الحلقة (20) كُفَّ عليك هذا
• المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
حياكم الله في هذا اليوم، وفي هذه الحلقة المباشرة، والتي نتناول فيها موضوعًا مهمًّا يمس حياتنا العامة، وحياتنا الاجتماعية، وكل ما يتعلق بهذه الحياة بكل تفصيلها ودقائقها.
موضوعنا في هذه الحلقة عن الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-: «أَمْسِك عليك هذا»[حديث معاذ الطويل أخرجه الترمذي في سننه:2616، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]سيتمحور حديثنا إن شاء الله فيما يتعلق حول آفات اللسان، وكذلك أيضًا الحِكم والدروس المستفادة من هذا الحديث النبوي الشريف.
في البداية اسمحوا لي أن أرحِّب بضيفي وضيفكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح" أستاذ الفقه، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم ضيفنا الدائم في هذا البرنامج . السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخ عبد الله، وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات أسأل الله أن يكون لقاءً نافعًا مباركًا
• المذيع: اللهم آمين. حديثنا إذًا مستمعينا الكرام سوف يكون حول هذا الموضوع، ونحن أيضًا نسعد بتواصلكم، وتفاعلك معنا من خلال هذا الموضوع، وهذه الحلقة المباشرة على الأرقام التالية:
* الرقم الأول: 0126477117، والرقم الآخر: 0126493028
وكذلك أيضًا هذه أجمال التحية لكم في هذه الحلقة من مُعِد ومقدم هذه الحلقة محدثكم "عبد الله الداني"، وكذلك أيضًا من الهندسة الإذاعية زميلي محمد بصويلح، وسنرافقكم بإذنه سبحانه وتعالى على مدى ساعةٍ كاملة.
إذًا على بركة الله نبدأ حلقتنا هذه في برنامج الدين والحياة".
• حياكم الله مجدَّدًا مستمعينا الكرام في هذه لحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وأيضًا نرحب مجددًا بضيفي وضيفكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح".
شيخ خالد كما ذكرنا في بدء هذه الحلقة حديثُنا عن قول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: «أَمْسِك عليك هذا». لما كان كل هذا التحذير من اللسان؟ بارك الله فيكم.
الشيخ: أولًا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
• المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله
الشيخ: أهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياهم من المتقين الأبرار، وأن يحفظنا في السرِّ والعلن.
• المذيع: آمين.
الشيخ: اللهم صلِّ على محمد.
موضوعًا كما تفضلت أخ عبد الله هو مقطع خَتمَ النبي –صلى الله عليه وسلم- به حوارًا طويلًا بينه وبين معاذ.
يقول معاذ –رضي الله تعالى عنه- كنت مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في سفر فَأصبَحت يومًا قريبًا منه، ونحن نَسِير فقلت: يا رسول الله. مُعاذ يقول للنبي –صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجَنَّة، ويُباعدني من النار". قال النبي –صلى الله عليه وسلم- مُجيبًا معاذًا على سؤاله: (لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه )ثم ذكر له –صلى الله عليه وسلم- ما يحقق هذه النتيجة، أن يدخل الجنة، وأن يباعد عن النار.
قال: «تَعبُد الله ولا تشرك به شيئا هذه هي الخصلة الأولى، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» وهذه على معانيها دَارَ الإسلام، فهي حدوده وأركانه التي يبنى عليها.
ثم إن النبي –صلى الله عليه وسلم-
• المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: قال لمُعاذ بعد أن بيَّن له الأصول التي تحصل بها النتيجة التي سأل عنها وهي: "العمل الذي يدخله الجنة ويباعده عن النار" قال: "ألا أَدُلُّك؟". قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: «ألا أدُلك على أبواب الخير بعد بيان ما تقدم؟ قال:
الصوم جُنَّة؛ أي: وِقاية: أي يتقي الإنسان ما يكره من السيئات والخطايا والشرور، والآفات في الدنيا والآخرة.
هذا معنى قوله: "الصوم جُنَّة"، والصدقةُ تطفئ الخطيئةَ كما تطفئ الماءُ النار»، وهذا بيان باب من أبواب الخير الآخرة وهو الصَّدقة، وأن الصدقة تمحو الخَطِيئةَ. "فتطفئها": أي تمحوها، وتذهب آثارها.
قال: «كما تُطفِئ الماءُ النار»؛ أي: تمثيله تصوير نَبَويٌّ لأثر الصدقة في إذهاب لهيب الخطايا، ما يشتغل في القلب من آثار الخطايا والذنوب تطفئها الصدقة التي يتقرب بها إلى الله تعالى. فالصدقة واجبة، وهذا الأصل، أو مستحبة، وهذا مما يحصل به التكميل كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة:103] ثم قال صلى الله عليه وسلم-
• المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: في ثالث باب من أبواب الخير يسمِّيه لمُعاذ قال: «وصلاةُ الرجل من جوف الليل»؛ أي صلاته في وسط الليل. "فجوف الليل": وَسَطه وداخله، قال –صلى الله عليه وسلم-: «وصلاةُ الرجل في جَوف الليل» ثم تلا قول الله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17-16] ثم قال بعد أن فرغ من ذكر ما تقدم من أبواب الخير قال: "ألا أُخبِرُك برأس الأمر؟"؛ أي: بأهمِّ ما يكون فيه. فرأس الشيء: أَهَمُّه، ومجمع مَحاسنِهِ، ومجمع مهمَّاتِه وخصاله.
قال: «ألا أخبرك بَرَأس الأمر كُلِّه وعموده وذِرْوَة سَنَامِه؟»، و"العمود": هو الذي يقوم عليه الشيء، و"ذَروة سَنَامِه": هو أعلى ما يكون في الشيء.
فسأله يعني استفسر منه عن الإخبار بهذه الأشياء الثلاثة؟: (رأسِ الأمر، وعمودِه، وذروةِ سَنامِه). قلت: بلى يا نبي الله (هذا معاذ يجيب). قال: فأخذ بلسانه فقال: «كُفَّ عليك هذا»
أخذ بلسانه بعد أن عرض عليه الإخبار (برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه) طبعًا هناك رواية، هذه رواية الترمذي، في رواية أحمد بيَّن قال –صلى الله عليه وسلم-: «رأسُ الأمر: الإِسلام، وعمودُه: الصلاة، وذَروَةُ سَنامه: الجهاد في سبيل الله»[مسند أحمد:22016]، تختلف الروايات ثم قال: «ألا أُخبرُك بمِلاك ذَلِك؟» فسواء كانت هذه الرواية أو تلك. لكن الأشهر في الرواية هي قوله: «ألا أخبرك بمِلاك ذلك؟». معنى "مِلاك ذلك"يعني: ألا أَدُلُّك على الشيء الذي
• المذيع: يجمع
الشيخ: إذا فعلته جمع لك كلَّ ما تُأمِّل مما يقربك إلى الجنة ويبعدك عن النار؟ قال معاذ: "بلى يا رسول الله" من يعرض عليه هذا السؤال ويقول له: كيف تحصل على فضائل تلك الأعمال المتقدمة؟ التي أجاب فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- عن مسائل عظيمة وهي:
- العمل الذي يُدخل الجنة، ويُبعد عن النار.
- الثاني: أبوابُ الخير.
- الثالث: رأسُ الأمر وعمودُه وذَروة سنامه.
قال له: ألا أُخبرك بما يجمع لك تلك الخيرات، وتلك الفضائل، وتدرك بها ما تُأمِّل من الخير؟. قلت: بلى يا نبي الله.
قال: فأخذ بلسانه؛ أي: النبي –صلى الله عليه وسلم- أَمْسَك لسانَ نفسه وقال: «كُفَّ عليك هذا»؛ أي: أمسكه.
فـ"الكَفُّ": هو الإمساك والمنع، والحفظ عن أن يتكلم الإنسان بما يعود عليه بالشر، وما يدخل به عليه الفساد.
وهنا قد يستغرب الإنسان ويقول: هل هذا حديث وحيد؟ لا.
الجواب على هذا: أن النبي –صلى الله عليه وسلم-.
• المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: كرَّر التنبيه إلى خطورة اللسان في مواضع عديدة، من ذلك ما في حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله ما أكثر تخاف عليَّ؟". إيش أكثر شيء تخافه عليَّ أن أتضَرَّر به أو أن يلحقَني أذى من جهته؟
قال: «هذا»[أخرجه الترمذي في سننه:2410. وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وأشار إلى لسانه، وهذا في معنى ما تقدم في حديث معاذ حيث قال له: «كُفَّ عليك هذا».
وعند الترمذي أيضًا من حديث عقبة بن عامر. قلت له: "يا رسول الله ما النَّجَاة؟"؛ يعني كيف تتحقَّق لي النجاة مما أخاف؟ سواء كان ذلك من شرور الدنيا، أو من شرور الآخرة. قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-:
• المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: «أَمسِك عليك لسانَك».[سنن الترمذي:2406. وقال:حديث حسن]
إذًا تكرر في وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- لجماعة من أصحابه، ومن خيارهم وأفاضلهم، الوصية بإمساك اللسان وكفِّه عن ما يمكن أن يعود عليه بالسوء والشر، والفساد والضُر.
معاذ –رضي الله تعالى عنه- لما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كُفَّ عليك هذا» قال: في مُسائَلةٍ يعني عَفْويَّةٍ، وتنبئ عن أن النبي نبَّهه إلى أمرٍ كان غافلًا عنه، فقال: يا رسول الله. يا نبي الله: "وإنا لَمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟"؛ يعني هل هناك مؤاخذةٌ ومحاسبة على ما نتكلم به؟
قال النبي –صلى الله عليه وسلم- على وجه الاستغراب من هذا السؤال: «ثَكِلَتْك أُمُّك يا مَعاذ» هذه تقال على وجه المُعاتَبة اللطيفةِ، وليس مقصودها معناها يعني ليس.
• المذيع: الدعاء عليه
الشيخ: ليس المقصود الدعاء عليه، إنما هو مما جرى به لسانُ العرب مما يقال للتنبيه إلى أنه كيف يغفل مثل هذا؟
• المذيع: جميل
«ثكلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يَكبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مَناخِرِهم إلا حَصائدُ ألسنتِهم»[حديث معاذ الطويل أخرجه الترمذي في سننه:2616، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]؛ أي: أكثر ما يُلقي الناس في النار على وجوهِهم وعلى مَناخرهم هو ما تتفَوَّه به ألسنتهم، وَمَا جَنَتْه ألفاظهم، وهذا يُبَينُ خُطورة ما يتكلم به الإنسان، وأنه قَد يتكلَّم بالكلام الذي لا يَظن أنه يصل به شيئًا من السوء والشر فيكون سببًا لهلاكه، وسببًا لفساد حاله بل فساد حاله ومآله.
وأذكر في ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أنه قال: إن العبد قال –صلى الله عليه وسلم-: «إن العبدَ لَيَتَكلَّم بالكلمة مَا يتبين فيها» انتبه هو الآن يتكلم، وهذا الكلام لا يكون إلا باللسان لكنه ما يتبين فيها؛ يعني لا يتأمَّل، ولا يُلقي لها بالًا، ولا يهتمُّ لها «يَهْوِي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب».[صحيح البخاري:6477]
"يهوي بها في النار": أي يَسقُط بها في نار جهنم والعياذُ بالله أبعدَ ما بين المشرق والمغرب، وفي حديث "بلال بن حارث المزني" قال –صلى الله عليه وسلم-: «وَإِنَّ الرجل لَيَتَكلمُ بالكلمة من سَخِط الله ما كان يَظُن أن تَبْلَغَ ما بَلَغَت يَكتُب الله له بها سَخَطَه إلى يوم القيامة».[أخرجه الترمذي في سننه:2319. وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصحح الحاكم في مستدركه:136، ووافقه الذهبي]
• المذيع: لا إله إلا الله
الشيخ: والحديثان ليسا واردين على عقوبة واحدة إنما على عقوبتين مختلفتين في زَمَنين مختلفين.
حديث بلال الحارث يقول: «إنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله؛ أي مما يَسْخَط الله، ومما يُوجِب غضبه وَمَقتَه -جلَّ في علاه- ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، هو لا يعرف يعني لحظة:
لا يقل قائل: طيب يعني الإنسان قد يتكلم بالكلام وهو جاهل، ولا يدري ففي هذه الحال كيف يُعاقَب وهو جاهِل؟، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:15] لا.
الكلام ليس جَهلًا، هنا هو يقصد من هذه الكلمة كلمة "حرام"، كلمة "سوء"، كلمة "شرٍّ" لكنه لا يعلم عاقبتها، لا يعلم مِقدار العقوبة المرتَّبةِ عليها، وليس أنه لا يعلم أنها حرام، وإلا لو كان لا يعلم أنها حرام ما أُخذ بذلك
• المذيع: ما يعذب بجهله
الشيخ: لأن الأحكام تتبع العلم، وهو العذر بالجهل قائم
• المذيع: نعم
الشيخ: المقصود أن قوله –صلى الله عليه وسلم-: «مَا كان يَظُن أن تَبلُغ ما بَلَغَت»؛ يعني ما يقول: هذه كلمة سهلةُ ما تضرُّ، وإيش تبغي تسوي هذه إلى تدخلني النار؟ كما يفعله، وكما يتكلم به بعض الناس، ويخَفِّف في بعض ما يصدر عنه من كلام.
قال: «يكتب الله له بها؛ (أي بِسبَبِها) سخطَه إلى يوم القيامة».
معنى "سخطه": أي أنه يَمضِي بقيَّةَ عمره في سخط الله
• المذيع: لا إله إلا الله
الشيخ: وهذا عُقوبة دُنيويه ومَن كان الله ساخطًا عليه كيف تَطيبُ حياته؟ كيف تستقيم أُموره؟
أنت الآن يا أخي لو أُخبرتَ بأن مُديرَك في العمل ساخطٌ عليك، كنت عايش في قَلَقٍ، وإيش بيسوي فيه؟، وبالتقييم الأدائي بيكون كذا، وبيكلِّفني ما لا أطيق؛ يعني بيعيش الإنسان حالة من القلق إذا علم أن مديره في العمل ساخطٌ عليه.
فكيف والساخط عليك ربُّ الأرض والسموات؟ تمضي ليلَك ونهارَك في سخطه لا شكَّ أن هذه عقوبةٌ عظيمة لا يقدُر قدرَها إلا من تصوَّر حجم الضرر الحاصلِ بها.
وأما الحديث الآخر حديث أبي هريرة: «إِنَّ العبد يتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن فيها» يعني ما يهتمُّ لها، ولا يتأمَّلُ فيها
• المذيع: ولا يدرك مداها نعم
الشيخ: ولا يدرك مداها، وما ينتُج عنه، والضرر الحاصل بها «يَهْوي بها في النار أبعَدَ ما بين المشرق والمغرب».
هذا المجموع من الأحاديث يبين لنا خطورة هذه الجارحة "اللسان" الذي يفتِك بالإنسان ويوقِعُه في مواقع الرَّدى في الدنيا والآخرة؛ لذلك البَصَرَة أهلُ الرأي والعقل إذا سمعوا مثل هذا أَلَجَمَتْهم عن كثيرٍ من الكلام إذا سمعوا هذا التحذير، وهذه الأحاديث النبوية
• المذيع: نعم
الشيح: أَلْجَمَهم ذلك عن كثيرٍ من الكلام.
علقمة كان يقول: "كم من كلامٍ قد مَنَعَني" حديث بلال بن الحارث الذي قال فِيه: «إِنَّ الرجل يتكلَّم الكلمةَ من سَخَط الله ما كان يَظُنُّ أن تبلغَ به ما بَلَغَت يكتب الله بها سَخَطَه إلى يوم القيامة».[أثر علقمة مخرَّج مع الحديث عند ابن ماجه في سننه:3969]
• المذيع: سبحان الله
الشيخ: فلذلك ينبغي للمؤمن أن يستحذر هذا المعنى، وأن قوله –صلى الله عليه وسلم-: «كُفَّ عليك هذا» ليس كلامًا يعني عاديًّا يؤخذ على أنه أمر فقط، توجيه ختم به النبي –صلى الله عليه وسلم- الحديث، لا.
هذا بيان أن كثيرًا من الفساد الداخل على الناس في معاشهم، كثيرٌ من الفساد الداخل على الناس في دينهم، كثيرٌ من الفساد الداخل على الناس في أُخراهم سَبُبه ما تفوَّهت به ألسنتهم، فيجب على الإنسان أن يكون رَقِيبًا على قوله، والله تعالى يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ [ق:18]
• المذيع: ﴿إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]
الشيخ: ﴿إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، ﴿ إِلَّا لَدَيْهِ﴾: أي يحذِّره، رقيبٌ عتيد، يقيد ما يكون منه ويسجِّل ما يصدر عنه
• المذيع: جميل
الشيخ: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية:29] فينبغي للمؤمن أن يحذَرَ لسانه، وأن يحذر ما يكون من قوله؛ لأجل ألا يتورَّط فيما يفسد عليه معاشه ومعاده
• المذيع: طيب
الشيخ: حفظ اللسان تنفَتِح به أبواب الخيرات للإنسان.
قال الله –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا﴾
• المذيع: ﴿سَدِيدًا﴾ [الأحزاب:70]
الشيخ: ﴿سَدِيدًا﴾ الثمرة؟ النتيجة؟
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب:71] فرتَّب الله تعالى فائدتين عظيمتين على القول السديد، والقول السديد: هو القول الصالح الذي يجافي الشرَّ والفساد، ويُبعد عن مغاضب الرحمن–جلَّ في علاه-
إذا وقاك الله هذا من الكذب، والنميمة، والغيبة، والاستهزاء، والسخريات
• المذيع: ونقل الشائعات
الشيخ: ونشر مَقالَة السوء بين الناس، والقِيل والقال، وما أشبه ذلك مما يندَرِج في الكلام السيئ ومنه القذف أيضًا، قذف الناس بما ليس فيهم، ومنه تَفسيقُهم وتبديعُهم، وتكفيرهم
• المذيع: وتكفيرهم نعم
الشيخ: بغير حق، وأشياء كثيرة ليست مقصورة على صورة من صور الكلام الرديء، والكلام السيئ وهو متفاوت بالدرجات. أيضًا السخرية من آيات الله: الاستهزاء بالدين، الاستخفاف بأحكام الشريعة.
• المذيع: العبارات المُسيئة وغيرها
الشيخ: كل هذا مندرج في هل المعنى وهو أنه خلاف القول السديد.
معنى أن صلاح معاشه وصلاح معاده، صلاح دينه وصلاحه دنياه فليحفظ لسانه، وليجتهد في القول السديد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب71:70] في هذا الأمر وفيه غيره ﴿فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:71].
• المذيع: شيخنا شيخ خالد فيما يتعلق بهذا الموضوع وأهميته هناك الكثير من النصوص سواءً في القرءان الكريم أو في الأحاديث النبوية النصوص الشرعية كثيرة ومتوافِرة حول هذا الموضوع، ولعل ربما التنبيه على هذا الموضوع، وأهمية حفظ اللسان من أكثر من جهة، ومن أكثر مِن طريق، وبأكثر من وسيلة وأسلوب، يدلل على أهمية هذا الأمر وخاصةً فيما يتعلق بأمن المجتمع، وأمن الفرد والمجتمع، كذلك في نفس الوقت خصوصًا إذا ما تعلق الأمر بظروف خاصة، وأحيانًا بأوقات الفتن التي تتطلَّب أن يحفظ المسلم لسانه بالشكل الذي يفوق الوضعَ المعتاد الذي كان عليه في السابق، يعني إذا ما توافرت هناك بعض الظروف وخاصةً في أزمنة الفتنة ربما أيضًا يتوجب الأمر بشكل أكبر وأكثر فيما يتعلق بحفظ اللسان.
الشيخ: بالتأكيد أن خطر اللسان الذي تقدَّم بيانه وإيضاحه هو يعني خطرٌ عام في كل حال وفي كل وقت، لكن هذه الخطورة تعظم وتكبر عندما يكون الإنسان في ظرف يستوجب عليه الاحتياط وحفظ هذه الآلة.
• المذيع: نعم
الشيخ: والبعد عن كلِّ ما يكون سببًا للشر والفساد.
فحفظ اللسان ضرورة للخروج من الآفات، والشرور المتعلقة بالفتن؛ ولذلك نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الاستشرافِ للفتنة، والاستشراف للفتنة هو: التعرض لها سواء كان ذلك بالقول أو كان ذلك باللسان أو كان ذلك بالعمل أو كان ذلك بالفكر أو التنظيم.
جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «سَتَكونُ فتنةٌ صمَّاءُ بَكمَاءُ عَمياء من أَشْرَف لها؛ (يعني من تعرَّض لها) استَشْرَفَت له»؛ أي من لم يتوقَّها ويبعد عنها، ويلوذُ بالكتاب والسُّنة عن التورُّط فيها فإنه سيقع، تَجْبِذُه، وتمدُّ إليه خُيوطَها حتى تتمكن منه.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
• المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: «وإِشرافُ اللسان فيها كوقوع السيف». [سنن أبي داود:4264. وضعفه الألباني في الضعيفة، أثناء الكلام عن الحديث:2479]
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: "إشراف اللسان": أي تعرُّض اللسان للفتنة بتبرير، أو تصوير، أو تأييد، أو تنظير وتقعيد، أو ما إلى ذلك مما يندرج في أنه يذكِّي الفتنة، ويحرِّض عليها ، ويزيِّنُها، ويدعو لها بالتأكيد أنه كوقع السيف يعني في الأثر؛ لأن الحرب مبدؤها الكلام.
• المذيع: نعم الله المستعان
الشيخ: فإذا لم يَحكُم الإنسان قوله في أوقات الصراعات، في أوقات الفتن، في أوقات الشرور ويتقِّ الله تعالى، ويفكر بالعواقب، ويخف الله تعالى، ويتذكر حساب الله تعالى له، وأنه قد يتكلم بالكلمة فيفتح على نفسه وعلى الناس باب شرٍّ عظيم.
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: لا شك أنه سيكون ذلك موجبًا لمفاسد كبرى ويترتب عليه ما قاله –صلى الله عليه وسلم-
• المذيع: خصوصًا يا شيخ خالد وأن هناك التقنية الحديثة عفوًا يا شيخ خالد، التقنية الحديثة أصبحت تنقل هذه الأحاديث بما لم يكن يعني يتناقله الناس ويتناوله بينهم من قبل؛ يعني هذه الأحاديث التي ربما كانت يعني مُنحصرة، مسألة التوسع فيها وانتشارها على إطار معيَّن أو في قرية، أو في يعني في دائرة ضيقة جدًّا، الآن أصبح الآن العالم كلُّه قرية واحدة، فربما باستخدام بعض وسائل التواصل الحديثة وغيرها يصبح الشرُّ أكبر، والإثم أخطر مما كان عليه من قبل.
