×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(23) والعافين عن الناس

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5043

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم مستمعينا الكرام، إلى هذه الحلقة المباشرة، من برنامجكم: "الدين والحياة"، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة: "نداء الإسلام"، من مكة المكرمة.
نحييكم ونرحب بكم في هذه الحلقة، الجديدة، والمتجددة، والتي نستضيف فيها صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد ابن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة، للبحوث العلمية والإفتاء، بمنطقة القصيم، والذي نسعد أيضا بالترحيب بفضيلته، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا، أهلا وسهلا.
المقدم:حياكم الله، وحيَّا الله جميع المستمعين الكرام، في هذه الحلقة أيضا مستمعينا الكرام يسعد بِصُحبتكم، إعدادا وتقديما، محدثكم: عبد الله الداني، وأيضا من استقبال الاتصالات، الزميل: خالد فلاتة، وأيضا على التنفيذ على الهواء، الزميل: محمد بوصويلح.

 إذا لقاء شيق وماتع في هذه الحلقة، وحديثنا بإذن الله سيكون عن العفوِ عن الناس، عن هذه الصِّفَة، وعن هذا الخلق الكريم، الذي امتدحه الله – سبحانه وتعالى – وامتدحه رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – شاركونا مستمعينا الكرام في هذا الموضوع، وفي هذه الحلقة على الأرقام التالية0126477117، 01264793028، وعلى الواتس آب 0556111315، كما يمكنكم أن تشاركونا مستمعينا الكرام عبر هاشتاج: "الدين والحياة".

 إذا نرحب بكل من ينضم إلينا الآن، وكل من يستمع إلينا عبر الأثير، فأهلا ومرحبا بكم.
حياكم الله من جديد مستمعيَّ الكرام، وأهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة  المباشرة، من برنامجكم: "الدين والحياة"، وحديثنا في هذه الحلقة عن "العفو عن الناس"، أرحب مجدَّدا بضيفي وضيفكم في هذا البرنامج، وضيفنا الدائم، صاحب الفضيلة، الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، شيخ خالد، عندما نتحدث عن العفو – بارك الله فيكم – فإن العفوَ كما هو معلوم شعار الصالحين، الأنقياء، ذوي الحِلم، والأناة، والنفس الراضية؛ لأن هذا الأمر، لأن التنازل عن الحق هو نوع من الإيثار للآجل على العاجل، كما أن هذا الأمر أيضا بسط لخُلقٍ تقي نقي ينفذ بقوة إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملكون أمامه إلا إبداء نظرة إجلال وإكبار لمن هذه صفته، وهذا دَيدَنه، وهذا لا يخفى علينا أيضا أن الله – سبحانه وتعالى – امتدح هذا الخلق الكريم، في كتابه الكريم، والنبي – صلى الله عليه وسلم – حثَّ على هذا الخلق الكريم والقويم في السنة النبوية المطهرة
في البداية شيخ خالد؛ لم كان هذا الفضل الكبير في العفو عن الناس؟
الشيخ:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فتحيةً لك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وباستماع الإخوة والأخوات في هذا اللقاء الذي نتناول فيه قضية مهمة يحتاجها الناس في معاشهم؛ وذلك لأن مواطن القصور والتقصير في المعاملات بين الناس كثيرةٌ جدًّا، فإن لم يتنبه الإنسان لأهمية العفو في التعامل، فإنه سيفُوته جانب كبير من سعادة الحياة، وطمأنينتها، والعيش في نوع من الراحة والسكون.

 الله – عز وجل – أثنى على العفو في كتابه، وامتدحه، وأمر به، والنصوص في ذلك كثيرة، من أبرزها قول الله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199] هذه الآية التي هي تجمع خصال الخير، وتجمع محاسن الأخلاق، آية افتتحها الله – تعالى – بالأمر بالأخذ بالعفو، والعفو هنا: هو ما يعني سمحت به أخلاق الناس، ما جادت به نفوسُهم دون أن يكلِّفهم الإنسان مشقَّةً وعناء وتتبعا للكمال، الإنسان بطبيعته إما أن يكون قاصرًا عن أداء الواجب، وإما أن يكون مقصِّرا، وكلاهما لا يمكن التعامل معه إلا بالتجاوز، والصفح، وعدم التدقيق، والعفو، ولذلك رتَّب الله تعالى على العفو أجرًا عظيما، وثوابًا جزيلا، وحثَّ عليه في نصوص كثيرة، فرتَّب مغفرته على العفو، فقال – جل وعلا – { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14] وقال -جل في علاه-:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } [النور: 22] وهذا يدل على أن العفو والمغفرة، والتجاوز والصفح هي من الشيم التي تَستَجلِب أمثالَها، في معاملة الله – عز وجل – العدل، الله – عز وجل – يقول:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ثم قال:{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} ثم بعد ذلك قال:{ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] هذه الآية وعَدَت بالمغفرة، وأَغرَت بعطاء الله – عز وجل – ورحمته لأولئك الذين عفَوا وصفحوا، عفوا: أي تجاوزوا، وصفحوا: أي أعرضوا، فليس لمجرد الكلام فقط، مجرد عفو، أي تجاوز مع تذكُّر واستحضار للقصور والتقصير، بل: صفحٌ، أي إعراضٌ، والإعراض يقتضي الالتفات والغفلة بالكليَّة عما كان من إساءة وتقصير.

 فالله – عز وجل – جعل مغفرتَه جائزةً لأولئك الذين عاملوا الناس بالعفوِ، عاملوا الناس بالصفح، وفي قصة أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – فهذه الآية بالإجماع نزلت في أبي بكرt، حيث إنه – رضي الله تعالى عنه – كان من خَير الناس للناس، فكان يصل قراباته، ويعطيهم من العطايا ما يغني حوائجهَم ويكفُّهم عن المسألة، كان منهم مِسطح بنُ أَثاثة، وكان أبو بكر ينفق عليه ويحسن إليه، لكن لما وقعت حادثةُ الإفك التي اتُّهمَت بها أمُّ المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها – بالسوء، فبرَّأها الله – عز وجل – بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، وهي أعظم براءة، فهي براءة إلهية قرآنية، تتلى إلى يوم القيامة، وتثبت كَذِبَ من رماها، وطهارتَها ونقاءها – رضي الله تعالى عنها- تكلَّم مِسطح – رضي الله تعالى عنه – وخاضَ في من خاض في حادثة الإفك، حَلَف أبو بكر ألا يُحسن إليه، كما كان يحسن في السابق، فعاتَبَه الله – عز وجل – وأنزل هذا القرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال – جل وعلا – {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ}[النور: 22] فهذا لا يَأْتَل أي: لا يحلف أصحاب الفضل، وأصحاب المنزلة والمكانة، وأصحاب العطاء، والهبات {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [النور: 22]أي على أن يقطعوا إحسانَهم وخيرَهم عن أولي القربى، والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، ثم بدأ بالنهي عن الحلف على منع الخير وقطعه لمن كان يحسن إليهم، قال:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } [النور: 22] قال أبو بكر لما نَزَلت الآية: بَلَى، أُحبُّ أن يغفر الله لي، فعاد إلى ما كان عليه من الإِحسان إليه، وكفَّر عن يمينه التي حلف ألا يوصل بها خيرا إلى مسطح – رضي الله تعالى عنه – بسبب ما جرى منه.[القصة بطولها أخرجها البخاري في صحيحه:2661]
 العفو منزلته عالية، ولذلك جاء فيه من الفضائل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، قال – صلى الله عليه وسلم - « وَمَا زادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إلا عِزًّا»[صحيح مسلم:2588/69] هذا الحديث، يعني يبين أن ما يتسرَّب إلى الأذهان من توهُّم أن العفو ضعفٌ، أن العفو ذُلٌّ، أن العفو نقصٌ، هو في الحقيقة خلاف الواقع، فإن العفو سبب للعزِّ، والعزُّ هو السمو، والارتفاع، والامتناع، هل كل ما يمكن أن يكون من السوء والقصور والنقص، لذلك قال:« وَمَا زَادَ اللهُ عبدًا بعفو إلا عِزًّا» فكلما ازداد العبد عفوا زاده الله – تعالى – سموًّا، وعلوًّا، وارتفاعا، خلاف ما يتوهم المتوهمون من أن العفو موجِب للقصور، العفو موجِب للنقص، العفو موجب للنزول، لذلك كان من الأوهام أن بعض الناس الآن، يظن أن العفو يَنْزِل به.

 الأحنف بن قيس – رحمه الله – وهو من المشاهير، في الحلم والأَناة وحسن التأتي، وله كلمات ذات نور، قال: "إياكم ورأي الأَوغاد، قالوا له: ما رأي الأوغاد؟ قال: الذين يرَون الصفح والعفو عارًا"[المستطرف في كل فن مستظرف:203] إياكم ورأي الأوغاد، يعني رأي أصحاب الدناءة، والسوء والشر، قالوا: وما رأي الأوغاد؟ قال: الذين يرون الصفْحَ والعفو عارًا، وهذا يذكر بقوله – صلى الله عليه وسلم - « وَما زاد الله عَبْدًا بعفوٍ إلا عِزًّا» لذلك ينبغي للمؤمن أن يستحضر هذا المعنى وأمثاله من المعاني التي تبرز مكانة العفو، وعلوَّ منزلته، وسمو مكانته، فما من عبد يعفو إلا ولينتظر من الله – عز وجل – العفو، ولينتظر من الله – عز وجل – العطاء، ولينتظر من الله – عز وجل – كلمة فضل، فإنه – جل في علاه – يعطي على القليل الكثير، ولذلك ندبنا – سبحانه وبحمده – إلى هذه الخصلة المباركة، إلى هذه الخصلة الفاضلة، فقد جاء أن الله – عز وجل – ينادي يوم القيامة، فيكون نصيبُ العافين عن الناس من أوفى الأنصبة، ومن أعلى المنازل يوم القيامة، حيث إنهم عَفَوا وغفروا، فكان ذلك موجِبا لعفو الله ومغفرته، حسن عطائه – جل في علاه
