الحَمدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمينَ، وأُصَلِّى وأُسَلِّمُ عَلَى المَبعوثِ رَحمةً للعالَمينَ نَبيِّنا مُحمدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصحابِه، ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَه، واقتَفَى أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدينِ، أمَّا بَعدُ:
فقَدِ استَمعْنا في هذهِ الصلاةِ المُبارَكةِ –أسألُ اللهَ ـ تَعالَى ـ لي ولَكمُ القَبولَ- إلى قَولِ اللهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الأنفالِ: 2]. هذهِ الآيةُ وما بَعدَها ذَكرَ اللهُ ـ جَلَّ وعَلا ـ فيها جُملةً مِنْ صِفاتِ المُؤمِنينَ، وبَدأَها بصَلاحِ قُلوبِهم وكَبيرِ تَعظيمِهم لرَبِّهم ـ جَلَّ في عُلاه ـ حيثُ قالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾[الأنفالِ: 2].
وكلُّ ذَلِكَ فيما يَتعلَّقُ بصَلاحِ القَلْبِ، فإنَّ وَجَلَ القَلبِ هُوَ مِنْ خَشيةِ اللهِ وتَعظيمِه وإجلالِه، وهُوَ أيضًا مِنْ مَحبَّتِه، فإنَّ وَجلَ القَلبِ الذي يتَّصِفُ بِهِ المُؤمِنونَ ليسَ خَوفًا عاريًا مِنْ حُبٍّ وتَعظيمٍ؛ إنَّما هُوَ خَوفٌ مُقترِنٌ بمَحبَّةِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وبتَعظيمِه، فالمُؤمِنونَ هُمُ الذينَ يَنفُذُ ذِكرُ اللهِ ـ تَعالَى ـ تَأثيرًا إلى قُلوبِهم، وليسَ فَقطْ تَأثيرًا عَلَى ألسِنَتهِم.
وفي هذهِ الصفَةُ عَلَى وَجْهِ الخُصوصِ التنبيهُ إلى ضَرورةِ حَضورِ القُلوبِ عِندَ ذِكرِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فإنَّ ذِكرَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ إذا وافقَ فيهِ القَلبُ اللِّسانَ ووافقَ فيهِ الجَنانُ ما تَكلَّمُ بِهِ الإنسانُ كانَ ذَلِكَ مِنْ أسبابِ صَلاحِ القَلبِ، وصِدقِ إيمانِه، وهُوَ دَلالَةٌ عَلَى سَلامتِه مِنَ الانحِرافِ والنِّفاقِ؛ لذَلِكَ يَقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ في أوَّلِ أوصافِ أهلِ الإيمانِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الأنفالِ: 2] أي: خافَتْ وعَظَّمَتْ رَبَّها، وأحبَّتْه جَلَّ في عُلاه.
ثُمَّ قالَ: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ﴾[الأنفالِ: 2]أي: إذا قُرِئَ عَلَيهِم كَلامُه زادَتْهُم إيمانًا، فكانَ هَذا القُرآنُ وهذهِ التِّلاوةُ زيادَةً في الهِدايةِ، وزيادَةً في الاستِقامةِ، وزيادَةً في صالِحِ العَملِ، فإنَّ قَولَه ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾[الأنفالِ: 2]أي: في قُلوبِهِم باليَقينِ، والإيمانِ باللهِ ومَلائكَتِه وكُتبِه ورُسُلِه واليومِ الآخرِ والقَدْرِ خَيرِه وشَرِّه، كما أنَّها تَزيدُهُم إيمانًا بصُنعِ العَملِ، فإنَّ العَملَ الصالحَ لا يكونُ إلَّا زِيادَةً في الخَيرِ والإيمانِ.
فقَولُه: ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾[الأنفالِ: 2]يَشمَلُ المَعنيَيْنِ: يَشملُ ذكاءَ القُلوبِ وصَلاحَها، ويَشملُ ذكاءَ الجَوارحِ واستِقامَتِها.
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الأنفالِ: 2]: هَذا ثالِثُ الأوصافِ التي وَصفَ اللهُ تَعالَى بِها أهلَ الإيمانِ، فقالَ: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾[الأنفالِ: 2] لا عَلَى سِواهُ ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: يَعتَمِدونَ، فالتَّوكُّلُ هُوَ صِدقُ الاعتِمادِ عَلَى اللهِ جَلَّ وعَلا في جَلبِ المَنافعِ ودَفعِ المَضارِّ، فهُم عَلَى رَبِّهم لا عَلَى سِواهُ يَتوكَّلونَ، يَعتمِدونَ في جَلبِ الخَيراتِ، ودَفعِ الشرورِ والمَكروهاتِ.
