الحمد لله حمدًا كثيرًا طبيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حقَّ حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيُّه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بالهُدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه، وسراجًا منيرًا، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وتركها على محجَّة بيضاء، سبيلٍ بيِّنٍ واضح لا لبس فيه، ولا غبش، لا التواء فيه، ولا عسرٍ، ولا مشقَّة، فمن استمسك به هُدي، ومن أعرض عنه تخطَّفته أسباب الرًّدى، فصلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد استمعنا في قراءة إمامنا لصلاة المغرب قول الله جلَّ وعلا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:28]،ثم قال جلَّ في علاه: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28].
هذه الآية الكريمة التي ذكر الله تعالى فيها وصف من أناب: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:28].
﴿تَطْمَئِنُّ﴾: أي تسكن وتنشرح، وتنقشع عنها المخاوف، وتزول عنها الأكدار، وتنجو من الأقذار، وتطيب، وتلتذ، وتبتهج؛ كل هذا نصيب قلوب أولياء الله المؤمنين به، فعلى قدر ما يحقق العبد من خصال الإنابة وأوصاف الإيمان يتحقق له من هذا الخبر الإلهي ما تسعد به نفسه، وتسكن به مخاوفه، وينقشع عنه كل ما يؤلمه، فإن أصل السعادة ومبدأها هو صلاح القلب وسعادته، واستقامته وطمأنينته.
فإذا اطمأن القلب سعد الإنسان، واطمأن قلبه، وابتهجت سريرته، وانطلق في مسيرته إلى ربه جل في علاه، سعد في الدنيا وفي الآخرة؛ ولذلك بعد أن ذكر الله تعالى هذه الصفات: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:28]عاد إلى تقرير أثر الذِّكر في القلوب، فقال: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28].
﴿أَلا﴾: كلمة تنبيه وحث، واستدعاء للاستماع والتنبه، ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:28]أي: بسبب ذكره جل في علاه ﴿تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28].
فالباء هنا للسببيِّة، والاطمئنان هنا هو كل ما يَنعم به القلب من المعاني، فالقلب المتنعِّم بذكر الله يدرك من السعادات والانشراح ما لا يدركه قلب آخر تنعَّم بِنعم الدنيا، وألوان مُتَعِها.
الناس في المتاع واللذة تنصب اهتماماتهم في غالب حالهم إلى مُتع الدنيا المتعلقة بمتعة البدن في المأكل والمشرب، والملبس والمنكح، والمسكن، وما إلى ذلك من المتع الحسِّية؛ لكنهم يغفلون عن أن كل ذلك مهما كان نصيب الإنسان منه لا يغني عن نعيمٍ لا يدرك إلا بذكر الله وطاعته؛ ألا وهو طمأنينة القلب وانشراحه وسعادته.
ولذلك على كثرة ما فُتح على الناس في هذا الزمان المتأخر من أسباب الراحة، وصروف الطمأنينة، وأنواع السَّكن، وألوان الاختراعات التي يسَّرت العسير، وقربت البعيد، ونالوا به شيئًا كبيرًا، ونصيبًا عظيمًا من المتع الجسدية؛ إلا أن أعلى نصيب للأمراض والشكاية من بني آدم على اختلاف جنسياتهم وبلدانهم وأماكنهم هو القلق، هو الخوف، هو عدم الطمأنينة، هو البحث عن أسباب السعادة.
وهؤلاء كلهم ينشدون معنىً واحدًا؛ لكنهم يطرقون أبوابًا مختلفة لإدراكه، فكلهم ينشدون السعادة في الدنيا، ويطرقون لها أبوابًا مختلفة، فمنهم من يطرق باب السعادة من شهوة الفرج، ومنهم من شهوة البطن، ومنهم من متع السماع والنظر، ومنهم من متع الملابس، ومنهم من متع الجاه والمناصب، ومنهم مَن يطلب السعادة بالولد، ومنهم ومنهم....، تنوعت الطرق واختلفت السُّبُل؛ لكن الجميع لن يدرك ذلك إلا إذا سلك الطريق الذي بيَّنه الله للوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
إن الطريق الذي يوصل إلى السعادة هو ذكر الله جل في علاه، هو الإيمان به، وذكر الله ليس همهمة لسانٍ، وتمتمة كلماتٍ، يتجرد عنها القلب، ويغيب أثرها عنه؛ بل إنه ذكر اللسان، وذكر القلب، وذكر الجوارح.
﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]يشمل ذكر اللسان بتسبيح الله، وتحميده، وتمجيده، وتقديسه، والثناء عليه، وتلاوة كلامه، ومناجاته، ودعائه، ويشمل أيضًا استقامة الجوارح على طاعة الله من القيام بما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45]،ثم يقول:﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45].