المقدم:شيخ خالد، حديثك جميل حول العفو عن الناس، فقط نذكر بأرقام التواصل لمن أراد أن يتواصل معنا في هذه الحلقة من برنامج: الدين والحياة، الرقم0126477117، الرقم الثاني0126493028، عندما نتحدث أيضا شيخ خالد عن العفو، فمن المعلوم أن العفو ليس بالأمر الهين؛ لأن له في النفس ثقلًا لا يتم التغلب عليه إلا بمصارعة حبِّ الانتصار، والانتقام للنفس، هذا العفو أيضا لا يتأتى إلا للأقوياء الذين يستعصون دائما على حظوظ أنفسهم، ورغباتهم، وأهوائهم، وإن كان حقًّا يعني هو يجوز لهم أن يمضوا ما يذهبون إليه من انتقام، أو من رد للسيئة بالسيئة، بسيئة مثلها، لكن قال الله – سبحانه وتعالى – { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } [الشورى: 41] لكن في المقابل التنازل والعفو والصفح، خصوصا في حالة القدرة، قدرة الشخص على من ظلمه، وعلى من أساء إليه، يدخل في حديث المصطفي – صلى الله عليه وسلم: « مَن كَظَم غَيظًا، وهو قادر على أن يُنفِذَه دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيَّره من أي الحور شاء»[الترمذي في سننه:2012، وأحمد في مسنده:15637 وقال الترمذي:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ] هذه الأحاديث يا شيخ خالد، ألا تدل على فضل العفو خاصة عندما يكون الإنسان قادرا على أن ينفذ انتقامه، أو رده للسيئة بسيئة مثلها
الشيخ:يا أخي العفو لا يمكن أن يتأتى إلا من قادر، يعني العفو، عفو العاجز لا مِيزة فيه؛ لأنه غير متمكن من إنفاذ عقوبة، غير متمكن من إمضاء تهديده، وبالتالي عفى، أو لم يعفوا، من حيث النتيجة الواقعية لا فرق بينهما، لأنه لم يفعل شيئا، لكن عندما يكون الإنسان قادرا متمكنا من الانتقام، من أخذ حقِّه، واستيفائه على وجه الكمال، فيتركه ويعفو، عند ذلك يتبين فضل العفو، ولذلك قال الله – تعالى – { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] لأنه قادر على الانتصار، يتمكن من أخذ حقه، أما ذاك الذي لا قُدرة له على الانتقام، والاستيفاء لحقه، هذا ليس ثمة مِيزة «مَن كَظَم غَيظا وهو قادر» هكذا الحديث، وهو بيان حال، يعني كظم غيظا، يكظم الغيظ في حال قدرته، وقد يكظم الغيظ في حال عدم قدرته، لكن عندما يمدح إذا كان يكظم الغيظ، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي الحور شاء، والحديث بمسند الإمام أحمد بإسناد جيد، فالكلام على القادر، هو الذي ينبغي أن يُستحضر في هذا المعنى، عند ذلك تتفاوت المنازل، تتفاوت المراتب، تتقابل المكانة بقدر ما مع الإنسان من تحقيق هذه المعاني.
المقدم:جميل، أيضا هنا شيخ خالد عندما نذكر الحديث الذي كان عن ذلك الذي، أحد الصحابة الذي كان يعفوا عن الناس، ويصفح عنهم، وينقِّي قلبه من كل أدرانها، ومن كل حظوظ النفس قبل أن ينام، وهذا مما كان مُوجِبا لدخوله الجنة حسب ما يعني ورد في الحديث الصحيح، والقصة مشهورة ومعلومة[مسند أحمد:ح12697، وصححه محقق المسند]، يبدوا أنه يدخل أيضا ضمن الأحاديث الذي تتحدث عن فضل الصفح وفضل العفو، وتنقية القلوب من حظوظ النفس، ومن أدرانها ومن أمراضها
الشيخ:بالتأكيد، بالتأكيد؛ لأن العفو هو مما تصفوا به النفس، والعفو يُبرِز قوة الشخصية، وقوة النفس، لذلك في سياق هذا المعنى، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: « لَيس الشَّديدُ بالصُّرَعة، ولكن الشديد الذي يَملِك نفسَه عند الغَضَب»[صحيح البخاري:6114] هذا المعنى يخفى على كثير من الناس؛ لأنه يعني القدرة على أنه يمضي غيظَه، هذه هي القوة والقدرة، أنه يعني ينتصر لنفسه، يأخذ حقه على ما يقول الناس، يستوفي كلَّ ماله، هذه القدرة وهذه السمات والصفات الممدوحة والخصال الكريمة، في حين أن العفو يبرز عند كثير من الناس بصورة الضعف والوهن، وهذا بالتأكيد خلاف ما دلَّت عليه النصوص من أن السمو والعلو والارتفاع إنما يكون في حجب النفس عن مُراداتها وعن مشتهياتها، وكفِّها عما يمكن أن يكون مما يُعدُّ في العالم طبيعيا لبعض ما يرضاه الإنسان.
 
