المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة" والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، حياكم الله في هذه الحلقة والتي خصصناها للحديث عن وحدة الأمة، وترابطها، ودورها في مواجهة الأعداء.
حديثنا سيكون حول هذا الموضوع مستمعينا الكرام، وأيضًا نرحب بضيفنا وضيفكم الدائم في هذا البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، وأهلاً وسهلاً بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: شيخ خالد حيَّاكم الله في هذا البرنامج، وفي هذه الحلقة التي نتحدث فيها عن وحدة الأمة وترابطها، ما أجدرَ أن نتحدث عن هذا الموضوع المهم خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمصلحة الأمة العليا، ونتذكر في هذا الجانب كيف حثَّ الإسلام على أهمية وحدة الأمة وترابطها، وكذلك أيضًا حفاظ هذا الدين الإسلامي الحنيف على هذه الوحدة، وأيضًا في ذات الوقت منع كل ما يثير الإشكالات، وكذلك منع كل ما يمكن أن يؤثر على هذه الوحدة التي أرادها الله -سبحانه وتعالى- لهذه الأمة، وحثَّ الأمةَ عليها.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أخي عبد الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات في كل مكان.
فيما يتعلق بموضوع وحدة المسلمين لا شك أن الشريعة المباركة التي جاء بها سيد ولد آدم -صلوات الله وسلامه عليه- شريعةٌ تجمع، شريعة تُؤلِّف، شريعة تحرص على أن يكون الناس على نحوٍ من التوافق والاجتماع يحقق مصالحهم، ويقيهم شرَّ الفرقة والاختلاف والدعاوى والتشرذم والتحزُّب.
ولهذا كانت نصوص الشريعة واضحة جليَّة في الأمر بالاجتماع وليس الاجتماع فقط بمن تعيش معه في بلدك، أو في مكانك، بل الاجتماع يتجاوز حدود الزمان والمكان ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:92]، هذه الأمة ممتدةٌ تضرب بأصولها في جذور التاريخ، فهي أمة واحدة من لدن آدم -عليه السلام- أبي البشرية، ثم أول رسول بعثه الله إلى أهله نوح، وهلم جرًّا إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا الاجتماع العظيم لهذا الموكب الكريم الذي نسأل الله تعالى في كل صلاة أن يلزمنا إياه، وأن يسلك بنا سبل ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾[الفاتحة:6-7] ، والمنعَم عليهم هم هذا الرهط المبارك المجتمِع على كتاب الله، على هدي الرسل، ثم على ما جاء به خاتمُهم وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه الذي أمرنا بالائتلاف والاجتماع.
لذلك لا يمكن أن تأتي الشريعة بالتفريق، لا يمكن أن يأتي شرع بالتشرذم، والتشظِّي والتحزب والتفرق، بل كل الشرائع تدعو إلى الاجتماع، فالاجتماع أصل في عقيدتنا فجمعنا الله تعالى مع الأمم السابقة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾[الأنبياء:92]، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾[آل عمران:19]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾[آل عمران:85]، جمعنا الله تعالى في عباداتنا، فأصول العبادات هي عبادات في أصلها جماعية فالصلاة تقام في الجماعات، والجماعات مشروعة للأمة كلها صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، وإن كان المطالَب بها على وجه الوجوب فئة من الأمة.
الزكاة واجب اجتماعي ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ﴾[التوبة:60] إلى آخر الآية، الصوم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الخطاب للمؤمنين ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة:183، ثم يقول: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185] فهذا واجب جماعي.
الحج أيضًا: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾[الحج:27]، إذًا كل الشرائع باختلافها وتنوعها، والإسلام أصول هذه الديانة مبني على الاجتماع ونبذ الفرقة، وليس اجتماعًا صوريًّا إنما اجتماع يسعى إلى اجتماع القلوب قبل أن تجتمع الأبدان، ولهذا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسوِّي الصفوف بين يدي أصحابه ويقول: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» [صحيح البخاري:717، ومسلم: 436/127]، وهذا تأكيد أن الاجتماع في الصورة، والاتفاق في الشكل، والاتفاق في الصف هو مما ينعكس على الفؤاد ائتلافًا أو الضد، إذا كان عدم انتظامهم ينعكس على القلب فرقة واختلافًا، ولذلك قال: «أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» بسبب عدم تسوية الصفوف.
لهذا من المهم أن نعلم أن الاجتماع هو مبدأ هذا الدين، هو من مؤكَّداته، من الأمور التي أكدها هذا الشرع الكريم تأكيدًا لا يقبل شكًّا ولا وهمًا ولا ظنًّا أنه يمكن أن يكون دين في حال تفرُّق، يمكن أن يكون في حال تمزُّق، الله -جل وعلا- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ثم يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103]، وفي الآية الأخرى أو آيات كثيرة أخرى يمتنُّ الله تعالى بها على المؤمنين بالاجتماع والألفة وينهاهم عن التفرق، يقول الله -جل وعلا- فيما امتنَّ به على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾[الأنفال:63] أي بين قلوب المؤمنين، بين قلوب أهل الإسلام جمعها وضمَّها ونظمها في منظومة واحدة من الأُخوَّة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات:10]، ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾[الأنفال:63]، والآية الأخرى تأتي صريحة في النهي عن التنازع، وعن التفرق، ويعدُ الله -جل وعلا- الأمة بالفشل فيما إذا دبَّ بينها النزاع والفرقة، ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[الأنفال:46].
لذلك من المهم أن يدرك كلُّ مسلم ومسلمة أن اجتماع أهل الإسلام مكسبٌ ومغنمٌ، وأن ائتلاف قلوبهم على الحق والهدى مما ينبغي أن يسعى إليه الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الحاكم والمحكوم، وينبغي أن يفرح به الجميع؛ فإن ذلك مما يدخل فيما أمر الله تعالى به من التعاون على البر والتقوى كما قال -جل في علاه-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة:2]، وأعظم ما يُتعاون عليه هو جمعُ كلمة أهل الإسلام، جمع صفوفهم، ضمُّ كلمتهم على نحو يحصل به التوادُّ والالتحام والتقارب، كل هذا مما يفرح به أهل الإسلام.
ولهذا ما نشهده هذه الأيام من زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أيده الله وحفظه وأعزَّه هو مما يندرج في هذه المنظومة التي تحقِّق هذا الائتلافَ والاجتماع للأمة على نحو لا يفرح به الأعداء، ولا يغتاظ منه من ينصح هذه الأمة ويحب لها الخير.
إنما الذين يغتاظون من هذه الاجتماعات ويجدون غضاضة في اجتماع المسلمين وفي أكبر صورة للاجتماع لدولتين عظيمتين من دول أهل الإسلام، هذه الدولة المباركة بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية ودولة مصر جمهورية مصر العربية التي هي من أكبر الدول العربية، وأكبر الدول الإسلامية وزنًا ومكانة، ما فيه شك أنه عندما يرى الناس هذا الائتلاف، وهذا الاجتماع، وهذا الانسجام، وهذا التوافق، وهذه المشاريع المشتركة، وهذا التوافق في نواحي عديدة مما تسرُّ به خواطر أهل الإيمان، ويحمدون الله تعالى على ما يسَّر به اجتماع الكلمة، ويذكرون قول الله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنفال:63].
بخلاف أعداء الإسلام الذين هم في غاية.
المقدم: يغتاظون عندما يرون وحدة المسلمين.
الشيخ: نعم في غاية الحرص على التفريق، في غاية الحرص على إشاعة البغضاء، في غاية الحرص على إشاعة الشحناء بين أهل الإسلام، لذلك نعمة عظمى أن نشاهد مثل هذه المشاهد، وأقول لكل مؤمن يحب الخيرَ لهذه الأمة: ينبغي أن نفرح بمثل هذا الاجتماع، ينبغي أن نسرَّ به، لاسيما وأنه اجتماع يؤمَّل منه تحقيقُ مكاسب ليست عائدة فقط لهذين البلدين الكريمين: بلاد الحرمين، المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية بل يعمُّ العالمَ العربي والعالم الإسلاميَّ في وقت يظهر فيه من حاجة الأمة إلى اجتماع كلمة قادتها، إلى تآلفهم، إلى التئام صفِّهم، إلى التنسيق فيما بينهم لمواجهة الأخطار والتحديات، ورد كيد الأعداء، وبذل الجهد في السير بسفينة هذه الأمة في هذا البحر اللجِّي المتلاطم، أمواجه من أعداء الإسلام في كل مكان، الذين يسعون للنيل منه، وتفريق كلمة المسلمين، وإشاعة الفوضى في بلادهم، وتكرير ما يجري في العراق، وفي سوريا، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي بقية بلاد المسلمين.
لا شك أن الاجتماع وهذه الحفاوة التي نشهدها في هذا الاجتماع بين هذين البلدين مما يفرح به أهل الإسلام، ومما يغتاظ به أعداؤه.
ولذلك ينبغي أن نعتني غاية العناية بتأييد مثل هذه الأمور، وإظهار الفرح بها، وعدم التشغيب أو إشاعة أي قول ممكن أن يكون مضعِفًا لمثل هذه الاجتماعات، أو مُفقِدًا للروح التي سادت في مثل هذه الاجتماعات التي يحصل بها الخير.
ولا شك أن خادم الحرمين -أيَّده الله- منذ أن تولى -وفقه الله وسدد خطاه- قد سار بكل جهد ممكن، وبذل كلَّ طاقة في توحيد المسلمين، ولمِّ شعثهم، ومحاولة الخروج بالأمة من هذه الأزمات، وما هذه الزيارة وغيرها من الأعمال التي أجراها والتحالفات التي تمَّت، وسارت بترتيبه وتنظيمه وسعيه، كل ذلك مما يدخل في قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران:103].
المقدم: إذًا هذه الخطوة هي امتداد يا شيخ خالد لتلك الخطوات الجبَّارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، وليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وهناك يعني مثل التحالف الإسلامي العسكري ،وكذلك أيضًا عملية عاصفة الحزم، وغيرها مما يجعل هناك الشوكة الأقوى للمسلمين، وكذلك أيضًا في الجانب الآخر بعثرة صفوف أعداء هذه الأمة.
هناك بالتأكيد رسائل نقرؤها من خلال هذه الزيارة أيضًا، ومن خلال هذه الاتفاقيات وغيرها مما يمكن أن يُثلج صدورَ المؤمنين المبتهجين بمثل هذه الزيارة، وفي ذات الوقت أيضًا هو التسلُّح بما يمكن لمواجهة واقع هذه الأمة، وكذلك أيضًا ما يمكن أن يسبب قوَّتها وفي طريق سؤددها.
الشيخ: بالتأكيد، لا شك أن هذه الخطوات المباركة هي مما يفرح به المؤمن؛ لأنها تحقق إصلاحًا، وجمعًا للكلمة، ورأبًا للصدع، وإزالةً لكل ما يمكن أن يكون من أسباب الفرقة، فالأبدان والقلوب إذا اجتمعت زال كثيرٌ من الشَغَبِ الذي يسعى أعداء الإسلام إلى إذاعته، وإلى دقِّ الأسافين بين الدول الإسلامية والتفريق بينهم، وما فيه شك أن التفريق بين أهل الإيمان من أعظم ما يصيب المؤمنين في إنجازاتهم، وفي انتصاراتهم، وفي تقدمهم، وفي حفظهم لبلدانهم ورعاياهم.
الله -جل وعلا- يقول: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء:114]، فحريٌّ بالكتَّاب، والإعلاميين، وأهل العلم، والخطاب، والدعاة، وكل من له أثر في المجتمع أن يبتهج بمثل هذه الخطوات الإصلاحية، الخطوات التي يُبرَز بها اجتماع الأمة واتحاد كلمتها، والملك -وفقه الله- في طريقه إلى اجتماع أيضًا الدول الإسلامية في تركيا، كل هذا مما نفرح به في هذا الزمن الذي التفرق هو السائد، السعي إلى شَرذَمة المسلمين، نزعِ مكتسباتهم، إضعافِ مصادر القوة فيهم، هو العمل الدؤوب الذي يسعى إليه أعداء الإسلام من الداخل والخارج.
لذلك من الضروري أن نعيَ أن دعم مثل هذه المبادرات، والسرور بها، وإظهارَ البهجة بهذه الاجتماعات، وهذه الائتلافات، وهذا التقدم لبلاد المسلمين، ولقيادة المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين، وأخواتها، وشقيقاتها من البلدان والدول العربية والإسلامية بالتأكيد أن هذا مما يُجهِض كثيرًا من المخططات، ويشعر أعداء الأمة في الداخل والخارج أن في الأمة روحًا حيَّة، وأن في الأمة رجالاً أوفياء، وأن في الأمة قادةً صادقين يسعون لرأب الصدع، وجمع الكلمة، ووحدة الصف على نحوٍ يُفشل مخططات الأعداء، ويجهض أمانيهم بالنيل من هذه الأمة.
المقدم: جميل، شيخ خالد أيضًا هنا عندما نتحدث عن هذه النقطة المهمة عن هذه الزيارة التي... يعني زيارة هناك الكثير من النقاط المهمة التي يمكن أن يشار إليها عندما نقرأ واقع هذه الزيارة، وفي ذات الوقت هناك أيضًا أمورٌ كثيرة جدًّا ممكن أن تلحق مثل هذه الزيارة من المبادرات التي سمعنا بها أنها ستكون -إن شاء الله- في قادم الأيام، كل هذا مما يعود على الأمة بالنفع والفائدة، لكن ما هو الدور الذي يمكن أن يؤدِّيَه النُّخَب في هذه الأمة تجاه هذه الأمة؟ وكذلك أيضًا تجاه تدعيم وحدة صفِّها، وترابطها، وأيضًا التحذير من التشرذُم والاختلاف الذي يؤدي إلى تفرق الصفوف؟
الشيخ: أنا أوصي نفسي وإخواني بتغليب المصلحة العليا للأمة على المصالح الفردية، والمصالح الحزبية، والمصالح الشخصية، والمصالح الفئوية.
كثيرٌ من الذين غُصُّوا بمثل هذه الزيارات وشغَّبوا عليها بنوع من التشغيب الذي يسعى إلى نزع ما فيها من روح وحدة، روح اجتماع، روح قوة، روح حياة لهذه الأمة، منطلقاتهم في كثير منها ينطلق من زوايا ضيقة، ومصالح شخصية تنافي ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من النصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فإن من أعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم، من أعظم النصيحة للمسلمين السعي في اجتماع كلمتهم، من أعظم النصيحة للمسلمين النهيُ عن التفرق ونبذ الخلاف والفرقة، هذا هو الذي ينبغي أن يلاحظه المؤمن، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أكَّد أن نعمة الاجتماع نعمةٌ تفوق كلَّ النعم، ولهذا لما وقع في نفوس بعض الأنصار شيء بسبب ما رأوه من فوات بعض المكاسب المادية بذهاب بعض الغنائم في حُنين إلى قوم هم حديثو عهد بكفر، وقع في أنفسهم شيء من التأثُّر بسبب هذا العطاء النبوي الموافق للحكمة والرحمة.
فخاطبهم -صلوات الله وسلامه عليه- بخطاب ذكَّرهم بأمر هو من أعظم المكاسب التي حصلت لهم، فقال: «يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بي؟» هذه نعمة عظمى وهي هداية القلوب، ثم قال: «وَعَالَةً، فأغْنَاكُمُ اللَّهُ بي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمعكُمُ اللَّهُ بي؟»[صحيح البخاري:4330، ومسلم:1061/139] وهذه من أعظم النعم، فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكَّرهم بثلاث نعم هي من أعظم، ما نالوه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرتهم له: أولها الهداية من الضلال، نسأل الله أن يهدينا وضالَّ المسلمين، وكلَّ ضال من بني البشر، الثاني الاجتماع بعد الفرقة، الثالث الغنى بعد الفقر.
فالنصيحة للمسلمين ينبغي أن تنبثق منها أنه مصلحة الاجتماع، مصلحة الائتلاف هي مقدمة على كل المصالح التي ينطلق منها أصحاب الأغراض الخاصة، أصحاب النظرات الضيقة، أصحاب الأحزاب والذين يسعون في الأمة تفريقًا وتشويشًا.
ينبغي أن نذكر أن وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة: «بَشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا، وتَطَاوَعَا ولا تَخْتَلِفا»[أصل الحديث في صحيح البخاري:69، ومسلم:ح1732/6، وهذا اللفظ أخرجه أحمد في مسنده:ح19699]، هذا المعنى هو الذي يترجمه مثل هذه المبادرات، وهذه الاجتماعات على مستوى قادة الأمة الإسلامية، وعلى مستوى الدول أن تتطاوع ولا تختلف، أن تجتمع ولا تفترق، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الاختلاف حتى لو كان الاختلاف في القول، حتى لو كان الاختلاف في الصورة: «لا تختلِفوا فتختلِفَ قلوبُكُم»[صحيح مسلم:ح432/122] فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الاختلاف الظاهر سبب للاختلاف الباطن.
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الاختلاف سبب للشرِّ، والفساد، والهلاك بل الله -عز وجل- ذكر ذلك في كتابه، قال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال:46]، فالموضوع يحتاج إلى مصابرة، وإلى احتساب في تحقيق الألفة، في تحقيق الاجتماع، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فإنَّما أهلَك الَّذين مِن قبلكم كَثرةُ مسائلِهم، واختلافُهم على أنبيائِهم»[صحيح مسلم:1337/130]، فكل هذه النصوص من الكتاب والسنة دالة على وجوب الاجتماع، وبذل الوسع في الألفة، وأن ينبذ الناس كلَّ ما يكون من أسباب الفرقة والاختلاف، فهذه الأمة أمة واحدة وإن تعددت أقطارها هي أمة واحدة، وإن اختلفت دولها، الذي يجمعنا ربٌّ واحد، وكتاب واحد، ورسول واحد، ودين واحد، وقِبلة واحدة نجتمع عليها، فينبغي أن نجتمع على هذه المعاني على ما في كتاب الله وسنة رسوله، وأن نسعى بالنصيحة لأهل الإسلام بجمع كل ما يكون سببًا للألفة، وأن نُبعِد كل ما يكون سببًا للافتراق سواء كان ذلك في كلمة، أو كان ذلك في تعليق، كان ذلك في مقال، كان ذلك في نُكتة، كان ذلك في تصرف ينبغي أن ننبذ ذلك جميعًا، وأن نُغلِّب جانب الاجتماع.
يا أخي؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة جاء وقريش قد بنت الكعبة على نحوٍ لم يكن عليه بناء إبراهيم عليه السلام، حيث أنه قصرت بهم النفقة فبَنَو بعض البيت وجعلوا حِجرًا لبقيته لم يتمكنوا من بنائه، النبي صلى الله عليه وسلم أراد وهمَّ أن يعيد البيت على قواعد إبراهيم، ولكن الذي منعه هو خشية التفرق فترك أمرًا شرعيًّا لأجل جمع الكلمة وتغليب المصلحة العامة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لولَا أنَّ قومَكِ حديثو عهدٍ بجاهليَّةٍ لأمرْتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأَدْخَلْتُ فيه ما أُخْرِجَ منه، وأَلْزَقَتْهُ بالأرضِ، وجعلْتُ لَهُ بابينِ: بابًا شرقيًّا، و بابًا غربِيًّا، فبلغْتُ بِهِ أساسَ إبراهيمَ» [صحيح البخاري:1586، ومسلم:1333/400.واللفظ للبخاري. ولفظة"حديثو" بواو الجمع عند مسلم]، فمن تأمَّل هذا عرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعث بالحنيفية السمحة، وأن كل من سعى لجمع المسلمين، كل من بذل وسعًا لتأليف صفوفهم، في جمع كلمتهم، كل من فرح باجتماعهم، كان محقِّقًا لما سعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاءت به الشريعة.
الشريعة نهت ومنعت كل أسباب التباغض، والتدابر، ولو كان ذلك بتصرفات فردية فإن ذلك مما نهت عنه الشريعة: «لا تحاسدوا، ولا تباغَضوا، ولا تناجَشوا، ولا تدابَروا، ولا يبع بعضُكم على بيع بعض»، كل هذا لتحقيق «وكونوا عبادَ الله إخوانًا».[أخرجه البخاري:6064، ومسلم:2563/28 من حديث أبي هريرةt]
المقدم: يعني هناك الكثير من النقاط التي عزَّزَتها هذه الشريعة الإسلامية، وأيضًا يعني جاء بها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحث عليه أصحابه، ثم عمل بها الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأيضًا تلاهم فيما بعد ذلك التابعون ومن تبعهم أيضًا بإحسان، هناك الكثير من النقاط المهمة جدًّا التي تؤكد على أهمية الوحدة، وفي ذات الوقت أيضًا ما يمكن أن قطع كل سبيل يؤدي إلى الفرقة والاختلاف؛ لأنه وسيلة إلى الضعف والشتات، وسيلة أيضًا إلى سيطرة أعداء هذه الأمة عليها، وبالتالي فنحن أيضًا يعني هناك نقطة مهمة جدًّا في هذا الجانب ألا وهو سدُّ أي ذريعة موصلة إلى التشتت والاختلاف والتفرق؛ لأنها وسيلة إلى ضياع هذه الأمة وتشتتها، وكذلك أيضًا سهولة السيطرة على هذه الأمة.
فربما هناك الكثير من النقاط وخاصة القصص التي جاءت في سيرة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مما كان بها أبلغ الأثر وعظيم القدر، عندما كان الصحابة يكون هناك ربما شيء يؤدي إلى اختلاف الصحابة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقطع هذا الأمر، وكان يوحدهم، وكان هذا درسًا بليغًا جدًّا لهذه الأمة أجمع في كل العصور والدهور ليتبعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الطريق حتى لا يختلفوا، ويكون قدوتهم النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في كل أمورهم، في كل ما يأتون، وكل ما يذرون من أمورهم.
الشيخ: نعم، وهذا بالتأكيد معنى صحيح، الذي ينظر إلى ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحرص على لمِّ الشمل، ونبذ أسباب الفرقة والخلاف يرى ذلك جليًّا في مواقف عديدة ليس موقفًا واحدًا، ويمكن أن نشير إلى بعض ما كان منه -صلى الله عليه وسلم- مما يعزِّز هذا المعنى، ويؤكد ضرورة العناية بجمع الكلمة، والبعد عن كل ما يكون من أسباب الفرقة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله تعالى عنه-: «كنَّا في غَزَاةٍ - قالَ سُفْيَانُ: مَرَّةً في جَيْشٍ - فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ» أي ضربه على سبيل الممازحة، أو على وجه العبث «فَقالَ الأنْصَارِيُّ: يا لَلْأَنْصَارِ، وقالَ المُهَاجِرِيُّ: يا لَلْمُهَاجِرِينَ»، كلٌّ منهم نادى رهطه وجماعته بالوصف الذي يجتمعون به، وهذه أوصاف ليست أوصافًا فئويةً ولا أوصافَا عبثية، ولا أوصافًا دنيوية، هي أوصاف شرعية المهاجرون والأنصار من الأوصاف الشرعية النبيلة التي جاء الثناء عليها في كلام الله -عز وجل-، وسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مواضع عديدة، بمعنى أن هذه أسماء شرعية أثنى الله عليها في كتابه على سبيل المثال، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة:100].
وهذا مسمَّى شرعي أثبت الله تعالى الرضا لأهله، وهم أهل الهجرة وأهل النصرة: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾[التوبة:117]، مع هذا الشرف الذي يتضمنه هذا اللقب، وهو لقب عباديٌّ، لقب شرعي، إلا أنه لما وضع في مساق التفريق بين الأمة قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟»[صحيح البخاري:4905]، سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه النداءات: يا للمهاجرين، يا للأنصار في أمر لا يُدعى فيه إلى طاعة الله، ولا إلى طاعة رسوله، ولا إلى اجتماع الكلمة، ولا إلى ائتلاف القلوب بل إلى التفريق، والنزاع، والشقاق، والخلاف، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟»، فجعل هذه الأسماء في هذا السياق من الجاهلية، والجاهلية هي كل ما نَبَذ الإسلامُ، وفي كل خالفه في قول أو عمل.
وقال أيضًا في موضع آخر صلوات الله وسلامه عليه، في رواية أخرى لهذا الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: «دَعُوهَا فإنَّهَا مُنْتِنَةٌ»[لفظ «منتنة» عند البخاري:4905، ومسلم:2584/63] أي اتركوها فإنها منتنة، دعوا هذه الدعوة الجاهلية وهي أن تنزل هذه الألقاب الشرعية في منزل التفريق بين المؤمنين، إشاعة الفوضى بينهم، إشاعة البغضاء بينهم، فإنها دعوة جاهلية، دعوة منتنة، لهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، بل قال: «أبِدَعْوَى الجاهليةِ وأنا بينَ أظهُرِكُم! دَعُوهَا فإنَّهَا خبيثة»[ لفظة «خبيثة» في صحيح البخاري:3530] كل هذه أوصاف نبوية: مُنتِنة، خبيثة، دعوى الجاهلية، كل هذه الأوصاف لتلك الكلمتين اللتين صدرتا عن هذين الشابَّين الغلامين: يا للمهاجرين، يا للأنصار، لكنها تنبئ وتخبر بأن كل من سعى في الأمة تفريقًا فإنه دعا بدعوى الجاهلية.
وهذا الذين ينشرون النعرات بين الدول الإسلامية، ويبحثون عن مواطن الاختلاف، وكل تجمع بشري يا أخي البلد الواحد، بل المدينة الواحدة، بل الحيُّ الواحد تجد فيه من موجبات الفُرقة ونقاط الخلاف ما يمكن أن يستثمره الأعداء لتضخيمه حتى يمزِّقوا الممزَّق، وحتى يثخنوا جراحًا في الجسد الواحد.
لذلك من المهم أن نعي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكد على ضرورة تغليب جانب الائتلاف، جانب الاجتماع، جانب قطع ألسنة الأعداء ومخططاتهم، بما يحقق وحدة الأمة واجتماعها، حتى في السكوت عن الخطأ، حتى في عدم معاقبة المسيء.
المقدم: أستأذنك يا شيخ خالد سننتقل إن شاء الله أيضًا مع مستمعينا الكرام إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة حيث يلقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله -كلمته من تحت قبة مجلس النواب المصري ثم نعود إن شاء الله لمواصلة الحلقة.
الشيخ: بارك الله فيكم.
المقدم: نحن معكم مستمعينا الكرام في هذه اللحظات بانتظار كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، والتي سليقيها بإذن الله سبحانه وتعالى بعد قليل من تحت قبة مجلس النواب المصري في جمهورية مصر العربية الشقيقة، وذلك ضمن زيارته -أيده الله- إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة، وفي هذه الزيارة التي بالتأكيد تؤكد عمقَ العلاقات المصرية السعودية منذ تأسيس هذه البلاد على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وكذلك ضمن هذا الاحتفاء الكبير بمقدمه أيده الله، وفي هذه الزيارة التي تعدُّ بالتأكيد بداية جديدة ليس للبلدين فقط بل للمنطقة العربية بأسرها، هذه الزيارة التي وجدت الحفاوةَ والتقدير والترحاب، وأيضًا التقدير من جميع أطياف المجتمع المصري.
وطبعًا هناك الكثير من التصريحات التي شهدت أيضًا أو التي جاءت مواكبة لهذه الزيارة، والتي كانت ضمن اهتمامه -حفظه الله- بهذه البلاد بمصر العربية الشقيقة حكومة وشعبًا، وحرصه أيده الله على تعزيز التعاون المستمر بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات.
أيضًا هذه الزيارة مستمعينا الكرام تبعث بعدة رسائل إلى العالم أجمع، أبرزها أن العالم العربي لن يسمح لأحد أن يعبث بالأمن القومي في العالمين العربي والإسلامي، وفي ذات الوقت هنا نستذكر أيضًا زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخيرة للملكة العربية السعودية في ختام مناورات رعد الشمال، تلك الزيارة التي كشفت عن عمق العلاقات بين البلدين، وكانت صفعةً قوية لكل أعداء هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، والأمة العربية والإسلامية.
كذلك هذه الزيارة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- إلى مصر لقيَت كما ذكرنا كلَّ الترحاب والقبول الواسع سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي، لاسيما أن مثل هذه الزيارات المتبادلة بين القائدين تشير إلى متانة ورسوخ العلاقات بين البلدين.
كذلك مستمعينا الكرام هذه العلاقات لم تكن صنيعة اليوم، ولا وليدة اليوم، ولا وليدة اللحظة بل هي تمتد لجذورها في أعماق التاريخ منذ حرص الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- على لمِّ الشمل العربي، والوقوف صفًّا واحدًا ضد التحديات التي تواجه الأُمَّتين العربية والإسلامية، أيضًا هذه الزيارة هي أول زيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- بعد توليه الحكم، إذًا ننتقل إلى كلمة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله.
المقدم: مستمعينا الكرام بعد أن انتقلنا إلى هذه الكلمة الضافية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، والتي ألقاها -حفظه الله- وأيده بنصره تحت قبة مجلس النواب المصري، وركَّز فيها على لُحمة هذه الأمة ووحدتها، وكذلك الجانب الاقتصادي الذي دُعم من خلال الكثير من الاتفاقيات، والعديد من الاتفاقات التي أُبرمت خلال هذه الزيارة، إضافة إلى الجهود التي ينبغي أن تتحد في مكافحة ومجابهة الإرهاب.
نحن متواصلون معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة أيضًا من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا متواصل مع ضيفنا وضيفكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم، وأستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، وأرحب بفضيلته مجددًا، السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك وبالإخوة والأخوات، أهلاً وسهلاً.
المقدم: حياكم الله، طبعًا بعد أن استمعنا إلى هذه الكلمة الضافية والوافية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، والتي كانت تدلِّل على ما كنا نذكره من خلال هذا الحديث عن أهمية وحدة الأمة وترابطها، ماذا يمكن أن نختم به هذه الحلقة يا شيخ خالد؟
الشيخ: الحقيقة أني لا أجد ختامًا لهذه الحلقة بعد هذه الكلمة الضافية من خادم الحرمين الشريفين إمامِنا، وولي أمرنا الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- إلا أن أدعو نفسي وإخواني بالتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء، والإلحاح عليه -جل في علاه- أن يسدد هذا الملك الصالح، وأن يوفِّقه إلى كل خير، فكلماته توحي بطمأنينة، وصدق، وحزم، ونصح للأمة.
الأمة أحوجُ ما تكون إليه في مثل هذه الأيام، وهذه الظروف العصيبة لجمع كلمة المسلمين، والحرص على توحيد صفوفهم، ووقايتهم ما يُكاد لهم ويخطَّط لهم من تفريق، وشرذمة، وإشاعة للفوضى، وإهدار للمكتسبات، وتدمير للبلدان.
فالحقيقة أدعو نفسي وإخواني إلى هذا العمل، وهذه الدعوة؛ لأن الدعوة لولي الأمر من أفضل ما يكون أثرًا ونفعًا؛ ولذلك كان الأئمة كعبد الله بن المبارك، والإمام أحمد، وغيرهما يقول أحدهم :"لو كان لي دعوة مجابة لجعلتها للسلطان، فبصلاحه تصلح الأمة" [رجح بعض أهل العلم نسبتها للفضيل بن عياض؛ فقد أُسندت إليه، أخرجها أبو نعيم في الحلية8/91 بسند صحيح. وإن كانت نُسبت غيرَ مسندة للإمام أحمد وغيره]، ولذلك أوصي نفسي وإخواني أن نظاهر هذا الملك الصالح، وهذا الولي الناصح بالدعاء أن يسدده الله، وأن يحفظه، وأن يحقق على يديه جمع كلمة المسلمين، وأن يبارك له في قوله عمله، وأن يؤيده، وأن ينصره على من عاداه، وأن يرينا في بلدنا وفي سائر بلاد المسلمين العزَّة، والتمكين، والنصرة، والاجتماع، والألفة، وأن يخذل أعداءَ المسلمين، فمثل هذه الاجتماعات، وهذه الكلمات، وهذا النصح، وهذه المخططات، وهذه المشاريع هي في الحقيقة ردٌّ عملي لكل من يسعى في تفريق الأمة، وتمزيق صفوفها.
سدد الله خادم الحرمين الشريفين إلى ما يحب ويرضى، نسأل الله أن يمد في عمره، وأن يبارك في عمله، وأن يرينا فيه ما يسرُّنا، وأن يحفظنا من بين يديه ومن خلفه، وأن يكتب له التوفيق والسداد، وأن يكتب على يديه ما تؤمِّل الأمة من العزِّ والنصر، وأن يحفظ بلاد الحرمين من كل سوء وشرٍّ، وأن يسدد ولاتها إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن ينصرنا على من عادانا، وأن يكتب مثل ذلك لسائر بلاد المسلمين عامَّة، ولإخواننا في مصر خاصة، وأن يجعلنا على كتاب وسنة، نرضى بما رضي الله تعالى لنا من دين وملة، وأن يثبتنا على ذلك إلى أن نلقاه.
المقدم: اللهم آمين، شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، شكر الله لكم، ونفع الله بما قلتم، ونلقاكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في حلقة الأسبوع المقبل، ولكم الشكر الجزيل.
مستمعينا الكرام على أمل أن نلقاكم في حلقة الأسبوع المقبل تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح، وإلى حلقة تتجدد في حلقة الأسبوع المقبل بإذنه سبحانه وتعالى في تمام الساعة الثانية ظهرًا من يوم الأحد المقبل، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، وإلى اللقاء.