أعظم ما في الصلاة من المنافع هو ما فيها من ذكر الله جل في علاه، ذاك أعظم من اشتغال اللسان بالذكر، ذاك أعظم من مجرد كفِّ النفس عن الهوى؛ بل إن ذكر الله يحمله على كل فضيلة؛ ولذلك قال: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾[العنكبوت:45]،أكبر من كل المنافع؛ لأنه إذا امتلأ قلب العبد ذكرًا لله محبةً له وتعظيمًا لابد أن تنقاد جوارحه طاعةً لله فيما أمر، وتنقاد جوارحه لله عز وجل انزجارًا وكفًّا عما نهى عنه وزجر؛ ولهذا حريٌّ بنا وجديرٌ بنا أيها الإخوة أن نتفحص أثر الذكر في قلوبنا.
نحن نصلِّي ومن نعمة الله أن فتح لنا هذا الباب؛ باب مناجاته في اليوم خمس مرَّات، تفقد نفسك في صلواتك، فإنها ذكر الله عز وجل، تفقد نفسك في سائر ما أمرك الله تعالى به من الأعمال الظاهرة والباطنة.
ابحث عن أثر ذلك في قلبك، فإنه إذا كان لها أثرٌ في قلبك فأبشر؛ فإنك قد أتيت بالمقصود، فإن مقاصد الطاعات على اختلاف ألوانها، وتنوع صنوفها، واختلاف صورها؛ الجميع قصده وغايته هو طمأنينة القلب وسكنه، هو أن ينشرح صدرك، ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلام ﴾[الأنعام:125].
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾[الشرح:1]، فشرح الصدر ليس بكثرةِ مالٍ، ولا عَرَضْ، ولا بكثرة صنوف المتع والملذات؛ شَرْحُ الصدر مبدأه أن يكون القلب محبًا لله، معظمًا له، ليس في القلب سوى التعلِّق به جل في علاه.
فإذا تحقق لك ذلك فإنك فزت، صلاتك، زكاتك، صومك، حجك، برُّك لوالديك، إحسانك إلى الخلق، كل أنواع الطاعات الواجبة والمستحبَّة غرضها وغايتها هو أن يكون قلبك مطمئنًا بذكر الله؛ ولهذا قس نصيبك من كل عبادة بقدر ما تُحصِّل من السكن والطمأنينة.
فإذا وجدت للصلاة أثرًا في قلبك فافرح؛ فإنك قد أدركت المقصود، إذا وجدت للزكاة أثر في قلبك فافرح؛ فإنك قد أدركت مقصود العبادة.
عندما تدرك أثر الصوم في سلوكك وعملك وانشراح قلبك أدركت مقصود الصوم، هكذا الحج، هكذا برُّ الولدين، هكذا الإحسان إلى الخلق، كل ذلك غايته وغرضه وقصده هو طمأنينة القلب وانشراحه.
يقول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر﴾[العنكبوت:45]،ويقول في الصدقة: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[التوبة:103].،ويقول في الصوم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183].
ويقول في الحج: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197]،ثم يقول: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾[البقرة:197]، وفي آخر آيات الحجِّ يعود للتذكير بمقصود الحجِّ، فيقول: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾[البقرة:203]..
فالتقوى هي المقصود من كل عبادة؛ لذلك فتِّش عن أثرها، والتقوى هي ثمرة محبِّة الله، هي نتاج تعظيم الله عز وجل في قلب المؤمن، قلب العبد، فالقلب المحقِّق لمقاصد العبادات لابد أن ينشرح صدره، ويطمئن فؤاده، وتسكن نفسه بذكر الله عز وجل، فالذكر ليس فقط كما يتصور كثير من الناس سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذا من الذكر؛ لكن هذا ذكر اللسان.
هذا الذكر الذي في اللسان لابد أن ينعكس أثره على القلب والجنان، كذلك من ذكر الله طاعتك في صلاتك، قيامك بالواجبات؛ هذا من ذكر الله؛ لأنك لا تصلِّى إلا ذاكرًا لله، تطلب ما عنده.
عندما تخرج من مالك زكاةً أنت تذكر الله، فتخرج المال؛ لأنك تذكره، تذكر ما أعدَّه للطائعين، وما أعده للعاصين، لما تصوم وتحفظ الله في السر ما الذي يمنعك من أن تشرب في الخلوات؟ ذكرك لله.
فالمقصود من الصوم ذكر الله، الحج أول ما تدخل تقول: لبيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، تتجرد من ثيابك طاعةً لله، تلزم محظورات الإحرام باجتنابها، والكفّ عنها ذكرًا لله وحقِّه.
فكل العبادات هي مما يتصل بهذا الغرض، ولأجله شُرِعت، وهو أن يقوم في القلب ذكر الرَّبِّ جل في علاه، وعلى قدر نصيبك من هذا تفوز بالأجور، وتفوز بالحياة السعيدة.
يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت».
الحياة هنا ليست حياة بدن؛ إنما هذا مثال يقرب الفرق؛ الآن لو أن شخصًا بجواري هنا مُسَجَّى في ثوبه قد مات، ونظرت إليه وإلى آخر حيّ بجواره، ألا تجد بينهما فرقًا؟ بينهما من الفروق ما لا يُحصى.
