد في هذه المعالجة من حَسم؛ لأن ترك هذه النفوس التي تأصَّل فيها الفساد وتمكَّن منها الشر لا يكون إلا بإزهاقها؛ ولهذا علاج هذه النفوس إزهاقها، وهذا المعنى وإن كان قد يعني يستعظِمه بعضُ الناس لكن هذا به الحياة، الله تعالى يقول في الجناية على فرض بالقتل: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾[البقرة:179]، مع أن الجناية على فرض، مُشكلة خاصةٌ محصورةٌ في شخصٍ واحد، فكيف إذا كانت الجناية على مجتمع على أمة، على جماعات، على قيادات؟ بالتأكيد أن الموضوع أخطر بكثيرٍ، فإذا كانت الشريعة جاءت بالقصاص بالجناية على الفرد فكيف يقال: إنه لا يكون القتل في الجناية على الأمة في تفرُّقها، في إشاعة الفوضى، في إشاعة الفساد، في نشر الشرِّ بين الناس؟
بالتأكيد إن من المعالجات التي لابد أن تكون حاضرةً هذه الجنايات التي فيها فسادٌ عظيم، وفيها شرٌّ كثير، وفيها تفريق لجماعة المسلمين، وفيها تمكينٌ لأعداء الدين، كل هذه المفاسد بالتأكيد أن العلاج في بعض صوره هو أن تُزهق هذه الأرواح المفسِدة، والقاعدة الشرعية في باب العقوبات "أن كل ما لا يندفع شرُّه إلا بالقتل فإنَّ قتلَه واجب"، وهذه قضية واضحة لمن كان عالمًا لنصوص الشريعة مُدركًا لمقاصِدها، عارفًا بالأدلة وما وَرَد فيها، وإدراك المقاصد يَفتح عينَ الإنسان على معاني لا يُدرِكها ذاك الذي يَقتصر فقط على مفردات النصوص، فإن مقاصد الشريعة يجب أن تُصان، وأن تحفظ، وأن يُنظر إليها بالمنظار الذي يحقِّق الغايةَ والمقصود من حفظ هذه المقاصد، ومن هذا المعنى أو في هذا السياق ما جاء في صحيح مسلم من حديث عَرفَجَة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سيكون هَنَاتٌ وهنات»، ستكون هناك خروجاتٌ عن الشريعة وفتن وشرور وتفرُّقات، «سيكون هنات وهنات كما آتاكم وأَمرُكم جميع -يريد أن يفرِّق أمرَ هذه الأمة وهي الجميع- فاضربوه بالسيف كائنًا من كان)[مسلم:ح1852] يا أخي هذا الكلام تدري عمن صادر؟ صادر عن أرحم الأمة بالأمة، عن الذي قال فيه رب العالمين: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:128]
هذا هو حكمه الرؤف الرحيم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ لأن الرحمة في مواطن الحزم وفي مواطن حسم الشر هي أن تمضي في ذلك على وجهٍ يقطع الشرَّ عن الأمة، أنت الآن يا أخي عندما يأتيك مريض ويشكو من عضوٍ تالفٍ في بدنه ولابد من استئصال، هل تقول: حرام، الرحمة تقتضي أن أتركَه وأن لا أستأصل هذه العضوَ من أجل أنه يَتعب ويَتألَّم ويفقدُ عضوًا من أعضائه؟ أم أن الرحمة أن يتقدَّم الجرَّاح في عزمٍ وحزمٍ ويتخذ القرار فيما يحفظ حياة البدن.
- المذيع:صحيح وقد يصرف له دواءً مُرًّا في سبيل علاجه بالفعل.
- الشيخ: وكذلك هذه صورة أخرى من صور الرحمة التي تصف المعنى، الرحمة لا تعني التراخي في اتخاذ القرار الصحيح عندما تقتضيه المصلحة وتدلُّ عليه الأدلة، وقد قال عثمان -رضي الله تعالى عنه-، وجاء عن عمر موقوفًا:"إن الله يَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"[أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة:3/988موقوفا على عثمان رضي الله عنه، ومن حديث عمر رضي الله عنه، أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد:5/172، والأثر ضعيف. والله أعلم].
