قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وهؤلاء ومن وافقهم على بعض أقوالهم التي تنفي حقيقة اللقاء يتأولون " اللقاء " على أن المراد به لقاء جزاء ربهم ويقولون إن الجزاء قد يرى كما في قوله : {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } {قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين } {فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون} فإن ضمير المفعول في رأوه عائد إلى الوعد والمراد به الموعود أي فلما رأوا ما وعدوا سيئت وجوه الذين كفروا .
ومن قال إن الضمير عائد هنا إلى الله فقوله ضعيف وفساد قول الذين يجعلون المراد " لقاء الجزاء " دون لقاء الله معلوم بالاضطرار بعد تدبر الكتاب والسنة يظهر فساده من وجوه :
أحدها : أنه خلاف التفاسير المأثورة عن الصحابة والتابعين .
الثاني : أن حذف المضاف إليه يقارنه قرائن فلابد أن يكون مع الكلام قرينة تبين ذلك كما قيل في قوله : {واسأل القرية التي كنا فيها}.
ولو قال قائل : رأيت زيدا أو لقيته مطلقا وأراد بذلك لقاء أبيه أو غلامه لم يجز ذلك في لغة العرب بلا نزاع ولقاء الله قد ذكر في كتاب الله وسنة رسوله في مواضع كثيرة مطلقا غير مقترن بما يدل على أنه أريد بلقاء الله لقاء بعض مخلوقاته من جزاء أو غيره .
الثالث : أن اللفظ إذا تكرر ذكره في الكتاب ودار مرة بعد مرة على وجه واحد وكان المراد به غير مفهومه ومقتضاه عند الإطلاق ولم يبين ذلك كان تدليسا وتلبيسا يجب أن يصان كلام الله عنه الذي أخبر أنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وأنه بيان للناس وأخبر أن الرسول قد بلغه البلاغ المبين وأنه بين للناس ما نزل إليهم وأخبر أن عليه بيانه ولا يجوز أن يقال : ما في العقل دلالة على امتناع إرادة هذا المعنى هو القرينة التي دل المخاطبين على الفهم بها ؛ لوجهين . أحدهما : أن يقال : ليس في العقل ما ينافي ذلك ؛ بل الضرورة العقلية والبراهين العقلية توافق ما دل عليه القرآن كما قال : {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق } وما يذكر من الحجج العقلية المخالفة لمدلول القرآن فهو شبهات فاسدة عند من له خبرة جيدة بالمعقولات دون من يقلد فيها بغير نظر تام . الثاني : أنه لو فرض أن هناك دليلا عقليا ينافي مدلول القرآن لكان خفيا دقيقا ذا مقدمات طويلة مشكلة متنازع فيها ليس فيها مقدمة متفق عليها بين العقلاء ؛ إذ ما يذكر من الأدلة العقلية المخالفة لمدلول القرآن هي شبهات فاسدة كلها ليست من هذا الباب .
" مجموع الفتاوى" ( 6/471- 472).