وكُلُّ هَذا مِنْ أعمالِ القُلوبِ، وبِهِ يَتبيَّنُ أنَّ أصلَ الإيمانِ صَلاحُ القَلبِ، فإذا صَلحَ قَلبُكَ صَلحَ عَملُك، وصَلاحُ القلبِ إنَّما يكونُ باستِقامتِه عَلَى مَحبِّةِ اللهِ وتَعظيمِه، والاستعانَةِ بِهِ، والتوكُّلِ عَلَيهِ.
ثُمَّ قالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ بَعدَ ذَلِكَ: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾[الأنفالِ: 3]، فهُم بَعدَ هَذا الصلاحِ في قُلوبِهم واستِقامتِها عَلَى ما يُحِبُّ ويَرضَى يَعطِفونَ عَلَى ذَلِكَ صَلاحَ الجَوارحِ، وإنْ كانَ هَذا مَذمومًا، أو مُشارًا إلَيهِ في قَولِه: ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾[الأنفالِ: 2]كما تقدَّم في بَيانِها؛ لكِنْ هُنا جاءَتْ مُصرِّحةً ومُبيِّنَةً ما زيادَةُ الإيمانِ الذي يَتَّصِفُ بِهِ هَؤلاءِ، فإنَّهُم يُقيمونَ الصلاةَ، ومما رَزقناهُم يُنفِقونَ، يُقيمونَ الصلاةَ، وذِكْرُ الصلاةِ عَلَى وَجْهِ الخُصوصِ؛ لأنَّها أشرَفُ أعمالِ أهلِ الإيمانِ، هِيَ رأْسُ العَملِ، هِيَ عمودُ الدينِ، هِيَ العملُ الذي مَنْ أتَي بِهِ عَلَى وَجْهٍ كامِلٍ صَلَحَ بَقيةُ عَملِه، وإذا أخَلَّ بِهِ تَطرَّقَ النقصُ إلى سائرِ عَملِه بقَدرِ ما يَحصُلُ مِنَ النقْصِ في صَلاتِه.
ولذَلِكَ جاءَ في المُسندِ والسُّننِ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنهُ ـ: «أنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ عَلَيهِ الإنسانُ مِنْ عَملِه صَلاتُه، فإنْ صَلحَتْ صلَحَ سائرُ عَملِه، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائرُ عَملِه»مُسندُ أحمدَ (9494)، وسُننُ أبي داودَ (864)، وقالَ الألبانيُّ: حَديثٌ صَحيحٌ، وهَذا بيانٌ لأثَرِ الصلاةِ عَلَى صالحِ العَملِ، وأنَّ الصلاةَ مِفتاحٌ لصلاحِ الأعمالِ؛ ولهَذا مَنْ أرادَ صَلاحَ عَملِه فليَجتهِدْ في إصلاحِ صَلاتِه؛ فإنَّ صَلاحَ الصلاةِ مِفتاحُ صلاحِ سائرِ العَملِ.
فإذا صَلحَ القَلبُ وصَلحَتِ الصلاةُ كانَ ذَلِكَ داعيًا للعَبدِ أنْ يقومَ بكُلِّ عَملٍ صالحٍ، ويَنتَهي عَنْ كلِّ عَملٍ سَيءٍ، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾[العَنكبوتِ: 45]هَذا في كَفِّها عَنِ السُوءِ والشرِّ، وأمَّا في حَملِها عَلَى البِرِّ والخَيرِ قالَ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العَنكبوتِ: 45]، أي: أكبَرُ مِنَ الانتِهاءِ عَنِ المُنكَرِ في ثِمارِ الصلاةِ وآثارِها، فالصلاةُ تَنهَي عَنِ المُنكرِ والفَحشاءِ، وتَحمِلُ عَلَى الطاعةِ والإحسانِ، وأعظَمُ ذَلِكَ ما في الصلاةِ مِنْ ذِكرِ اللهِ الذي يَحمِلُ عَلَى كلِّ فَضيلَةٍ، ويَقودُ إلى كلِّ خَيرٍ وصَلاحٍ.
بهَذا مِنَ الجَديرِ بالمُؤمنِ أنْ يعتنيَ بهذهِ المَعاني، وأنْ يُكمِلَ ظاهِرَه وباطِنَه، وأنْ يَتحرَّى صَلاحَ قَلبِه، فإنَّ صلاحَ القلبِ مِفتاحُ صَلاحِ العَملِ، قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ فيما رَواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ مِنْ حَديثِ النُّعمانِ بنِ البشيرِ: «الحَلالُ بَيِّنٌ والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَينَهُما أمورٌ مُشْتَبِهاتٌ، فمَنِ اتَّقَى الشُّبهاتِ فقَدِ استَبرأَ لدينِه وعِرضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبهاتِ وَقعَ في الحَرامِ، كالراعي يَرعَى حَولَ الحِمَى» –أي: حَولَ ما مُنِعَ مِنَ الدخولِ فيهِ، فالحِمَى: هُوَ الشيءُ المَحميُّ الممنوعُ مِنَ الوصولِ إلَيهِ- «يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألَا وإنَّ لكلِّ مالِكٍ حِمًى، ألَا وإنَّ حِمَى اللهِ محارِمُه» صَحيحُ مسلمٍ (1599) أي: ما حرَّمَه ـ جلَّ في عُلاه ـ ومَنعَه، فمَنْ وَقعَ في الشُّبهاتِ وَقعَ في الحَرامِ.
ثُمَّ قالَ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ ـ في بيانِ أثرِ التزامِ الحلالِ، والتزامِ الحرامِ بتحليلِ الحلالِ، وتَحريمِ الحرامِ، وتَوقِّي الشبُهاتِ؛ قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «ألَا وإنَّ في الجَسدِ مُضغةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسدَتْ فَسدَ الجَسدُ كلُّه، ألَا وهِيَ القلْبُ»صحيحُ البُخاريِّ (52)، وصحيحُ مسلمٍ (1599).
فلنَجتَهِدْ أيُّها الإخوةُ في العِنايةِ بقلوبِنا إصلاحًا وذَكاءً؛ فإنَّ السيرَ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- لا يُقطَعُ بسَيرِ الأقدامِ؛ وإنَّما يُقطَعُ بسَيرِ القلوبِ، قطْعُ المَسافةِ بالقلوبِ إلَيكَ لا بالسَّيرِ فَوقَ مَقاعدِ الرُكبانِ، فيَنبغي للمؤمنِ أنْ يَجتهِدَ في إصلاحِ قَلبِه بكُلِّ ما يُصلِحُه، والإنسانُ أخبَرُ بما يُصلِحُ قَلبَه، وبما يَجِدُه حاضِرًا فيهِ مِنْ صَلاةٍ، أو صَدقةٍ، أو ذِكرٍ، أو تِلاوةِ قرآنٍ، أو صِلةِ أرحامٍ، أو إغاثةِ مَلهوفٍ، أو إطعامِ مِسكينٍ، أو سَعيٍ عَلَى أرمَلةٍ، أو بِرِّ والِدٍ.
وهَذا فيما زادَ عَنِ الواجِباتِ، وأمَّا الواجباتُ فيَجِبُ عَلَى المُؤمنِ أنْ يأتيَ بها عَلَى الوجْهِ الذي أُمِرَ بِهِ، ثُمَّ في النوافلِ يتخيَّرُ مِنْها ما يُصلِحُ قَلبَه، قالَ ـ جلَّ وعَلا: ـ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[البقرَةِ: 3]، وبهَذا يَصلُحُ ما بَينَ الإنسانِ وبَينَ الناسِ.
والنفقَةُ هُنا تَشمَلُ كلَّ ما أوجَبَه اللهُ ـ تَعالَى ـ مِنَ النَّفقاتِ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في الزكاةِ التي فَرضَها اللهُ ـ تَعالَى ـ في المالِ:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾[التوبةِ: 103]، أو كانَ ذَلِكَ في النفقةِ عَلَى الأولادِ: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ﴾[البقرةِ: 233]، وقالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ في النفقةِ أيضًا: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ﴾[الطلاقِ: 7].
فكلُّ هَذا يَدخُلُ في قَولِ اللهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[البقرَةِ: 3]، فأوَّلُ ذَلِكَ النفقاتِ الواجِبةِ، ثُمَّ بَعدَ ذلِكَ، النفقاتُ المُستحبَّةُ التي يَتقرَّبُ بِها العَبدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
هذهِ خِصالُ أهلِ الإيمانِ، عِندَما تَسمَعها فتِّشْ عَنْها في نَفسِك، هَلْ أنتَ مِنَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قلوبُهم؟ هَلْ أنتَ مِنَ الذينَ إذا تُليَتْ عَلَيهم آياتُه زادَتْهُم إيمانًا؟ هَلْ أنتَ مِنَ الذينَ عَلَى رَبِّهم يَتوَكَّلونَ؟ هَلْ أنتَ ممَّنْ يُقيمونَ الصلاةَ؟ وانظُرْ إلى التعبيرِ القُرآنيِّ، لم يقُلْ: يَفعلونَ، ولم يَقُلْ: يُصَلُّونَ؛ بَلْ يُقيمونَ الصلاةَ.
وإقامَةُ الصلاةِ تَقتَضي الإتيانُ بِها قائمةً عَلَى الوَجْهِ الذي يَرضَى اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ عَنكَ، قائمةً في شُروطِها وواجِباتها ومُستحبَّاتِها، في خُشوعِها وحضورِ القلبِ فيها، هَذا الذي يَرضَى اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ عَنِ العَبدِ.
ثُمَّ أيضًا يَنظُرُ هَلْ هُوَ ممَّنْ يُنفِقُ مما أتاهُ اللهُ تَعالَى؟ هَلْ هُوَ يُنفِقُ مما رَزقَه اللهُ جَلَّ وعَلا؟ كُلُّ هذهِ أسئِلةٌ يَنبغي أنْ نَستعمِلَها في كلِّ الصِّفاتِ الممدوحَةِ التي أثنَى اللهُ تَعالَى بِها عَلَى أهلِها؛ حتَّي تَرَى مَدَى فَوزِكَ بهذهِ الصفاتِ، وتَحقيقِك لخِصالِ الإيمانِ.
كذَلِكَ في مقامِ الصِّفاتِ المَذمومةِ فتِّشْ عَنْها في نَفسِك، وانظُرْ هلْ أنتَ سالمٌ مِنْها أو لا؟ فإنَّ السلامةَ مِنْها سَلامةٌ لدينِكَ، وهِيَ السلامةُ لدُنياكَ، وإذا سَلِمَ دينُكَ ودُنياكَ سَلِمَتْ آخِرتُكَ، فإنَّ سلامةَ الآخرةِ فَرعٌ عَنْ سَلامةِ الدنيا مِنَ المَعاصي والسيئاتِ، وبِهِ يَتحقَّقُ للإنسانِ الفوزُ.
لهَذا حَرِيٌّ بِنا عِندَما نَستمِعُ إلى هذهِ الآياتِ، كُلُّنا استَمعَ إلى هذهِ الآياتِ في صَلاتِنا، كَثيرٌ مِنا يَسمعُ القرآنَ في مَواضعَ عَديدةٍ، في الصلاةِ وفي غَيرِها؛ ولكِنْ قليلٌ مِنَّا مَنْ يَقِفُ عِندَ هذهِ الآياتِ، ويتَدبَّرُ ما فيها مِنَ المَعاني، ويَنظُرُ ما فيها مِنَ العِبَرِ، ويَعرِضُ نَفسَه عَلَى كِتابِ اللهِ، فإنَّ كِتابَ اللهِ شِفاءٌ لِما في الصدورِ، وصلاحٌ للدُّنيا والآخرةِ، يَهدي للتي هِيَ أقوَمُ، ولا يَكونُ ذَلِكَ إلا بعَرْضِ النفْسِ عَلَيهِ، فاعرِضْ نفسَك عَلَى كِتابِ اللهِ؛ لتَرَى صِدقَ إيمانِكَ وتَرَى مَنزِلتَكَ، فأنتَ مِنَ الصلاةِ والخَيرِ والفَوزِ بالآخرةِ عَلَى قَدْرِ ما تَحقَّقُ مِنْ خِصالِ الإيمانِ وصِفاتِه.
أسألُ اللهَ أنْ يَسلُكَ بي وبِكُم سَبيلَ الرشادِ، وأنْ يَجعلَنا ممَّنْ صَدقَ في إيمانِه، وصَلحَ ظاهِرُه وباطِنُه، اللهُمَّ ألهِمْنا رُشدَنا، وقِنا شَرَّ أنفُسِنا، خُذْ بنَواصينا إلى ما تُحِبُّ وتَرضَى، واصرِفْ عَنَّا السوءَ والفحشاءَ يا رَبَّ العالَمينَ.