المقصود: أن العفو قوة، والعفو سموٌّ، والعفو كسر للنفس أن تستوفي حقها، العفو أيضا فيه جانب مهم، هو يعني يراعي الطبيعة والجِبِلَّة البشرية، فالبشر بطبيعتهم وبجبلتهم عندهم من القصور والتقصير ما هو معلوم، وبالتالي عندما يعفوا الإنسان فهو يطلب العُذر لإخوانه، ليراعي ما عندهم من ضعف، ولذلك ينبغي أن يُلحظ هذا المعنى، أن التجاوز والعفو هو نوع من ملاحظة جانب فطري بشري، وهو ما جُبل عليه الإنسان من قصور وضعف يكون كثيرا في النفوس، ويبلِّد الإنسان في نفسه، فإذا لاحظ هذا المعنى كان ذلك مُوجبا للكمال؛ لأنه من عفا عن الناس ولاحظ ضعفهم عفا الله تعالى عنه وكان ذلك مُوجِبا لعطاء الله – عز وجل – وإحسانه و«الرَّاحِمُون يرحمُهم الرحمن».[سنن الترمذي:1924، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
المقدم:شيخ خالد أنت ذكرت أن العفو عن الناس يكون فضُله محصورا في حال قُدرة الرجل على أن يستوفي حقَّه، لكن أحيانا قد يكون العفو عن ربما عن طلب، يعني طلب الحق عند يعني مثلا فيما يتعلق بالدعاء على هذا الشخص الذي ظَلَمه مثلا، أو فيما يتعلق بالأمور الأخرى التي يعني قد لا يكون هذا الرجل مقتدرا أو قادرا على إحضار هذا الرجل الذي ظلمه، أو انتقصه من حقه، لكنه يقدر مثلا على أن يدعوا عليه مثلا، أو ينتقم، أو يعني يطلب حقه بطريقة أو بأخرى، لكن دون أن يصل مباشرة إلى الرجل، يعني الآن، ليست هناك في الصورة، ليست هناك قدرة حقيقية على التوصل إلى من ظلمه، هل هنا في هذا المكان يعفوا، هل هناك فضل لمن يعفوا عن مثل هؤلاء؟
الشيخ:تقصد عندما يكون الإنسان غير قادر على إمضاء حقه.
المقدم: فعلًا.
الشيخ:نعم، إذا كان الإنسان غير قادر على إمضاء حقه، أو استيفاء حقه، وعفى، وهو في حال، يعني هو عاف ولو كان قادرا، في الواقع أنه غير قادر، بالتأكيد أنه هذا يعني يناله الأجر، مثلا الإنسان إذا نوى العمل الصالح، ولم يتمكَّن له، كتب الله  تعالى ولم يتمكن منه، كتب الله له الأجر كاملا، كما لو عمل، أو إذا صَدَق في نيته، فكذلك من عفى وهو عاجز، لكن حتى لو قدر لكان عافيا، لا شك أن هذا مما ينال به الأجر، والله - عز وجل – كريم، وهو العليم بأحوال الناس، وحقائق ما في قلوبهم، فقد يعزم الإنسان على العفو ولا يستطيعه، وقد يعني يريد العفو ويحول دونه حائل، وقد لا يتمكن من الانتقام، لكنه لو تمكَّن من الانتقام عفى، فالمسائل هذه يعني تتعلق بأعمال القلوب والنيات، هو شيء لا حدَّ له ولا حصر، فالعالم به هو الله – جل وعلا – لكن يعني العفو عند المقدرة تسمو به النفوس، يعني يظهر فضل العفو حقيقة عندما تستطيع أن تمضي، وإليك هذه القصة التي رواها البخاري عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – قال: "قَدِم عُيَينَة بنُ حِصن بنِ حُذيفةَ، فنَزَل على ابنِ أَخِيه الحُرِّ بن قيس، الحرُّ بن قيس من أعيان الصحابة – رضي الله تعالى عنهم –، ومن أهل الشورى في زمن عمر – رضي الله تعالى عنه –، فهذا عيينة بن حصن الصحابي الكريم – رضي الله تعالى عنه – جاء إلى الحُرِّ وطلب منه أن يُدخِلَه في مجلس عمر عند اجتماع أعيان الناس، فجاء وأدخله، واستأذن له على عمر، فدخل الحُرُّ وعيينة على عمر – رضي الله تعالي عنه – عيينة لمَّا دخل على عمر، قال: أَسْمِعه كلمات فيها فَظَاظة وغِلظَة، فقال: هيه يابن الخطاب، فوالله ما تُعطِينا الجَزْل، ولا تَحكم بيننا بالعدل، وهذه كلمة يعني في غاية الشِّدَّة على مثل عمر – رضي الله تعالى عنه – يقول ما تُعطينا الجَزْل، يعني ما تعطينا عطاءً كبيرا واسِعا يَكفِينا، ولا تَحكم بيننا بالعدل، "غضب عمر – رضي الله تعالى عنه – حتى هَمَّ أن يُوقِع به، يعني حتى همَّ أن يعاقبه، فقال له الحُرُّ بن قيس: يا أمير المؤمنين: إن الله – تعالى – يقول: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، وهذا المَنع ذكرت لك قبل قليل، العفو يُبرِز جانبًا من مراعاة حال المُخطئ، حال المُقَصِّر، حال صاحب القُصور، وإنه يعني ملاحظة هذا الجانب مما يُعين على العفو، ولذلك الحُرُّ بن قيس ذكَّر عمر فقال: إن هذا من الجاهلين، يقول – رضي الله تعالى عنه – عن ابن عباس: "والله ما تَجَاوَزَها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافا عند كتاب الله"[صحيح البخاري:4642] فامتَنَع من مُعاقَبَتِه، ومن سلوك ما جرى من أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – لما أنزل الله – تعالى – ما أَنزَل في شأن الإفك: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } [النور: 22].
المقدم:قبل ذلك كله أيضا الحديث الوارد في فتح مكة عندما أتى المشركون إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وَجَمَعهم، وكان تمكَّن منهم – صلى الله عليه وسلم – وكان بإمكانه أن يأخُذَ حقَّه منهم واحدا واحدا، لكنه آثر أن يَعفُوا عنهم، وقال لهم: «اذْهَبُوا فَأنتُم الطُّلَقاء»[أورد هذا اللفظ ابن هشام في سيرته:2/412. ولم يثبت؛ فهذا اللفظ مرسل ومعضل، مع جهالة المرسِل، ضعفه الألباني في الضعيفة:1163، والثابت في هذا المعنى قولهr:«مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ»أخرجه مسلم في صحيحه:1780/86]هذه قصة أيضا جميلة ورائعة تعبر عن قوة التمكن في مقابل أن يكون هناك عفو عمن اقتدر عليه، ومن تمَّ التمكن منه، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – تنازل عن هذا ليعطينا وليعطي الأمة من بعده درسا في العفو عن الناس
الشيخ:صحيح، وهذا يعني ليس فقط في هذا الموقف الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم مُنتَصِرا، قد زال عنه ألم الأذى، هنا يظهر العفو بجلاء ووضوح، عندما يكون الأذى، طيب الحين مثلا، لو أن أحدا اعتدى على شخص، ومَضَت سنوات، أو مضت مدة طويلة، وعفا لمَّا تمكن من بعد مدة طويلة، يكون هذا مَمدوحا بالتأكيد، لكن حرارة ألم الخطأ، ألم الاعتداء، غير قائم أو أنه يعني خاصة بشكل كبير، لكن عندما يكون هذا في وسط حَمْأَة الأذى، يعني يكون دليلا على سموِّ النفس، وإليك خبر النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو في الصحيحين من حديث عائشة: «أنها قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم – يا رسولَ الله، هل أَتَى عَلَيك يومٌ كانَ أَشَدَّ مِن يومِ أُحد؟ قال: لَقد لَقِيتُ مِن قَومِك ما لَقِيت، وَكَان أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يومَ العَقَبَة، إذ عَرَضتُ نَفِسي عَلَى ابنِ عبدِ يالَيل ابن عبد كلال، فلم يُجِبْنِي إلى ما أردتُ، فانطَلَقَتُ وأنا مَهْمُومٌ على وَجْهِي، فَلَم أَسْتَفِق إلا وأنا بِقَرْن الثَّعَالِب، جَبلٌ يُشبِه القَرْن، يُسمَّى قرنَ الثعالب، فَرَفَعْت رأسي، فإذا أنا بِسَحَابَةٍ قد أظَلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ "، قَالَ: " فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ»، ثم قال له، شوف الآن حرارة الموقف، مَطرودٌ من قُريش، ومطرود من الطائف بهذه الطريقة البَشِعة التي آذته حتى إنه مَشَى دون أن يعي، أو يستفيق المكان الذي وصل إليه فيه، لكن مَلَك الجبال يقول: إن الله أرسلني إليك، بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أُطبِقَ عليهم الأَخْشَبَين، يعني الجبلين العظيمين، اللي في سَفْحِهما الصفا والمروة، جبل أبي قُبَيس، وقُعَيقِعان اللذان في شَرْق الكعبة، إن شئت أن أُطبق عليهم الأَخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»[صحيح البخاري:3231]