وبالتالي ينبغي أن يُعلم أن النفوس التي لا يكفيها وعظٌ، ولا ينفع معها تعزيرٌ بحبسٍ أو بغيره، وتمضي في ضلالها وغيِّها لابد من الحزم في معالجتها كفًّا لشرِّها عن نفسها، وكفًّا للشر عن الأمة، ولا ينبغي أن يكون عائقًا عن تحقيق هذا، لا الأعداء ولا الخصوم الذين يتربَّصون بنا الدوائر ويتحيَّنون الفرص للنَّيل من هذا البلد ومن هذا الدين.
- المذيع: سنأتي على هذه النقطة بشكل مُنفصل فقط أستأذنكم يا شيخ خالد في هذين الاتصالين قبل أن آخذهما أعلن الرقم الخاص بالتواصل معنا في هذه البرنامج الرقم الأول0126477117 الرقم الثاني 0126493028.
- المذيع: معنا في الاتصال الأول فاطمة من جازان، اتفضلي يا أخت فاطمة.
- المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- المتصل: تحيتنا للشيخ ولكم جميعًا.
- المذيع: حياك الله تفضلي.
- المتصل: لاشك أن الإعلام سواءً كان مسموعا أو مشاهدا له تأثير في المواطِن لتوضيح الأشياء يعني في ناس بعيدين يعني الناس في المُدن ممكن يشاهدوا التليفزيون لكن الناس التي في القرى يستمعوا للإذاعة، فالإعلام له تأثير شديدٌ في المواطن حتى لا يُلبَّس عليهم الحقُّ، بعدين يعني الإنسان يعني ما مسيَّر ما هو مخيَّر يعني فالله -سبحانه وتعالى- يعني أمر يعني حتى الإنسان إذا سرق يُقطع يدُه، ما بالك بناس يقتلون بدون أسباب يعني، وأنا أريد أن أشيد بالسعودية على القرار التي اتخذته، وبعدين عندي سؤال للشيخ.
- المذيع: باختصار أختي فاطمة عشان نأخذ اتصال آخر.
- المتصل: إن شاء الله، لي سؤال إني أنا حَلَفت على أختي إذا ما مشت معي ما راح أمشي وقمت مشيت فهل الإثم أن أصوم ولا أكفِّر؟
- المذيع: طيب تسمعين الإجابة إن شاء الله من الشيخ شكرًا أخت فاطمة.
- المذيع: طيب نأخذ الأخ عبدالعزيز الشريف من الرياض تفضل أخ عبدالعزيز.
- المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- المتصل: حياك الله أخ أبو عبدالله كيف أحوالكم.
- المذيع: يا مرحبا حياك الله أخ عبدالعزيز
- المتصل: أحيي الشيخ خالد كيف حالك يا شيخ؟
- الشيخ: حياك الله أخ عبدالعزيز مرحبًا بك.
- المتصل: بارك الله فيك شيخ فضيلة الشيخ هناك من يقول: إن المذاهب التي يَتَمذهب بها الإنسان ويأخذ بها أنه يُحاكم بمذهبه، فما ردُّكم على هذه الشُّبهة التي راجت وانتشرت في هذا الوقت عندما تم تنفيذ الحكم من أولئك العامين، يعني أن هناك من يقول: إن الذي يتمذهب بمذهب يكون محاكمُته على نفس المذهب الذي ينتمي إليه، وأنه ليس للشريعة ولا للمذهب الآخر أن يحاكِمَه، الأمر الثاني بارك الله فيك يقول -عز وجل-: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [البقرة:36] هذه الآية تدل على أن الشريعة الإسلامية كَفَلت للإنسان الحياة الرَّغِيدة، فما توجيهكم باركك الله فيكم؟
- المذيع: شكرًا لك أخ عبدالعزيز، طيب نبدأ إذا أردتم يا شيخ نجيب على أسئلة الأخ عبدالعزيز في البداية.
- الشيخ: الحقيقة الجزء الثاني نجعله في المحور الذي ذكرَته، سيتأخر موضوع تشغيب المُشغِّبين على أحكام الشريعة في هذه البلاد.
- المذيع: اتفضل.
- الشيخ: فيما يتعلق بالهجمة التي تولَّتها إيران على وجه التخصيص فيما يتصل بالأحكام القضائية الصادرة في هدم الجهات العادية في هذه البلاد المباركة، إيران يا أخي الكريم لا تترك مناسبةً ولا تفوِّت فرصةً، بل تختَلِق أحداثًا للتشغيب على هذه البلاد، هذه البلاد المباركة قائمة على الكتاب والسنة، ولا تميزِّ بين رعاياها في إجراء هذه الأحكام، ليس ثمة فرقٌ بين شيعية وسنية أو أي مذهب آخر من المذاهب في هذه البلاد الجميع تحت حكم "قال الله قال الرسول"، وهذا الحكم يَرضى به أهلُ القبلة على اختلاف مذاهبهم، ومن لا يرضى به يَردُّ حكمَ الله ورسولِه؛ لذلك ليس هناك أحكام تختص بسنيٍّ أو شيعي أو كذا أو كذا، نحن أمة جعل الله تعالى الحاكم علينا فيها حكمَه وحكمُه يستمدُّ من نُورين القرآن والسنة، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة:50]
حكمه -جل وعلا- مستمَدٌّ من كتاب الله وسنة رسوله؛ ولذلك هذه الأحكام الصادرة من الجهات المختصة التي جرى تنفيذُها لم تفرِّق فيها السني وفيها الشيعي، والجامع بينهم أنهم مُفسدون في الأرض، وهذا أكبر دليل؛ ولذلك إيران لا تحتجُّ على فُلان أو فلان، إنما تحتج من أجل أن تحتج من أجل أن تُحرِّض، لأجل أن تُقوِّض أمن هذه البلاد، لأجل أن تزعزع هذه البلاد؛ لأن هذه البلاد هي الحُجُز، هي السدُّ المنيع الذي وقف أمام أطماع هذه الثورة الاستبدادية، هذه الثورة التوسعية، هذه الثورة التي ركَّزت على المذهب الشيعي، وتحاول أن تتظاهر بأنها تحمي الشيعة وأنها تتبنَّى قضاياهم، وهي تقتلهم في الأحواز، وتقتلهم في العراق، وتقتل كلَّ من خالف أطماعَها التوسعية من أي جنسٍ كان سحقته؛ ولذلك الأذربجانيون شيعة من نفس المذهب ولكن بينهم وبين الملالي في إيران الشرّ والعيش المرّ والسبب أنهم وقفوا أمام ولاية الفقيه، ولم ينساقوا وراءهم فيما يسعون من فسادٍ في الأرض، لذلك ينبغي أن يَعرف الجميع القاصي والداني تحكم الشريعةُ هذه البلاد دستورها الكتاب والسنة، هذا نصٌّ في نظام الحكم وهو الجاري في المحاكم، من رضي به فحيَّاه الله، ومن لم يرض به فإننا لا نسعى لرضاه، ولم ننتظر رضاه، نحن نطلب الرضا من الله.
ولاة أمر هذه البلاد وحُرَّاسها وعلماؤها وشعبها مجتَمِعٌ على القبول بحكم الله وحكم رسوله؛ ولله الحمد تشاهد هذا الاجتماع من جميع الأطياف والجهات على اختلاف المستويات وعلى اختلاف الانتماءات الفكرية وعلى تنوِّع المشارب كلهم مع هذه القرارات الصادرة، وكلهم سدٌّ منيع أمام أطماع إيران في بلادنا وما تحاول أن تبُثَّه من فُرقة، وما انتصرت لهم في القرارات إنما انتصرت لهم لأنهم جنودُها، هو إدانة حقيقة وبيان لصوابيَّة القرار الذي اتخذ في التخلِّص وإعدام هؤلاء المجرمين لكونهم أداةً لتحقيق أغراضِهم سواءً كانوا سنةً أو شيعة؛ لأن إيران ليس لها علاقة بسنة أو شيعة هي تتحالف مع الشيطان ومع أعداء الإسلام ومع كل شُذَّاذ الأرض لتحقيق أغراضها وتحقيق مصالحها ومكاسبها، فالدعاية المزوَّرة الكاذبة التي يروِّجونها من مصر فئة وطائفة وما إلى ذلك كل ذلك لا ينطلي على أصحاب العقول والبصائر، يا أخي إيران تقتل في اليوم الواحد مئات في سوريا، وفي إيران نفسِها وفي العراق، وتُفسد في نيجيريا في الأمس القريب، ثم تأتي وتتكلَّم وتتحدَّث وتقف واعظةً في حقوق الإنسان، أين حقوق الإنسان الإيراني وهو يشاهد القَمع والقتل وسلبَ الحقوق وتسخيرَ الثروات لأطماع الملالي؟ يعيشون في فقر مُتقع يفتقدون مقوِّمات العيشة الكريمة، كل ذلك لتحقيق أطماع هذه العمائم الفاسدة المفسدة التي نسأل الله تعالى أن يعجِّل بخلاص الإيرانيين وخلاص البشرية منهم.
- المذيع: آمين شيخ خالد هناك أيضًا دور فيما يتعلق بالإعلام سواء الإعلام التقليدي أو الإعلام الحديث في هذا الجانب وتوعية المجتمع فيما يجب عليه، إضافةً إلى دحض كل الحملات المَسعُورة وما تبثُّه من شبهات وزَيف أو تزييف الحقائق كيف يمكن تسخير هذه الأمر في هذا الجانب؟ وبالفعل هذا الأمر له دور وواجب شرعي أو أنه فقط دون هكذا، هي مهمة يعني من أراد أن يفعلها فعل، ومن أراد أن يتركها تركها.
- الشيخ: هذا والله يا أخي حقٌّ على كل مسلم أن ينصُر هذه البلاد، أمن هذه البلاد واجتماعُ كلمةِ هذه البلاد، قطعُ أطماع الطامعين في هذه البلاد حقٌّ لكل مسلم، وأقول هذه ديانةً لا انتصارًا لبلد على بلد، أو حزب على حزب، أو جهة على جهة، هذه البلاد يَجتمع فيها -ولله الحمد -العالَم الإسلامي كله من شرقه إلى غربه من شماله إلى جنوبه، كلُّ أهل الإسلام لهم تعلُّق بهذا البلاد من حيث أنها قِبلتُهم، وفيها مكان ركنٍ من أركان دينهم وهو الحجُّ، ولا تصح صلاتهم إلا باستقباله، وفيها مسجد رسولهم صلوات الله وسلامه عليه، وهي مَأرِز الإسلام؛ فحفظ أَمنِها، ووقايتُها من الأطماع والأخطار حقٌّ على كل مسلم؛ ولذلك من المهم أن يظهر هذا الأمر، وأن يَفهم المسلمون أن إيران لا تسعى لنصرة الدين، تسعى للإفساد، وتسعى للتحريض، فيجب على كل من له إمكانية بنصر الإسلام وهذه البلاد بقوله، أو بعمله، أو بكتابته، أو بتأييده أن لا يتأخر، وأن تعرف إيران أنها لا تواجه القضاءَ السعودي أو تواجه السعودية بل تواجه الأمة كلَّها؛ لأن الاعتداء على بلاد الحرمين وأن الاعتراض على أحكام صادرةٍ ومنبثقة من الكتاب والسنة إنما هو طعن في الإسلام، وطعن في جزيرته، وطعن في أهل ملَّته، يا أخي نحن الآن إذا نظرنا إلى النظام الذي يُحكم به في إيران يا أخي نظام حزبٌّي طائفي يجعل ولايةَ الفقيه هي الحاكمةَ، يجعل المذهب الاثنى عشري هو الحاكم ويهمِّش بقية الشعب، نحن عندنا في المملكة العربية السعودية لا نُفرِّق بين اثنى عشري ولا ثلاث عشري، ولا سني، ولا شيعي الجميع تحت حكمٍ واحد وهو الكتاب والسنة، يا أخي يجب أن تظهر هذه المعاني حتى يذهب التضليل التي تمارسه إيران، إيران لها أطماعٌ، لها مشروع، لها أغراض استعمارية لها أغراض توسُّعيَّة، تريد أن تستولي على المِنطقة لتحقيق أهداف مواليها، ليس لهم عَلاقة بالدين، ولا لهم صِلة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد؛ بل هم أعداء الإسلام وهم خصومهم، أسأل الله العظيم أن يكفي المسلمين شرهم.
- المذيع: وتاريخهم يا شيخ مُلطَّخ بالدماء، وأقرب شاهد على ذلك ما قام به المأجورون والذين يعني يؤجَّرون من خلال إيران لأعمال الشغب والإفساد في مواسم الحج وهذا أكبر شاهد.
هذا نموذج واحد يا أخي، لكن ثمة نموذج شاهد شهد بها العالم وهي دعم إيران لطاغية الشام على شَعبِه وسحقُهم لكل من عارضَه، وأيضًا دعمهم للتكفيرين الذين استعملوهم لتحقيق أغراضهم وإبادة الشعب السوري، وإشاعة الضرر في العالم الإسلامي كلِّه؛ ولذلك الآن من الذي إذا تكلمنا عن إيران وعن ضررها وخطرها وخطر مَلاليها على الإسلام والمسلمين من الذي ينبري للدفاع؟ هم الدواعش والتكفيريون الذين يتمنَّون وتتقاطر ألسنتُهم بسيِّء القول على هذه البلاد، وعلى حكَّامها وعلى علمائها؛ وذلك يتضح هنا الارتباط الوثيق بين إيران وبين كل الحركات المُفسدة سنية أو شيعية، تدعي السنية والسنة منها براء، وهؤلاء الخوارج التكفيريون لا يَختلفون عن المذاهب الأخرى التكفيرية التي سَعَت في الأمة فسادًا وشرًّا، أسأل الله أن يكفي المسلمين شرَّهم.
والخلاصة أنه يجب أن نعرِف نعمة الله علينا وفضلَه وعلى هذه البلاد، وأن نزداد لُحمةً واجتماعًا وأُلفةً، وهذا ولله الحمد ظاهر وإنما نذكِّر به حتى نقطع الطريق على المشغِّبين، نقطع الطريق على المفسدين، نقطع الطريق على المتربِّصين الذين يسعون لتمزيق صفِّنا، وإلا والله شاهد أننا نرى من الناس على جميع مستوياتهم واختلاف شرائحهم وطبقاتهم هذا الائتلاف، وهذا الاجتماع، وهذه الأُلفة، وهذه اللحمة وهذا الالتفاف حول ولي الأمر وما يُصدِره من قرارات، وهذا من فضل الله علينا ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾[الضحى:11]
نسأل الله أن يزيدنا من فضله، وأن يكفينا شرَّ كلِّ ذي شرٍّ هو آخذٌ بناصيته.
- المذيع: اللهم آمين إذًا استمتعنا بالحديث معكم وبهذا النقاش الجميل مع فضيلتكم الشيخ خالد بن عبدالله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكر الله لكم بما أفضتم به من خلال حديثكم الشيق والماتع، ونتمنى -إن شاء الله- أن يكون هذا الأمر رسالةً واضحة للجميع، وأن يستفيد منه الجميع بإذنه سبحانه وتعالى، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل ما تفضلتم به في هذه الحلقة في ميزان حسناتكم.
آمين آمين، وأسأل الله لي ولكم القبول والإعانة والتسديد وأن يحفظ بلادنا وولاتنا وأمرنا وأمنَنا من كل سوءٍ وشر، ونحن أيها الإخوة والأخوات في مركبٍ واحد، لا ينبغي علينا أن نترك مجالًا لأحد أن يشغِّب بيننا، أو أن يفرِّق صفَّنا، أو يشيع بيننا فسادًا أو فوضى حماية كل واحدة منا يتحمل مسئولية الدفاع عن هذه المكتسبات وهذه البلاد حسب طاقته، ولنستعن بالله، ومن استعان بالله فإنه لن يخيبه ورب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، وأن يقر أعيننا بنصر هذه البلاد وحفظها وكفِّ أعدائها، وأن يجمع قلوبنا على الخير، وأن يوفِّق ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير والبلاد والعباد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وأيضًا مستمعين الكرام لكم الشكر على متابعتكم لنا خلال هذه الساعة، على أمل ما يكون قدمناه قد حاز على استحسانكم ورضاكم، هذه أجمل التحايا لك من فريق العمل في برنامج "الدين والحياة" إعداد وتقديم هذه الحقلة من محدثكم عبدالله الداني ومن استقبال المكالمات وتنسيق الاتصالات الزميل خالد فلاته ومن التنفيذ على الهواء تقبلوا أجمل التحايا من الزميل محمد باصويلح لقاؤنا يتجدَّد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- يوم الأحد المقبل في تمام الساعة الثانية ظهرًا، حتى ذلكم الحين وفي كل حين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.