قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وأما الجهمية من المعتزلة وغيرهم فيمتنع على أصلهم لقاء الله ؛ لأنه يمتنع عندهم رؤية الله في الدنيا والآخرة وخالفوا بذلك ما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما اتفق عليه الصحابة وأئمة الإسلام من أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة واحتجوا بحجج كثيرة عقلية ونقلية قد بينا فسادها مبسوطا وذكرنا دلالة العقل والسمع على جواز الرؤية .
وهذه " المسألة " من الأصول التي كان يشتد نكير السلف والأئمة على من خالف فيها وصنفوا فيها مصنفات مشهورة .
والثاني : أن عندهم لا يتصور الكدح إليه ولا العرض عليه ولا الوقوف عليه ولا أن يحبه العبد ولا أن يجده ولا أن يشار إليه ولا أن يرجع إليه ولا يئوب إليه ؛ إذ هذه الحروف تقتضي أن يكون حال العبد بالنسبة إليه في الآخرة - وبينهما فضل - يقتضي تقرباً إليه ودنوا منه وأن يكون حال العبد بالنسبة إليه مخالف لحاله في الدنيا وهذا كله محال عندهم فإنهم لا يقرون بأن الخالق مباين للمخلوق - كما اتفق السلف والأئمة وصرحوا بأنه مباين للخلق ؛ ليس داخلا في المخلوقات ولا المخلوقات داخلة فيه - بل تارة يجعلونه حالا بذاته في كل مكان ؛ وتارة يجعلون وجوده عين وجود المخلوقات وتارة يصفونه بالأمور السلبية المحضة ؛ مثل كونه غير مباين للعالم ولا حال فيه فهم بين أمرين :
إما أن يصفوه بما يقتضي عدمه وتعطيله فينكرونه وإن كانوا يقرون به فيجمعون - في قولهم - بين الإقرار والإنكار والنفي والإثبات .
وقد يصرح بعضهم بصحة الجمع بين النقيضين ويقول :" إن هذا غاية التحقيق والعرفان".
وإما أن يصفوه بما يقتضي أنه عين المخلوقات أو جزء منها أو صفة لها وذلك أيضا يقتضي قولهم بعدم الخالق وتعطيل الصانع ؛ وإن كانوا مقرين بوجود موجود غيره وإن جعلوه إياه . ثم يجدون في المخلوقات مبايناً في ربوبية المخلوق فيقولون بالجمع بين النقيضين - كما تقدم وقد يقولون بعبادة الأصنام وإن عباد الأصنام على حق وعباد العجل على حق وإنه ما عبد غير الله قط ؛ إذ لا غير عندهم ؛ بل الوجود واحد ويقولون بامتناع الدعوة إليه وأنه يمكن أن يتقرب إليه ويصل إليه وهم يقولون : ما عدم في البداية فيدعى إلى الغاية ؛ بل هو عين المدعو فكيف يدعو إلى نفسه ؟ .
وكلام السلف والأئمة في ذم الجهمية وتكفيرهم كثير جدا .
وهؤلاء ومن وافقهم على بعض أقوالهم التي تنفي حقيقة اللقاء يتأولون " اللقاء " على أن المراد به لقاء جزاء ربهم ويقولون إن الجزاء قد يرى".
" مجموع الفتاوى" ( 6/470).