يعني هذا الموقف عندي أنه فيه إبراز جانب العفو في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم –  وهديه أكبر من الموقف الذي كان في يوم الفتح، يوم الفتح، يوم الفتح دخل مُنتصرا بعد مُدَّة طويلة من الأذى الذي لَقِيَه من قومه، لكن هذا في حمأة الأذي، وفي ذروة التسلط عليه، صلوات الله وسلامه عليه، يقول ملك الجبال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فيقول – صلى الله عليه وسلم – :« بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئا»، هذا مثال، وهو قد ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعوا لقومه في يوم أُحد أيضًا، لما قَتَلوا سبعين من أصحابه – رضي الله تعالى عنهم – كان يدعوا ويقول: «اللهم اغْفِر لِقَومي».

وأعظم من قتل أصحابه أنهم شَجُّوا رأسَه، وأَدمَوا وَجْنَتَه، وكَسروا رَبَاعِيَّته، صلوات ربي وسلامه عليه، ومع هذا يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وقد ذكر ذلك عبد الله بن مسعود قال: "كأني أنظر إلى النبي يَحكي نَبِيًّا من الأَنبياء ضَرَبه قومُه فَأَدمَوه، وهو يمسح الدَّمَ عن وجهه، ويقول:«رب اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون»[صحيح البخاري:3477]، هذه المواقف العظيمة التي يبدوا فيها العفو جليًّا في مسلكه صلوات الله وسلامه عليه، عفوٌّ عام، ولا يخص أحدا دون أحد، مُلِيء بالشفقة والرحمة، كله يبين هذا  المسلك وهذا الخلق في سبيله وسنته وطريقه، صلوات الله وسلامه عليه.
المقدمطيب شيخ خالد أيضا مرة أخرى نذكِّر بأرقام التواصل من أحب أن يتواصل معنا في هذه الحلقة 0126477117، والرقم الثاني 01264793028.

عندما نذكر هذه النماذج المشرقة والرائعة من سيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فيما يتعلق بالعفو عن الناس، وهناك كثير من القصص، وهذه ليست فقط يعني في سيرته – عليه الصلاة والسلام – لكن نذكِّر كلِّ من لديه خصومات، أو لديه حقوق عند الآخرين، وخاصة في بعض الدوائر، والدوائر الشرعية والحكومية وغيرها، عندما أحيانا يتمكن من الشخص، ويكون يعني ظاهرا حقه، وفي نفس الوقت يمكنه أن يستوفي حقه، في المقابل يجب أن يعلم أنه عندما يعفو مثلا وينتصر على حقوق نفسه أنه يقتدي بالمصطفى – صلى الله عليه وسلم – ويُرجى له أيضا أن يصحب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – كما هو متبع، أو كما اتبع سنته – عليه الصلاة والسلام – وسيرته في العفو عن الناس، وخاصة عند القدرة.
الشيخ:صحيح، بالتأكيد، لا شك أن هذا من مُوجبات فضل الله وعطائه أن يلتزم الإنسان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا أقول: في الخصومات، لو تأملنا النصوص الشرعية، لوجدنا أن العفو مندوبٌ إليه في أعظم الخصومات، في الجناية على النفس بالقتل، الله – جل وعلا – يقول في القتل:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [البقرة: 178] شوف الآية الكريمة التي تذكر العفو في أعظم الجنايات، الجناية التي فيها القتل، وإزهاق النفس، وهذا أعظم ما يكون من الجنايات بين الناس، مع هذا يندب الله تعالى العبد إلى أن يعفو وأن يصفح، وأن يذكر ما يترتب على هذا العفو من أحكام، ومثله أيضا العفو فيما يتعلق بالحقوق المالية، الحقوق المالية وهي غالب ما يقع بين الناس، تجد أنه يعني كثير من الناس يبني أموره على المشاحَّة، وهذه المشاحة يظن أنها شطارة، وأنها فِطنة، وأنه ما ينضحك عليه، وأنه يستوفي حقه كاملا، وهذا في الحقيقة يعني نوع من الغفلة عن معاني مهمة في جانب التعامل مع الناس، إن الإنسان ينبغي له أن يُغلِّب جانب العفو والصفح  في مواطن الحاجة إلى العفو.
المقدم:شيخ خالد أنتم ذكرتم أيضا في هذا الجانب، في جانب العفو ربما قصة جميلة كانت في قضية من القضايا، أب كان مَدينا لشخص في مبلغ كبير من المال، فلما يعني حكم على هذا الأب بالسجن إلى أن يستوفي، أو إلى أن يوفِّي ما عليه من حق، إلى أن يؤدي ما عليه من حق تجاه من أعطاه المال، وصل الأمر إلى ابنه، فعندما يعني بلغه الخبر، باع سيارَته التي تو اشتراها، ليُنقِذ ويفتدي أباه، لينقذ أباه من السجن، وبالتالي فهو في المقابل، ما كان من صاحب المال إلا أن عفا عن المال، وأعاد المال إلى هذا الشاب، وقال له: بارك الله لك في مالك، كم أتمنَّى أن يكون لي ابن مثلك، يعني هذه الجوانب، مبلغ كبير جدا يا شيخ خالد، وهؤلاء يعني يرتفعون عندما يعني يكون هنا جانب العفو، وإن كان المبلغ كبيرا جدا، لكنهم يستصغرون ذلك في مقابل الفضل الذي ينالونه من الله – سبحانه وتعالى – ويحتسبون في ذلك الأجر منه – سبحانه وتعالى – مقابل هذا العفو، وأيضا طلبا للعفو من الله – سبحانه وتعالى – فالجزاء من جنس العمل.
الشيخ:ما في شك، ما في شك، ولذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر رجلا كان يُكاسِب الناس، فكان إذا جاء عند رجل مُعسِر، ولم يكن عنده ما يَفِي، وضع عنه دينَه، تجاوز عنه بعدم مطالبته بالمال، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: «فقال الله – تعالى – نحن أحق بالإحسان منه»[صحيح البخاري من حديث أبي هريرةt:2078، وصحيح مسلم:1561/30من حديث أبي مسعودt] فتجاوز عنه بسبب تجاوزه عن الناس، فما في شك أن الإحسان إلى الناس بالوضع، وعدم استيفاء الحقوق عند التمكن، لا سيما في المواطن التي تقتضي العفو والتجاوز والوضع هي مما يرجوا به الأجر عند الله – عز وجل – والعطاء، ولهذا جاء: «مَن أَنْظَرَ مُعسِرًا أو وَضَعَ عنه أَظَلَّه الله فِي ظِلِّه»[صحيح مسلم:3006/74] وهذا عطاء كبير، وأجر جزيل في هذا العمل، وهو حقيقته أن العفو والتجاوز والصفح عن حق النفس.

