قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" قال أبو بكر الكلاباذي : وقالت طائفة من الصوفية : كلام الله حرف وصوت وأنه لا يعرف كلام إلا كذلك مع إقرارهم أنه صفة لله في ذاته وأنه غير مخلوق قال : وهذا قول الحارث المحاسبي ومن المتأخرين ابن سالم . وبقي هذا الأصل يدور بين الناس حتى وقع بين " أبي بكر بن خزيمة " الملقب بإمام الأئمة وبعض أصحابه بسبب ذلك ؛ فإنه بلغه أنهم وافقوا " ابن كلاب " فنهاهم وعابهم وطعن على " مذهب ابن كلاب " بما كان مشهورا عند أئمة الحديث والسنة .
ومن ذلك الزمان تنازع المنتسبون إلى السنة : من أن الله يتكلم بصوت ؛ أو لا يتكلم بصوت ؟ فإن أتباع ابن كلاب نفوا ذلك ؛ قالوا : لأن المتكلم بصوت يستلزم قيام فعل بالمتكلم متعلق بإرادته ؛ والله - عندهم - لا يجوز أن يقوم به أمر يتعلق بمشيئته وقدرته : لا فعل ولا غير فعل فقالوا : إن الله لا يتكلم بصوت ؛ وإنما كلامه معنى واحد هو الأمر والنهي والخبر . إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً . فقال جمهور العقلاء من أهل السنة وغير أهل السنة " هذا القول " معلوم الفساد بضرورة العقل ؛ كما هو مخالف للكتاب والسنة ؛ فإنا نعلم أن التوراة إذا عربت لم تكن هي القرآن بل معانيها ليست هي معاني القرآن ونعلم أن القرآن إذا ترجم بالعبرية لم يصر هو التوراة المنزلة على موسى ؛ ونعلم أن معنى آية الدين ليس هو معنى آية الكرسي ولا معنى {تبت يدا أبي لهب } هو معنى {قل هو الله أحد}.
قالوا : ومن جعل الأمر والنهي صفات للكلام ؛ لا أنواع له فقوله معلوم الفساد بالضرورة ؛ وهذا من جنس قول القائلين بوحدة الوجود".
" مجموع الفتاوى" ( 6/522- 523 ).