الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، أحمَدُه حَقَّ حَمدِه، لهُ الحمدُ كلُّه، أولُه وآخِرُه ظاهِرُه وباطِنُه، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، إلهُ الأوَّلينَ والأخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمَنُ الرحيمُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورَسولُه، صَفيُّه وخَليلُه خيرَتُه مِنْ خَلقِه، بَعثَه اللهُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ، بينَ يَدَيِ الساعةِ بَشيرًا ونَذيرًا وداعيًا إلَيهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَحَ الأمةَ، حتَّي أتاهُ اليقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَه واتَّبعَ أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أمَّا بَعدُ:
فإنَّ مِنْ أعظَمِ ما يُثبِّتُ المَرءَ عَلَى الهُدَى ودينِ الحَقِّ ويَحفَظُ إيمانَه ويُصلِحُ عَملَه أنْ يَتعلَّمَ شرَعَ اللهِ -عَزَّ وجلَّ- وأنْ يَعرِفَ دينَ اللهِ جَلَّ في عُلاه، فاللهُ تَعالَى بَعثَ مُحمدًا -صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ بالهُدَى ودينِ الحَقِّ، بَعثَهُ داعيًا إلى الصِّراطِ المُستقيمِ، هاديًا إلى الطريقِ القَويمِ، ولا يُمكِنُ أنْ يَسلُكَ الإنسانُ هَذا الصراطَ المستقيمَ ولا أنْ يكونَ عَلَى الطريقِ القويمِ ولا أنْ يفوزَ بالهُدَى ولا أنْ يكونَ مِنْ أولياءِ اللهِ إلَّا بالعِلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ، العِلمُ النافعُ هُوَ الهُدَى، ودينُ الحقِّ: هُوَ العملُ الصالحُ، فلذَلِكَ يَنبَغي للمؤمنِ أنْ يَجتهدَ في مَعرفةِ هَدْيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وسَلَّمَ، وأنْ يَجتهدَ في تَعلُّمِ أحكامِ الدينِ التي يقومُ بها دينُه ويَصلُحُ بِها عَملُه، فإنَّ الإنسانَ إذا جَدَّ في ذَلِكَ عرَفَ مِنْ دينِ اللهِ ما يَصلُحُ بِهِ قَلبُه وعَرَفَ مِنْ دينِ اللهِ ما يَستقيمُ بِهِ عَملُه فإنَّ صلاحَ القلبِ يُثمِرُ صلاحَ العملِ كما جاءَ في الصحيحِ مِنْ حَديثِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ- أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قالَ «ألَا وإنَّ في الجَسدِ مُضغةً إذا صَلحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه وإذا فَسَدتْ فَسَدَ الجسدُ كلُّه ألَا وهِيَ القَلبُ»صحيحُ البُخاريِّ (52)، ومُسلمٍ (1599)
فالجَديرُ بالمُؤمنِ الذي يَسعَى، ليجِدَّ في إنقاذِ نَفسِه ويعمَلَ عَلَى هدايةِ قَلبِه ويَجتهِدَ في تحقيقِ أسبابِ السعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ، أنْ يَجتهِدَ في تَعلُّمِ العُلومِ الشرعيةِ ويَبدأُ مِنْها بما يُقيمُ دينَه؛ لأنَّ الإنسانَ لو قالَ :العِلمُ الشرعيُّ شيءٌ كَثيرٌ فبِماذا أبدَأُ؟
تَبدأُ بما يُصلِحُ دينَكَ بما يُحقِّقُ العُبوديةَ لِلَّهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ في الاعتقادِ وفي العَملِ، ثُمَّ إذا تَحقَّقَ لكَ ذَلِكَ بأنْ عَرَفْتَ اللهَ وعَرَفتَ أصولَ الإيمانِ وعَرفْتَ ما يَجِبُ عَلَيكَ مِنْ أركانِ الإسلامِ وعَرَفتَ ما تحتاجُ إلى مَعرفتِه مِنَ العباداتِ والشرائِعِ والفرائضِ فأبشِرْ فإنَّ اللهَ ـ تعالَى ـ سَيشرحُ لكَ صَدرَك إلى العملِ بذَلِكَ فإنَّ العملَ ثَمرةُ العِلمِ، إذا كانَ العِلمُ يُقصَدُ بِهِ وَجْهُ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فإنَّ العِلمَ يُنتِجُ العملَ الصالحَ، لا يُمكِنُ أنْ يكونَ العملُ صالحًا إلَّا بالعِلمِ النافِعِ ولهَذا كانَ اللهُ قَدْ بَعثَ رَسولَه بهذَيْنِ الأمرَيْنِ كما قالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ ﴾سورَةُ الفتْحِ – آية 28 الهُدَى: هُوَ العِلمُ النافعُ، ودينُ الحَقِّ هُوَ العملُ الصالحُ، فكِلاهُما جاءَ بِهِ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ والأوَّلُ يُنتِجُ الثاني إذا صَلَحتِ النِّيةُ، فمَنْ صَلحَتْ نِيَّتُه في تَعلُّمِ العلومِ الشرعيةِ، في سَماعِ كلامِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في فَهمِ مَعاني كلامِه ـ جَلَّ في عُلاه ـ كانَ ذَلِكَ مِفتاحًا يَفتَحُ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ الأنوارَ عَلَى قَلبِه فيُشرِقُ قَلبُه بَعدَ الظُلْمةِ ويَصلُحُ، وإذا صَلحَ القَلبُ صَلحَ العملُ كما قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ في حديثِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ؛ فالقلبُ مَلِكُ الجَوارحِ إذا صَلَحَ قَلبُك صَلحَ عَملُك وإذا صَلحَ العَملُ مَعَ فسادِ القلبِ سُرعانَ ما يَموتُ هَذا العملُ ويَتلاشَى ولا يَكونُ لَهُ أثَرٌ كالشجَرةِ التي يُقطَعُ عَنْها الماءُ تَبقَى خَضراءَ وَقْتًا مِنَ الزمَنِ ثُمَّ سُرعانَ ما تموتُ أغصانُها وتَجِفُّ أوراقُها وتَتساقَطُ وتَجرُفُها الرياحُ في أسهلِ وأسرَعِ ما يكونُ؛ هَكذا القلبُ إذا كانَ غائبًا عَنِ الصلاةِ مَعَ ارتِسامِ الصلاحِ في الظاهِرِ، لا بُدَّ مِنْ تَحقيقِ الأمرَيْنِ:
- إصلاحُ القلْبِ بالإيمانِ والتقْوَى.
- وإصلاحُ العملِ بالعلمِ النافِعِ الذي يُثمِرُ التِزامًا بشَرعِ اللهِ وقيامًا بحَقِّه جَلَّ في عُلاه.
هَذا هُوَ مَشروعُ كُلِّ مُؤمنٍ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا، فالمَشروعُ الأكبَرُ ليسَ بِناءَ دارٍ ولا تحسينَ وَظيفةٍ ولا تَرَقِّي إلى مَرتَبةٍ، كُلُّ هذهِ مَكاسبُ لكِنَّها ليسَتْ غاياتٍ، فسُرعانَ ما يَزولُ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ الإنسانِ ولا يَرحَلُ إلَّا بالعملِ الصالحِ، مَنصبُكَ، مالُك، جاهُك ما كَسبْتَه مِنْ مَكاسِبَ عَلَوْتَ بها عَلَى الناسِ في الدُّنيا ما أسرَعَ ما تَرحَلُ عَنْها!، وتَذهبُ وتَترُكُها ورائَكَ، الذي يُصاحِبُكَ ويُرافِقُك ولا يَزالُ مَعَك هُوَ ما كانَ مِنْ صالِحِ العَملِ الذي اجتَهدتَ بِهِ وسَعَيْتَ في تَنميتِه وزيادَتِه، جاءَ في كتابِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ قَولُه ـ سُبحانَه ـ: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴾سورةُ الإسراءِ آية 13 كُلُّ إنسانٍ ذَكرٍ أو أُنثَى، عَربيٍّ أو أعجَميٍّ ، مَهْما كانَتْ حالُه ومَهْما كانَ شَأنُه يومَ القيامةِ يُلزِمُه اللهُ ـ تَعالَى ـ عَملَه فقَولُه: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ الطائِرُ: هُوَ العَملُ في عُنقِه في أضعَفِ ما يكونُ لأنَّهُ إمَّا أنْ يَجُرَّكَ إلى النارِ وإمَّا أنْ يَقودَك إلى الجنَّةِ، هذهِ الثمَرةُ وهَذا العمَلُ ليسَ شَيئًا طائرًا غائبًا بَلْ هُوَ مُقيَّدٌ، والدليلُ: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ﴾ ولا عَناءَ في تَفتيشِ هَذا الكتابِ ومَعرفةِ ما فيهِ فَهُو مَنشورٌ والشيءُ المَنشورُ خَفيٌّ أو واضحٌ؟ واضحٌ بَيِّنٌ، لا خفاءَ فيهِ، فلذَلِكَ يَنبَغي أنْ تُدوِّنَ في كِتابِك ما تُسَرُّ بلُقياهُ يومَ العَرضِ عَلَى اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ هَذا هُوَ المَشروعُ الحَقيقيُّ، هَذا هُوَ الفَوزُ، كُلُّ ما كَسبْتَه مِنْ مَكاسبِ الدُّنيا، مالٍ، ولَدٍ، جاهٍ، مَنصبٍ، نَسبٍ حَسبٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَذهَبُ ويَزولُ لا يَبقَي مِنهُ شَيءٌ، إنَّما الذي يَبقَي هُوَ صالِحُ العَملِ، جاءَ في الصحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ ابنِ مالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ ـ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «إذا ماتَ ابنُ آدمَ اتَّبَعَهُ ثلاثَةٌ أهلُه ومالُه وعَمَلُه»صحيحُ البُخاريِّ (6514)، ومُسلمٍ (2960) ثلاثَةُ أشياءَ هِيَ التي تَخرُجُ مَعَ الناسِ عِندَما يُصَلَّى عَلَيهِم ويُذهَبُ بِهِم إلى المَقابِرِ، الأهلُ وهُم مِنْ يُشيِّعُ، مالُكَ وهُم كُلُّ مَنْ جاءَ لِما نَفعْتَه ولِما كانَ لكَ عَلَيهِ مِنْ يَدٍ، الثالِثُ عَملُكَ فيَرجِعُ اثنانِ ويَبقَى واحِدٌ، لا يَبقَي إلَّا الذي ينفَعُ أو يضُرُّ، يَرجِعُ الأهلُ والمالُ سُرعانَ ما يَتفرَّقُ الناسُ عَنكَ، وتُصبِحُ خَبَرًا بَعدَ عَينٍ، سُرعانَ ما يكونُ هَذا لكُلِّ واحدٍ مِنَّا نحنُ لا نَتكلَّمُ عَنْ أُناسٍ مَجاهيلَ نَحنُ نَتكلَّمُ عَنْ مَصيرٍ نَشهَدُه وشاهَدْناهُ في أبائِنا وأهْلِينا ومَنْ نُحِبُّ وغَدًا سيكونُ الدورُ عَلَينا، يَتْبَعُكَ ثَلاثةٌ يَرجِعُ اثنانِ ويَبقَى واحِدٌ، فأحرِصْ واجتَهِدْ أنَّ الذي يَبقَى مَعَك يسُرُّكَ بَقاؤُه إنَّهُ عَملُكَ الصالِحُ، هُوَ الذي يَبقَى مَعَك ، فلذَلِكَ لنَحرِصْ عَلَى تَعلُّمِ العلمِ الشرْعيِّ لا يُمكِنُ أنْ يُوفَّقَ الإنسانُ للعَملِ الصالِحِ بلا عِلمٍ لأنَّ النَّصارَى كانوا يَعمَلونَ بلا عِلمٍ فسَماهُمُ اللهُ في كِتابِه ﴿الضَّالِّينَ﴾كما أنَّ العِلمَ بلا عَملٍ لا يَنفَعُ صاحِبَه، فاليهودُ عِندَهم عِلمٌ ومَعرِفةٌ لكِنَّهُم لم يَعمَلوا بِهِ فكانُوا مَغضوبًا عَلَيهِم فنحنُ في كُلِّ صَلاةٍ نَقولُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾سورةُ الفاتحةِ – آية 6 ، 7 مَنْ هُمُ المُنعَمُ عَلَيهم؟
هُمُ الذينَ جَمَعوا العِلمَ والعَملَ، أولئِكَ مَعَ الذينَ أنعَمَ اللهُ عَلَيهم مِنَ النبيينَ والصِّديقينَ والشُّهَداءِ والصالِحينَ وحَسُنَ أولئِكَ رَفيقًا، فاحرِصْ أنْ تكونَ واحِدًا مِنْ هَؤلاءِ وفي مَعيَّتِهم حَتَّي تكونَ مِنَ الفائِزينَ، قالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ سورة الفاتحةِ – آية 7 جَنِّبْنا طَريقَ المَغضوبِ عَلَيهم، مَنْ هُمُ المَغضوبُ عَلَيهم؟ هُمُ الذينَ عَلِموا ولم يَعمَلوا.
﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾، مَنْ هُمُ الضَّالونَ؟ الذينَ عَمِلوا بلا عِلمٍ ، فاحرِصْ عَلَى العِلمِ والعَملِ وأخلِصْ في ذَلِكَ لِلَّهِ وأبشِرْ فإنَّ اللهَ يُعطي عَلَى القليلِ الكثيرَ، مِنْ فَضلِه ومِنَّتِه ورَحمَتِه،
وواسِعُ إحسانِه أنَّهُ يُعطِي الطائعَ الجنَّةَ التي فيها ما لا عَينٌ رَأَتْ ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطرَ عَلَى قَلبِ بَشرٍ، لا تَقِفُ عِندَ شَيءٍ مِنَ النعيمِ الذي ذُكِرَ فما ذَكرَهُ إنَّما هُوَ صُوَرٌ لبَعضِ النعيمِ الذي يكونُ لأهلِ الجَنَّةِ، وأعظَمُ مِنْ هَذا وأكبَرُ مما لا عَينٌ رَأَتْ ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطرَ عَلَى قَلبِ بَشرٍ، وأعظَمُ مِنْ ذَلِكَ وأجَلُّ وأكبَرُ هُوَ النظَرُ إلى وَجْهِ اللهِ الكَريمِ، نَسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العَرشِ الكريمِ أنْ يَرزُقَنا لذَّةَ النظَرِ إلى وَجْهِه الكريمِ ، اللهُمَّ مُنَّ عَلَينا بالنظَرِ إلى وَجْهِك في غَيرِ ضَراءَ مُضرَّةٍ ولا فِتنةٍ مُضلَّةٍ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ﴾ سُورةُ القيامةِ – آية 22 هَؤلاءِ هُمُ الفائِزونَ، هَذا أعلَى ما يَكونُ مِنَ النعيمِ ولذَلِكَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- لَمَّا ذَكرَ ما يُعطيهِ المُتقينَ قالَ: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ﴾سورَةُ التوبةِ – 72 أكبَرُ مِنْ كُلِّ نَعيمٍ يُدرِكُه أهْلُ الجَنَّةِ، مَأكْلٍ مَشرَبٍ مَنكَحٍ مَلبَسٍ مَرأةٍ مَذاقٍ، كُلِّ ذَلِكَ لا شَيءَ أمامَ أنْ يُحِلَّ اللهُ عَلَيكَ رِضوانَهُ فإذا أحَلَّ اللهُ عَلَيكَ رِضوانَه بَلغْتَ الذُّروةَ في السعادةِ وبَلَّغَك ما لا يَرِدُ لكَ عَلَى بالٍ مِنَ الانشِراحِ والطمأنينةِ، هَذا مِنْ أقوَى ما يُحرِّكُك عَلَى العَملِ ويَجعلُك تُسابِقُ إلى جَنَّةٍ عَرضُها السماواتُ والأرْضُ واللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أمَرَنا بالمُسارَعةِ والمُسابَقةِ إلى هَذا قَبلَ فَواتِ الأوانِ فلا يُسارَعُ إلى شَيءٍ يُمكِنُ أنْ يُدرَكَ بالهُوينَى ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ سُورةُ آلِ عِمرانَ – آية 133 لذَلِكَ يا إخواني أوصيكُم ونَفسِي بالاجتِهادِ وبَذْلِ الوَصْلِ والصِّدْقِ مَعَ اللهِ وتَعاهُدِ القَلبِ بالإخلاصِ والرغبَةِ فيما عِندَ اللهِ والمَحبَّةِ لَهُ ـ جَلَّ في عُلاه ـ وتعظيمِه حَتَّي لو قَصَّرَتِ الأعمالُ حتَّي لو وقَعَ الإنسانُ في خَطَإٍ ليَنظُرْ إلى قَلبِه وليَجتَهِدْ في أنْ يكونَ قَلبُه صالحًا ولا يَعني هَذا أنْ يكونَ الإنسانُ مَعصومًا فكُلُّ ابنِ آدمَ خَطَّاءٌ وخَيرُ الخَطائينَ التوَّابونَ ولكِنَّنا نَطلُبُ مِنَ اللهِ أنْ يُعينَنا عَلَى أنفُسِنا، وأنْ يُيَسِّرَ لَنا الهُدَى أنْ يَسلُكَ لَنا سبيلَ الرُّشدِ لنُلِحَّ عَلَى اللهِ في هذهِ الدَّعَواتِ ولنَبشِرْ فإنَّ اللهَ قَريبٌ مُجيبٌ إذا عَلِمَ مِنكَ الصدقَ في الرغبَةِ فإنَّهُ لن يُخيِّبَك ما تَرَك أحَدٌ بابَ رَبِّه وعادَ خائِبًا لكِنَّ الكلامَ في الصدقِ، الكلامَ في الرغبَةِ الجازِمةِ وليسَ في التجريبِ والشكِّ والرغبَةِ الضعيفَةِ، الرغبَةُ الجازِمَةُ هِيَ التي تُدرَكُ بها المَطالِبُ ولذَلِكَ كانَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ يَقولُ: «إذا سَألْتُمُ اللهَ فليُعظِمْ أحدُكمُ الرغبَةَ» صحيحُ مُسلمٍ (2679) يَعني كَبِّرْ ما تَسألُ عَظِّمْ ما تَسألُ، لا تسأَلْ شَيئًا يَسيرًا فإنَّ اللهَ لا مُكرِهَ لَهُ، ومِنْ فَضلِه الجنَّةُ أعلَى ما يكونُ مِنَ المَقامِ إذا كانَ يُعطي الجَنَّةَ ألَّا يُعطيَ ما يُوصِلُ إلَيها ؟ بَلَى، ولكِنْ لنِصدُقْ مَعَ اللهِ ومَنْ صَدقَ اللهَ صَدقَهُ اللهُ، والجزاءُ مِنْ جِنسِ العَملِ، أعانَنا اللهُ وإياكُم عَلَى طاعَتِه، وسَلَك بِنا سَبيلَ الرَّشادِ، أعانَنا اللهُ عَلَى الهُدَى، ووفَّقَنا إلى ما يُحِبُّ ويَرضَى مِنَ العَملِ ظاهِرًا وباطِنًا، احفَظْنا في أنفُسِنا وأهلِينا وإخوانِنا وبلادِنا وسائرِ بِلادِ المُسلمينَ، وَفِّقْنا وولاتَنا وبلادَنا إلى ما فيهِ خَيرُ العِبادِ والبلادِ إنَّكَ وَليُّ ذَلِكَ والقادِرُ عَلَيهِ.