ولهذا أكثر ما تتعلق القضايا في المحاكم هو بسبب التَّشَاح الذي يكون بين الناس.
المقدم: ولو حضر العفو بينهم لانتهت كثير من القضايا يا شيخ خالد.
الشيخ: بالتأكيد، لذلك يعني تذكر هذا الأمر يعني والتذكير به، الحقيقة أنه سبب رئيس لنزع كثير من الخصومات بين الناس، الله – عز وجل- يأمر رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- بتفعيل العفو في معاملة الخلق، ويبين ما يشير إلى أن هذا من أسباب الالتئام، وشيوع الرحمة والرأفة بين الناس، يقول الله – جل وعلا –: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [ آل عمران: 159]ثم انظر أول ما ذكر الله من الصفات التي أمر الله رسوله بالتعامل مع الناس فيها قال:{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران: 159]فأول ما أمر الله رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- فيما يحقق الألفة، فيما يحقق الاجتماع، فيما يحقق التقارب أن يعفو عنهم، لا بد من العفو يا أخي، العفو ضرورة للتعامل الجيد، فمن عفا عمن أساء إليه كان ذلك سببا للتغافل والتجاوز عن موجبات النزاعات، مشاقة، تباعد، شر عظيم بين الناس، يزول بتفعيل العفو، وانتظار الأجر عند الله – عز وجل
المقدم: وما عند الله خير وأبقى للإنسان، لعله يستوفي حقه، لكنه لا يستفيد منه، أحيانا هناك في بعض الإشكاليات التي تطرأ يا شيخ خالد، وربما هي بعض الأمور التي سلم بها الناس، ربما تدخل أحيانا في بعض الأخطاء الشائعة، ألا وهو الجانب المتعلق بأن من استوفى حقه، كما يقال أحيانا: العوض ما فيه خير مثلا، وهنا يجبرونك على أن تعفو مثلا، خاصة فيه أحيانا يعني لا يخفى على الجميع، حوادث في السيارات وغيرها، فيعني يَندُبون إلى عدم أخذ العوض من الناس؛ لأنه – في زعمهم – لا خير في ذلك، هل هذا صحيح؟
الشيخ:لا، هو غير صحيح، العفو فضيلة، لكن أخذ الحق يعني هو مما أذن الله  تعالى  به، وبه يتحقق العدل، الله تعالى يقول:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: 40] ثم قال{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى: 40]فالله – عز وجل – ذكر في مقام المجازاة مرتبة الاستيفاء للحق:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}ثم ذكر الفضل بقوله{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.

وأجره على الله، أن الله سيوفيه خيرًا مما يدركه بانتقامه، وأخذه، واستيفائه لحقه، ثم حذر الله – تعالى – من الظلم، أنه – أحيانا – يعني المجازاة بالمثل تكون مَدعاةً للظلم؛ لأنه تحقيق المثلية لا سيما في الحقوق المعنوية، الحقيقة أنه من أكثر ما يكون، ولذلك تجد واحدًا مثلا يعني يقول:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]ويقول: إن فلان ظلمني، ويستطيل في عرضه بأكثر من مظلمته، ولهذل ذكَّر الله  تعالى بوجوب التحري بمجازاة السيئة بالسيئة فقال:{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40]لا يحب الله تعالى الاعتداء ولهذا العفو – أحيانا – يكون سلامة للإنسان، وخروج من التورُّط  في أن يكون ظالما، أما استيفاء الحق فلاشك أنه جائز، ولذلك قال الله – تعالى –: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]لا يمكن أن يتطرَّق إليهم سبيل، ولا أن ينالهم ذلك، ولا أن يَطالَهُم وِزرٌ أو مُؤاخذة؛ لأنهم أدَّوا، لأنهم أخذوا الذي لهم، لكن نحن نقول: ينبغي أن نسموا إلى العلوِّ، والارتفاع:{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]فنحن نأمل بأن نسمو إلى مرتبة الإحسان، لا نقتصر فقط على مرتبة استيفاء الحقوق التي هي أخذ الحق بقدره، { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[ الشورى: 39]لكن ينبغي أن يُعلم أنه يعني عندما يكون العفو إغراء للمعفو عنه بزيادة شرٍّ وتمادي في باطل، عند ذلك العفو ليس مشروعا، لأن الله  تعالى إنما شرع العفو في مقام الإصلاح، قال: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } [الشورى: 40] فإذا كان العفو يُفضي إلى مزيد شَرٍّ، أو مزيد فساد، أو إضرار بالتمادي في شرٍّ، عند ذلك ينبغي الأخذ بالحزم، والمجازاة بالمثل، لأجل أن يُكَفَّ الشر، وهنا هذه مرتبة أعلى من العفو، هذه المرتبة أعلى من العفو؛ لأنه في هذه الحال يأخذ الإنسان ما يعين الآخر على الإصلاح والاستقامة، ولهذا ذُكر عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: "كانوا يصبرون عن أن يُستَذَلُّوا، فإذا قدروا عفوا"[علقة البخاري في صحيحه بصيغة الجزم:3/129] يعني يكرهون أن يُزَلُّوا، لكن إذا تمكَّنوا وظهرت قدرتُهم عفوا، لكن قبل ذلك، فقد لا يُظهرون العفوَ ولا يبدونه.
 