الفرق بين القلب الذَّاكر والقلب الغافل كالفرق بين المُسَجَّى الميت الذي لا حراك له، ولا نفع منه؛ بل هو عبء يسارع الناس لدفنه إكرامًا له، وإنهاءً لِعُلَقِه بالحياة، وبين ذاك الذي أينما توجه يأت بخير إذا كانت حياته تامة كاملة.
إذًا يا إخواني الذِّكر له تأثير بالغ على القلب، إنه حياة القلب، إنه نعيم القلب، إنه سعادة القلب، إنه طمأنينة القلب؛ لكن ينبغي أن نفهم الذكر بمفهومه الواسع حتى لا يقول قائل: والله إني قرأت القرآن ولا وجدت بقلبي رقَّة، يا أخي، أنت قرأت القرآن ينبغي أن تقرأ القرآن وتأتي ببقية الأعمال، ولتكن قراءتك حياة لقلبك.
ابن مسعود يقول: "لا تنثروه نثر الدَّقل، ولا تهذُّوه هذَّ الشِّعر، قفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب".
كل العبادات إذا وجدت أثرها ناقصًا على قلبك فتش فيها تجد أن فيها خللًا، فيها نقصًا، فيها إشكالًا يحتاج إلى معالجة.
إذا عالجت هذا الإشكال أبشر فسيستقيم حالك، وتستقيم طاعتك، وتستقيم عبادتك.﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]، هذا هو المعنى الأول للآية، وهو أن ذكر الله هنا هو ذكره باللسان، ذكره بالقول، ذكره بالعمل، ذكره بالقلب، وبذلك يتحقق للمؤمن تمام الذكر: ذكر اللسان، وذكر القلب، وذكر الجوارح.
القول الثاني في قوله: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]أنه القرآن العظيم، ألا بالقرآن العظيم، فالقرآن هو ذكر الله تعالى، يقول الله جل في علاه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾[الحجر:9].
ما هو الذِّكر؟القرآن، قال الله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾[ص:1].أي: صاحب الذكر، قال الله جل وعلا:﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف:44]أي: هذا الكتاب ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾[الزخرف:44].،فالقرآن هو ذكر الله جل وعلا.
فقوله: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28].أي: بذكره، بكتابه الحكيم، وما فيه من الآيات والبراهين، ما فيه من الدلالات والهدايات تطمئن القلوب؛ لأن القلوب إنما تطمئن إذا أنار الله تعالى لها الحق، إذا بيَّن لها الهُدى، ولا يمكن أن يصيب الإنسان الهُدى بمثل إقباله على القرآن.
الله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء:9]،هداية القرآن ليست في نوع من الأعمال؛ بل في كل الأعمال، وهو مِن أخص أوصاف القرآن.
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[البقرة:1-2]أول وصف ذكره بعد أنه يقين لا ريب فيه، ما فيك شك، ولا فيه التباس، ولا اشتباه؛ بل هو حقٌّ ويقين، أول أوصافه:﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾[البقرة:2].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58:57]. فَحَرِيٌّ بالمؤمن أن يحرص ويجتهد غاية جهده في الاستهداء بالقرآن، طلب الهدايات من القرآن.
كلما انغلق عليك أمر، اشتبه عليك حال، لن تعرف الهُدى في شأنٍ من شئون دنياك أو أُخراك؛ فاطلب هدايته من القرآن؛ فإن الله تكفَّل بما صدق في طلب الهداية وسلك الطريق الموصل إليها شرطان:الصِّدق في الطلب، وسلوك السبيل، الموصل إلى الهداية لابد أن يُوَفَّقْ، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت:69]، جمعوا أمرين: جهاد، وهو بذل الوسع؛ لكن أيضًا جهاد ليس عاريًا من سلامة المقصد؛ بل فيه كمال حسن القصد، فقال:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾[العنكبوت:69].
﴿فِينَا﴾أي: لنا، لأجلنا، في هنا بمعنى: لأجل،كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرَّة»، أي: لأجل هرَّة، بسبب هرَّة.
فقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾[العنكبوت:69]أي: لأجلنا، طلبوا ما عندنا، ولم يطلبوا سوانا، ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت:69]، لابد أن يهديك الله؛ ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله في كلمة عظيمة:"كل مَن طلب الهُدى من القرآن هُدِي".
فإن رُمْتَ الهُدى فاطلبه في آيات القران، فتدبَّر القرآن إن رُمت الهُدى-أي: إن طلبته ورغبت فيه- فكل الهدايات في هذا الكتاب المبين.
نسأل الله أن يشرح صدورنا بكتابه، وأن ينير بصائرنا، ليرينا الحق حقًّا، ويرزقنا اتِّباعه، أن يجعلنا ممن تطمئن قلوبهم بذكره، وتتنعَّم بعبادته، وأن يجعلنا من أسعد عباده به في الدنيا والآخرة، وأن يسلك بنا سبيل الرَّشاد، وأن يجمعنا بسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وأن يبلِّغنا مرافقته في الجنَّة، اللهم آمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد.