الحَمْدُ للهِ الَّذي أَنْزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ وَالميزانَ, أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ, لَهُ الحَمْدُ كله؛ أوله وآخره؛ ظاهره وباطنه.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, يَقُولُ الحَقَّ؛ وَيَهْدِي إِلَى أَقْوَمِ السُّبُلِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, الصَّادِقُ في وَعْدِهِ؛ القائِمُ بِالحَقِّ لمحْوِ الباطِلِ وَجُنْدِهِ ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ في البُكُورِ وَالآصالِ؛ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهارِ وَصَحْبِهِ الأَخْيارِ؛ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسانٍ ما تَعاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, أُوصِيكُمْ عِبادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ في السِّرِّ وَالعَلَنِ؛ وَلُزومِ الطَّاعَةِ وَالجَماعَةِ؛ وَسُؤالِ اللهِ النَّجاةَ مِنْ مُضِلَّاتِ الفِتَنِ, فَإِنَّهُ «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً، أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ»البُخارِيُّ(7081), وَمُسْلِمٌ(2886), فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ؛ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما جاءَ بِهِ الإِسْلامُ مِنَ النِّعَمِ وَالخَيْراتِ ما مَنَّ اللهُ تَعالَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الإيمانِ مِنَ الاجْتِماعِ وَالأُلْفَةِ, وَإِشاعَةِ الوُدِّ بَيْنَهُمْ وَالمحَبَّةِ , قالَ اللهُ جَلَّ في عُلاهُ: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}الأنفال:62ـ63 , وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعالَى ذَلِكَ في كِتابِهِ في مَواضِعَ عَدِيدَةٍ ذِكْرًا لِنِعْمَتِهِ وَمِنَّتِهِ, وَذََكَّرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الأَنْصارَ؛ فَقالَ: « يا مَعْشَرَ الأَنْصارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهداكُمُ اللهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي ؟وَكُنْتُمْ عالَةً ـ أَيْ :فُقَراءُ ـ فَأَغْناكُمُ اللهُ بِي؟ » فَكُلَّما قالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قالَ الأَنْصارُ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُمْ : "اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ" البُخارِيُّ(4330), وَمُسْلِمٌ(1061) .
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ أُصُولِ الشِّرِيعَةِ الكِبارِ؛ وَمِنْ دَعائِمها العِظامِ تَحْقِيقَ الاعْتِصامِ بِحَبْلِ اللهِ وَنَبْذَ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلافَ, بَلْ هَذا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الإِسْلامِ؛ وَمِمَّا عَظُمَتْ بِهِ وَصِيَّةُ اللهِ تَعالَى في كِتابِهِ؛ وَمِمَّا عَظُمَتْ بِهِ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ, وَمِمَّا ذَمَّ اللهُ تَعالَى تَرْكَهُ وَالبُعْدَ عَنْهُ في كِتابِهِ وَكَذلِكَ رُسُوله صلى الله عليه وسلم في سنته في مواطن عديدة عامة؛ أو خاصة ,قال الله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }آل عمران:103 قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " حَبْلُ اللهِ المأْمُورُ بِالاعْتِصامِ بِهِ هُوَ الجَماعَةُ" أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ(7/71).
مَعاشِرَ المؤْمِنينَ, الاجْتِماعُ وَالأُلْفَةُ وَتَرْكُ الفُرْقَةِ لهَا مَنْزِلَةٌ عُظْمَى عِنْدَ الشَّارِعِ الحَكِيمِ, فَمَنْزِلَةُ الاجْتِماعِ وَالأُلْفَةِ وَتَرْكُ الفُرْقَةِ عَظِيمَةٌ وَرُتْبَتُهُ شَرِيفَةٌ؛ لِذَلِكَ وَصَّى اللهُ تَعالَى بِهِ جَمِيعَ الأَنْبِياءَ وَالمرْسَلِينَ, أَمَرَهُمْ جِمِيِعاً باِلائْتِلافِ واَلاجتْمِاعِ, وَنَهاهُمْ عَنْ الافْتِراقِ وَالاخْتِلافِ, قالَ تعَالَى : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}الشورى:13؛ فالاجْتِماعُ وَلُزُومُ الجَماعَةِ دِينٌ وَشِرْعَةٌ, الاجْتِماعُ وَلُزُومُ الاجْتِماعِ قُرْبَةٌ وَعِبادَةٌ ,رَضِيَها اللهُ تَعالَى لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ, فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرِةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا -وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ وَلا تَفَرَّقُوا - وَأَنْ تَنْتَصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ«مسلم(1715).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, الإِسْلامُ أُلْفَةٌ؛ إِنَّ الدِّينَ اجْتِماعُ كَلِمَةٍ, قالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ : "أَمَّا وَاللهِ الَّذي لا إِلَهَ غَيْرُ هُ إِنَّ الأُلْفَةَ لَرَحْمَةٌ وَإِنَّ الفُرْقَةَ لَعَذابٌ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَيُّ في تَفْسِيرِهِ(7/77), فَلُزومُ الجَماعَةِ مِمَّا تَصْلُحُ بِهِ القُلُوبُ , وَتَسْلَمُ بِهِ مِنَ الضَّغائِنِ وَالأَحْقادِ, جاءَ في السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : «ثَلاثُ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ»أَيْ: لا يُصِيبُهُ غِلٌّ وَيَسْلَمُ مِنَ الحِقْدِ وَالضَّغائِنِ: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»ابْنُ ماجَةَ(230) وَهُوَ: صَحِيحٌ بِطَرُقِهِ.
فَهَذِهِ الخِصالُ الثَّلاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَواعِدَهُ؛ وَتَجْمَعُ الحُقُوقَ الَّتي للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَالحُقُوقُ الَّتي لِلخَلْقِ؛ فَهِيَ تَنْتَظِمُ مَصالحَ الدِّينِ وَالدُّنْيا؛ المعاشُ وَالمعادُ, فالاجْتِماعُ وَالأُلْفَةُ وَلُزُومُ الجَماعَةِ, يَحْمِي بِهِ اللهُ تَعالَى الإِنْسانَ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطانِ؛ فَإِنَّ الذِّئْبَ يَأْكُلُ مِنَ الغَنَمِ القاصِيَةِ, وَلِذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الجَماعَةِ لمْ يَنَلْ بَرَكَةً وَلا خَيْرًا؛ بَلْ كانَ كالغَنَمِ القاصِيَةِ الَّتي تَتَسَلَّطُ عَلَيْها الذِّئابُ.
عِبادَ اللهِ, إِنَّ الشَّرِيعَةَ أَمَرَتْ بِكُلِّ ما يُحِقِّقُ الأُلْفَةَ وَيَنْتَظِمُ بِهِ الاجْتِماعُ, وَنَهَتْ عَنْ كُلِّ ما يُفْضِي إِلَى الاخْتِلافِ وَالفُرْقَةِ؛ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ بَيْنَ المؤْمِنَينَ , قالَ اللهُ تَعالَى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}الحجرات:10, وَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « وَكُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا »البُخارِيُّ(6064), وَمُسْلِمٌ(2563), وَأَكَّدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بَلْ أَكَّدَتِ الشَّرِيعَةُ في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ حَقُّ المسْلِمِ عَلَى المسْلِمِ وَبَيَّنَتْ ذَلِكَ وَفَصَّلَتْهُ وَصانَتْ حُرْمَةَ المسْلِمِ في نِفْسِهِ, وَمالِهِ, وَدَمِهِ, وَعِرْضِهِ, «كُلُّ المسْلِمِ عَلَى المسْلِمِ حَرامٌ دَمُهُ ومالُهُ وَعِرْضُهُ »مُسْلِمٌ(2564), وَحَرَّمَ التَّعَدِّي عَلَيْهِ بِالأَذَى القَوْلِيِّ, وَالعَمَلِيِّ, وَالقَلْبِيِّ, بَلْ جَعَلَ مِعْيارَ السَّلامَةِ كَفَّ الأَذَى عنِ المسْلِمِينَ , «فالمسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ«البُخارِيُّ(10), وَمُسْلِمٌ(41).
كُلُّ ذَلِكَ صِيانَةٌ لِحُقوقِ الأَفْرادِ, وَصِيانَةٌ لِحُقوقِ الجَماعَةِ, وَتَحْقِيقًا لِمَعانِي الأُلْفَةِ, وَتَحْصِيلًا لأَسْبابِ الاجْتِماعِ, وَلِأَجْلِ إِقامَةِ الشَّرائِعَ, وَتَحْقِيقِ اجْتِماعِ الكَلِمَةِ, وَائْتِلافِ القُلُوبِ, وَتَحِصِيلِ صَلاحِ المعاشِ وَالمعادِ, أَوْجَبَتِ الشَّرِيعَةُ المطَهَّرَةُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِوُلاةِ الأَمْرِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ, فَقالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59],وَجاءَ ذَلِكَ في أَحادِيثَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْها ما رَواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ تَعالَى قالَ : «بايَعْنا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَىَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؛ في العُسْرِ وَاليُسْرِ, وَفِي المنْشَطِ وَالمَكْرَهِ , وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنا, وَعَلَى أَلَّا نُنازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ, وَعَلَى أَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا, لا نَخافُ في اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ»البُخارِيُّ(7199), وَمُسْلِمٌ(1709), وَفي الصَّحَيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : «عَلَى المَرْءِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيما أَحَبَّ وَكَرِهَ, إِلَّا أَنْ يُؤْمَرُ بِمَعْصِيَةٍ, فَإِنَّ أَمْر بمعصية فلا سمع ولا طاعة«البخاري(7144), ومسلم(1839).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِمَّا تُهْدَمُ بِهِ الشَّرِيعَةُ؛ وَتُمْتَهَنُ بِهِ الدِّيانَةُ, وَتفْسُدُ بِهِ مَصالِحُ العِبادِ في المعاشِ وَالمعادِ, الخُروجُ مِنَ الطَّاعَةِ وَمُفارَقَةُ الجَماعَةِ, فَلِذلِكَ بَرَّءَ اللهُ تَعالَى رَسُولَهُ مِنْ هَذا المسْلَكِ وَمِنْ أَهْلِهِ قالَ تَعالَى في كِتابِهِ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ }الأنعام:59, وَتَبَرَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فاعِلِ ذَلِكَ؛كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»مسلم(1848). قالَ شَيْخُ الِإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ : "وَنَتِيجَةُ الجَماعَةِ رَحِمَةُ اللهِ وَرِضْوانُهُ, وَصَلَواتُهُ, وَسَعادَةُ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ, وَبَياضُ الوُجُوهِ, وَنتِيجَةُ الفُرْقَةِ عَذابُ اللهِ, وَلَعْنَتُهُ , وَسَوادُ الوُجُوهِ, وَبَراءَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ" مجموع الفتاوى(1/17). أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ ,فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
***
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ, المَلِكُ الحَقُّ المبينُ, لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ, أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالبَيِّناتِ, وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ, وَأَنْزَلَ الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ.
أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ, لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ, هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ هُوَ رَبُّ العالمينَ وَأَحْكُمُ الحاكِمينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى البَشِيرِ النَّذِيرِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ, وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالجَماعَةِ؛ فَإِنَّها حَبْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذي أَمَرَ اللهُ بِهِ في قَوْلِهِ : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}آل عمران:103, وَما تَكْرَهُونَ في الجَماعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ في الفُرْقِةِ, وَاحْذَرُوا أَسْبابَ الفُرْقَةِ وَالخِلافَ؛ فَأَنْتُمْ أَيُّها المؤْمِنُونَ في نِعَمٍ مُتَوافِرَةٍ, تَسْتَوْجِبُ شُكْرًا للهِ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ, فَهَذا الأَمْنُ ـ يَرْعاكُمُ اللهُ ـ الَّذِي تَنْعَمُونَ فِيهِ , وَالرَّخاءُ الَّذِي تَعِيشُونَهُ, وَالخَيْراتُ الَّتي تَتَقَلَّبُونَ فِيها؛ ثَمَرَةُ ما حَباكُمُ اللهُ تَعالَى بِهِ في هَذِهِ البِلادِ, مِنْ تَطْبِيقِ الشَّرِيعَةِ, وَإِقامَةِ الحُدُودِ, وَالاجْتِماعِ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ, كَما أَمَرَ اللهُ وَرَسُولُهُ, وَإِنَّ مِفْتاحَ ذَهابِ ذَلِكَ إِنَّ مِفْتاحَ ذَهابِ تِلْكَ النِّعَمِ كُلِّها تُفَرِّقُكُمْ وَتُنازِعُكُمْ كَما قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا :{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{الأنفال:46.
فاحْذَرُوا أَيُّها النَّاسُ, احْذَرُوا مِمَّنْ يَسْعَى إِلَى تَفْرِيقِ جَماعَتِكُمْ, وَتَشْتَيتِ جَمْعِكُمْ, وَتَدْمِيرِ مُكْتَسباتِكُمْ, مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كانَ, وَتَحْتَ أَيِّ شِعارٍ كانَ, فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُ المنافِقينَ مُنْذُ زَمَنِ سَيِّدِ المرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قالَ تَعالَى :{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}التوبة:107. بَنَى المنافِقُونَ مَسْجِدًا في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِذَلِكَ يُرِيدُونَ طاعَةَ اللهِ وَرَسُولِهِ, فَبَيِّنَ اللهُ تَعالَى بِأَنَّهُ مَسْجِدُ ضِرارٍ؛ لا يُقْصَدُ بِهِ الطَّاعَةُ, إِنَّما يُقْصَدُ بِهِ الفَسادُ, فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الشِّعاراتُ, وَلا يَغَرَّنَّكُمُ المناظِرُ وَالأَشْكالُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لا يُغْني عَنِ الحقائِقِ وَالمعانِي, وَاذْكُروا حالَ أُولِئِكَ الَّذين حَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُمْ, وَقالَ فِيهِ رَبُّ العالمينَ :{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ{ التوبة:108.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِمَّا يَكْشِفُ عَظِيمَ جُرْمِ مَنْ سَعَى إِلَى تَفْرِيقِ جَمْعِ المؤْمِنينَ, أَنَّ الشَّارِعَ الحكِيمَ أَباحَ دَمَ المفْسِدِ المفَرِّقِ لِلجَماعَةِ المفارِقِ لِلأُمَّةِ, فَجَعَلَ جُرْمَ التَّفْرِيقِ وَالمفارَقِةِ مُبيحا لِلدَّمِ؛كَما في الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : »لا يِحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي -وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ- وَالتَّارُكُ لِدِينِهِ المفارِقُ لِلجَماعَةِ »البُخارِيُّ(6878), وَمُسْلِمٌ(1676), بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَعَ القَتْلَ عُقُوبَةً لِمَنْ يَرُومُ إِحْداثَ تِلْكَ الفِتْنَةِ في الأُمَّةِ, أَنْ يُحْدِثَ في الأُمَّةِ فُرْقَةً وَأَنْ يَشُقَّ عَصا الطَّاعَةِ, وَأَنْ يَخْرُجَ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ الَّذينَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمُ القُلُوبُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِمُ الأُمَّةُ.
جاءَ في الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :«إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»مسلم(1852).
عِبادَ اللهِ, إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنِ الظُّلِمْ وَالعُدْوانِ هِدايَةُ القُرْآنِ, وَيَلِيهِمْ في الخَيْرِيَّةِ وَالمنْزِلَةِ وَالرُّتْبَةِ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَدْلُ السُّلْطانِ الَّذي يُقِيمُهُ بِما يُشَرِّعُهُ مِنْ أَسْبابِ حِفْظِ الأَمْنِ, وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ لا عِلاجَ لَهُ إِلَّا السَّيْفُ وَالسِّنانُ وَهُوَ المرادُ في قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلا :{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}الحديدُ:25. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُقَوِّمُ مَسارَهُ وُيُصْلِحُ اعْوِجاجَهُ مَواعِظُ القُرْآنِ وَهِداياتُهُ, وِيُقَوِّمُ خَطَأَهُ سُنَّةُ خَيْرِ الأَنامِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَإِذا ذُكِّرَ ادَّكَرَ وَإِذا وُعِظَ عَنِ الشَّرِّ انْزَجَرَ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْدَعُهُمْ عَدْلُ السُّلْطانِ وَهَيْبِتُهُ أَخْذُهُ, فَتَجِدُهُ وَاقِفًا عَنِ الشَّرِّ وَالفَسادِ يَخْشَى العُقُوبَةَ وَسَطْوَةَ السُّلْطانِ وَهَيْبَةَ الحُكِّامِ, فَاللهُ تَعالَى يَزَعُ بِالسُّلْطانِ مَنْ لا يَزَعُ بِالقُرْآنِ, وَمِنْهُمْ مَنْ لا طِبَّ فِيهِ إِلَّا حَدُّ السَّيْفِ وَالسِّنانِ ,حَينَها إِذا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ الأَسِنَّةُ مَرْكَباً فَما حِيلَةُ المضُّطَرِّ إِلَّا رُكُوبُها, فَتَلْكَ نُفُوسُ اسْتَعْصَتْ عَلَى التَّقْوِيمِ, وَتَشَرَّبَتْ الضَّلالَ, وَتَمَكَّنَ مِنْها الانْحِرافُ, وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الهَوَى, فَلا يَنْفَعُ مَعها نُصْحٌ, وَلا يُجْدِي في رَدِّها إِلَى الهُدَى جَهْدٌ, فَسَعَتْ في الأَرْضِ فَسادًا, وَعَظُمَ في النَّاسش شْرُّها, وَكَبُرَ عَلَىَ الأُمَّةِ خَطَرُها وَضَرَرُها؛ فَمِثْلُ هَذِهِ النُّفُوسِ إِزْهاقُها عِلاجُها مِثْلُ هَذِهِ النُّفُوسُ قَتْلُها رَحْمَةٌ بِها وَبِالأُمَّةِ, مِثْلُ هَذِهِ النُّفُوسُ اسْتِئْصالُها خَيْرٌ لَها وَلِمَنْ وَراءَها.
إِنَّ عِلاجَ تِلْكَ الانْحِرافاتِ يَكُونُ بِالتَّدَرُّجِ, وَلا عَجَبَ إِذا وَصَلَ الأَمْرُ أَنَّهُ لا عِلاجَ إِلَّا بِالقَتْلِ, وَلا يَنْدَفِعُ الفَسادُ إِلَّا بِالقَتْلِ, فَإِنَّ القَتْلِ عِنْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ , فَقَدْ فَرَضَ اللهُ تَعالَى وَشَرَعَ قَتْلَ مَنْ قَتَلَ نْفَسًا وَاحِدَةً فَقالَ :{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البَقَرَةُ:179, فَكَيْفَ مَنْ يَسْعَى بِتَفْرِيقِ الأُمَّةِ, وَإِشاعَةِ الفَسادِ فِيها, وَنَشْرِ الفَوْضَى, وَحَلِّ عُرَى الجَماعَةِ, وَإِشاعَةِ الفُرْقَةِ, وَعَدَمِ تَأْمِينِ الأَنْفُسِ وَالأَمْوالِ وَالأَعْراضِ, لا شَكَّ أَنَّ القَتْلَ عِلاجٌ لَهُ كَما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ أَتاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جِمْيعٌ يُريِدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ فاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كائِنًا مَنْ كانَ»مُسْلِمٌ(1852).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, قالَ شِيخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ :" وَمَنْ لَمْ يَنْدَفِعْ فَسادُهُ في الأَرْضِ إِلَّا بِالقَتْلِ قَتْلُ, مِثْلُ المفَرِّقِ لِجَماعَةِ المسْلِمينَ, وَالدَّاعِي إِلَى البِدَعِ في الدِّينِ"الحِسْبَةُ لابْنِ تَيْمِيَةَ ص(46).
أيها المؤمنون, إن الأحكام القضائية التي نفذت مطلع الأسبوع المنصرم في حق جَماعَةٌ مِمَّنْ فَجَّرُوا وَأَفْسَدُوا في الأَرْضِ, وَسَعَوْا في التَّفْرِيقِ بَيْنَ المسْلِمينَ, وَالاعْتِداءِ عَلَى الآمِنِينَ, وَسَعَوْا في التَّحْرِيضِ عَلَى الفَسادِ, وَالدَّعْوَةِ الصَّرِيحَةِ إِلَى الخُروجِ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ, كانَتْ قَدْ صَدَرَتْ مِنْ جِهاتٍ عَدْلِيَّةٍ تَتَحَرَّى العَدْلَ وَتَحْكُمُ بِالشَّرْعِ وَتَصْدُرُ عَنْ نُصُوصِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى ما مَنَّ بِهِ عَلَيْنا مِنْ تَحْكِيمِ الشَّرِيعَةِ فَتِلْكَ مِنَّةٌ تَسْتَوْجِبُ شُكْرًا.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, اسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِتَنْفِيذِ تِلْكَ الأَحْكامِ, وَفَرِحَ بِها المحِبُّونَ لِهَذِهِ البِلادِ الحِرِيصُونَ عَلَى اجْتِماعِ كَلِمَتِها؛ لما يُؤَمِّلُونَهُ مِنْ بَركاتِ إِقامَةِ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ, وَحِفْظِ بِلادِ الحَرَمَيْنِ, وَكَبْتِ أَعْدائِها, وَقَطْعِ دابِرِ الفَسادِ, وَرَدْعِ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ رُكُوبَ مَسالِكِ الانْحِرافِ وَالزَّيْغِ, وَتَحْصِيلِ مَصالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيا. فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْمدَنا العاقِبَةَ, وَأَنْ يُحْسِنَ لنا الخَواتِيمَ.
وَقَدْ أَقَضَّ تَنْفِيذُ هَذِهِ الأَحْكامِ العَدْلِيَّةِ القَضائِيَّةِ مَضاجِعَ أَعْداءِ هَذِهِ البِلادِ المبْغِضِينَ لأَهْلِها السَّاعِينَ إِلَيْها بُكِلِّ شَرٍّ وَفَسادٍ وَسُوءٍ طَوَّيِةٍ, الشَّانِئِينَ لَها وَلِعَقِيدَتِها وَلمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْها مِنْ تَحْكيمِ الشَّرِيعَةِ وَالخَيْراتِ {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}آل عِمران:118 فَأَظْهَرَ اللهُ مَكْنُوناتِ صُدُورِهِمْ؛ وَكَشَفَ مَسْتُورَ كَيْدِهِمْ وَحِقْدِهِمْ, فَلَمَّا سَمِعُوا تَنْفِيذَ تِلْكَ الأَحْكامِ أَرْعَدُوا –وَأَزْبَدُوا وَهَدَّدُوا وَتَوَعَّدُوا وَأَحْرَقُوا مَبانِي السَّفارَةِ السُّعُودِيَّةِ في طِهْرانَ, لما احْتَرَقَتْ قُلُوبُهُمْ غَيْظًا وَحَنَقًا وَحِقْدًا عَلَى هَذِهِ البِلادِ, عَضُّوا الأَنامِلَ مِنَ الغَيْظِ, وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ رَيْبٌ أَنَّ إِيرانَ وَأَذْنابَها وَأَدْواتِها مِنَ التَّكْفِيرِيينَ عَلَى اخْتِلافِ مَشارِبِهِمْ, عَلَى شَتَّى انْتِمائِهِمْ, يَغِيظُهُمْ أَمْنُ هَذِهِ البِلادِ, يَغِيظُهُمْ عِزُّ بِلادِ الحَرَمَيْنِ, وَاجْتِماعِ أَهْلِها, وَاسْتِقْرارِ أَمْنِها, وَطِيبِ عَيْشِها, وَنَقُولُ لَهُمْ {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران:119فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى ما يَسَّرَ, فَإِنَّ ذَلِكَ فَضَحَ تِلْكَ القُلُوبَ الحاقِدَةَ, وَبَيَّنَ ما فِيها مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ, وَإِنْ كانَ ذَلِكَ بَادِيًا ظاهِرًا مُنْذُ زَمَنٍ, فَإِنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِالأَقْوالِ وَالأَعْمالِ؛ وَتَشْهَدُ لَهُ حَوادِثُ الزَّمانِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَنا وَوُلاتِنا, وَبِلادِ المسْلِمينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ.
اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ الكائِدينَ في نُحُورِهِمْ.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا .
اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَنا وَأَمْنَنا وَاجْتِماعَنا شَرًّا فاشْغَلْهُ في نَفْسِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِزَّ الدِّينِ وَظُهُورَهُ وَعِزَّ السُّنَّةِ وَأَهْلَها وَذُلَّ البِدْعَةِ وَمَنْ دَعا لَها يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنا إِلَى ما تُحِبُّهُ وَتَرْضَى وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ أَعِنَّا عَلَى طاعِتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.
اللّهَُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ بِالأَقْوالِ وَالأَعْمالِ اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ بِالأَقْوالِ وَالأَعْمالِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا.
اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنودَنا المقاتِلِينَ في الجَنُوبِ, اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ ,اللَّهُمَّ أَظْهِرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ وَسَدِّدْ رِجالَ الأَمْنِ في كُلِّ مَكانٍ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ القُضاةَ إِلَى ما فِيهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ في أَحْكامِهِمْ وَآرائِهِمْ وَأَعْمالِهِمْ.
اللَّهُمَّ وَاجْمَعْنا جَمِيعاً عَلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى, انْشُرْ بَيْنَنا الخَيْرَ وَالحُبَّ وَالوُدَّ وَاكْفِنا شَرَّ كُلَّ ذِي شَرٍّ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ وَأَنْجِ إِخْوانَنا المسْتَضْعَفِينَ في كُلِّ مَكانٍ, اللَّهُمَّ أَنْجِهِمْ في سُورِيَّا, اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ فَرَجًا وَمُعِينًا, اللَّهُمْ كُنْ لَهُمْ فَرَجًا وَمُعِينًا, اللَّهُمَّ أَطْعِمْ جائِعَهُمْ وَاكْسِ عارِيَهُمْ اللَّهُمَّ وَانْصُرْهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا مُؤَزَّرًا.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّفَوِيِّينَ الحاقِدِينَ وَالصَّهايِنَةَ المعْتَدِينَ وَاجْعَلْ ما يُدَبِّرُونَهُ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ في نُحُورِهِمْ يا رَبَّ العالمينِ اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ.
اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَما بارَكْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ, إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.