المقصود: أن العفو هنا يعني يحتاج إلى أن ينظر الإنسان، هل يتحقق به مصلحة للمعفو عنه؟، أو يكون سببًا لإغرائه بمزيد فساد، وأضرب لذلك مثلا، يعني بعض الأحيان في حوادث السيارات، يعني يأتيك من يقول يعني يأتي مثلا مُتهَوِّر، أو يقطع إشارة، أو يخالف تعليمات المرور، أو يتعدى على الناس، ويتسبب بحادث، ثم يأتي من يقول:{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } [الشورى: 40]نقول له: لا يا أخي، انتظر، هذه الآية ليس مكانها؛ لأن العفو في هذا لا يَخرج من المرور أو من الجهة التي وقف فيها إلى مزيد إسفاك، فيفضي إلى حادث آخر، لكن عندما يذوقُ العقوبة، هنا العفو في هذه الحال، لا يحقق صلاحا، ولذلك لا يكون في هذه الحال محلًّا للفضل، لكن أحيانا يستمع الإنسان، يقول: عادي والله، هل تتحقق مصلحة؟ أو لا تتحقق مصلحة؟ عند ذلك نقول: العفو مقدَّم، يعني عندنا ثلاثة أحوال:

الحال الأولى: أن يكون العفو إصلاحا، هنا لا تتردد في العفو، والعفو سيزيدُك عزًّا وفضلا، ولك من الله جزيلُ الأجر. الحالة الثاني: أن يكون العفو مُفضِيًا إلى فساد، وهنا يكون الإنسان ينبغي أن يكُفَّ نفسه عن العفو؛ لأنه لا يحقق المقصد الشرعي.

 الحالة الثالثة: أن يتردَّد، ما يدري، هل إذا عفا حصلت مصلحة؟ أو كما كان يقول جعفر الصادق:" لَأَن أندَمَ على العفوِ عِشرينَ مَرَّة أَحَبُّ إليَّ من أن أَنْدَم على العُقوبَة مَرَّة واحدة" و"لَأن تُخطئُ في العفوِ خيرٌ من أن تُخطئ في العقوبة"[أدب المجالسة لابن عبد البر(ص116)]
المقدم:طيب، نأخذ معنا أول اتصال من إبراهيم محمد، السلام عليكم أخ إبراهيم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: حيَّاك الله تفضل.
المتصل: ممكن نسأل الشيخ.
المقدم: تفضل، يسمعك الشيخ.
المتصل: الله يحييك، أنا حصل بيني خلاف أنا وصديق عزيز لي على مبلغ استلفته منه، يعني المبلغ بسيط والله، يعني ويعرف أن حالتي المادية كُويسة، بس ما كان عندي نقد، فأخدت منه كاش، وكان الكاش هذا فيه ريالات زيادة، وحلف إني ما أرجع المبلغ ألا في وقد الحد، فأنا اتسرعت، ورجعت المبلغ قبله، يعني ما حبيت زيادة أنا، فَزعل، وقال لي: ليش أنت تردُّ الريالات هذه الزائدة، وسبَّني وشَتَمني زي كده، وقطع العلاقة معي، ورغم أني يعني أرسلت له رسايل، وقلت له: أَجِيب المُصلحين، وإن طلع الحق لي أو لك، إن طلع لي حق عندك تسامح، وإن طلع لك حق عندي، رفض، وَقَطَع العلاقة معي، فأنا يعني كل الوسائل عملتها، علشان ما نبغى قطيعة.

لكن اللي حسيت منه، أنه حريص على أنه يقطع العلاقة بس، هذا سؤالي.
المقدم: طيب، إن شاء الله يجيبك الشيخ، شكرا لك أخ إبراهيم على اتصالك.
المتصل: الله يحييك.
المقدم:طيب، أرقام التواصل0126477117، 01264793028
شيخ خالد بالنسبة للمتصل إبراهيم تحدث عن هذا الجانب، خاصة أنه سعى كثيرا بكل الوسائل وشتَّى الطرق، ليعني يكون هناك نوع من التصافي، والمصالحة مع صديقه؛ لأنه صديقه كان مُعرِضا، وكان يفضل قطع العلاقة عن الاستمرار.
الشيخ:
أولا: مسألة قطع العلاقات اللي يسموها، اللي يسميها يعني ناس قطع علاقة، هو الهجر الذي نَهى عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – جاء في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يَحِل لِرَجُلٍ أن يَهْجُر أخاه فَوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان»، وهذه صورة لمعنى الهجر، «فَيُعرِض هذا، وَيُعرِضُ هذا»، هذا الهجر لا يحل للمسلم في الحقوق الشخصية، إلا بقدر ثلاثة أيام، يعني استجابة لدواعي النفس، ومراعاةً لنوازعها، فأعطاها الشارع ثلاث ليال، يأذن بالتهاجُر في الحقوق الشخصية، لكن أن يزيد على هذا، فهذا لا يَحِلُّ للمؤمن، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم –:« وخَيرُهما الذي يَبْدَأُ بالسلام»[صحيح البخاري:6077] ويعني أخي هذا المتصل الكريم يقول إني بذلت جهدي في أن أُزيل هذه الجَفْوَة، وأن أُصلح ما بيني وبين صاحبي، فأقول له: أَبْشِر بالوِسام النبوي: «وَخيرُهما الذي يَبْدأ بِالسَّلام» فهذا، هذه الخيرية وسام نبوي ثبت لك، إن كان الأمر كما وصفت بقوله– صلى الله عليه وسلم –: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ولا إثم عليك، وأنت إذا لقيته فسلم عليه؛ لأنه «لا يَحِلُّ لمسلم أن يَهْجُر أَخَاه فوق ثلاث ليال» إن ردَّ، أو ما رَدَّ، فإن رد.
المقدم: ممكن يكون سقط الإثم عنه يعني.
الشيخ: وإن لم يرد، فأنت قد بَرِأَت ذِمَّتُك، وأديت الذي عليك، وفُزْت بِالخَيريَّة المشهود بها ممن لا ينطق عن الهوى: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
المقدم: طيب 0126477117، 01264793028
المقدم: نأخذ حسن من تبوك، تفضل يا أخ حسن.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل.
المتصل: يا عم الشيخ، الحين أنا تزوجت هنا في السعودية، وتزوجت مع أهلي، مع الوقت وكده، حصل انتقادات لزوجتي من قبل أهلي وكده، ومُشادَّات كلامية وكده، المهم نزلت، وأمها تبغى ترجع إلا على سكن جديد لحالها، مانا عارف أرضي مين ولا مين.
الشيخ: عيش سكن جديد.
المتصل:أيوه.
الشيخ: هما شارطين ليك سكن؟
المتصل: هي شارطة آه.
الشيخ: يعني شارطة في العقد؟
المتصل: في العقد، لا، لا.
الشيخ: والعادة والعرف عندكم أن المرأة لازم تكون في سكن مستقل، ولا مع أهلك.
المتصل: لا، تكون في سكن مستقل.
المقدم: طيب، يجيبك الشيخ، السؤال واضح يا شيخ خالد؟
الشيخ: السؤال واضح، على كل حال، إذا كان المرأة شَرَطت ما هو معروف، وما جرى به العرف من أن تكون في سكن مُستَقِلّ، فالمعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا، بمعني أنه يحقق لها ما طلبت؛ لأن هذا وإن لم تتلفظ به في العقد، فهو معروف، أن المرأة يعني كما سألتم، هي عُرفا تكون في بيت مُستقلٍّ، وعلى كل حال،  يعني أحيانا النفوس تتأذَّى، وينبغي للإنسان أن يسعى بالصلح، الله – عز وجل – يقول:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]فيعني بذل الجهد مع دعاء لله – عز وجل - هذا واجب، وأيضا الرجوع إلى شرطها الذي هو مقتضى العقد، وهو مِن شروط العقد عرفا، فهذا هو الواجب.
المقدم: جميل، ربما نختم بنقطة، يعني، يختفي يعني ربما يختلط على الناس مثلا مسألة العفو، ويعمِّمون هذا الجانب، ويقولون أن العفو فضله في كل الحالات، وفي كل المستويات، لكن عندما يكون يعني أولا ربما يكون هو سؤالًا عامًّا، يعني متى يكون العفو غير محمود مثلا؟ خاصة فيما يتعلق بحقوق الله – سبحانه وتعالى – عندما يشتري أحد أو يتطاول على حقوق الله – سبحانه وتعالى – ربما يختلط الأمر، فيعني البعض جهلا يطالبون بالعفو عن المسيء، أو المخطئ.

الشيخ:يا أخي فيما يتعلق بحقوق الله – عز وجل –

أولا: فيما كنا نتكلم عنه، يعني العفو في حقوق الآدميين، أما حق الله – عز وجل – فالواجب فيها التناصح:{ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6]{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]فـ«مَن رَأَى مِنْكُم مُنكَرًا فَلْيُغيِّرْه بِيَدِه، فَمَن لم يستطع فَبِلِسانِه، فمن لم يستطع فَبِقَلْبِه، وَذلك أَضْعَف الإِيمان»[صحيح مسلم:49/78] هذه مراتب الموضوع فيما يتعلق بحقوق الله – عز وجل – أنه يسعى الإنسان إلى الإصلاح بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، لكن فيما يتصل بحقوق الخلق، هي التي ينبغي أن تكون محِلَّ العفو والتجاوز، يعني مسألة إذا الإنسان رأى مُنكرا، هل يلزمه أن يبلِّغ الجهات المسؤولة، يعني هذا يرجع إلى تقدير المصلحة والمفسدة فيما يتعلق بالأخطاء الخاصة، أما الأخطاء العامة التي يترتب عليها فساد مجتمع، ونشرُ شَرٍّ، كترويج المخدِّرات، أو كالذين لهم أفكار تكفيرية، وأفكارٌ مُضرَّة بالمجتمع، أو ينشر بِدعة وفسادًا بين الناس، وانحرافًا وضلالًا، هذا بالتأكيد أنه يعني لا يَصلُح أن نقول: نعفو؛ لأنك تعفو عن إيش؟ الآن أنت مطلوب، أنت مطالب بتقليل الشرِّ، وإزالة الفساد، ثم إن العفو هنا ليس إصلاحا، ونحن ذكرنا قبل قليل في دلالة الآية{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} [الشورى: 40]فتأمَّل دائما هذا المَلحَظ في مواطن العفو، النبي – صلى الله عليه وسلم – كان في حقه لا يُثرِّب على أحد، حتى أن أنسًا – رضي الله تعالى عنه – يذكر قال: «خَدَمتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – عَشر سنواتٍ، فما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لِم لَم تفعلْه؟»[صحيح البخاري:6038] النبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينتصر لنفسه، كما أَخْبَرت عائشة – رضي الله تعالى عنها – «لكن إذا انتُهِكَت محارمُ الله، غضب لله – عز وجل –»[البخاري:3560] وهذا يبين أن العفوَ يختلف، العفو المندُوب لا يختلف عما يتعلق بإنكار المنكر، وإصلاح الخطأ، وتقويم المعوج.
المقدم:جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، دعنا نختم بقول الفضيل ابن عياض – رحمه الله – عندما قال: "إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يَحتمِل قلبي العفوَ، ولكن: أنتصر كما أمرني الله – عز وجل – فقل له: إن كنت تُحسن أن تَنتصر، وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يُقَلِّب الأمور؛ لأن الفُتُوَّة هي العفو عن الإخوان"[أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره:18488بسنده إلى الفضيل]؛
شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ، الأستاذ الدكتور: خالد ابن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، على ما ذكرتم من حديث شيِّق وماتع في موضوعنا في هذا اليوم عن العفو عن الناس، وهذه رسالة واضحة، وأتمنَّى أن تكون وَصَلت إلى الجميع، شكر الله لكم.
الشيخ: بارك الله فيكم، والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام، ورحمة الله، وشكر الله لكم أيضا مستمعينا الكرام على حسن استماعكم، وتفاعلكم معنا من خلال هذه الحلقة، لقاؤنا يتجدد بكم بإذن الله – سبحانه وتعالى – في تمام الساعة الثانية ظهرا من يوم الأحد المقبل، حتى ذلك الحين، تقبلوا تحياتي، محدثكم: عبد الله الداني، وأيضا زميلي: محمد با صويلح، ومن التنسيق، واستقبال المكالمات الزميل: خالد فلاتة، والسلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته.                               
 

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف