الحلقة(17) تربية الأبناء في الإسلام
﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام:162]
كيف نحقق الغاية من الوجود، كيف نعبد الله عز وجل.
"الدينُ والحياة"برنامجٌ نتناول فيه قضايا تطيبُ بها الحياة، وتسعد بها النفوس، وتتحقق بها الغاية من الوجود﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].
يأتيكم في الأوقات التالية مباشرًة، الأحد عند الثانية ظهرًا، ويعاد عند منتصف الليل.
إذاعةُ "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا، ومرحبًا بكم إلى برنامجكم "الدينُ والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام"، من مكة المكرمة.
حياكم الله مستمعين الكرام في هذه الحلقة المتجددة، والتي نتناول فيها موضوعًا مهمًّا، ونستقصي فيه العديد من جوانبه، سنتطرق بإذنه -سبحانه وتعالى - في هذه الحلقة إلى التربية -طبعًا- في ديننا الإسلامي الحنيف، سيكون بإذن الله -سبحانه وتعالى – الحديثُ مستفيضًا، وشيِّقًا، وماتعًا، بحضورِ صاحب الفضيلة الشيخ، الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية، والإفتاء بمنطقة القصيم، والذي نسعدُ بالترحيب بفضيلته، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، وأهلًا، وسهلًا بالإخوة، والأخوات.
المقدم: حياكم الله شيخ خالد، وحيا الله جميع المستمعين الكرام، في هذه الحلقة التي أسعد بصحبتهم فيها من خلال هذا البرنامج، من التقديم محدثكم عبد الله الدالي، ومن التنفيذ على الهواء الزميل طارق الزهراني.
لاشك أن التربية في ديننا الإسلامي الحنيف نالت الجزء الأكبر، والنصيب الأوفر في الاهتمام، والتنبيه، والتذكير مرًة وأخرى، من خلال النصوص الشرعية التي وردت في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، في هذه الحلقة حديثنا سيكون بإذن الله مستفيضًا، ومفصَّلًا حول هذه التربية، لكن شيخ خالد عندما نتحدث عن التربية، أو خاصَّةً فيما يتعلق بتربية الأبناء، وقد كثر الحديث عن مثل هذا الموضوع، وربما يعتبره البعض أمرًا يعني قد يدخل في باب التكرار، لكننا في هذا الحديث ربما نتطرق إلى جانب من الجوانب التي ربما يقلُّ، ويندر الحديث عنها، ألا وهو في ضمن تربية الأبناء.
• ماذا يقصد بالتحديد، ماذا يقصد بتربية الأبناء؟
الشيخ: السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكم جميعًا أيها الإخوة والأخوات، في هذا اللقاء الذي سنتناول فيه هذه القضية ذات الأثر البالغ في الواقع والمستقبل، الشريعة المطهرة جاءت لإصلاح معاش الناس، وإصلاح معادهم، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بين ماذا جاء به ولأي شيءٍ جاء، وقد جاء صلوات الله وسلامه عليه جاء ليتمم صالح الأخلاق.
في مسند الإمام أحمد بإسنادٍ جيد من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى - عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: « إنما بعثتُ »، وإنما هذا حصر «إنما بُعِثتُ لأُتَمِّم صالحَ الأخلاق»[ ابن أبي شيبة في مصنفه:31773، وأحمد في مسنده:8952 . وصححه محقق المسند]، وهذا يبين أن الوظيفة الكبرى التي تولاها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هو الارتقاء بخلق الناس، وأخلاقهم على وجه العموم ذكورًا، وإناثًا، صغارًا، وكبارًا، الارتقاء بهم إلى مكارم الأخلاق، ومعالي الشِّيَم، وطيب الخصال، وقد قال -الله تعالى -: في بيان وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم :﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾[آل عمران:164] أي من جنسهم، ما هي وظيفته؟ ﴿يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[آل عمران:164].
فهذه الأعمال التي تولَّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مدارها على تكميل خصال البشرية، والارتقاء بها إلى السموِّ، والخروج بها عن دائرة الرذائل، والنقائص إلى الفضائل، والمَكْرُمات، وقوله -جل وعلا – ويزكِّيهم: أي يطهِّرُهم من كل ما يدنِّسُهم من الأخلاق، والأعمال، والأقوال، والأحوال الظاهرة، والباطنة، وقد امتن الله تعالى على المؤمنين بذلك فقال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾[الجمعة:2] قال: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[الجمعة:2].
فالتربية، والتزكية، والتقدير، والسمو بالسلوك البشري، والارتفاع به من السوء إلى الفاضل، ومن الرذائل الكمال هو عملٌ جاءت نصوص الشريعة داعيةً إليه، وحاسَّة عليه بل كلُّ الأحكام الشرعية تدور على ذلك، لكن ينبغي أن يُعلم أن التزكية والتربية ليست قضية تبتدئ بحياة الإنسان في مرحلة ثم تنتهي، بل هي مرحلة وعملية ممتدَّة لا تبدأ ولا تتوقف، فالإنسان بحاجة إلى الارتقاء بنفسه وتكميل نفسه منذ أن يولد إلى أن ينتهي به الأجل إلى ما قدره الله تعالى له من العمر.
فالإنسان في حياته يمرُّ بأطوار ومراحل، هذه الأطوار والمراحل كلُّ مرحلة منها فيها وظيفة يُطلَب فيها من الإنسان أو من يقومُ عليه أن يرتقي به ويسمو، فالإنسان يخرج إلى هذه الدنيا جاهلًا بكل فضيلة، بل جاهلًا بكل شيء، ليس عنده علمٌ ولا معرفة،كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾[النحل:78] ﴿شيئًا﴾ نكرة في سياق النفي يعمُّ كلَّ شيء من مصالح الدين، ومن مصالح الدنيا، ومما يتعلق به نفع الإنسان الخاص، والنفع المتعدي.
لكن منح الله تعالى الإنسان من القدرات والإمكانات ما يجعله يترقى، فقد خلقه الله تعالى جاهلًا لكنه أعطاه ما يتمكن به من الارتقاء، فقد أعطاه ما يمكنه من السوء، وهذا السمو إنما يكمُل ويتم بما يُيسِّرُه الله تعالى للإنسان من الفضائل والمعارف التي يرتقي بها إلى ما يكونُ عاليًا ساميًا.
يقول الله -جل وعلا -: ﴿وَجَعَل لَكُم﴾ بعد أن أخبر بخروج الإنسان على هذه الصفة من الجهل بالمصالح، ذكر الآلات والأدوات التي من خلالها تتحصل التزكية والتربية والسمو، يقول -جل وعلا -: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[النحل:78] فأعطاه السمع والبصر والفؤاد، وهذه كلها مما يحصلُ للإنسان بها البيان، كالسماع يتبين به الإنسان معاني الألفاظ التي يدركها ويسمعها ليعرف النافع من الضارِّ، والبصر يدرك به البيان الرسمي الذي به يعرف ما ينفعه مما يضرُّه، وأكمل البيان البيانُ القلبي، وذلك بإدرك القلب ما ينفعه وما يضره، ولذلك قال: ﴿وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فهذه الآيات بها يتحقق للإنسان الكمال، هذه الآيات يتحقق للإنسان بها السمو والارتفاع.
فالهداية مِنَّة من الله -عز وجل - على عباده يتفضلُ بها على الناس، وقد قال -جل وعلا -: ﴿ِوَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾[النور:21] هذا يدل على أن التزكية، والارتفاع والسموَّ هو فضل من الله -عز وجل -، ينتقي الله -عز وجل- من عباده من هو متأهِّل لهذا، لكن كلنا يجب علينا أن نَبذُل الأسباب التي من خلالها نصِل إلى الزكاة، إلى الطِّيب، إلى السمو، إلى تحقق الهداية على أكمل ما نستطيع، فاتقوا الله ما استطعتم، هذا ما يتصل بموضوع التربية في الجملة، وصلة هذا بالشريعة.
المقدم: شيخ خالد.
الشيخ: ملحظ أخير.
المقدم: اتفضل.
الشيخ: قبل أن أنطلق للنقطة الأخرى، وهو أن الإنسان فقير بنفسه لا يستطيع أن يصل إلى الكمال البشري لمجرَّد جهده، بل لابد له من عَون ربه، وتوفيقه،
ولهذا قال -الله تعالى -: ﴿ِوَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ كما في الآية السابقة﴿ِمَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾[النور:21].
المقدم: شيخ خالد هنا جانب مهم جدًّا ألا وهو الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى -، العبد مهما بذل من الأسباب ربما لا يوفَّق إلى الحصول على النتيجة المُرضِيَة، النتيجة الإيجابية، ولهذا كما قال الشاعر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأول ما يجنيى عليه اجتهاده
إن الإنسان يبذل الأسباب، لكن قبل ذلك يلجأ إلى الله -سبحانه وتعالى - مسبِّبِ الأسباب، وهو من يهدي إلى الحق -سبحانه وتعالى - أذكر هنا في هذا المجال قصةً واقعية سمعتها يعني من شاهد عيان يقول: إن لدية ثلاثةَ أبناء في المدرسة، ويعني يحكي هذه القصة مديرٌ لأحدى المدارس، يقول: إنهم لديهم من الحرص والجدِّ والاجتهاد ما يفوق الوصف والواقع ويقول: في جانبٍ أخر يعني استدعى هذا الأمر في ذهنه وفي خاطره أن يدعوا أو يستدعي والد هؤلاء الأبناء، أو ولي أمرهم فظن أنه قد بذل الكثير من الجهد في تربيتهم ونصحهم، وإرشادهم ودلالتهم على الاجتهاد والحرص الذي هم عليه الآن، فعندما حضر فإذا هو رجلٌ طاعن كبيرٌ في السن، سئل عن الطريقة التي يتبعها في تربية أبنائه حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن؟، فرد عليهم بأنه لا يبذُل سوى أنه فقط عندما يصلي لله يدعوا لهم، ويجتهد في الدعاء، ويقول: ربي أصلح ذريتي، ومن هذه الأدعية، وأمثالها فسبحان الله يقول: يعني أعانني الله على تربيتهم، وعلى هدايتهم حتى وصلوا إلى ما هم عليه، يقول: إنني يعني لم أبذل الكثير، ولكن عون الله -سبحانه وتعالى - هو من كان سبيلًا إلى وصولهم إلى ما هم عليه الآن.
الشيخ: بالتأكيد يا أخي الكريم هذه هي الطرق التي يلزم أن يستعين الناس بها في تربية أولادهم، ونحن ذكرنا أمثلة.
المقدم: نعم
الشيخ: وهنا أقول الدعاء أعظم الأسباب، لكن هذا لا يعني الدعاء بالجملة أعظم الأسباب لتحقيق النتائج، لكن هذا لا يعني أن نعطِّل بقيَّة الأسباب، فلابد من بذل الأسباب، وقد بين الله تعالى نماذج في القرآن لآباء نصحوا أبناءهم وجدُّوا في هدايتهم للطريق المستقيم، فهذه وصية لقمان -عليه السلام- لابنه، بيِّنَةٌ واضحة في شمول كل ما يكون من الصلاح للابن، يقول -الله تعالى -: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:13].
هذه توصية من لقمان لابنه، في أعظم الحقوق حق الله، وهو توحيده -جل وعلا -، لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم، أنا لو سألت أحدًا، نفسي وإخواني، هل نحنُ نحرص على إيصال الرسالة إلى أبنائنا وبناتنا وذريتنا بالإقامة على التوحيد، والخوف من الشرك، والخوف من الخروج عن حق -الله تعالى -، في عبادته وحده لا شريك له.
كثير من الناس يقول: هذا أمر مفروغٌ منه، ما نحتاج إلى أن نقول لهم: يعني لا تشركوا بالله، احذروا الشرك، قد لا يدرون ما معنى الشرك.
وبالتالي تجد أن كثيرًا من الناس لا يهتم لهذا لأمر، في حين أن سادات الدنيا من النبيين والمرسلين وخيار العبَّاد يؤكِّدون على هذه القضية، فأول وصايا لقمان لابنه التَخْلِيَة من الشرك، وفي دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾[إبراهيم:35].
فالتأكيد على هذا المعنى مهمٌّ، وهو أننا نؤكد عظمة الله في قلوبهم؛ لأن الشرك يُبدِّد من القلوب المحبة لله -عز وجل- تزول، وتنقشع، وتتلاشى، من القلوب المحبة له -جل في علاه-.
ثم انظر إلى باقية الوصية التي فيها التذكير باليوم الآخر، وهما قرينان: الإيمان بالله قرينُ الإيمان باليوم الآخر، ولذلك كثيرًا ما يُذكرا في كتاب الله، وقد جاء في وصية لقمان لابنه ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾[لقمان:16] متى يأتي؟ يوم القيامة، هذا الإيمان باليوم الآخر﴿يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ﴾[لقمان:16]، بعد ذلك عاد إلى الأمر الذي إلى الوصايا التي تصلح فيها أحوال الإنسان مع الله في الدنيا، وأحوال الإنسان مع الخلق، ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾[لقمان:17] ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[لقمان:18] واقصد في مشيك، شوف إلى الدرجة هذه الوصية حتى في طريقة المشي.
المقدم:دقيقة
الشيخ: وصفة الكلام ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[لقمان:19]، وهذا الشمول في الوصايا الأبوية من الصالحين لأبنائهم، من الأمور الجمَّة التي يُحتَذَى، ولم تحضُر في أذهاننا، ولا نقول هذا الصغير كما هو حال كثير من الناس، تجده يجِدُ ابنه على مخالفة يجد ابنه على انحراف سلوكيٍّ أخلاقي قولي أو عملي ظاهر أو باطن، ومع ذلك يقول: هو، لا هو صغير ويكبر.
المقدم: نعم.
الشيخ: حتى يصل إلى سنِّ العِشرِينات، يقول: هذا الصغير اتركوه تُعلِّمُه الدنيا، يا أخي إذا لم تعلِّمْه أنت، وتبادر فأنت مسئولٌ: «كُلُّكم راعٍ وَكُلُّكم مسئولٌ عن رعِيَّتِه»[صحيح البخاري:893، ومسلم:1829/20] فلم تبادر إلى هذا؟ فهذا سينشأ على انحراف، كما قال الشاعر:
وينشأ ناشِئ الفِتْيان منا ***** عَلَى ما كان عَوَّدَه أَبُوه
فينبغي المبادرة إلى الإصلاح.
وقوام الإصلاح في تربية الأولاد يدور على قضيتين:
القضية الأولى: أمرهم بالفضائل والمَكرُمات سواءً كانت من الواجبات أو من المستحبات، سواًء كانت في حقِّ الله تعالى أو في حقِّ الخلق، وقد قال الله تعالى في ذلك: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[طه:132].
وتأمل هذه الآية الأمر بالصلاة هو أمرٌ بكل فضيلة؛ لأنه إذا صلحت الصلاة فستصلُح كلُّ الأمور، فليس الأمر مقصورًا على أن يقال له: قم صلِّ فقط، بل الصلاة وما هو من لوازِمِها، من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، والقيام بالفضائل والأخلاق، فالصلاة زكاة، الصلاة طُهْرَة، الصلاة نورٌ، فالأمر بالصلاة يشتمل على كل فَضِيلة من الفضائل التي تكمل بها الخصال البشريَّة.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه:132] يعني إذًا التربية ليست لحظةً، أو كلمة عابرةً، وموقفًا في مرحلة من المراحل.
المقدم: مُدَاوَمَة.
الشيخ: بل هي عملية مُستمرَّة، تحتاج إلى مُعالجة، تحتاج إلى صبرٍ، تحتاج إلى معاناة، بها يدرك الإنسان ما يؤمِّله من صلاح ذريته ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه:132] ما قال: حتى واصبر.
المقدم: واصطبر.
الشيخ: قال: واصطبر، وهذا يدل على
المقدم: استمرارية.
الشيخ: معالجة الصبر، والمشقَّة في تحصيله، هذا الأمر الأول الذي ينبغي أن يراعى في تربية الأولاد، أمرُهم بالفضائل على وجه الإجمال، سواءً كان في حق الله، أو في حق الخلق.
الثاني: تدور عليه عملية التربية، هو وِقايتُهم من الشرور، والرذائل، وهذا ما أشار إليه قوله -جل وعلا - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم:6] فإن الله تعالى أمر بوقاية النفس، ووقاية الأهل، والأهل مجموعٌ يشمل كلَّ من يأويه إليهم الإنسان، وينسبونه إليه من ذُرِّية وزوجات وغير ذلك فلهؤلاء حقُّهم أن يحجز بينهم وبين النار، والحجز بينهم وبين النار هو بِنَهْيهِم عن الرذائل، بنهيهِم عن المحرمات، بنهيهم عن السيئات، التي تكونُ طريقًا إلى الخروج عن الطريق المستقيم، وهلاكًا في الدنيا والآخرة.
المقدم: نعم عفوًا شيخ كأن كما أن تربية الأبناء وصلاح الأبناء، وصلاح الذرية هو يعني وسيلة إلى حفظها، يعني كاملة كما في القصة التي وردت في سورة الكهف هذه من إحدى، يعني أحد ثمار التربية الصالحة.
الشيخ: أكيد، هو يعني صلاح الذرية ثمرة من الثمار التي يدرِكُ الإنسان بها ثواب الله -عز وجل -، فقط يصيب الله تعالى العبد بحفظه في ذرِّيته، وهذا من ثمار العمل، لكن ليس مقصورًا عليه، أنه يعني كما ذكرنا في قصة نوح -عليه السلام-، وهو من أولي العزم من الرسل.
المقدم: صحيح.
الشيخ: وهو رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض، وكان ما كان من حال ذريته، بل تلى الله تعالى علينا نبأ ابني آدم أحدهما كان تقيًّا، والآخر كان جانيًا قاتلًا مجرمًا، وهكذا هم البشر، سيكون ذرية منهم الطالح، ذرية منهم الفاسد، وقد يخرج الذرية الطيبة من الأصول الفاسدة، كما قال -الله تعالى -: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الأنعام:95].
فقد قال عامة أهل التفسير أي يخرج المؤمنَ من الكافر، ويخرج الصالحَ من الفاسق، والعكس، يخرج الفاسق من الصالح، ويخرج الكافر من المؤمن.
المقدم: جميل شيخ خالد، هل هناك أنواع للتربية؟ يعني هل هي فقط تربية دينية روحية فقط؟، أو أن هناك مثلًا تربيةً جِسمية، ويعني تربية فكرية، وعقلية، وغير ذلك؟ هل هناك أنواع بالفعل، أو أنها نوعٌ واحد؟
الشيخ: لا، بالتأكيد التربية منظومة يا أخي الكريم.
المقدم: جميل.
الشيخ: لا تقتصر فقط على إصلاح المَعاد، لا تقتصر على إصلاح ما بين العبد وربِّه، التربية منظومةٌ مكتملة عنوانها إصلاح البشر، السموُّ بهم، فيما يتعلق بمعاشِهم ومعادهم، بما يتعلق بدُنياهم، وفيما يتعلق بأخراهم، وهذه قضية مهمة: أنه نحنُ عندما نقصد إلى العناية بالأولاد ذُكورًا، وإناثًا، وتربية والعناية بتربيتهم، لا نقصد بذلك فقط أن يُعتَنى بهم في جانب العبادات، والفرائض، بل نقصد بذلك أن يُعتنى بهم من كل وجه، بما يتعلق بدينهم، وهذا الأصل والأساس، وفيما يتعلق بدنياهم، فإنه لا يصلح دينٌ إلا بدُنيا كما لا تصلُح دنيانا بلا دين، فصلاح الدنيا بصلاح الدين، وصلاح الدين بصلاح الدنيا، فهما قرينان، ولذلك يقول الله تعالى فيما قصَّه في الوصية لقارون قالوا: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[القصص:77] جعلها الله تعالى في هذه الآية الأمر بالجانبين، بإصلاح الدين وهو الأصل، وعدم الغفلة عن الدنيا؛ لأن الدنيا هي مَزرَعة الآخرة، إذا لم تصلُح المزرعة فالنبات لن يكونَ صالحًا، إذا كانت الدنيا رديئةً فينقصُ ما يكون من نِتاجِها، ولذلك الشريعة جاءت بصلاح الدين، وبصلاح الدنيا.
المقدم: جميل.
الشيخ: هنا يعني
المقدم: جميل، اتفضل.
الشيخ: قضية إذا كان أخشى الوقت يداهمنا.
المقدم: اتفضل
الشيخ: قضية يعني التربية في هذا الجوِّ الذي نعيشه من المُستَجَدَّات الكثيرة، التي الحقيقة ضيَّقت من طرق التأثير من الوالدين، إذا رأيت يا شيخ عبد الله أنك تطرق في هذا الموضوع.
المقدم: اذكر موضوع
الشيخ: أخشى يدركنا الوقت وهي قضية مهمة.
المقدم: إي نعم
الشيخ: تحتاج إلى وقت.
المقدم: أنا أقصد يا شيخ خالد كان ودِّي أن يعني ربما نجعل هذا الحديث، ويترابط أو يعني يرتبط بهذا الحديث، ما يعني للأسف نعاني منه أحيانًا من تأثير هذه الوسائل التقَنِيَّة الحديثة، وأحيانًا قد يكون هذا التأثير في ظل غفلة من الوالدين، وبالتالي ربما يدرِك الابنَ أو يدرك الأبناءَ، وهم في مرحلة متأخِّرة، ومستعصية، فيصعب علاجهم خاصًة فيما يتعلق بالجوانب الفكرية، يا شيخ خالد.
الشيخ: والله يا أخي الكريم يعني هذا الوقت الذي يعني، انفتحت فيه على الناس أمور كثيرة.
المقدم: نعم.
الشيخ: أصبحت تشكِّل أفكارَهم، وتؤثِّر على سلوكياتهم، وتصُوغُ أحيانًا شخصياتِهم، الحقيقة يعني التربية في هذا الوقت، ودور الأباء والأمهات، ودور المربِّين على وجه العموم ينبغي أن يُستشعَر، الجهات المُزاحِمة جهاتٌ كثيرة، تزاحم في تشكيل سلوكيات الناس، في تشكيل شخصياتهم، ولا أقصد بهذه المرحلة العمرية المتقدمة، كنا دائمًا قبل سنوات نتحدث عن أثر الرُّفْقة، والصحبة، وهذا قد لا يكون للأبناء إلا في مرحلة يعني قريبة من البلوغ، أو نحو ذلك، أو بعد البلوغ، لكن اليوم نحن نتحدث عن مصاحِبين يصاحبون أبناءنا منذ صغرهم، من نعومة أظفارهم، يعني الآن صغار لم تكتمل لهم ثلاث سنوات بأيديهم جوالات.
المقدم: صحيح.
الشيخ: ثم ترى الشخصية يشاهدون فيها الدنيا بكل ما فيها.
المقدم: العالم كلُّه قارَّةٌ واحدة بين يديهم، نَعَم.
الشيخ: نَعَم، هذا الصغير الذي لم يتشكَّل إلى الآن عنده فِكْر، ولم يتشكل عنده تمييز بين الصالح والضَّار، ولم يتمثل عنده مانعة من الانحرافات التي يمكن أن تكون، ولا يميِّز بين الجيد والرديء، الحقيقة إن مسئوليتنا يعني من الآباء، والأمهات، والمعلمين عظيمةٌ جدًا، يا أخي يعني نحنُ الآن على سبيل المثال لو أردنا أن نضرب مثالًا في الأجهزة التي في أيدي أبنائنا، وبناتنا، صغارًا، وكبارًا، انظر إلى صُنَّاع هذه الأجهزة في البلاد المصدِّرة لها، تجد أن استعمالات هذه الأجهزة لا يكون مطلقًا كما هو الشأن في حال كثير منا، بمعنى إنه عندما تشتري جهازًا تشتري هذا الجهاز لمن هو في الثانية عشر، ثمة قواعد وضوابط وحدود من الاستعمال، إذا كان دون الثامنة عشر كذلك، إذا كان دون الواحد والعشرين.
قد يكون ثمة قواعد في بعض البلدان، المقصود أنه ليس ثمة إطلاق ليس هناك يدٌ مطلقة في استعمال هذه الأجهزة، والتعامل معها لصغار السن؛لأنها تشكل أفكارًا، وتصوغ أذهانًا، وتبني نفسياتٍ، والصغير الحَدَث لم يتلقَّ من المعرفة ولا من الفِكر ولا من التمييز ولا من القواعد ولا من القيم، ما يمكِّنه أن يميز بين النافع والضار، ما يمكنه أن يفرِزَ بين الصالح، والفاسد، ما يمكنه أن يتوقَّى مواطِنَ الخطر، ويقصد مواطنَ النفع، وبالتالي أقول: يجب أن نعيَ أن هذه الأجهزة لابد من تدابير راشدة في استعمالها، ليس الحل المنع؛ لأنها أصبحت جزءًا من حياة الناس، لكن الحل هو أن نُنَمِّي بأذهاننا وأذهان أولياء الأمور من الآباء ومن الأمهات على وجه الخصوص لأنهن يتحملن مسئوليةً أكبر من جهة كثرة معاشرتهن للصغار وكما قال الشاعر:
الأم مدرسةٌ إذا أَعَددتها **** أعدَدت شَعبًا طيِّبَ الأعراق
فنحنُ بحاجة إلى أن نتعاطى هذه القضايا، وأن تحضر في أذهاننا حتى نستطيع من خلالها وقفَ الأخطار من هذه المزاحمات في التربية.
المقدم: يعني تقصدون يا شيخ خالد عفوًا تقصدون يا شيخ أن يكون هناك نوع من التأسيس القوي، ويعني وجود حصيلة تقي هذا الابنَ مستقبلًا من أي أضرار أو من أي مؤثِّرات أو ربما تحصين الابن إن صحَّ التعبير.
الشيخ: نعم، طبعًا طبعًا نحنُ بحاجة إلى بناء ذهني كوقاية، كالسؤال اللي ذكرته قبل قليل هل التربية مقتصرة على البناء الديني؟
الجواب: لا، السبب البناء الديني يشكِّل فطرة، البناء الديني يشكل قِيَمًا، البناء الشرعي يعني هي منظومة كما ذكرت، وبالتالي نحنُ نحتاج إلى أن نُضاعف الجهد، وأن نجلس مع أبنائنا، وأن نستمع إليهم، وأن نستمع إلى بناتنا، وأن نقترب منهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، طبعًا يا أخي فاقد الشيء لا يعطيه.
المقدم: نعم.
الشيخ: أنا أقول: عندما يكون الأب والأم على ضحالة المعلومات، على تدنٍّ في مستوى التفكير، سينعكس هذا على تربيتهم لأولادهم، ولذلك أنا قدمت في أول الحديث:إنانحنُ جميعًا في عملية تربوية، ونحتاج إلى أن نحصِّن أنفسنا؛ لأن تحصيننا وتربيتنا لأنفسنا سينعكس على تربيتنا لأولادنا.
المقدم: نعم نذكر جانبًا مهمًّا يا شيخ عفوًا.
الشيخ: الأخطار التي تتهدد النشئ تتهدد الناس عمومًا، صغارًا، وكبارًا، أُرَكِّز على الصغار.
المقدم: يا شيخ، لأن أكثر هؤلاء الذين يعني تورطوا في هذه الأعمال الإجرامية، هم صغار السن، وضعاف العقول، وضعاف التحصيل العلمي.
الشيخ: الأخطار لا تنحصر في جانب من الجوانب؛ لأنه قد يقول القائل: إنه يعني إباحيات، وشهوات، هذا جانب لكن سمة جوانب أخرى فِطرية، يعني الآن ما نشاهدهم من بعض الانحرافات الخطيرة التي يُختطَّف فيها الشاب، أو الفتاة، من أهله إلى فكرٍ منحرفٍ على سبيل المثال
المقدم: تكفير.
الشيخ: غلوٌّ وخروج عن المجتمع بالتكفير، والتفسيق.
المقدم: الله المستعان.
الشيخ: وفعل الانحرافات التي نشاهدها، الحقيقة يَصدِم الإنسان يعني أنا يؤلمني غايةَ الألم عندما أقرأ كلمات، أو أستمع كلمات بعض أباء من تورَّطوا في هذه المسألة الرديئة، في تكفيرٍ، أو تفجيرٍ، أو ما إلى ذلك يقول: أنا ما عند ولدي شيء، أنا ما لحظت عليه شيء، ولدي مستقيم، ولدي حَسَن الأخلاق، ولدي يخدُم الناس، من أين جاء الانحراف؟ من أين تطرق هذا الخلل الذي جعله يدمِّر نفسه ويعود على بلده، وعلى أُمَّته الشر، والفساد؟ وعِوضًا عن أن يكون مِعوَل بناء كان معول هدم، من الذي اختطف عقله، ثمة خلل في العملية التربوية، ثمة خلل في التركيبة الذهنية والفطرية، الذي جعلته يتحول من لَبنة بناء للمجتمع والأمة، إلى مِعول هدم لبلده ولأمته.
المقدم: مظبوط، هذه نُقطة مهمة، ونتمنَّى من الأباء والأمهات، أن يراعوها، وأن يكون هناك نوع من لا أقول: مراقبة، وإنما في البداية تحصين، ثم متابعة، وليست مراقبة إن صحَّ التعبير، يعني ليروا كيف ينشأ أبناؤهم، وكذلك حتى لا يفاجئوا مستقبلًا؛ لأنه كثير من الحالات التي اطلعنا عليها، سواءً يعني بواسطة وسائل الإعلام، أوغيرها، وجدنا أن الآباء ربما يعني يفاجئون بأن أبناءهم يعني فجأة ربما تورَّطوا في بعض هذه الأعمال، كما حصل في هذه الصور نحنُ لا نعمِّم، ولكن هذا نوع من أنواع التنبيه والتحذير، حتى يكون هناك نوع من التكامل في التأسيس والتحصين، وبالتالي لا يُخشى بإذن الله -سبحانه وتعالى - على الابن أينما ذهب، حتى لو ذهب في أقصى أنحاء العالم، هو بإذن الله -سبحانه وتعالى - لديه من الحصانة ما تكفيه؛ لأن يعني يميز ما بين- ليس فقط بين- الخير والشر، وإنما ما بين الشر وما بين يعني الشُّبُهات التي يمكن ربما أن تنطلي على من يفتقدون إلى هذا التحصين.
شيخ خالد، ربما يعني قبل أن نختم هنا نوع من الضمانة، هنا ضمانة من الله -سبحانه وتعالى - لمن أحسن في التربية، بأن لا يخشى على ذريته مستقبلًا، حتى لو بعد أن يعني يقضي إلى أو يعني يؤول أمره إلى الله -سبحانه وتعالى – ويغادِر، ويفارق هذه الحياة في قوله -سبحانه وتعالى -:في سورة النساء ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾[النساء:9].
الشيخ: نعم بالتأكيد، يعني الله -عز وجل- ذكر أن من ثمرة صلاح الإنسان أن يكون في ذريته حفظ، أن يكون في ذريته حفظٌ، ورعاية، فاستقامة الإنسان، واجتهاده في الدعاء مما يحفظ ذريته بإذن الله، لكن مثل ما قلت إنه هذا ليس ضمانة.
المقدم: نعم.
الشيخ: يعني في قصة الخضر مع موسى -عليه السلام، عليهما السلام-، لما جاء إلى القرية، وأصلح السور، سورًا قد آل إلى الهدم قال:
المقدم: كان أبوهما صالحًا.
الشيخ: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾[الكهف:82] جعل هذا من ثمار صلاح آبائهم حفظ الأولاد، من ثمار صلاح الآباء، لكن هذا ليس مطَّرِدًا في كل الأحوال، لكنه من الثمار التي يُرجى تحقيقُها.
المقدم: نعم لو ربَّى أبناءه على التقوى، تقوى الله -سبحانه وتعالى - ووصَّاهم بذلك، كما قال -سبحانه وتعالى - ألا يعتبر ذلك نوعًا من أنواع الاطمئنان على مستقبل الأبناء إن شاء الله.
الشيخ: بالتأكيد، أن صلاح الأبناء هو المرجو عند بذل الأسباب التي بها تصلح الأحوال.
المقدم: جميل، هنا نقطة مهمة جدًا، يعني فيما يتعلق طبعًا سؤال من مستمع أبو عمر يقول: هل مسئولية، أو هل هناك يعني نهاية لمسئولية الأب يعني فيما يتعلق بتربية الأبناء؟
الشيخ: ليس ثمة مسئولية تنتهي، هي المسئولية تتطور، وتتحول من صورة إلى صورة، كما قال -الله تعالى -: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾[الانشقاق:19] فالإنسان يمر بمراحل، ولا يُعدم الإنسان نُصحًا، يعني أنت المؤمن من صفاته الأساس، وركائزه، التي لا ينفكُّ عنها هو أن أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وأولى من يتوجه إليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتقويم، والإصلاح نفسه أولًا، ثم بعد ذلك من يليه« كُلُّكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رَعِيته»[تقدم]، فمما ينبغي أن يستحضر هذا المعنى نحنُ نحتاج إلى أن نقوِّم أنفسنا، أن نقوم أولادنا ، وأن مهما كبر أولادنا، أو كبرنا نحن وهم نحتاج إلى أن نقوم بعضنا بعضا.
- شيخ خالد هنا أيضا سؤال من المستمع حسن الزهراني يقول: "ما هي نتائج التفريط؟ ما هي عقوبات التفريط؟ وكيف يكون هذا التفريط، وخاصة في تربية الأولاد من الوالدين؟"
- بالتأكيد أن الله تعالى لما أمر في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]الذي يفرط في تربية أولاده سيكون سببا لشرٍّ في أولاده، مروا أولادك بالصلاة في سبع[في ذلك حديث النبيr:«عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ»أخرجه الترمذي في سننه:407. وحسنه]،هذا الذي فرط في أمر أولاده بالصلاة في سبع، وتهذيبهم على تركها بعد العشر، واضربوهم عليها لعشر، هذا يتحمل المسئولية في الأطفال، لتركه ما أمر الله تعالى به، ويكون قد تسبب في شقاء ولده، ولذلك الانفصال كلمة في غاية الأهمية ينبغي أن يعيها كل أب وأم، اسلموا من أن يندرجوا في هذه الجملة، غالب شقاء الأولاد هو من تفريط الآباء، غالب شقاء الأولاد من الذكور والإناث، هو ثمرة تفريط الآباء فيما يجب عليهم من الحقوق، لذلكم ينبغي أن نبذل الجهد، أن نسعى، وأن نقدم كل ما نستطيعه في سبيل إصلاح أولادنا، ونستعين الله تعالى بالدعاء، الموضوع ابذل السبب، واسأل الله، أنت يا أخي تماما كالزارع يضع البذرة في الأرض، ويسقيها ويرعاها، وينزع منها الآفات، ثم تكبر هذه الزرعة، أو هذه الشجرة ويخرج منها ثمر، وكلما كانت عنايتك بهذه الزرع وبهذا الثمر، وبهذا البذر قوية كانت نتائج ذلك بثمرتها مما تراه طيبا وذكيًّا.
لنتعاون ولنجتهد ونسأل الله، ونعلِّق قلوبنا بالله، ونسأل الله تعالى بصدق، يرزقنا الذرية الطيبة، وأن ييسر لهم الرزق الذي يكفيهم، هذا إبراهيم -عليه السلام- لما وضع إسماعيل وهاجر عند البيت الحرام في ما أمره الله تعالى {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]سأل الله تعالى لهم صالح الدين وصلاح الدنيا، ينبغي لنا أن نجتهد في دعائنا لأبنائنا {لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم:37] ، ونحن نحتاج إلى تحقيق هذا العناء ببذل الأسباب ودعاء الله -عز وجل- أن يحقق الغايات، وأن يبلغ المناة، نسأل الله التوفيق للجميع، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرينا في أنفسنا وأهلينا ما يسرنا، وأن يكفيَنا شرَّ التقصير في حق أولادنا، وأن يعفو عنا ما يكون من القصور أو التقصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- اللهم صلي وسلم على نبينا محمد، شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم على ما أضفتم من إضافات رائعة في هذا الحديث الشيق والماتع مع فضيلتكم فشكر الله لكم ونفع الله بعلمكم.
- بارك الله فيكم، وفي الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يقرَّ أعيننا جميعا بصلاح ذريتنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على حسن استماعكم وإنصاتكم خلال هذه الحلقة وتفاعلكم معنا من خلال ما تحدثنا عنه في هذه الحلقة عن تربية الأبناء في الإسلام، ونتمنى إن شاء الله أن نكون قد قدمنا ما ينال استحسانكم ويحوز على رضاكم.
في الختام تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الله الداني، ومن الهندسة الصوتية تحياتي الزميل طارق الزهراني.
لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في تمام الساعة الثانية ظهرا يوم الأحد المقبل حتى ذلك الحين وفي كل حين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.