الشيخ: يعني بالتأكيد يا أخي الكريم أن الكلام السيئ والشر يعني يعظُم خطره، ويكبر شرُّه بقدر ما يحصل من الضرر.
فكلما اتَّسَعت دائرة الضرر كان ذلك مُوجبًا للحذر ومزيد العناية، يعني الذي يتكلم فيما بينه وبين صاحبه ليس كالذي يتكلم في مجلس فيه جمعٌ من الناس، والذي يتكلم في قناة إعلامية أو وسيلة إعلامية، ومِنبرٍ إعلامي سواء كان ذلك صوتيًّا أو مَرئيًّا أو كان ذلك كتابيًّا ليس كمن يتكلم في مجلس.
إذًا هناك تفاوت، ومما يبين أن هذا التفاوت مُراعى في الشريعة، وأنه مما يوجب الخطر ما جاء في حديث "جندب" في حديث "سمرة بن جندب" –رضي الله تعالى عنه- فيما رآه النبي –صلى الله عليه وسلم- ليلة رأى مَلكين جاءاه وطافا به على النار فرأى أصنافًا من أهل النار كان ممن رآهم قال: «رأيت رجُلينِ أتياني» قال: الذي رأيته كان رجُلًا يشقُّ شِدْقَه من أوله إلى أن يبلغَ أُذُنه فإذا فرغ منه انتقل إلى الجانب الثاني، وشقَّ شِدقَه من مبدئه إلى أذنه.
• المذيع: نعم
الشيخ: فسأل النبي –صلى الله عليه وسلم- ما بال هذا؟
• المذيع: عليه الصلاة والسلام
الشيخ: قال الرجلان للنبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان سبب عُقوبة هذا بهذه العقوبة وهي: شقُّ فمِه إلى أن يبلغ أُذنَه. قال: «الذي رأيته يُشَقُّ شدقه كَذَبَ، كذَّابٌ يكذب الكِذْبة، تُحمَل عنه حتى تبلغ الآفاق».[صحيح البخاري:1386]
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: فيصنع بِه إلي يوم القيامة، هذه حاله "حتى تبلغ الآفاق".
انظر كيف كانت عقوبةً مغلظة عندما كانت الكِذبة عظيمة الانتشار
• المذيع: نعم
الشيخ: الآن يا أخي الكريم أنا وأنت في بيوتنا، ونكتب الكلمة عبر وسائل الاتصال (التواصل الاجتماعي) سواءً الوتس أب، سواءً في التويتر، الفيس بوك سائر أوجه التواصل.
"تبلغُ الأفاق": تبلغ أقاصي الدنيا شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا. بالتأكيد إن هذا يجعل للكلمة وَزنًا ينبغي أن يراعي الإنسان، يعني أنت لما تُخطئ وتتكلم أنت وواحد يبقى الضرر محصورًا.
• المذيع: صحيح
الشيخ: لكن لما تكتبه على الملأ، وتنشره في الآفاق كلامه مختلف تمامًا.
• المذيع: صحيح
الشيخ: ولهذا لا بد أن نعي أن خطورة اللسان اليوم لا تُختصر على ما تفوَّه به من كلمات، بل يشمل ما تفوَّه به من كلمات، وما جرى به قلمُه من حروف، وما جرت به أصابعه من هَمزات على مفاتيح (لوحة المفاتيح) كل ذلك يندرِج في «كُفَّ عليك هذا» فكف عليك للمقروء سواء كان مرئيًّا أو كان مُسجَّلًا، سواء كان مُباشِرًا أو كان عبر وسائل الحفظ التي تَحفظ الكلام.
• المذيع: جميل
الشيخ: كل هذا مما يتوجب معه الاحتياط والعناية فيما يصدر عنا.
يا أخي يعني نحن قد نتكلم مثلًا عن جانب من جوانب، مما ينبغي الاحتياط فيه من الكلام لكن الأمر أوسع نحن
• المذيع: صح
الشيخ: كلما عظُم ضَررُ الكلام وجوب الاحتياط فيه أعظم، كالذي يتكلم فيما يتعلَّق بشأن خاصٍّ بينه وبين شخص ليس كمن يتكلم فيما يتعلق بشأن الأُمَّة كلها.
• المذيع: نعم
الشيخ: هذا يتوجب من الحفظ والصيانة ما ينبغي أن يقف عنده، وإن كان الإنسان مأمورًا بحفظ لسانه في الخاصِّ والعام، والمجالس، وفي الحديث الانفرادي ،كلُّهم من حيث وجوب حفظ اللسان ينبغي أن يراعى فيه هذا الأمر.
• المذيع: شيخ خالد ربما البعض يظن أن هذا الأمر محصورٌ فيما يتعلق بحفظ اللسان عن الكلام الخاطئ، لكن هناك أمور يجب التنبيه عليها ألا وهي تتعلق بحفظ اللسان فيما يتعلق بالكلام الصحيح، لكن إشاعتُه ونقله والكلام والحديث به لا يصبُّ في مصلحة الأمة، وبالتالي في هذا الموقف يحسن الإِحجام أو التوقُّف عن هذا الكلام، أو عن نشره أو الحديث به سواءً في المجتمعات الصغيرة أو في الوسائل الحديثة.
هل يمكن أن نقول: إن مراعاة المصلحة أيضًا عندما يتحدث الإنسان يدخل في إطار حفظ اللسان؟
الشيخ: نعم بالتأكيد النظر إلى العواقب، وما ينتج عن الكلام لا يغيب عن العاقل.
فالإنسان لا يلقي بالكلام على عواهنه، بل ينظر إلى آثاره وعواقبه؛ ولذلك قال الله تعالى:
• المذيع: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ﴾ [النساء:83]
الشيخ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:83] فضرورة العناية بالكلام ليس فقط في ألفاظه كما ذكرت يعني قد يكون الإنسان يتكلم بكلام حقٍّ لكن ليس هذا موضوعَه، ولا هذا وقتَه، ولا هذا أسلوبَه المناسب، فينبغي أن يراعى الإنسان في كلامه ليس فقط إنه يقول حقًّا، فيقول كيفما كان، يعني إذا قرأت القرآن وأنت ساجد فقد خالفت الله ورسوله، مع أنه القرآن، لكنه قول في غير موضعه
• المذيع: نعم
الشيخ: على إني نُهيت أن أقرأَ القرآنَ وأَنا راكع أو ساجد[حديث ابن عباسtفي هذا المعنى أخرجه مسلم في صحيحه:479/207في مرض النبيr، وفيه:وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا].
فإذًا فمن قرأ القرآن وهو أطيب قول وأجل كلام إذا قرأه في حال الركوع والسجود كان منهيًّا عنه، هذا في عبادتنا، هذا فقط للتصويب
• المذيع: نعم
الشيخ: مع أنه كلام الحق، لا يقال في كل مكان، ولا في أي حال، ولا في أي زمان، ولا في أي وضع، ولا بأي أسلوب، بل ينبغي للإنسان أن يَعتَني بكلامه، وأن لا يكتفي فقط يقول: والله أنا ما قلت إلا حقًا، طيب يا أخي قلتَ حقًا لكنك قلته في غير موضعه.
كما أن الله نهى رسول أن يقرأ القرآن وهو رَاكِع وساجد، وهو أطيب كلام،كذلك أنت منهيٌّ عن أن تقول هذا القول في هذا الموضع.
وقد جاء في حديث البخاري من حديث الأعمش، عن أبي وائل قال: قيل لأسامة: لو أتيت فلانًا؛ يعني عثمان أو أحدًا من الخلفاء، لو أتيت فلانًا فكلَّمتَه؛ -يعني فيما يؤخذ عليه، من بعض ما صدر عنه- قال: إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم
• المذيع: سبحان الله
الشيخ: يعني هل أنتم تظنون وتتوقعون يعني أني ما أقول كلمة إلا لازم آجي أخبركم؟ ما أنصح نصيحة لولي الأمر إلا لازم آجي وأقول: ترى أني قلت كذا، وفعلت كذا؟ إني أُكلِّمه في السرِّ دون أن أفتح بابًا، لا أكون أولَ من فَتَحَه.
• المذيع: الله أكبر
الشيخ: هذا كلام أسامة حِبِّ رسول الله.
• المذيع: اللهم صلي وسلم عليه
الشيخ: لبيان الفقه، والنظر البصير في معالجة الأمور، وفي إصلاح العَطَب دون أن يكون ذلك موجبًا للفساد، وموقعًا في شرٍّ أعظم.
• المذيع: جميل
الشيخ: ولذلك قال -رضي الله تعالى عنه-: "وإني أُكلِّمه في السرِّ دون أن أفتَحَ بابًا لا أكون أول من فتحه، ولا أقول لرجلٍ أن كان عليَّ أميرًا إِنَّه خير الناسِ بعد شيءٍ سمعته من النبي –صلى الله عليه وسلم" إلى آخر ما ذكر –رضي الله تعالى عنه- في قصة أمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر دون امتثال ذلك في قصة الرجل الذي تندلق أقتابه فيدور عليها كما يَدُور الحمار بِرَحَاه[رواه البخاري في صحيحه:3267]
المقصود من هذه القصة: وهي في صحيح البخاري
• المذيع: نعم
الشيخ: هو ما ذكرته أخ عبد الله من أنه ينبغي للمتحدِّث المتكلم، ولو كان يتكلم بقرآن، لو كان يتكلم بسُنَّة، لو كان يتكلم بحقٍّ صُراح أن يفكِّر في هل هذا الزمان هو المناسب؟
• المذيع: نعم
الشيخ: هل هذا المكان هو المناسب؟ هل هذا هو الأسلوب المناسب؟ هل هذا الوقت الذي؟ أو هل يترتب على هذا الكلام في المآلات والعواقب ما يمكن أن يكون شرًّا أو فسادًا بأن يفكر بها الإنسان، والغالب في حال كثيرٍ منا أنه ما يفكِّر في شيء أبدًا، ولا يُتْعِب نفسه في النظر يعني، بل يلقي الكلام على عواهِنِه دون نظر. وعند ذلك أقول: القانون الشرعي والقصد أو حتى التمرير
• المذيع: لا تأخذ من الإنسان الوقت نعم
الشيخ: أحسنت يعني إعادة التغريدة بقسوتها، وما أشبه ذلك أو النقل أو الاقتباس هذا يعني ينبغي أن يفكِّر الإنسان؛ يعني «كفى بِالمَرء كَذِبًا أن يُحَدِّث بِكُلِّ ما سَمِعَ»[حديث النبيrأخرجه مسلم في صحيحه:5/5].
• المذيع: نعم
الشيخ: القانون نعود للقانون ثم نرجع لمسألة التمرير. هل التمرير يأخذ نفس الكلام إلي تكلمنا فيه عن الكلام المبتدأ؟
• المذيع: نعم
الشيخ: النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر قانونًا يعني، وقاعدةً كُليَّة فيما يتكلم به الإنسان كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَن كَان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فَلْيَقُل خَيرًا أو لِيَصْمُت»[صحيح البخاري:6018].
الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
* إما أن يكون خيرًا، والخير هنا إما أن يكون في ذاته أو في مآله وعاقبته، وكلاهما داخلٌ فيما يتحدث عليه في أمر من الأمور. هل من المناسب أن يتحدَّث بهذا أو غير مناسب؟ هل من المناسب أن ينبِّهَ على أن يتكلم بكلام غير دقيق؟ والخبرة والحكمة، والتجربة والأنات ليصل إلى ما يخرج به من عواقب الكلمات الرديئة.
• المذيع: جميل؛ لأن البعض يا شيخ خالد ينقل الكلام وينقل الحديث يقول: العهدة على الراوي، هل يعفيه هذا الأمر من مسئولية حديثه، ومسئولية الكلام الذي ينقُلَه؟
الشيخ: لا، ليس هذا مبرِّرًا لأن يُطلِق الإنسان لسانه فيما شاء دون بصيرةٍ، ولا تَريُّثٍ، قد ذكرت قبل قليل «كَفَى بالمرء كذبا أن يتحدث بكل ما سَمِع»
• المذيع: «يحدث بكل ما سمع»
الشيخ: هذا الحديث النبوي الذي فيه التحذير من إطلاق اللسان، وإنه يكفيك إثمًا وكذبًا أن تُحدِّث بكل ما سمعت يكُف الإنسان عن النقل؛ ولذلك جاء يعني نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في حديث المغيرة بن شعبةt: «عن قِيل وقَالَ وكَثرة السؤال»[صحيح البخاري:1477]
"قيل وقال" يعني: أحاديث الناس التي يتناقلونها. قال فلان، وقيل كذا، وقال كذا، ويشاع كذا.
يا أخي تذكر هذا الحديث وهو ما رواه الإمام مسلم في صحيح من حديث حفص بن عاصم قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «كَفَى بالمرء كَذِبًا أن يُحدِّث بِكُلِّ ما سَمِع»[أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح(ص10)] يعني يكفيك نصيبًا من الكذب الذي يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار. يكفيك نصيبًا من الكذب أن تنقل كل ما سمعت، سواء كان النقل باللسان تقول: فلان قال، أو قيل، أو سمعنا، أو يقال، أو زعمه، أو ما إلى ذلك من الكلمات التي في نهايتها تنقل قول غيرك في قضية نقلتها ولم تتثبت منها، ونقلها حتى لو تثبت منها قد يكون فيه مفسدة، ومثل أيضًا الآن فيما يتعلق بشبكات التواصل
• المذيع: نعم
الشيخ: إعادة التغريد مثلًا التويتة هذا نوع من النقل للحديث؛ لأنك تنقله تُبلِّغ هذا الكلام لمن يتابعك.
• المذيع: نعم
الشيخ: فأنت الآن كما لو كنت في مجلس وجيت وقلت: قيل كذا، أو سمعت كذا، فإن كان حقًّا فانقله، وحتى إن كان حقًّا في غير موضعه يجب أن تكُفَّ عن نقله.
• المذيع: جميل
الشيخ: ومن هذا أنا أذكر مثلًا تداول الناس للمقاطع هو نوع من نقل الحديث بالصورة، لكنه ليس بالصوت فمثلًا عندما يتناقل الناس حادِثَة القتلِ التي جَرَت لأحد رجال الأمن، ونسأل الله
• المذيع: غدت نعم
الشيخ: أن ينتقم من الظلمة، وأن يكشفَهم وأن يعثِّرَهم عاجلًا غير أجلًا، يعني تناقل مثل صورة هذا الموقف الجاري الذي نقله هؤلاء الأشرار المفسدون في الأرض، هل هذا مما يحقِّق خيرًا؟
أنا أقول: يا أخي قف دقيقة واحدة أو ثانية في كل ما يصلك من كلام، أو من مقاطع، أو من أخبار، أو من أقاويل قف دقيقة وتأمَّل هل يرضى الله عنك بفعلك هذا أم لا؟
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: يعني اسأل نفسك هل أنت في رضى الله أم أنت تنقل شيئًا قد يكون سببًا لسخط الله عليك؟ إذا كنت لا تتحقق أن هذا مما يُرضي الله عنك لا تنقلْه، يا أخي
• المذيع: نعم
الشيخ: السلامة لا يعدِلها شيء، سواء إن كان نَقلًا بالحروف، أو كان نقلًا بالكتابة، أو كان نقلًا بالتويتة، ولإعادة التدوير أو بالمشاركة بالمُدوَّنات
• المذيع: نعم
الشيخ: في الفيس بوك، أو كان بالنشر عبر وسائل التواصل الأخرى، واتساب وغيره من وسائل التواصل.
نحتاج إلى نكُفَّ ألسنتَنا، نكفَّ أيدينا عن أن ننشر ما يمكن أن يكون سببًا لفساد دينا ودنيانا.
• المذيع: جميل، طيب شيخ خالد لما تحدثنا عن هذا الجانب هناك نقطة مهمة جدًا ألا وهي عندما نتحدث عن حفظ اللسان يأتي جانب مهمٌّ ألا وهو بيان الحق والصدع بالحق، وخاصةً عندما يتعلق هذا الأمر بمصلحة الأمة، وأيضًا بما فيه النصح لها، وكذلك أيضًا عندما يتحدث الإنسان عن حفظ اللسان ربما يَشتَبِه عليه الأمر فيسكت عن بيان الحق في وقته.
الشيخ: يعني هو على كل حال هذه المسألة الحقيقة إنها لا تتعلق بعموم الناس، يعني هذه ليست مُشكلة عموم الناس، هذه مشكلة بعض من يكون عنده رأي من أهل العلم
• المذيع: جميل
الشيخ: أو أهل الفكر، أو أهل الرأي، قد يقع عندهم مثل هذا الإشكال، ولذلك أنا في ثنايا حديثي قلت: الموضوع لا يعني لا نتحدث في قضية المُنكرات مع كل أحد، يعني أنت يا أخي عندما ترى مُنكرًا أَنِكره، الإنكار مراتب ودرجات
• المذيع: جميل
الشيخ: الذي يحدِّد الدرجات والمرتبةَ عوامِل كثيرة، ومنها ما يمكن أن يكون مَفسدة
• المذيع: صحيح
الشيخ: الله تعالى يقول: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام:108] فنهى الله تعالى عن أمرٍ محمود وهو سبُّ آلهة الكفار؛ لما كان ذلك سببًا لإثارة الشرِّ والفساد، وانتشار ما يكون سببًا للتفريق، وتشعيب الأمة.
وهذا ما فعله أسامة –رضي الله تعالى عنه- عندما قال: "قد كلمته سِرًّا دون أن أفتح بابًا؛ أي: بابًا للإنكار على الأئمة على أنها خشية أن تتفرق الكلمة، وأن يقع فسادٌ في الأمة، طبعًا بعض الناس ما يريد، ما يقبل هذا، يبغيك تيجي وتمسك يعني أعلى منبر إعلامي وتقول: يا جماعة الخير كلمتُ فلانًا في المنكر، فلم يُردّ علي
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: يعني يا أخي هذا غير صحيح، هذا ليس عقلًا ولا دينًا، ولا فعله الصحابة الكرام –رضي الله تعالى عنهم-، وليس مما يحمد عليه الإنسان، هذا قلة عقل، والمطالبة بذلك من قِلَّة العقل، وفعله من قلة الفهم، والإدراك لنصوص الشريعة.
يجب على الإنسان أن يتحرَّى تحقيق الخير فيما يفعل، وفيما يضر، فيما يتكلم به، وفيما يمسك عنه.
• المذيع: فضيلة الشيخ خالد -إن شاء الله- ربما نفرد الحديث عن النصيحة في حلقةٍ كاملة -إن شاء الله- في وقتٍ لاحق. لكن عندما نتحدث أيضًا عن جانب مهمٍّ ألا وهو الوقوع في أعراض المسلمين يا شيخ خالد، وخاصةً يعني يكثُر تكثر صور الوقوع في أعراض المسلمين ربما لو في دقيقة يا شيخ خالد نتكلم عن هذا الجانب المهم.
الشيخ: أي نعم هو حفظ اللسان عن كل سوءٍ وشرٍّ، ومنه أعراض الناس الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات:12] ثم قال:﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾
• المذيع:﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات:12]
الشيخ: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ الآيات فيما يتعلق بحفظ الحقوق من النهي عن الغيبة، من النهي عن القَذف، من النهي عن مقالة السوء في الناس واضحة وبينة، والأصل في ذلك ما كرره النبي –صلى الله عليه وسلم-:
• المذيع: اللهم صلي وسلم عليه
الشيخ: «كلُّ المسلمِ على المُسلمِ حرامٌ دمُه ومالُه وعرضُه»[أخرجه مسلم في صحيحه:2564/32] فاتقِّ الله في أعراض الناس، بعض الناس ممن نشاهدهم ونراهم لا يقيم لأعراض الناس وزنًا
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: كأنه لن يحاسب عما يتكلم
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: فتجده إذا ذكر فلانًا إيه فلان فيه كذا، وإذا جاء ذكر الشخص الفلاني سواءً يعني من عامة الناس أو من الأقارب أو من الجيران
• المذيع: من ولاة الأمور
الشيخ: أو من ولاة الأمور، أو من العلماء، أو من الكتَّاب، أو من يعني لا يرعوي عن أن لا
• المذيع: يَستَحِلُّ لنفسه ما يقع فيه يا شيخ، يعني يوجد لنفسه أعذارًا، يوجد لنفسه مخارجًا
الشيخ: كأن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "كل المسلم على المسلم حلال"
• المذيع: الله المستعان
الشيخ: كأنه قال: "كل المسلم على المسلم حلال دمه وماله وعرضه"، والنبي –صلى الله عليه وسلم- قال عكس ذلك قال: «حَرَام»، ومعنى "حرام": أنه مُحتَرم، يجب صيانة النفس عن الدماء، صيانة النفس عن الأموال، صيانة النفس عن الأعراض؛ فإن ذلك مما يوجب الهلاك، و"المُفْلِس يوم القيامة": من يأتي يوم القيامة بصيامٍ وصلاةٍ وصدقة، فيؤخذ فيأتي وقد ضرب هذا، وَسَفَك دم هذا، وقذف هذا، وكذَّب هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت أُخذ من سيئاتهم ووضعت عليهم فألقي في النار.[حديث النبيrفي ذلك أخرجه مسلم في صحيحه:2581/59من حديث أبي هريرةt] نسأل الله السلامة والعافية.
• المذيع: اللهم آمين.
طيب كان حديثًا شيِّقًا معكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح" أستاذ الفقه، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وقد تحدثتم بارك الله فيكم عن "حفظ اللسان وأهميته"، وفي الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: «أَمْسِك عليك هذا» كان هذا هو حديثنا في هذه الحلقة، ونحن بدورنا نشكركم، ونقول: جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم، ونفع الله بهداكم سائر المسلمين
الشيخ: وجزاكم الله خيرًا، وأنتم كذلك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
• المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم الشكر الجزيل أنتم مستمعين الكرام أيضًا على تفاعلكم معنا في هذه الحلقة، وعلى إنصاتكم واستماعكم لنا في هذا الحديث الشيق والمبارك، والذي نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا فيه الأجر والفائدة.
إذًا «المُسلم من سَلِم المسلمون مِن لِسانِه وَيَدِه».
تقبَّلوا في الختام تحياتي محدثكم "عبد الله الداني"، ومن التنفيذ على الهواء زميلي محمد بصويلح، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في تمام الساعة الثانية من يوم "الأحد" المقبل حتى ذلكم الحين، وفي كل حين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.